إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ما بعد اتفاق صندوق النقد: سياسة اتصالية حكومية "صامتة" ستعمق من تداعيات قرار رفع الدعم..

 

تونس الصباح

تتوجه الحكومة إلى رفع الدعم الجزئي أو الكلي عن جملة المواد الأساسية والاستهلاكية، في سياق عام اتسم بعدم الوضوح والضبابية. فلا علم للتونسيين إلى حد اليوم لمواعيد رفعه والمواد التي سيشملها تدريجيا، أو المراحل التي ستمر عبرها عملية الرفع وجملة القرارات أو الإجراءات التي يفترض أن يقع اتخاذها لفائدة فئات اجتماعية بعينها.. أو فيما يتصل بخارطة إسناد الدعم لمستحقيه وقيمة الدعم التي ستوجه لكل فئة. كلها معلومات لم يتم الإفصاح عنها من قبل رئيسة الحكومة أو من يمثلها إلى حد الآن، في الوقت الذي كان من المفروض أن تعقد ندوة صحفية إخبارية على الأقل بعد عودة الوفد المفاوض مع صندوق النقد الدولي والانتهاء من مرحلة المفاوضات من اجل تقديم المستجدات وآخر نقاط الاتفاق.

لكن وعلى نقيض ذلك، لم تنطلق بعد الحكومة في سياسة اتصالية واضحة في ملف رفع الدعم، ومازالت تقتصر على تصريحات معزولة لمسؤولين حكوميين على غرار التصريح الأخير لمحافظ البنك المركزي الذي قال فيه أن البلاد تتجه نحو إصلاحات اقتصادية صعبة تأخرت عنها لـ 10 سنوات. أو عبر تسريبات صادرة عن لقاءات غير معلنة مع صحفيين رؤساء تحرير من بين مخرجاتها أن 2026 سيكون موعد رفع الدعم الكلي عن المحروقات..

ولم تتعظ على ما يبدو الحكومة الحالية من أخطائها السابقة، ومما يمكن أن يكون للتصريحات غير المدروسة من تداعيات ونتائج اجتماعية. وكيف كان أكثر من تصريح لوزير أو وال دافعا وراء حركات احتجاجية أو حالة من الاحتقان وعدم الرضا الجهوي، ولعل ما انجر عن تصريح والي صفاقس من تحركات في معتمدية عقارب وما شهدته معتمدية جرجيس خلال الفترة الأخيرة على خلفية غياب السياسة الاتصالية مثالا على ذلك.   

وفي تقييمه للسياسة الاتصالية المعتمدة اليوم من قبل حكومة نجلاء بودن في علاقة باتفاقها مع صندوق النقد الدولي، وما قد يترتب عنه من قرارات وإجراءات، يرجح الصادق الحمامي الأكاديمي والباحث في الميديا، أن "الصمت هو خيار عقلاني وإرادي تم اعتماده منذ 25 جويلية 2021، تتصور الحكومة ومن ورائها رئيس الجمهورية انه أحسن خيار للتصرف في الأزمة الحالية. وانه سيكون له تكلفة اقل من اعتماد سياسة اتصالية مغايرة. "وهذا الاستنتاج استخلصه الصادق الحمامي وتؤكده حسب تقييمه عدد من التصريحات الوزارية التي تعيد عبارة "نعمل في صمت".

ويوضح الباحث في الميديا، أن المنطلقات النظرية وفلسفة المجتمعات الديمقراطية، تقول أن ما يميز السلطة الديمقراطية عن الدكتاتوية والأنظمة اللاديمقراطية، أنها سلطة تعمل لفائدة الجمهورية، إذن فهي سلطة لا تخضع فقط للمساءلة كسلطة تنفيذية، بل هي مطالبة ومن واجبها تقديم تفسيرات وتوضيحات دورية لعملها الحكومي وبرامجها ومشاريعها ومخططاتها كونها سلطة تعمل بالوكالة لدى الشعب.

ويشير الصادق الحمامي، إلى أن الاتصال الحكومي ينظم بقانون في الدول الديمقراطية، يلزم الحكومات بتقديم تفاسير وتوضيحات عن أعمالها. وهذه الفلسفة غير موجودة لدى الحكومة الحالية ولا الحكومات التي سبقتها فهي جميعها لم ترس اتصالا حكوميا منظما بالقانون. فالحكومة الحالية تعتمد الصمت كمبدأ ناظم لسياستها. أما فيما يتصل بالحكومات السابقة فقد كانت تعتمد سياسة اتصالية معطوبة تعتمد المشهدية والتحايل على الرأي العام.

ومن نتائج غياب السياسة الاتصالية لدى الحكومات حسب الحمامي، تكوين رأي عام غير قادر على فهم السياسة الحكومية، وهو ما يفتح المجال واسعا أمام انتشار الإشاعة والأخبار الزائفة وغير الدقيقة والمضللة. ويكون أثر غياب السياسة الاتصالية اخطر إذا ما تعلق بملف ساخن وحارق واستراتيجي كملف رفع الدعم.

وهنا يفسر صادق الحمامي تواصل الصمت، في قراءة أخرى مغايرة نسبيا عن الأولى، وهي أن الحكومة أمام خيارين أحلاهما مر، فهي أمام أزمة اقتصادية خانقة ستنتهي في جميع الحالات بتعميق للازمة الاجتماعية وهنا وأمام ثقافة غير منفتحة تم اعتمادها منذ تولي رئيس الجمهورية لكل دواليب وشؤون الدولة، اختارت الحكومة الحالة المواصلة في سياسة الغلق وعدم الانفتاح خاصة وأن رئيسة الحكومة في المناسبات التي كان لها ظهور إعلامي لم يكن ظهورا موفقا.

في نفس الوقت يوجه الصادق الحمامي لوم للصحافة الوطنية، التي تخلت عن دورها كمفسر وناقل للخبر ومحلل له وناقد ومراقب وبقيت تشكو غياب المعلومة الرسمية وصعوبة الحصول عليها.. وذكر أن غياب المعلومة الرسمية من مصادر رسمية لا يعط مبررا للصحفيين في عدم البحث أو إيجادها، فالمعلومة الحقيقية هي تلك التي يريد إخفاءها المسؤول والجانب الرسمي.

ريم سوودي

ما بعد اتفاق صندوق النقد: سياسة اتصالية حكومية "صامتة" ستعمق من تداعيات قرار رفع الدعم..

 

تونس الصباح

تتوجه الحكومة إلى رفع الدعم الجزئي أو الكلي عن جملة المواد الأساسية والاستهلاكية، في سياق عام اتسم بعدم الوضوح والضبابية. فلا علم للتونسيين إلى حد اليوم لمواعيد رفعه والمواد التي سيشملها تدريجيا، أو المراحل التي ستمر عبرها عملية الرفع وجملة القرارات أو الإجراءات التي يفترض أن يقع اتخاذها لفائدة فئات اجتماعية بعينها.. أو فيما يتصل بخارطة إسناد الدعم لمستحقيه وقيمة الدعم التي ستوجه لكل فئة. كلها معلومات لم يتم الإفصاح عنها من قبل رئيسة الحكومة أو من يمثلها إلى حد الآن، في الوقت الذي كان من المفروض أن تعقد ندوة صحفية إخبارية على الأقل بعد عودة الوفد المفاوض مع صندوق النقد الدولي والانتهاء من مرحلة المفاوضات من اجل تقديم المستجدات وآخر نقاط الاتفاق.

لكن وعلى نقيض ذلك، لم تنطلق بعد الحكومة في سياسة اتصالية واضحة في ملف رفع الدعم، ومازالت تقتصر على تصريحات معزولة لمسؤولين حكوميين على غرار التصريح الأخير لمحافظ البنك المركزي الذي قال فيه أن البلاد تتجه نحو إصلاحات اقتصادية صعبة تأخرت عنها لـ 10 سنوات. أو عبر تسريبات صادرة عن لقاءات غير معلنة مع صحفيين رؤساء تحرير من بين مخرجاتها أن 2026 سيكون موعد رفع الدعم الكلي عن المحروقات..

ولم تتعظ على ما يبدو الحكومة الحالية من أخطائها السابقة، ومما يمكن أن يكون للتصريحات غير المدروسة من تداعيات ونتائج اجتماعية. وكيف كان أكثر من تصريح لوزير أو وال دافعا وراء حركات احتجاجية أو حالة من الاحتقان وعدم الرضا الجهوي، ولعل ما انجر عن تصريح والي صفاقس من تحركات في معتمدية عقارب وما شهدته معتمدية جرجيس خلال الفترة الأخيرة على خلفية غياب السياسة الاتصالية مثالا على ذلك.   

وفي تقييمه للسياسة الاتصالية المعتمدة اليوم من قبل حكومة نجلاء بودن في علاقة باتفاقها مع صندوق النقد الدولي، وما قد يترتب عنه من قرارات وإجراءات، يرجح الصادق الحمامي الأكاديمي والباحث في الميديا، أن "الصمت هو خيار عقلاني وإرادي تم اعتماده منذ 25 جويلية 2021، تتصور الحكومة ومن ورائها رئيس الجمهورية انه أحسن خيار للتصرف في الأزمة الحالية. وانه سيكون له تكلفة اقل من اعتماد سياسة اتصالية مغايرة. "وهذا الاستنتاج استخلصه الصادق الحمامي وتؤكده حسب تقييمه عدد من التصريحات الوزارية التي تعيد عبارة "نعمل في صمت".

ويوضح الباحث في الميديا، أن المنطلقات النظرية وفلسفة المجتمعات الديمقراطية، تقول أن ما يميز السلطة الديمقراطية عن الدكتاتوية والأنظمة اللاديمقراطية، أنها سلطة تعمل لفائدة الجمهورية، إذن فهي سلطة لا تخضع فقط للمساءلة كسلطة تنفيذية، بل هي مطالبة ومن واجبها تقديم تفسيرات وتوضيحات دورية لعملها الحكومي وبرامجها ومشاريعها ومخططاتها كونها سلطة تعمل بالوكالة لدى الشعب.

ويشير الصادق الحمامي، إلى أن الاتصال الحكومي ينظم بقانون في الدول الديمقراطية، يلزم الحكومات بتقديم تفاسير وتوضيحات عن أعمالها. وهذه الفلسفة غير موجودة لدى الحكومة الحالية ولا الحكومات التي سبقتها فهي جميعها لم ترس اتصالا حكوميا منظما بالقانون. فالحكومة الحالية تعتمد الصمت كمبدأ ناظم لسياستها. أما فيما يتصل بالحكومات السابقة فقد كانت تعتمد سياسة اتصالية معطوبة تعتمد المشهدية والتحايل على الرأي العام.

ومن نتائج غياب السياسة الاتصالية لدى الحكومات حسب الحمامي، تكوين رأي عام غير قادر على فهم السياسة الحكومية، وهو ما يفتح المجال واسعا أمام انتشار الإشاعة والأخبار الزائفة وغير الدقيقة والمضللة. ويكون أثر غياب السياسة الاتصالية اخطر إذا ما تعلق بملف ساخن وحارق واستراتيجي كملف رفع الدعم.

وهنا يفسر صادق الحمامي تواصل الصمت، في قراءة أخرى مغايرة نسبيا عن الأولى، وهي أن الحكومة أمام خيارين أحلاهما مر، فهي أمام أزمة اقتصادية خانقة ستنتهي في جميع الحالات بتعميق للازمة الاجتماعية وهنا وأمام ثقافة غير منفتحة تم اعتمادها منذ تولي رئيس الجمهورية لكل دواليب وشؤون الدولة، اختارت الحكومة الحالة المواصلة في سياسة الغلق وعدم الانفتاح خاصة وأن رئيسة الحكومة في المناسبات التي كان لها ظهور إعلامي لم يكن ظهورا موفقا.

في نفس الوقت يوجه الصادق الحمامي لوم للصحافة الوطنية، التي تخلت عن دورها كمفسر وناقل للخبر ومحلل له وناقد ومراقب وبقيت تشكو غياب المعلومة الرسمية وصعوبة الحصول عليها.. وذكر أن غياب المعلومة الرسمية من مصادر رسمية لا يعط مبررا للصحفيين في عدم البحث أو إيجادها، فالمعلومة الحقيقية هي تلك التي يريد إخفاءها المسؤول والجانب الرسمي.

ريم سوودي