*هل أن الواقع السياسي التونسي محتم عليه أن يبقى مراوحاً بين التوافقات المغشوشة والشعارات الموهومة أم أنه بات من الضروري التفكير في تصور ينبني على البراغماتية الوطنية؟
تونس – الصباح
صدر مؤخراً قانون المالية لسنة 2023 والذي بمجرد نشره في الرائد الرسمي التونسي يوم الجمعة 23 ديسمبر 2022 أثار ردود فعل عدة جهات ومنظمات وشخصيات وطنية وأحزاب سياسية وصحفيين، حيث تعودت حياة الإدارة السياسية في تونس أن تقدم الحكومة مشروع المالية من أكتوبر كل سنة إلى البرلمان ليعرض على لجانه المختصة ويُتداول في شأنه سياسياً وإعلامياً.
قانون المالية الحالي تعرض إلى جملة من الانتقادات ولم يجد الحزام الداعم للدفاع عنه، وُصِف بأنه قانون "المجبى" أو "المحلة" في الوقت الذي تعيش فيه تونس ظروفا اقتصادية صعبة يرزح فيها المواطن التونسي تحت نسبة تضخم جنونية وانهيار المقدرة الشرائية وارتفاع الأسعار وفقدان المواد الأساسية من الأسواق. حيث تختلف الآراء حول سبب هذا الفقدان بين وجهة نظر السلطة التي تقول أن المشكل الأساسي يكمن في مسالك التوزيع والمحتكرين وبين الرأي المخالف للمعارضة التي ذهبت إلى أن تعامل السلطة مع الاحتكار عبر حملات المداهمات غير المدروسة التي شهدتها تونس سنة 2021 كان سبباً في تخوف الموزعين والتجار الذين خيروا التوقف عن نشاطاتهم بسبب الخطايا والقضايا والتناول التشهيري لبعض وسائل الإعلام.
وفي سياق ما سمي بـ"الإصلاحات الضرورية الموجعة" التي يفرضها صندوق النقد الدولي على تونس من أجل منحها القرض المنتظر، يبدو أن قانون المالية جاء محملاً بحزمة من الإجراءات الضريبية لتعبئة الموارد المالية التونسية لتغطية نفقات الدولة والعجز. وهو ما جعل عدة جهات ومنظمات تسارع بإعلان مواقف رفضها له إعلامياً من بينها الإتحاد العام التونسي للشغل الذي انتقد أمينه العام الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد ورفض قانون المالية. كما عبر عميد المحاميين الحالي حاتم مزيو عن موقفه الرافض للزيادة في الأداءات التي كانت في حدود 13 ٪ وأصبحت بمقتضى نص القانون الحالي 19% حيث أكد أنه في صورة عدم التجاوب الحكومي مع مطالبهم من الممكن اللجوء لما سماه بـ"العصيان الجبائي".
وفي ظل ما تعيشه تونس من وضع اقتصادي متدهور وسياسي غير مستقر يبدو أن جميع الأطراف والجهات السياسية والحزبية قد وجدت اليوم الارضية الخصبة والملائمة لتصعيد من حدة الخطاب السياسي تجاه رئيس الدولة قيس سعيد، خاصة بعد نتائج الدور الأول من الانتخابات التشريعية التي جرت في 17 ديسمبر الفارط والتي شهدت عزوف شعبي كبير لم تصل نسبة التصويت فيها إلى 8%، حيث يجرى الحديث اليوم بشكل علني إعلامي عن المطالبة بحوار وطني كحل لتوافق جميع الأطراف والذي يُمكن البلاد من استقرار سياسي واقتصادي نسبي في هكذا ظرفية وطنية ودولية متأزمة.
من جهتها تحدثت أطراف معارضة أخرى إعلامياً عن مرحلة إنتقالية وإعادة إجراء انتخابات تشريعية جديدة ورئاسية سابقة لأوانها تشارك فيها كل الجهات والأحزاب السياسية.
يبدو أن الوضع الاقتصادي الوطني لم يعد مرتبطاً بما هو اقتصادي وتجاري ومالي فقط بل تقاطعت اليوم في مفترقه كل الحسابات السياسية حيث تلتقي في هذا المفترق كل المستجدات والأحداث المتسارعة من جدلية نتائج انتخابات 17 ديسمبر 2022 ونتائجها وأي مشروعية لها؟ وتأجيل النظر في ملف تونس من قبل صندوق النقد الدولي الذي كان مبرمجاً يوم 19 من الشهر الحالي والذي تأجل لأسباب غير معلومة الى حد اللحظة، بالإضافة إلى ما جاء به قانون المالية الجديد الذي سينعكس على المواطن وهو بدوره سيمثل الجانب الاجتماعي من المعادلة و"التربصات" السياسية التي تراوح في كليتها بين من يريد إيجاد تموقع جديد بآليات وشروط جديدة ومن يدافع عن" المكتسب السياسي" للعشرية الفارطة.
بين يوم 24 ويوم 25 جويلية 2021 يتواصل التربص السياسي وتحتدم معركة كسر العظام التي يبدو أنها لن تطول ولن تدوم أكثر، خاصة بعد تصعيد الخطاب من جميع الأطراف ووضوح المواقف لما جاء في الإعلام على الأقل، يبقى واقع المواطن التونسي المعيشي ينتظر الخروج من مرارة ومشقة متطلبات الحياة اليومية، باحثاً عن وضعية اجتماعية واقتصادية وصحية مستقرة وحياة كريمة تحفظ حقه الإنساني.
كما نتساءل هل أن الواقع السياسي التونسي محتم عليه أن يبقى مراوحاً بين التوافقات المغشوشة والشعارات الموهومة أم أنه بات من الضروري اليوم التفكير في تصور سياسي استراتيجي ينبني على البراغماتية الوطنية بما يحقق لتونس مكانتها واستقرارها وتقدمها بعيداً عن سياسات التموقع وخطابات التفرقة ومحاولة شطب الأخر التي تتبناها أغلبية الأطراف دون تقديم بديل تغيير عملي للواقع التونسي؟
*باحث وناشط مدني
بقلم:أحمد الجديدي(*)
*هل أن الواقع السياسي التونسي محتم عليه أن يبقى مراوحاً بين التوافقات المغشوشة والشعارات الموهومة أم أنه بات من الضروري التفكير في تصور ينبني على البراغماتية الوطنية؟
تونس – الصباح
صدر مؤخراً قانون المالية لسنة 2023 والذي بمجرد نشره في الرائد الرسمي التونسي يوم الجمعة 23 ديسمبر 2022 أثار ردود فعل عدة جهات ومنظمات وشخصيات وطنية وأحزاب سياسية وصحفيين، حيث تعودت حياة الإدارة السياسية في تونس أن تقدم الحكومة مشروع المالية من أكتوبر كل سنة إلى البرلمان ليعرض على لجانه المختصة ويُتداول في شأنه سياسياً وإعلامياً.
قانون المالية الحالي تعرض إلى جملة من الانتقادات ولم يجد الحزام الداعم للدفاع عنه، وُصِف بأنه قانون "المجبى" أو "المحلة" في الوقت الذي تعيش فيه تونس ظروفا اقتصادية صعبة يرزح فيها المواطن التونسي تحت نسبة تضخم جنونية وانهيار المقدرة الشرائية وارتفاع الأسعار وفقدان المواد الأساسية من الأسواق. حيث تختلف الآراء حول سبب هذا الفقدان بين وجهة نظر السلطة التي تقول أن المشكل الأساسي يكمن في مسالك التوزيع والمحتكرين وبين الرأي المخالف للمعارضة التي ذهبت إلى أن تعامل السلطة مع الاحتكار عبر حملات المداهمات غير المدروسة التي شهدتها تونس سنة 2021 كان سبباً في تخوف الموزعين والتجار الذين خيروا التوقف عن نشاطاتهم بسبب الخطايا والقضايا والتناول التشهيري لبعض وسائل الإعلام.
وفي سياق ما سمي بـ"الإصلاحات الضرورية الموجعة" التي يفرضها صندوق النقد الدولي على تونس من أجل منحها القرض المنتظر، يبدو أن قانون المالية جاء محملاً بحزمة من الإجراءات الضريبية لتعبئة الموارد المالية التونسية لتغطية نفقات الدولة والعجز. وهو ما جعل عدة جهات ومنظمات تسارع بإعلان مواقف رفضها له إعلامياً من بينها الإتحاد العام التونسي للشغل الذي انتقد أمينه العام الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد ورفض قانون المالية. كما عبر عميد المحاميين الحالي حاتم مزيو عن موقفه الرافض للزيادة في الأداءات التي كانت في حدود 13 ٪ وأصبحت بمقتضى نص القانون الحالي 19% حيث أكد أنه في صورة عدم التجاوب الحكومي مع مطالبهم من الممكن اللجوء لما سماه بـ"العصيان الجبائي".
وفي ظل ما تعيشه تونس من وضع اقتصادي متدهور وسياسي غير مستقر يبدو أن جميع الأطراف والجهات السياسية والحزبية قد وجدت اليوم الارضية الخصبة والملائمة لتصعيد من حدة الخطاب السياسي تجاه رئيس الدولة قيس سعيد، خاصة بعد نتائج الدور الأول من الانتخابات التشريعية التي جرت في 17 ديسمبر الفارط والتي شهدت عزوف شعبي كبير لم تصل نسبة التصويت فيها إلى 8%، حيث يجرى الحديث اليوم بشكل علني إعلامي عن المطالبة بحوار وطني كحل لتوافق جميع الأطراف والذي يُمكن البلاد من استقرار سياسي واقتصادي نسبي في هكذا ظرفية وطنية ودولية متأزمة.
من جهتها تحدثت أطراف معارضة أخرى إعلامياً عن مرحلة إنتقالية وإعادة إجراء انتخابات تشريعية جديدة ورئاسية سابقة لأوانها تشارك فيها كل الجهات والأحزاب السياسية.
يبدو أن الوضع الاقتصادي الوطني لم يعد مرتبطاً بما هو اقتصادي وتجاري ومالي فقط بل تقاطعت اليوم في مفترقه كل الحسابات السياسية حيث تلتقي في هذا المفترق كل المستجدات والأحداث المتسارعة من جدلية نتائج انتخابات 17 ديسمبر 2022 ونتائجها وأي مشروعية لها؟ وتأجيل النظر في ملف تونس من قبل صندوق النقد الدولي الذي كان مبرمجاً يوم 19 من الشهر الحالي والذي تأجل لأسباب غير معلومة الى حد اللحظة، بالإضافة إلى ما جاء به قانون المالية الجديد الذي سينعكس على المواطن وهو بدوره سيمثل الجانب الاجتماعي من المعادلة و"التربصات" السياسية التي تراوح في كليتها بين من يريد إيجاد تموقع جديد بآليات وشروط جديدة ومن يدافع عن" المكتسب السياسي" للعشرية الفارطة.
بين يوم 24 ويوم 25 جويلية 2021 يتواصل التربص السياسي وتحتدم معركة كسر العظام التي يبدو أنها لن تطول ولن تدوم أكثر، خاصة بعد تصعيد الخطاب من جميع الأطراف ووضوح المواقف لما جاء في الإعلام على الأقل، يبقى واقع المواطن التونسي المعيشي ينتظر الخروج من مرارة ومشقة متطلبات الحياة اليومية، باحثاً عن وضعية اجتماعية واقتصادية وصحية مستقرة وحياة كريمة تحفظ حقه الإنساني.
كما نتساءل هل أن الواقع السياسي التونسي محتم عليه أن يبقى مراوحاً بين التوافقات المغشوشة والشعارات الموهومة أم أنه بات من الضروري اليوم التفكير في تصور سياسي استراتيجي ينبني على البراغماتية الوطنية بما يحقق لتونس مكانتها واستقرارها وتقدمها بعيداً عن سياسات التموقع وخطابات التفرقة ومحاولة شطب الأخر التي تتبناها أغلبية الأطراف دون تقديم بديل تغيير عملي للواقع التونسي؟