ألقت أزمة السيولة المالية بظلالها على قطاع المحروقات، الذي بدأ يعاني خلال اليومين الأخيرين من نقص فادح في الوقود بجل المحطات بالعاصمة، الأمر الذي تسبب في اكتظاظ مروري، وحالة من الفوضى في بعض الجهات من الجمهورية، علما وان تونس تعيش منذ مدة أزمة فقدان بعض المواد الأساسية والاستهلاكية، وعدم قدرة السلطات على توفير مخزون احتياطي مطمئن لمجابهة حالة الطوارئ العالمية.
وأرجعت الحكومة عدم قدرتها على مجاراة النقص الفادح في مخزون المواد الحيوية المهمة، إلى الحرب الروسية- الأوكرانية، وتداعياتها على الاقتصاد العالمي وارتفاع تكاليف الشحن، في حين يؤكد خبراء الاقتصاد أن الأزمة تتعلق بالسيولة المالية للبلاد، والتي تشكو نقصا بسبب تنامي العجز الفادح في الميزانية، وأيضا انزلاق سعر صرف الدينار التونسي أمام الدولار الأمريكي، والذي أرهق الميزانية العامة للبلاد التونسية، وضاعف من ثمن المشتريات للدولة، الأمر الذي تسبب في فقدان بعض المواد الأساسية في فترات شهدت تهافتا من الجميع الأمر الذي عمق من أزمة تواجد اغلب المواد في الأسواق.
وحسب ما ما أكده بعض المسؤولين في وزارة الطاقة والمناجم لـ"الصباح"، فإن تونس تقتني أكثر من 50٪ من حاجياتها من المحروقات من الأسواق العالمية، وتسبب ارتفاع أسعار النفط عالميا إلى أكثر من 100 دولار للبرميل الواحد في استنزاف الموارد المالية لعديد البلدان ومن بينهم تونس، بالإضافة إلى أن إرجاء العمل بآلية التعديل الآلي لأسعار المحروقات منذ بداية العام تسبب في فجوة مالية وتضاعف حاجيات الدعم 3 مرات لتبلغ حوالي 8 مليار دينار.
وكانت وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة نائلة نويرة القنجي، قد أعلنت مؤخرا، في تصريح لـ"الصباح"، عن تضاعف حاجيات الدعم 3 مرات، لتبلغ حوالي 8000 مليون دينار، وارتفاع حاجيات التمويل إلى 10.000 مليون دينار، وأقرت الوزيرة خلال ورشة حوارية وإعلامية بمقر الوكالة الوطنية للتحكم قي الطاقة بالعاصمة، أنّ تونس تعيش عجزا هيكليا في الميزان الطاقي، مثل باقي دول العالم بسبب ارتفاع أسعار النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل الواحد.
وأشارت الوزيرة إلى أن فرضيات أسعار النفط والمحروقات التي اعتمدتها ميزانية الدولة لسنة 2022 كانت في حدود 75 دولارا للبرميل الواحد، في حين تجاوز معدل سعر البرميل من النفط اليوم حاجز 100 دولار، الأمر الذي تسبب في ارتفاع حاجيات التمويل من 5200 مليون دينار إلى 10.000 مليون دينار.
تضاعف تكاليف الدعم
وأضافت نائلة نويرة القنجي بالقول أنّ حاجيات الدعم تضاعفت هي بدورها 3 مرات، أي من 2900 مليون دينار إلى 8000 مليون دينار، مشيرة إلى أنّ استئناف العمل بالتعديل الآلي لأسعار المحروقات سيوفر حوالي 16% من حاجيات التمويل. وأكدت الوزيرة، من جهة أخرى، إلى أنّ الحرب الروسية الأوكرانية، كانت لها انعكاسات كبيرة على الأسعار العالمية في سوق النفط، داعية إلى ضرورة الاقتصاد في الطاقة، سواء من قبل المستهلك المنزلي أو من قبل المؤسسات الخاصة أو العمومية.
وحذر مدير عام المحروقات رشيد الدالي، في تصريح لـ"الصباح"، من تنامي العجز المالي في ميزانية الدعم للمحروقات، خصوصا بعد ارتفاع أسعار النفط عالميا، مشيرا إلى أن الدولة التجأت إلى الرفع من أسعار المحروقات في 4 مناسبات خلال سنة 2022، علما وان الزيادة الخامسة كانت منذ نحو شهر وطالت حتى قوارير الغاز المنزلي.
شروط مجحفة من المزودين
واقر رشيد الدالي بصعوبة المرحلة الحالية، خاصة في ظل ارتفاع أسعار النفط عالميا، ومطالبة بعض المزودين بالدفع الفوري لتكاليف إنتاج المحروقات من قبل المزودين العالميين والمحليين، لافتا إلى أن الأمر كان يتم سابقا في غضون 45 يوما حسب العقود، وهذا التغيير الطارئ في منظومة الدفع يرهق ميزانية الدعم، وتزامن ذلك مع طلبات غير منطقية من بعض البنوك.
وحسب ما أعلنه عدد من خبراء الاقتصاد لـ"الصباح"، فإن أزمة السيولة المالية، وتهاوي الترقيم السيادي للدولة التونسية، دفع بأغلب المتعاملين الدوليين إلى المطالبة بسداد المشتريات بشكل فوري، وهذا بسبب ارتفاع المخاطر المالية، وانعدام الثقة بعد الحط من تصنيف تونس الائتماني، تزامن مع ارتفاع لافت في سعر صرف الدولار أمام الدينار التونسي، ما يزيد من استنزاف ميزانية البلاد، وعدم قدرة الدولة مستقبلا على تمويل حاجياتها في ظل العجز المتنامي في ميزانية الدولة.
كما استنكر عدد من الخبراء الاقتصاديين، ربط الأزمة الروسية- الأوكرانية، بالأزمة الاقتصادية في تونس، مشددين على أن البلاد تعيش حالة من فقدان الثقة لدى بعض المؤسسات المالية العالمية، ما يزيد في صعوبة خروجها للأسواق الدولية للاقتراض بنسبة فائدة معقولة، وبالتالي أصبح الخيار أمامها إما الاقتراض بنسبة فائدة مرتفعة جدا تفوق 12٪، أو الذهاب إلى صندوق النقد الدولي لاستكمال إجراءات الحصول على قرض بقيمة 4 مليار دولار، ورغم تحديد محافظ البنك المركزي مروان العباسي مؤخرا لحاجيات تونس التمويلية الطارئة بقرابة ملياري دولار من صندوق النقد الدولي، فإن جل الخبراء يؤكدون أن هذا المبلغ غير كاف لتتجاوز تونس أزمتها المالية والإيفاء بالتزاماتها الدولية.
ويرى بعض خبراء الطاقة، أن الأزمة الطاقية في تونس، تعود إلى تراجع الإنتاج المحلي، حيث كانت تونس قبل سنة 2010 تؤمن أكثر من 80٪ من حاجياتها الطاقية، وتراجعت النسبة خلال العشرية الأخيرة لتبلغ اليوم قرابة 40٪، في حين يقع توريد أكثر من 50% من حاجياتنا الطاقية من الأسواق العالمية وبالعملة الصعبة ، ما يزيد في استنزاف احتياطي البلاد من العملة الصعبة.
الاقتراض من صندوق النقد الدولي
ولا حل تقني لتونس اليوم، غير الاقتراض من صندوق النقد الدولي لمواجهة احتياجاتها المتنامية من اغلب المواد الأساسية والاستهلاكية، وما تزال المفاوضات الرسمية لم تبدأ بعد، رغم الوعود الصادرة عن ممثلي الصندوق بحصول اتفاق وشيك مع تونس، إلا أن الاتفاق رهين لشروط مجحفة تضرب العمق الاجتماعي التونسي، وتتعلق برفع الدعم عن بعض المواد الاستهلاكية، بالإضافة إلى تقليص عدد الموظفين، وأيضا تقليص كتلة الأجور، ما يضع تونس بين "سندان التداين للخروج من أزمتها ومطرقة المطالب الاجتماعية الخارجة عن السيطرة".
سفيان المهداوي
تونس- الصباح
ألقت أزمة السيولة المالية بظلالها على قطاع المحروقات، الذي بدأ يعاني خلال اليومين الأخيرين من نقص فادح في الوقود بجل المحطات بالعاصمة، الأمر الذي تسبب في اكتظاظ مروري، وحالة من الفوضى في بعض الجهات من الجمهورية، علما وان تونس تعيش منذ مدة أزمة فقدان بعض المواد الأساسية والاستهلاكية، وعدم قدرة السلطات على توفير مخزون احتياطي مطمئن لمجابهة حالة الطوارئ العالمية.
وأرجعت الحكومة عدم قدرتها على مجاراة النقص الفادح في مخزون المواد الحيوية المهمة، إلى الحرب الروسية- الأوكرانية، وتداعياتها على الاقتصاد العالمي وارتفاع تكاليف الشحن، في حين يؤكد خبراء الاقتصاد أن الأزمة تتعلق بالسيولة المالية للبلاد، والتي تشكو نقصا بسبب تنامي العجز الفادح في الميزانية، وأيضا انزلاق سعر صرف الدينار التونسي أمام الدولار الأمريكي، والذي أرهق الميزانية العامة للبلاد التونسية، وضاعف من ثمن المشتريات للدولة، الأمر الذي تسبب في فقدان بعض المواد الأساسية في فترات شهدت تهافتا من الجميع الأمر الذي عمق من أزمة تواجد اغلب المواد في الأسواق.
وحسب ما ما أكده بعض المسؤولين في وزارة الطاقة والمناجم لـ"الصباح"، فإن تونس تقتني أكثر من 50٪ من حاجياتها من المحروقات من الأسواق العالمية، وتسبب ارتفاع أسعار النفط عالميا إلى أكثر من 100 دولار للبرميل الواحد في استنزاف الموارد المالية لعديد البلدان ومن بينهم تونس، بالإضافة إلى أن إرجاء العمل بآلية التعديل الآلي لأسعار المحروقات منذ بداية العام تسبب في فجوة مالية وتضاعف حاجيات الدعم 3 مرات لتبلغ حوالي 8 مليار دينار.
وكانت وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة نائلة نويرة القنجي، قد أعلنت مؤخرا، في تصريح لـ"الصباح"، عن تضاعف حاجيات الدعم 3 مرات، لتبلغ حوالي 8000 مليون دينار، وارتفاع حاجيات التمويل إلى 10.000 مليون دينار، وأقرت الوزيرة خلال ورشة حوارية وإعلامية بمقر الوكالة الوطنية للتحكم قي الطاقة بالعاصمة، أنّ تونس تعيش عجزا هيكليا في الميزان الطاقي، مثل باقي دول العالم بسبب ارتفاع أسعار النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل الواحد.
وأشارت الوزيرة إلى أن فرضيات أسعار النفط والمحروقات التي اعتمدتها ميزانية الدولة لسنة 2022 كانت في حدود 75 دولارا للبرميل الواحد، في حين تجاوز معدل سعر البرميل من النفط اليوم حاجز 100 دولار، الأمر الذي تسبب في ارتفاع حاجيات التمويل من 5200 مليون دينار إلى 10.000 مليون دينار.
تضاعف تكاليف الدعم
وأضافت نائلة نويرة القنجي بالقول أنّ حاجيات الدعم تضاعفت هي بدورها 3 مرات، أي من 2900 مليون دينار إلى 8000 مليون دينار، مشيرة إلى أنّ استئناف العمل بالتعديل الآلي لأسعار المحروقات سيوفر حوالي 16% من حاجيات التمويل. وأكدت الوزيرة، من جهة أخرى، إلى أنّ الحرب الروسية الأوكرانية، كانت لها انعكاسات كبيرة على الأسعار العالمية في سوق النفط، داعية إلى ضرورة الاقتصاد في الطاقة، سواء من قبل المستهلك المنزلي أو من قبل المؤسسات الخاصة أو العمومية.
وحذر مدير عام المحروقات رشيد الدالي، في تصريح لـ"الصباح"، من تنامي العجز المالي في ميزانية الدعم للمحروقات، خصوصا بعد ارتفاع أسعار النفط عالميا، مشيرا إلى أن الدولة التجأت إلى الرفع من أسعار المحروقات في 4 مناسبات خلال سنة 2022، علما وان الزيادة الخامسة كانت منذ نحو شهر وطالت حتى قوارير الغاز المنزلي.
شروط مجحفة من المزودين
واقر رشيد الدالي بصعوبة المرحلة الحالية، خاصة في ظل ارتفاع أسعار النفط عالميا، ومطالبة بعض المزودين بالدفع الفوري لتكاليف إنتاج المحروقات من قبل المزودين العالميين والمحليين، لافتا إلى أن الأمر كان يتم سابقا في غضون 45 يوما حسب العقود، وهذا التغيير الطارئ في منظومة الدفع يرهق ميزانية الدعم، وتزامن ذلك مع طلبات غير منطقية من بعض البنوك.
وحسب ما أعلنه عدد من خبراء الاقتصاد لـ"الصباح"، فإن أزمة السيولة المالية، وتهاوي الترقيم السيادي للدولة التونسية، دفع بأغلب المتعاملين الدوليين إلى المطالبة بسداد المشتريات بشكل فوري، وهذا بسبب ارتفاع المخاطر المالية، وانعدام الثقة بعد الحط من تصنيف تونس الائتماني، تزامن مع ارتفاع لافت في سعر صرف الدولار أمام الدينار التونسي، ما يزيد من استنزاف ميزانية البلاد، وعدم قدرة الدولة مستقبلا على تمويل حاجياتها في ظل العجز المتنامي في ميزانية الدولة.
كما استنكر عدد من الخبراء الاقتصاديين، ربط الأزمة الروسية- الأوكرانية، بالأزمة الاقتصادية في تونس، مشددين على أن البلاد تعيش حالة من فقدان الثقة لدى بعض المؤسسات المالية العالمية، ما يزيد في صعوبة خروجها للأسواق الدولية للاقتراض بنسبة فائدة معقولة، وبالتالي أصبح الخيار أمامها إما الاقتراض بنسبة فائدة مرتفعة جدا تفوق 12٪، أو الذهاب إلى صندوق النقد الدولي لاستكمال إجراءات الحصول على قرض بقيمة 4 مليار دولار، ورغم تحديد محافظ البنك المركزي مروان العباسي مؤخرا لحاجيات تونس التمويلية الطارئة بقرابة ملياري دولار من صندوق النقد الدولي، فإن جل الخبراء يؤكدون أن هذا المبلغ غير كاف لتتجاوز تونس أزمتها المالية والإيفاء بالتزاماتها الدولية.
ويرى بعض خبراء الطاقة، أن الأزمة الطاقية في تونس، تعود إلى تراجع الإنتاج المحلي، حيث كانت تونس قبل سنة 2010 تؤمن أكثر من 80٪ من حاجياتها الطاقية، وتراجعت النسبة خلال العشرية الأخيرة لتبلغ اليوم قرابة 40٪، في حين يقع توريد أكثر من 50% من حاجياتنا الطاقية من الأسواق العالمية وبالعملة الصعبة ، ما يزيد في استنزاف احتياطي البلاد من العملة الصعبة.
الاقتراض من صندوق النقد الدولي
ولا حل تقني لتونس اليوم، غير الاقتراض من صندوق النقد الدولي لمواجهة احتياجاتها المتنامية من اغلب المواد الأساسية والاستهلاكية، وما تزال المفاوضات الرسمية لم تبدأ بعد، رغم الوعود الصادرة عن ممثلي الصندوق بحصول اتفاق وشيك مع تونس، إلا أن الاتفاق رهين لشروط مجحفة تضرب العمق الاجتماعي التونسي، وتتعلق برفع الدعم عن بعض المواد الاستهلاكية، بالإضافة إلى تقليص عدد الموظفين، وأيضا تقليص كتلة الأجور، ما يضع تونس بين "سندان التداين للخروج من أزمتها ومطرقة المطالب الاجتماعية الخارجة عن السيطرة".