بالتزامن مع الذكرى الـ68 لمعركة برقو أحيت جمعية النهوض بالكنائس ذكرى الشهيد الطيب أحمد العتروس ابن البلدة وأحد شهداء معركة برقو في أجواء مهيبة استعاد معها الحضور المكثف الظروف والملابسات التاريخية التي سبقت واحدة من المعارك التي ستقود نحو تحرير البلاد من الاستعمار وتحقيق الاستقلال.. إحياء هذه الذكرى اكتسى صبغة استثنائية حيث شهد تقديم كتاب "دموع الشمس" محطات من سيرة الشهيد الطيب العتروس ".. وهو العنوان الذي اختاره المؤلف محمد قرميت لباكورة أعماله والتأثيث لمرحلة ما بعد انتهاء مهمة التدريس وهو المربي الذي أحيل منذ فترة على شرف المهنة فاتجه للبحث والكتابة والتأليف عبر رصد الأحداث لتدوين مسيرة أحد أبطال معركة برقو شهيد قرية الكنائس بعد أكثر من ستة عقود على المعركة التاريخية ليرفع الستار على محطة خالدة من محطات هذه المعركة التي تنتظر بالتأكيد مزيد التحقيقات والشهادات لفك ما خفي من أسرارها وقراءة ما تخللها من أحداث منذ انطلاق أول رصاصة أطلقها الفلاقة في مواجهة قوات الاستعمار الفرنسي على أرض برقو التي تعطر ترابها بدماء الشهداء الذين تشهد مقبرة برقو على ملحمتهم وهم الذين جاؤوا من مختلف أنحاء البلاد التونسية واجتمعوا على هدف واحد وهو دحر الاحتلال وكان بين هؤلاء شاب قادم من بلدة الكنائس الواقعة بين القيروان ومساكن.
الكنائس منارة علمية ..
يقول المؤلف في حديثه عن الكنائس أن "تاريخها يعود الى أكثر من 5 آلاف سنة وقد شهدت ميلاد المسيح وعاشت حقبة الحضارة القرطاجية لسبعة قرون كاملة واكبت حروبها وشاركتها جروحها ارتوت من حضارتها وشهدت من قريب فتوحاتها.. استقبلت في الفترة بين 146 ق م الى 439 م العهد الروماني سميت زيتا zeta وهناك من أطلق عليها cynasyn
عرفت الكنائس منذ عهد الحماية كمنارة علم قصدها الطلاب من شمال البلاد وجنوبها ومنذ سنة 1938 أسست بها مدرسة الكنائس فساهمت مع مدرسة الحاج خليفة القرآنية 1916 في بروز أجيال متعاقبة من المتعلمين من أبناء القرية وبناتها", في أجواء الثلاثينات التي عم فيها الفقر والجوع والجفاف وغول الأوبئة ولد الشهيد الطيب احمد العتروس الذي سيترعرع بين أهالي القرية ويتعلم في كتابها ويعمل في حقولها ويسهر في حفلات المدب وحزب سيدي بن عيسى والأشعار الشعبية عرف الفتى الوسيم منذ صغره بالصلابة والإقبال على الحياة ولم تمر مدة طويلة حتى جاء شيخ القرية العمدة يعلمه بأنه ضمن القرعة للعمل في عسكر الباي في ثكنة باردو ومن هنا ستكون المغامرة وستكون البداية والتعرف الى قيادات عسكرية ستؤثث المحطة القادمة والهروب من الثكنة والانضمام لرجال المقاومة الفلاقة ".. هناك في الثكنة عرف ومنذ الأيام الأولى بهروب الرقيب سالم الورغمي أصيل ولاية مدنين الذي ترك البدلة وهرب ببندقيته الى الجبل مع الثوار...
برقو ملتقى الثوار
مع عبد النور ومحمد الصغير زميليه في الغرفة وهما القادمان من الشمال الغربي وهو ابن الساحل سيتجهون الى الجبل يحفزه في ذلك" ذكرى أيام كان يرى فيها مجموعة من الرجال يأتون الى القرية من حين لآخر فيدخلون دار جارهم علي الزراطي ويلتحق بهم أخوه بوراوي بعد أن يأمره بالجلوس على عتبة المنزل يراقب الشارع وعندما سأله عن أمرهم اخبره أنهم مجموعة من الثوار يقاومون المستعمر الفرنسي يومها تمنى ان يدخل معه ليرى أسلحتهم التي كانوا يخفونها "سيقول عنه الرقيب حسين العيادي "هذا أحسن من يصيب الهدف في ثكنة عسكر الباي وقد عرضت عليه المجيء مرة واحدة وكنت واثقا من معدنه ".. أسماء عديدة يستعرضها الكتاب لمقاومين تعاهدوا على تحرير الوطن وبينهم علي بوطبة حسن العيادي حلقة الربط بين الحزب والمقاومة والقائد ساسي لسود أصيل الحامة وبلقاسم البرقاوي وزوجته فاطمة بوبكر التي كانت الطعام للثوار وبلقاسم البوصي والهادي التركي كما لم تغب النساء عن شرف المقاومة ومن ذلك فاطمة المحرزية أصيلة برقو التي سخرت حياتها لخدمة المقاومة وهي العارفة بمنحدرات الجبل وتعرجاته وعيونه و"عندما تدفع الحاجة أحد المجاهدين للنزول لجبل السرج أو جبل كسرى تبعث له أزياء المنطقة حتى يضمن تنقله نهارا بأمان "..."في 25 اكتوبر1954 كانت واقعة الكدية الصفراء شارك فيها 13 مقاوما هاجموا 3 شاحنات وسيارة خفيفة تابعة للمخابرات العسكرية على الطريق الرابطة بين الفحص وسليانة وافتكوا أسلحتهم وذخيرتهم ..
على مدى 288 صفحة من الحجم المتوسط يقودنا المؤلف في رحلة طويلة تبدأ "بالكنائس عبق الماضي" و"حضور في التاريخ" الى مختلف مراحل سيرة الشهيد من الولادة الى الصبا الى التحدي وقرعة التجنيد الى الثكنة ومنها الى بداية التمرد والتفكير في الالتحاق بالثورة الى الالتحاق بالثورة ورجالها والعبور على طريق الجبل بكل ما تخلل ذلك من أحداث في الساحة الوطنية من اغتيال الزعيم حشاد ولاحقا اغتيال الزعيم الهادي شاكر الى اقتحام قرية المعمرين الى الكمين رحلة عبر الزمن تنتهي بمعركة الربع ساعة الأخير وبلوغ لحظة الشهادة بعد أن نفذت الذخيرة لدى المقاومين الذين اثروا مواصلة المعركة بقوة وثبات ورسموا بذلك خطوة في مسار استقلال البلاد "في عشية نفس اليوم اتصلت السلطات الحزبية بأخيه بوراوي تعلمه باستشهاد أخيه الطيب على قمة جبل برقو مع أصحابه بعد أن كبدوا العدو اكبر الخسائر ولكن نفاد الذخيرة جعلهم يموتون وهم واقفون "... "دموع الشمس محطات من سيرة الشهيد الطيب العتروس "رحلة شيقة يتداخل فيها الماضي بالحاضر والحقيقة بالخيال من أول محطة دموع الشمس رحلة عابرة للتاريخ والجغرافيا يأخذ القارئ للسباحة بين أمواج الماضي والحاضر ليكشف في كل محطة من محطات الرحلة عن الخصوصيات الاجتماعية والثقافية والتقاليد المشتركة لقرية فلاحية عرفت بالقمح والزيتون والفلفل والقرع ولكنها وهنا الأهم كانت محطة علمية يفد إليها الباحثون عن المعرفة من أقصى الجنوب الى أقصى الشمال وقد بدا المؤلف حريصا على استعراض تاريخ هذه البلدة العريق منذ نشأتها قبل أربعة آلاف سنة وصولا الى ثلاثينات القرن الماضي التي ستشهد ولادة شهيد الكنايس وصولا الى معركة الحرية للبلاد التونسية.
الحضور الكثيف للأجيال التي تعلمت على يد المربي محمد قرميت من المحارزة الى الزنايدية والكامور الى جانب أهالي الكنائس وعائلة الشهيد تم تقديم هذا الكتاب الذي يمكن اعتباره وثيقة تاريخية مهمة جمعت بأسلوب مشوق بين الجانب الانثروبولوجي والاجتماعي والتاريخي والأدبي والتوثيقي حرص من خلاله صاحبه محمد قرميت على أن يكون وقفة وفاء في استحضار مكانة الشهيد والاعتراف له بالجميل على تضحياته وتضحيات رفاقه ...
الأكيد أن معركة جبل برقو التي حدثت من 8 إلى 13 نوفمبر 1954 والتي كانت بإيعاز من الحزب الحر الدستوري الجديد.. حيث أن بعض عناصر الحزب راهنت وقتها على الفلاقة كقوة ضاغطة لدفع مجرى المفاوضات مع فرنسا للحصول على الاستقلال الداخلي تنتظر نفض الغبار عن الكثير من صفحاتها المشرفة التي تحتاج للتعريف بأبطالها لحفظ الذاكرة الوطنية وتعزيزها بالحقائق المغيبة لدى الأجيال المتعاقبة تأكيدا على أن الاستقلال لم يكن بالأمر الهين أو من دون ألام أو تضحيات جسام والأكيد انه كما الشهيد الطيب العتروس فان بقية شهداء معركة برقو الـ18 وغيرهم من شهداء معركة التحرير يستحقون بعد عقود طويلة وقفة وفاء ونظرة تأمل من جانب المؤرخين والمؤلفين والباحثين للخروج من دائرة النسيان وتدوين مسيرتهم التاريخية النضالية وتخليد ذكراهم على مر الأجيال, ولاشك أن معركة جبل برقو كشفت بعض أسرارها ولكن ليس كل أسرارها وما هو معلوم أنه تكونت قبل هذه المعركة وحسب المؤرخ عميرة علية الصغير لجنة سرية للمقاومة هدفها جمع الأسلحة وذلك في مارس 1952 وكان يشرف عليها عبد القادر زروق أحد أعضاء الجامعة الدستورية بالكاف. وتعد هذه اللجنة نتاج اقتراح تقدم به الطيب بن غرسة رئيس الشعبة الدستورية ببرقو للمنجي سليم حول تكوين نواة للمقاومة ببرقو وقد أبدى الزعيم المنجي سليم موافقته. وبادر عبد القادر زروق بالتعاون مع عبد الله الشاوش بجلب 20 قطعة سلاح من منجم ونزة إلى برقو. ولم تنتظم المقاومة الفعلية إلا في مارس 1953 أي بعد انعقاد اجتماع بسيدي حمادة. وبداية من جوان 1953 تجلت مظاهر المقاومة في عديد المواقع وتفجير الجسور واقتحام قرى عدد من المعمرين للاستيلاء على الأسلحة ومن بينهم كريوس وقرنيز وموصاك وهم من المعمرين الذين دعموا اليد الحمراء في المدن. وكرد فعل على ذلك تكونت ببرقو أواخر 1953 اليد السوداء التي ضمت عناصر من الشبيبة الدستورية.. وتتالت عديد المعارك الجبلية خلال الفترة الفاصلة بين ماي وأكتوبر 1954 وناهز عددها 18 على غرار معركة جبل عرباطة ومعركة جبل بوهدمة ومعركة جبل اشكل ومعركة جبل هداج ومعركة جبل المالوسي ودفع ذلك الحماية إلى رفع قرار حل الحزب الحر الدستوري الجديد في 30 سبتمبر 1954..."دموع الشمس محطات من سيرة الشهيد الطيب العتروس" خطوة مهمة باتجاه العودة للنبش في الذاكرة الوطنية واحياء تضحيات جيل عانق الشهادة لاجل الوطن وقد استحق كل الوفاء.. فهل يكون حلقة أولى في سلسلة تخليد بقية شهداء برقو الـ18؟
آسيا العتروس
تونس-الصباح
بالتزامن مع الذكرى الـ68 لمعركة برقو أحيت جمعية النهوض بالكنائس ذكرى الشهيد الطيب أحمد العتروس ابن البلدة وأحد شهداء معركة برقو في أجواء مهيبة استعاد معها الحضور المكثف الظروف والملابسات التاريخية التي سبقت واحدة من المعارك التي ستقود نحو تحرير البلاد من الاستعمار وتحقيق الاستقلال.. إحياء هذه الذكرى اكتسى صبغة استثنائية حيث شهد تقديم كتاب "دموع الشمس" محطات من سيرة الشهيد الطيب العتروس ".. وهو العنوان الذي اختاره المؤلف محمد قرميت لباكورة أعماله والتأثيث لمرحلة ما بعد انتهاء مهمة التدريس وهو المربي الذي أحيل منذ فترة على شرف المهنة فاتجه للبحث والكتابة والتأليف عبر رصد الأحداث لتدوين مسيرة أحد أبطال معركة برقو شهيد قرية الكنائس بعد أكثر من ستة عقود على المعركة التاريخية ليرفع الستار على محطة خالدة من محطات هذه المعركة التي تنتظر بالتأكيد مزيد التحقيقات والشهادات لفك ما خفي من أسرارها وقراءة ما تخللها من أحداث منذ انطلاق أول رصاصة أطلقها الفلاقة في مواجهة قوات الاستعمار الفرنسي على أرض برقو التي تعطر ترابها بدماء الشهداء الذين تشهد مقبرة برقو على ملحمتهم وهم الذين جاؤوا من مختلف أنحاء البلاد التونسية واجتمعوا على هدف واحد وهو دحر الاحتلال وكان بين هؤلاء شاب قادم من بلدة الكنائس الواقعة بين القيروان ومساكن.
الكنائس منارة علمية ..
يقول المؤلف في حديثه عن الكنائس أن "تاريخها يعود الى أكثر من 5 آلاف سنة وقد شهدت ميلاد المسيح وعاشت حقبة الحضارة القرطاجية لسبعة قرون كاملة واكبت حروبها وشاركتها جروحها ارتوت من حضارتها وشهدت من قريب فتوحاتها.. استقبلت في الفترة بين 146 ق م الى 439 م العهد الروماني سميت زيتا zeta وهناك من أطلق عليها cynasyn
عرفت الكنائس منذ عهد الحماية كمنارة علم قصدها الطلاب من شمال البلاد وجنوبها ومنذ سنة 1938 أسست بها مدرسة الكنائس فساهمت مع مدرسة الحاج خليفة القرآنية 1916 في بروز أجيال متعاقبة من المتعلمين من أبناء القرية وبناتها", في أجواء الثلاثينات التي عم فيها الفقر والجوع والجفاف وغول الأوبئة ولد الشهيد الطيب احمد العتروس الذي سيترعرع بين أهالي القرية ويتعلم في كتابها ويعمل في حقولها ويسهر في حفلات المدب وحزب سيدي بن عيسى والأشعار الشعبية عرف الفتى الوسيم منذ صغره بالصلابة والإقبال على الحياة ولم تمر مدة طويلة حتى جاء شيخ القرية العمدة يعلمه بأنه ضمن القرعة للعمل في عسكر الباي في ثكنة باردو ومن هنا ستكون المغامرة وستكون البداية والتعرف الى قيادات عسكرية ستؤثث المحطة القادمة والهروب من الثكنة والانضمام لرجال المقاومة الفلاقة ".. هناك في الثكنة عرف ومنذ الأيام الأولى بهروب الرقيب سالم الورغمي أصيل ولاية مدنين الذي ترك البدلة وهرب ببندقيته الى الجبل مع الثوار...
برقو ملتقى الثوار
مع عبد النور ومحمد الصغير زميليه في الغرفة وهما القادمان من الشمال الغربي وهو ابن الساحل سيتجهون الى الجبل يحفزه في ذلك" ذكرى أيام كان يرى فيها مجموعة من الرجال يأتون الى القرية من حين لآخر فيدخلون دار جارهم علي الزراطي ويلتحق بهم أخوه بوراوي بعد أن يأمره بالجلوس على عتبة المنزل يراقب الشارع وعندما سأله عن أمرهم اخبره أنهم مجموعة من الثوار يقاومون المستعمر الفرنسي يومها تمنى ان يدخل معه ليرى أسلحتهم التي كانوا يخفونها "سيقول عنه الرقيب حسين العيادي "هذا أحسن من يصيب الهدف في ثكنة عسكر الباي وقد عرضت عليه المجيء مرة واحدة وكنت واثقا من معدنه ".. أسماء عديدة يستعرضها الكتاب لمقاومين تعاهدوا على تحرير الوطن وبينهم علي بوطبة حسن العيادي حلقة الربط بين الحزب والمقاومة والقائد ساسي لسود أصيل الحامة وبلقاسم البرقاوي وزوجته فاطمة بوبكر التي كانت الطعام للثوار وبلقاسم البوصي والهادي التركي كما لم تغب النساء عن شرف المقاومة ومن ذلك فاطمة المحرزية أصيلة برقو التي سخرت حياتها لخدمة المقاومة وهي العارفة بمنحدرات الجبل وتعرجاته وعيونه و"عندما تدفع الحاجة أحد المجاهدين للنزول لجبل السرج أو جبل كسرى تبعث له أزياء المنطقة حتى يضمن تنقله نهارا بأمان "..."في 25 اكتوبر1954 كانت واقعة الكدية الصفراء شارك فيها 13 مقاوما هاجموا 3 شاحنات وسيارة خفيفة تابعة للمخابرات العسكرية على الطريق الرابطة بين الفحص وسليانة وافتكوا أسلحتهم وذخيرتهم ..
على مدى 288 صفحة من الحجم المتوسط يقودنا المؤلف في رحلة طويلة تبدأ "بالكنائس عبق الماضي" و"حضور في التاريخ" الى مختلف مراحل سيرة الشهيد من الولادة الى الصبا الى التحدي وقرعة التجنيد الى الثكنة ومنها الى بداية التمرد والتفكير في الالتحاق بالثورة الى الالتحاق بالثورة ورجالها والعبور على طريق الجبل بكل ما تخلل ذلك من أحداث في الساحة الوطنية من اغتيال الزعيم حشاد ولاحقا اغتيال الزعيم الهادي شاكر الى اقتحام قرية المعمرين الى الكمين رحلة عبر الزمن تنتهي بمعركة الربع ساعة الأخير وبلوغ لحظة الشهادة بعد أن نفذت الذخيرة لدى المقاومين الذين اثروا مواصلة المعركة بقوة وثبات ورسموا بذلك خطوة في مسار استقلال البلاد "في عشية نفس اليوم اتصلت السلطات الحزبية بأخيه بوراوي تعلمه باستشهاد أخيه الطيب على قمة جبل برقو مع أصحابه بعد أن كبدوا العدو اكبر الخسائر ولكن نفاد الذخيرة جعلهم يموتون وهم واقفون "... "دموع الشمس محطات من سيرة الشهيد الطيب العتروس "رحلة شيقة يتداخل فيها الماضي بالحاضر والحقيقة بالخيال من أول محطة دموع الشمس رحلة عابرة للتاريخ والجغرافيا يأخذ القارئ للسباحة بين أمواج الماضي والحاضر ليكشف في كل محطة من محطات الرحلة عن الخصوصيات الاجتماعية والثقافية والتقاليد المشتركة لقرية فلاحية عرفت بالقمح والزيتون والفلفل والقرع ولكنها وهنا الأهم كانت محطة علمية يفد إليها الباحثون عن المعرفة من أقصى الجنوب الى أقصى الشمال وقد بدا المؤلف حريصا على استعراض تاريخ هذه البلدة العريق منذ نشأتها قبل أربعة آلاف سنة وصولا الى ثلاثينات القرن الماضي التي ستشهد ولادة شهيد الكنايس وصولا الى معركة الحرية للبلاد التونسية.
الحضور الكثيف للأجيال التي تعلمت على يد المربي محمد قرميت من المحارزة الى الزنايدية والكامور الى جانب أهالي الكنائس وعائلة الشهيد تم تقديم هذا الكتاب الذي يمكن اعتباره وثيقة تاريخية مهمة جمعت بأسلوب مشوق بين الجانب الانثروبولوجي والاجتماعي والتاريخي والأدبي والتوثيقي حرص من خلاله صاحبه محمد قرميت على أن يكون وقفة وفاء في استحضار مكانة الشهيد والاعتراف له بالجميل على تضحياته وتضحيات رفاقه ...
الأكيد أن معركة جبل برقو التي حدثت من 8 إلى 13 نوفمبر 1954 والتي كانت بإيعاز من الحزب الحر الدستوري الجديد.. حيث أن بعض عناصر الحزب راهنت وقتها على الفلاقة كقوة ضاغطة لدفع مجرى المفاوضات مع فرنسا للحصول على الاستقلال الداخلي تنتظر نفض الغبار عن الكثير من صفحاتها المشرفة التي تحتاج للتعريف بأبطالها لحفظ الذاكرة الوطنية وتعزيزها بالحقائق المغيبة لدى الأجيال المتعاقبة تأكيدا على أن الاستقلال لم يكن بالأمر الهين أو من دون ألام أو تضحيات جسام والأكيد انه كما الشهيد الطيب العتروس فان بقية شهداء معركة برقو الـ18 وغيرهم من شهداء معركة التحرير يستحقون بعد عقود طويلة وقفة وفاء ونظرة تأمل من جانب المؤرخين والمؤلفين والباحثين للخروج من دائرة النسيان وتدوين مسيرتهم التاريخية النضالية وتخليد ذكراهم على مر الأجيال, ولاشك أن معركة جبل برقو كشفت بعض أسرارها ولكن ليس كل أسرارها وما هو معلوم أنه تكونت قبل هذه المعركة وحسب المؤرخ عميرة علية الصغير لجنة سرية للمقاومة هدفها جمع الأسلحة وذلك في مارس 1952 وكان يشرف عليها عبد القادر زروق أحد أعضاء الجامعة الدستورية بالكاف. وتعد هذه اللجنة نتاج اقتراح تقدم به الطيب بن غرسة رئيس الشعبة الدستورية ببرقو للمنجي سليم حول تكوين نواة للمقاومة ببرقو وقد أبدى الزعيم المنجي سليم موافقته. وبادر عبد القادر زروق بالتعاون مع عبد الله الشاوش بجلب 20 قطعة سلاح من منجم ونزة إلى برقو. ولم تنتظم المقاومة الفعلية إلا في مارس 1953 أي بعد انعقاد اجتماع بسيدي حمادة. وبداية من جوان 1953 تجلت مظاهر المقاومة في عديد المواقع وتفجير الجسور واقتحام قرى عدد من المعمرين للاستيلاء على الأسلحة ومن بينهم كريوس وقرنيز وموصاك وهم من المعمرين الذين دعموا اليد الحمراء في المدن. وكرد فعل على ذلك تكونت ببرقو أواخر 1953 اليد السوداء التي ضمت عناصر من الشبيبة الدستورية.. وتتالت عديد المعارك الجبلية خلال الفترة الفاصلة بين ماي وأكتوبر 1954 وناهز عددها 18 على غرار معركة جبل عرباطة ومعركة جبل بوهدمة ومعركة جبل اشكل ومعركة جبل هداج ومعركة جبل المالوسي ودفع ذلك الحماية إلى رفع قرار حل الحزب الحر الدستوري الجديد في 30 سبتمبر 1954..."دموع الشمس محطات من سيرة الشهيد الطيب العتروس" خطوة مهمة باتجاه العودة للنبش في الذاكرة الوطنية واحياء تضحيات جيل عانق الشهادة لاجل الوطن وقد استحق كل الوفاء.. فهل يكون حلقة أولى في سلسلة تخليد بقية شهداء برقو الـ18؟