أسئلة عديدة يطرحها الاستحقاق الانتخابي المرتقب يوم 17 ديسمبر المقبل في علاقة بالبرنامج الانتخابي في ظل القانون الانتخابي في نسخته الجديدة 2022. إذ اتجهت الاهتمامات والاستفسارات والجدل الواسع حول جوانب تقنية وقانونية وشكلية تضمنها القانون الجديد في مقارنة بما كان عليه الأمر في القانون الانتخابي السابق، خاصة في ظل التحولات المسجلة بين النظام الانتخابي القديم والجديد المتمثلة بالأساس في المرور من نظام الاقتراع على القائمات بنظام النسبية مع أكبر البقايا في دورة وحيدة، إلى نظام الاقتراع على الأفراد على دورتين مع تحديد الدوائر الانتخابية وإعادة تقسيمها على حساب النظام الجديد، وتقليص عدد المقاعد في مجلس نواب الشعب من 217 إلى 161 مقعدا، وغيرها من الشروط الأخرى الحافة بالترشح للبرلمان الجديد والقراءات الاستباقية للحياة السياسية المرتقبة في ظل الجمهورية الجديدة التي وعد بها وعمل على إرسائها دستوريا وتشريعيا رئيس الجمهورية قيس سعيد.
فظلت البرامج الانتخابية مغيبة عن دائرة الجدل والنقاش إلى حد الآن سواء في الأوساط الرسمية أو السياسية والحزبية المعنية بالمشاركة في هذه الانتخابات أو الرافضة بعد أن أعلنت عديد الأحزاب والقوى السياسية عن مقاطعتها. في حين تعد هذه المسألة من أهم انتظارات المواطنين بشكل معلن أو غير معلن، لاسيما في ظل الأزمات التي تمر بها بلادنا والصعوبات والنقائص العديدة التي تشكوها أغلب الجهات في هذه المرحلة الصعبة.
ولئن ارتبطت الحملات الانتخابية التي تسبق مثل هذه المواعيد بتقديم الجهات السياسية ممثلة بالأساس في الأحزاب السياسية لبرامج انتخابية، بقطع النظر عن شكلانيتها ومدى التزام تلك الأحزاب والقوى السياسية بتطبيقها والعمل على تنفيذها على أرض الواقع بعد إدراك مرشحيها قبة باردو، فإن هذه البرامج تعد أحد مقومات العمليات الانتخابية وتعد أيضا من بين العوامل المتحكمة بشكل أو بآخر في توجيه وتحديد اختيارات الناخبين.
لكن وأمام التوجه في القانون الانتخابي الجديد إلى نظام الاقتراع على الأفراد وارتباط كل مترشح بدائرة نيابية معينة في جهة محددة من الجمهورية، فمن شان هذه المعطيات الجديدة أن تساهم في القطع مع طريقة التعاطي مع البرامج الانتخابية في ظل المناخات الانتخابية السابقة لاسيما أمام الشروط الجديدة التي تضمنها القانون الانتخابي الجديد في المترشحين والقوانين الزجرية في علاقة بالتجاوزات الممكن تسجيلها في المسار الانتخابي ككل. إذ تذهب بعض القراءات إلى أن المهمة ستكون بمثابة سلاح ذو حدين بالنسبة للمترشحين للبرلمان القادم، وذلك بالتزام كل فرد سواء كان ينتمي لحزب سياسي أو مترشح بصفة مستقل ببرنامج انتخابي يستمد مقوماته من خصوصيات كل جهة أو دائرة نيابية يترشح عنها في هذه الانتخابات التشريعية بما يجعل البرنامج الانتخابي للمترشحين قادرا على ملامسة واقع كل جهة ووضع الحلول الممكنة تكون في نطاق الممكن. وهو عامل يمكن أن يسهل مهمته النيابية في الدفاع عن استحقاقات كل جهة والدفع لتحقيقها على أرض الواقع. في المقابل أشار القانون الانتخابي الجديد كذلك إلى أنه "يمكن سحب الوكالة من النائب في دائرته الانتخابية في صورة إخلاله بواجب النزاهة أو تقصيره البيّن في القيام بواجباته النّيابية، أو عدم بذله العناية المطلوبة لتحقيق البرنامج الذي تقدم به عند الترشح". وهذا ما يجعل المهمة تكون صعبة في نفس الوقت ويجعل "النائب" غير حر وتحت الضغط والخوف.
وقد لعبت المجالس النيابية التي عرفتها المؤسسة التشريعية في تونس ما بعد ثورة 2011 دورا كبيرا في دفع أغلب الجهات للمطالبة بتغيير الآليات الدستورية والقانونية للعملية الانتخابية ولشكل وطريقة عمل البرلمان بسبب عدم التزام الأحزاب السياسية بما تقدمه من برامج انتخابية وتنصل النواب من مطالب واستحقاقات أبناء الجهات الذي رشحوهم لتمثيلهم في مجلس نواب الشعب والتنكر للقضايا والمطالب الأساسية للمواطنين والجهات والدولة وتحويل وجهة مهامهم إلى المركز دون سواه والتركيز على الصراع السياسي والمطالب الشخصية والحزبية الضيقة. وهو من العوامل التي جعلت سن قانون سحب الوكالة من النواب في صورة حادوا عن مهامهم وأدوارهم في حق الأقاليم والجهات التي رشحتهم للبرلمان، وهو مطلب شعبي لاقى استحسان الجميع في القانون الانتخابي الجديد.
فرغم أنه لم يعد يفصلنا عن الموعد الانتخابي القادم سوى أشهر قليلة بعد أن أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن الروزنامة الخاصة بالانتخابات التشريعية السابقة لأوانها، فإن بعض الأحزاب السياسية لا تزال لم تحسم بعد في مسألة مشاركتها في ذلك الاستحقاق من عدمه. فيما انطلق البعض الآخر منذ مدة في إعداد العدة لهذا الموعد والتحرك في سياق التمهيد للحملة الانتخابية السابقة لأوانها لاسيما ما تعلق بالأحزاب السياسية الداعمة والمساندة للمسار الذي يقوده رئيس الجمهورية من بينها حركة الشعب وحركة تونس إلى الأمام وحزب حراك 25 جويلية وغيرها. فمن شان التوجه الجديد في القانون الانتخابي إلى إلزام الأحزاب السياسية التي سيكون لها مترشحين في عدة جهات إلى وضع برامج مختلفة حسب خصوصية وحاجيات كل جهة، رغم أن بعض القراءات تذهب إلى دور العامل والانتماء الجهوي في توجيه الناخبين بقطع النظر عن قيمة المترشح وكفاءته وجنسه وما يمكن أن يقدمه من برامج انتخابية بما يقلل من قيمة هذا التوجه ويدفع للتشكيك في مدى نجاعته ونجاح "الصندوق" في إفراز جيل سياسي جديد قد لا يرتقي إلى مستوى تطلعات الجميع وانتظاراتهم من القانون الانتخابي الجديد لإحداث نقلة نوعية في مستوى نواب الشعب وعلاقاتهم بناخبيهم بما يقطع مع ما كان عليه الوضع في برلمانات العشرية الماضية.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
أسئلة عديدة يطرحها الاستحقاق الانتخابي المرتقب يوم 17 ديسمبر المقبل في علاقة بالبرنامج الانتخابي في ظل القانون الانتخابي في نسخته الجديدة 2022. إذ اتجهت الاهتمامات والاستفسارات والجدل الواسع حول جوانب تقنية وقانونية وشكلية تضمنها القانون الجديد في مقارنة بما كان عليه الأمر في القانون الانتخابي السابق، خاصة في ظل التحولات المسجلة بين النظام الانتخابي القديم والجديد المتمثلة بالأساس في المرور من نظام الاقتراع على القائمات بنظام النسبية مع أكبر البقايا في دورة وحيدة، إلى نظام الاقتراع على الأفراد على دورتين مع تحديد الدوائر الانتخابية وإعادة تقسيمها على حساب النظام الجديد، وتقليص عدد المقاعد في مجلس نواب الشعب من 217 إلى 161 مقعدا، وغيرها من الشروط الأخرى الحافة بالترشح للبرلمان الجديد والقراءات الاستباقية للحياة السياسية المرتقبة في ظل الجمهورية الجديدة التي وعد بها وعمل على إرسائها دستوريا وتشريعيا رئيس الجمهورية قيس سعيد.
فظلت البرامج الانتخابية مغيبة عن دائرة الجدل والنقاش إلى حد الآن سواء في الأوساط الرسمية أو السياسية والحزبية المعنية بالمشاركة في هذه الانتخابات أو الرافضة بعد أن أعلنت عديد الأحزاب والقوى السياسية عن مقاطعتها. في حين تعد هذه المسألة من أهم انتظارات المواطنين بشكل معلن أو غير معلن، لاسيما في ظل الأزمات التي تمر بها بلادنا والصعوبات والنقائص العديدة التي تشكوها أغلب الجهات في هذه المرحلة الصعبة.
ولئن ارتبطت الحملات الانتخابية التي تسبق مثل هذه المواعيد بتقديم الجهات السياسية ممثلة بالأساس في الأحزاب السياسية لبرامج انتخابية، بقطع النظر عن شكلانيتها ومدى التزام تلك الأحزاب والقوى السياسية بتطبيقها والعمل على تنفيذها على أرض الواقع بعد إدراك مرشحيها قبة باردو، فإن هذه البرامج تعد أحد مقومات العمليات الانتخابية وتعد أيضا من بين العوامل المتحكمة بشكل أو بآخر في توجيه وتحديد اختيارات الناخبين.
لكن وأمام التوجه في القانون الانتخابي الجديد إلى نظام الاقتراع على الأفراد وارتباط كل مترشح بدائرة نيابية معينة في جهة محددة من الجمهورية، فمن شان هذه المعطيات الجديدة أن تساهم في القطع مع طريقة التعاطي مع البرامج الانتخابية في ظل المناخات الانتخابية السابقة لاسيما أمام الشروط الجديدة التي تضمنها القانون الانتخابي الجديد في المترشحين والقوانين الزجرية في علاقة بالتجاوزات الممكن تسجيلها في المسار الانتخابي ككل. إذ تذهب بعض القراءات إلى أن المهمة ستكون بمثابة سلاح ذو حدين بالنسبة للمترشحين للبرلمان القادم، وذلك بالتزام كل فرد سواء كان ينتمي لحزب سياسي أو مترشح بصفة مستقل ببرنامج انتخابي يستمد مقوماته من خصوصيات كل جهة أو دائرة نيابية يترشح عنها في هذه الانتخابات التشريعية بما يجعل البرنامج الانتخابي للمترشحين قادرا على ملامسة واقع كل جهة ووضع الحلول الممكنة تكون في نطاق الممكن. وهو عامل يمكن أن يسهل مهمته النيابية في الدفاع عن استحقاقات كل جهة والدفع لتحقيقها على أرض الواقع. في المقابل أشار القانون الانتخابي الجديد كذلك إلى أنه "يمكن سحب الوكالة من النائب في دائرته الانتخابية في صورة إخلاله بواجب النزاهة أو تقصيره البيّن في القيام بواجباته النّيابية، أو عدم بذله العناية المطلوبة لتحقيق البرنامج الذي تقدم به عند الترشح". وهذا ما يجعل المهمة تكون صعبة في نفس الوقت ويجعل "النائب" غير حر وتحت الضغط والخوف.
وقد لعبت المجالس النيابية التي عرفتها المؤسسة التشريعية في تونس ما بعد ثورة 2011 دورا كبيرا في دفع أغلب الجهات للمطالبة بتغيير الآليات الدستورية والقانونية للعملية الانتخابية ولشكل وطريقة عمل البرلمان بسبب عدم التزام الأحزاب السياسية بما تقدمه من برامج انتخابية وتنصل النواب من مطالب واستحقاقات أبناء الجهات الذي رشحوهم لتمثيلهم في مجلس نواب الشعب والتنكر للقضايا والمطالب الأساسية للمواطنين والجهات والدولة وتحويل وجهة مهامهم إلى المركز دون سواه والتركيز على الصراع السياسي والمطالب الشخصية والحزبية الضيقة. وهو من العوامل التي جعلت سن قانون سحب الوكالة من النواب في صورة حادوا عن مهامهم وأدوارهم في حق الأقاليم والجهات التي رشحتهم للبرلمان، وهو مطلب شعبي لاقى استحسان الجميع في القانون الانتخابي الجديد.
فرغم أنه لم يعد يفصلنا عن الموعد الانتخابي القادم سوى أشهر قليلة بعد أن أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن الروزنامة الخاصة بالانتخابات التشريعية السابقة لأوانها، فإن بعض الأحزاب السياسية لا تزال لم تحسم بعد في مسألة مشاركتها في ذلك الاستحقاق من عدمه. فيما انطلق البعض الآخر منذ مدة في إعداد العدة لهذا الموعد والتحرك في سياق التمهيد للحملة الانتخابية السابقة لأوانها لاسيما ما تعلق بالأحزاب السياسية الداعمة والمساندة للمسار الذي يقوده رئيس الجمهورية من بينها حركة الشعب وحركة تونس إلى الأمام وحزب حراك 25 جويلية وغيرها. فمن شان التوجه الجديد في القانون الانتخابي إلى إلزام الأحزاب السياسية التي سيكون لها مترشحين في عدة جهات إلى وضع برامج مختلفة حسب خصوصية وحاجيات كل جهة، رغم أن بعض القراءات تذهب إلى دور العامل والانتماء الجهوي في توجيه الناخبين بقطع النظر عن قيمة المترشح وكفاءته وجنسه وما يمكن أن يقدمه من برامج انتخابية بما يقلل من قيمة هذا التوجه ويدفع للتشكيك في مدى نجاعته ونجاح "الصندوق" في إفراز جيل سياسي جديد قد لا يرتقي إلى مستوى تطلعات الجميع وانتظاراتهم من القانون الانتخابي الجديد لإحداث نقلة نوعية في مستوى نواب الشعب وعلاقاتهم بناخبيهم بما يقطع مع ما كان عليه الوضع في برلمانات العشرية الماضية.