إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ما زالَ يكتبُ شعرهُ العُذريَّ، قَيسٌ...

بقلم:مصدّق الشّريف

*يجب أن نُقرّ بأنّ الكثيرين من رؤساء الدّول والحكومات متواطئون مع الكيان الصّهيوني

رحم الله نزار قباني إذ قال:

" ما زالَ يكتبُ شعرهُ العُذريَّ، قَيسٌ*** واليهودُ تسرّبوا لفراشِ ليلى العامريّهْ"

لقد أفلح شاعرنا الكبير من خلال قصيدته "جريمة شرف أمام المحاكم العربيّة"، المأخوذ منها هذا البيت، في الرّد على كثير من المنافقين والزئبقيّين والمتزلّفين الذين يقولون في وضح النّهار تبّا للتّطبيع ولأنصاره وإذا خلوا إلى أسيادهم وأولياء نعمهم قالوا إنّا مع التّطبيع إنّما نحن مستهزئون.

صحيح أنّ الجماهير الشّعبيّة من أبناء هذا الوطن تحبّ فلسطين حبّا جمّا. وصحيح أنّ قلوبها منفطرة لما يُكابده الشّعب الفلسطينيّ من قهر وظلم واغتصاب لأراضيه وتجويع لأبنائه وأسرهم وسجنهم وتعذيبهم وتقتيلهم لمدّة عقود طويلة تجاوزت القرن، حتّى إنّ هناك من يعيب اليوم على رئيسة الحكومة التّونسيّة إيماءها بالإشارة إلى الرئيس الصّهيونيّ وصدور إشارات منها إليه متبوعة بابتسامة. وفي اعتقادنا أنّ رئيسة الحكومة قامت بذلك دون انتباه ولم تأخذ الاحتياطات اللاّزمة لتفادي هكذا موقف فوقعت في الفخّ الذي نُصب لها. في حين كان من الأجدر أن ينتبه القائمون على البروتوكول الرّسمي للسيّدة بودن إلى هذه التّفاصيل وأن يكونوا أكثر حذرا ودقّة لدرء هذه المسائل الشّائكة المزروعة بالأشواك. وعلى العموم، فإنّ هذا كلّه لا يبرّر ما صدر من رئيسة الحكومة.

ولكنّنا على يقين أن أغلب المستنكرين لما قامت به السيّدة نجلاء بودن يتعاملون في سرّهم مع الكيان الصّهيوني ويتمتّعون بأمواله وخيراته. وهم يعلمون جيّدا أنّ الكيان الصّهيوني يدرّ الأموال لكثير من الجمعيات التي ينتمون إليها أو لوسائل الاعلام العاملين فيها. ولولاه لما كان لهم وجود ولأغلقت العديد من القنوات والاذاعات والجمعيّات أبوابها. يحدث هذا مقابل الدّفاع عن حقّ الكيان الصّهيوني في الوجود فوق الأراضي العربيّة المحتلّة. فضلا عن أنّ بعض الجمعيّات تُقيم من حين إلى آخر دورات، سواء في المجال الاجتماعيّ أو الثّقافيّ، يُدسّ فيها البرنامج الصّهيوني بكلّ الطّرق.

ولنكون صرحاء مع أنفسنا، يجب أن نُقرّ بأنّ الكثيرين من رؤساء الدّول والحكومات، سواء في العلن أو في الخفاء، متواطئون مع الكيان الصّهيوني ويطلبون ودّه ولم يقطعوا معه حبل التّواصل والوداد لأنّهم يخشون الإطاحة بهم لو غضبت عليهم دولة إسرائيل البنت المدلّلة للولايات المتحدة الأمريكيّة وأوروبا. ولنكون أيضا صرحاء مع أنفسنا، يجب ألاّ نبيع الأوهام للنّاس أو نستبلههم من خلال الخطب الرّنانة الثّورية العنتريّة التي ما قتلت يوما ذبابة. إنّ من السّياسيّين والإعلاميّين من يستعملون كلّ الطّرق والوسائل حتّى يتحصّلوا على رخص تُخوّل لهم الدّخول للأراضي المحتلّة حتّى يقوموا بأنشطتهم، لا سيّما الثّقافيّة منها. إنّهم يقولون بأفواههم ما لا يُمارسونه. ويصحّ عليهم ما قاله أيضا نزار قباني:

"يتهكمون على النبيذ معتقاً *** وهم على سطح النبيذ ذباب"

ماذا فعل السياسيّون في كلّ اللّحظات التّاريخيّة الفارقة التي عاشها الشّعب الفلسطينيّ ولا يزال؟ وماذا فعلت الأبواق التي لا تخلو شعاراتها من المزايدة منذ عقود؟ لا شيءǃ لأنّها غير صادقة وغير نزيهة. أما عن حكاية الإسمنت لإقامة الجدار العازل بين الفلسطينيّين والصّهاينة فحدّث ولا حرجǃ

إنّ المقاومة الصّحيحة، في رأينا، ليست بالمخاتلة والأكل من كلّ الموائد بما فيها مائدة الكيان الصّهيوني. وإنّما هي بحقّ ما يصنعه الفلسطينيّون يوميّا من نضالات باسلة لا تعرف الكلّ ولا الاستسلام. ولا ننس أن نُشيد بما قام به الشّعب السّوري وجيشه العظيم، ولا يزال، من تصدّ لكلّ تطبيع ومقاومة ميدانيّة يوميّة شعارها ممانعة الرّكوع للكيان الصّهيوني مهما حاول قلب الحقائق ومهما قدّم من إغراءات. ولولا هذه النّضالات لكان الكيان الصّهيوني أكثر توغّلا في الجسد العربي عموما.

تُسائل الأمُّ: "أين العزم يا ولدي؟

 وأين تمضي، وهذا الهول يلتهب؟"

يقول: " أين يا أمُّ أين أخي؟

 وأين أهلي وأحبابي ترى ذهبوا؟

مضوا على الدّرب للتّحرير غايتهم

واستشهدوا، وأنا للأهل أنتسب

فإن تخاذلت الدّنيا بأجمعها

عن الطريق فإني اليوم أقترب

قد لا أراك مساء اليوم، ذا قدري

فكيف عن قدري يا أمُّ أحتجب؟

(هارون هاشم رشيد، يوميّات الصّمود والحزن، الطّبعة الأولى، تونس، 1983، ص.83-85.  دارالنّشر لم تُذكر).

ما زالَ يكتبُ شعرهُ العُذريَّ، قَيسٌ...

بقلم:مصدّق الشّريف

*يجب أن نُقرّ بأنّ الكثيرين من رؤساء الدّول والحكومات متواطئون مع الكيان الصّهيوني

رحم الله نزار قباني إذ قال:

" ما زالَ يكتبُ شعرهُ العُذريَّ، قَيسٌ*** واليهودُ تسرّبوا لفراشِ ليلى العامريّهْ"

لقد أفلح شاعرنا الكبير من خلال قصيدته "جريمة شرف أمام المحاكم العربيّة"، المأخوذ منها هذا البيت، في الرّد على كثير من المنافقين والزئبقيّين والمتزلّفين الذين يقولون في وضح النّهار تبّا للتّطبيع ولأنصاره وإذا خلوا إلى أسيادهم وأولياء نعمهم قالوا إنّا مع التّطبيع إنّما نحن مستهزئون.

صحيح أنّ الجماهير الشّعبيّة من أبناء هذا الوطن تحبّ فلسطين حبّا جمّا. وصحيح أنّ قلوبها منفطرة لما يُكابده الشّعب الفلسطينيّ من قهر وظلم واغتصاب لأراضيه وتجويع لأبنائه وأسرهم وسجنهم وتعذيبهم وتقتيلهم لمدّة عقود طويلة تجاوزت القرن، حتّى إنّ هناك من يعيب اليوم على رئيسة الحكومة التّونسيّة إيماءها بالإشارة إلى الرئيس الصّهيونيّ وصدور إشارات منها إليه متبوعة بابتسامة. وفي اعتقادنا أنّ رئيسة الحكومة قامت بذلك دون انتباه ولم تأخذ الاحتياطات اللاّزمة لتفادي هكذا موقف فوقعت في الفخّ الذي نُصب لها. في حين كان من الأجدر أن ينتبه القائمون على البروتوكول الرّسمي للسيّدة بودن إلى هذه التّفاصيل وأن يكونوا أكثر حذرا ودقّة لدرء هذه المسائل الشّائكة المزروعة بالأشواك. وعلى العموم، فإنّ هذا كلّه لا يبرّر ما صدر من رئيسة الحكومة.

ولكنّنا على يقين أن أغلب المستنكرين لما قامت به السيّدة نجلاء بودن يتعاملون في سرّهم مع الكيان الصّهيوني ويتمتّعون بأمواله وخيراته. وهم يعلمون جيّدا أنّ الكيان الصّهيوني يدرّ الأموال لكثير من الجمعيات التي ينتمون إليها أو لوسائل الاعلام العاملين فيها. ولولاه لما كان لهم وجود ولأغلقت العديد من القنوات والاذاعات والجمعيّات أبوابها. يحدث هذا مقابل الدّفاع عن حقّ الكيان الصّهيوني في الوجود فوق الأراضي العربيّة المحتلّة. فضلا عن أنّ بعض الجمعيّات تُقيم من حين إلى آخر دورات، سواء في المجال الاجتماعيّ أو الثّقافيّ، يُدسّ فيها البرنامج الصّهيوني بكلّ الطّرق.

ولنكون صرحاء مع أنفسنا، يجب أن نُقرّ بأنّ الكثيرين من رؤساء الدّول والحكومات، سواء في العلن أو في الخفاء، متواطئون مع الكيان الصّهيوني ويطلبون ودّه ولم يقطعوا معه حبل التّواصل والوداد لأنّهم يخشون الإطاحة بهم لو غضبت عليهم دولة إسرائيل البنت المدلّلة للولايات المتحدة الأمريكيّة وأوروبا. ولنكون أيضا صرحاء مع أنفسنا، يجب ألاّ نبيع الأوهام للنّاس أو نستبلههم من خلال الخطب الرّنانة الثّورية العنتريّة التي ما قتلت يوما ذبابة. إنّ من السّياسيّين والإعلاميّين من يستعملون كلّ الطّرق والوسائل حتّى يتحصّلوا على رخص تُخوّل لهم الدّخول للأراضي المحتلّة حتّى يقوموا بأنشطتهم، لا سيّما الثّقافيّة منها. إنّهم يقولون بأفواههم ما لا يُمارسونه. ويصحّ عليهم ما قاله أيضا نزار قباني:

"يتهكمون على النبيذ معتقاً *** وهم على سطح النبيذ ذباب"

ماذا فعل السياسيّون في كلّ اللّحظات التّاريخيّة الفارقة التي عاشها الشّعب الفلسطينيّ ولا يزال؟ وماذا فعلت الأبواق التي لا تخلو شعاراتها من المزايدة منذ عقود؟ لا شيءǃ لأنّها غير صادقة وغير نزيهة. أما عن حكاية الإسمنت لإقامة الجدار العازل بين الفلسطينيّين والصّهاينة فحدّث ولا حرجǃ

إنّ المقاومة الصّحيحة، في رأينا، ليست بالمخاتلة والأكل من كلّ الموائد بما فيها مائدة الكيان الصّهيوني. وإنّما هي بحقّ ما يصنعه الفلسطينيّون يوميّا من نضالات باسلة لا تعرف الكلّ ولا الاستسلام. ولا ننس أن نُشيد بما قام به الشّعب السّوري وجيشه العظيم، ولا يزال، من تصدّ لكلّ تطبيع ومقاومة ميدانيّة يوميّة شعارها ممانعة الرّكوع للكيان الصّهيوني مهما حاول قلب الحقائق ومهما قدّم من إغراءات. ولولا هذه النّضالات لكان الكيان الصّهيوني أكثر توغّلا في الجسد العربي عموما.

تُسائل الأمُّ: "أين العزم يا ولدي؟

 وأين تمضي، وهذا الهول يلتهب؟"

يقول: " أين يا أمُّ أين أخي؟

 وأين أهلي وأحبابي ترى ذهبوا؟

مضوا على الدّرب للتّحرير غايتهم

واستشهدوا، وأنا للأهل أنتسب

فإن تخاذلت الدّنيا بأجمعها

عن الطريق فإني اليوم أقترب

قد لا أراك مساء اليوم، ذا قدري

فكيف عن قدري يا أمُّ أحتجب؟

(هارون هاشم رشيد، يوميّات الصّمود والحزن، الطّبعة الأولى، تونس، 1983، ص.83-85.  دارالنّشر لم تُذكر).