وصف رئيس حزب حركة عازمون عياشي زمال الوضع العام في البلاد بالمُركب وشديد التعقيد على كل المستويات.
واعتبر أن اجراءات 25 جويلية لم توقف الصراع السياسي بل زادته حدة بسبب الاستقطاب الحاصل .
وقال في هذا السياق "إن المسار لم يكن تشاركيا وغابت عليه النخب التونسية والمثقفون والمنظمات وقوى المجتمع المدني والسياسيون. الدستور هو "تعاقد اجتماعي" ولكي نضمن له القبول والاستمرار لا بد أن يكون موضوع نقاش وطني واسع يُشارك فيه الجميع، للأسف هذا لم يحصل".
وفيما يلي نص الحوار
*كيف تقيمون الوضع العام للبلاد؟
في واقع الأمر نحن نعيش أزمة مُركّبة وشديدة التعقيد على كلّ المستويات. ما يعنينا أكثر في حركة "عازمون" هي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للبلاد. تدهور القدرة الشرائية وغلاء الأسعار والنقص الكبير في المواد الغذائية الأساسية والأدوية، وتسجيل بداية أزمة في الوقود، فضلا على الانقطاعات المُتكرّرة للماء الصالح لشرب ومخاطر نقص الماء على الفلاحة، هي أولويات التونسيين اليوم.
*لكن بالرغم من ذلك فان الصراع متواصل؟
نعم هذا صحيح حيث يتواصل الصراع السياسي، إذ هناك استقطاب حاد بين الرئيس قيس سعيد وخصومه. بين من يدعو إلى عودة "منظومة 25 جويلية" التي بان فشلها وبين "منظومة قيس سعيد" التي أبانت بعد عام تقريبا أنها لا تقلّ عنها فشلا. ونعتقد أن كل هذا الاهتمام بالمسائل الدستورية والقانونية يتم على حساب مشاكل التونسيين.
*هل تعتقدون أنه بالإمكان تجاوز هذا الوضع؟
طبعا نعتقد أنه يُمكن للتونسيين/ات تجاوز هذه الوضعية. ونحن في "عازمون" لولا إيماننا بهذه الإمكانية لما أسّسنا حركتنا.
ما يؤسفني أكثر هو أننا نواصل في تونس "إضاعة الفُرص"، فتونس تمتلك عناصر القوّة الناعمة من موقع جغرافي ومهارات في اليد العاملة ومقدرات في الطاقة البديلة، علاوة على ما تتمتع به من سمعة طيبة. نحن اليوم يُمكننا الاستفادة من الأزمات الدولية والإقليمية، لنحوّل تونس إلى بلد جاذب للاستثمار وفي قلب سوق الطاقة المستقبلي.
وهنا نقترح "ميثاقا اقتصاديا واجتماعيا وطنيا" يُغيّر المقاربات التنموية ويكون قائما على أولويات واضحة. نريد مضاعفة الثروة والعمل من أجل جعل "حقيقة الأجور" هي التحدي الأكبر. انتهى عصر الأجور المُنخفضة لجلب الاستثمار، يمكننا بيع طاقة منخفضة وخدمات لوجستيك عصرية. يُمكننا الاستثمار في شركة فسفاط قفصة وفي الفلاحة والطاقة.
هذه هي التحديات الحقيقية وهذه هي الثورة التي نريد تحقيقها.
*ولكن التحدي اليوم والأكبر هو الدستور المجهول اقتصاديا واجتماعيا فكيف تنظرون الى دستور سعيد وحواره الوطني؟
نحن في "عازمون" ايجابيون، نُمارس السياسة بشكل عقلاني. لذلك نعتقد أن منظومة الحُكم السابقة انتهت، وأن إجراءات الرئيس يوم 25 جويلية كانت لإعلان ذلك. ولكننا في نفس الوقت غير مرتاحين لتمشي الرئيس.
وغابت عليه النخب التونسية والمثقفون والمنظمات وقوى المجتمع المدني والسياسيون. الدستور هو "تعاقد اجتماعي" ولكي نضمن له القبول والاستمرار لا بد أن يكون موضوع نقاش وطني واسع يُشارك فيه الجميع، للأسف هذا لم يحصل. والحوار الذي تمّ يوحي بكونه لم يكن جدّيا وشهادة بعض المشاركين فيه غير مطمئنة، ورئيس الرابطة مثلا قال انه لم يطلع على نسخة الدستور.
لا نعرف حقيقة أين يوجد الدستور ومن يكتبه وما الذي سيحتويه. سننتظر الاطلاع على المسودة. ونتمنى أن تكون أفضل من دستور 1959، ومن دستور 2014. نريد منظومة حكم ناجعة، ودستورا يضمن الحريات العامة والخاصة، دستورا يليق بالشعب التونسي.
نحن نُريد نقاشا مجتمعيا، ونريد حياة سياسية تشاركية شفافة يهتم فيها الجميع بقضايا تونس لذلك ورغم كل تحفظاتنا على المسار وعلى الحوار وحتى على ضمانات "شفافية الاستفتاء" قرّرنا المشاركة في حملة الاستفتاء. لأننا ايجابيون ونريد أن يكون لنا رأي في مستقبل تونس، بالقبول أو بالرفض، وثقتنا في التونسيين/ات كبيرة، ونرفض كل أشكال الوصاية عليهم من أي كان.
*في ظل تراجع كبير لعدد هام من الأحزاب هل مازلتم تؤمنون بالأحزاب كوسيط بين المواطن والسلطة؟
طبعا لذلك أسسنا حركة "عازمون". اليوم هناك تفكير كوني في أشكال الانتظام السياسي، وهناك جدل حول تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي على الرأي العام، وهناك من يعتقد أن الأحزاب والجمعيات والنقابات انتهى دورها. هذا نقاش نظري مهم. لكننا نعتقد أن بدائل الأحزاب والجمعيات لم تتبلور بعد.
التجربة الحزبية في تونس مازالت جديدة، والمُمارسة السياسية الحزبية كانت سببا لهذه النظرة السلبية للأحزاب في تونس. وفي ذلك الكثير من الوجاهة. لقد اهتمت أغلب الأحزاب بالصراع حول السلطة.
*ولكن أصل الممارسة الحزبية هي الذهاب الى السلطة؟
نعم هي كذلك ولكن الأحزاب غرقت في صراعاتها السياسية والإيديولوجية وتصفية حسابات وأحقاد الماضي، وشجعت الأحزاب الموالاة على الكفاءات ونشرت ثقافة الانتهازية و"تدبير الراس"، كما أنها انخرطت بشكل أو بآخر في ترذيل بعضها البعض، ونزلت بالخطاب والنقاش السياسي إلى الحضيض. وهذا جعل الثقة فيها منعدمة.
ونحن في "عازمون" وقفنا على ذلك، وحرصنا على الاستفادة من تجارب الأحزاب، بتثمين المكاسب الديمقراطية وتجاوز مشاكل الحوكمة الداخلية ورعاية البرنامج وتجديد الخطاب والعمل على الدفع بجيل من القيادات السياسية الشبابية.
*كيف تصنفون تجربتكم السياسية الجديدة ومع من تلتقي من ناحية الأهداف؟
"عازمون" حركة ولدت في رحم مسار الإصلاح. التونسيون كانوا يُطالبون بالإصلاحات. هناك شبه إجماع وطني على أهمية وحتمية الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. لكن الاختلاف يكمن في كيفية القيام بذلك.
الاختلاف حول الأولويات. نعتقد أننا جئنا في مرحلة مهمة جدا. السياسة اليوم فعل نضالي، وتأسيس حزب فيه الكثير من الشجاعة والعزيمة. فنحن نمضي ضد تيار "عازف" على الأحزاب، وضد تيار قوي يحتاط من السياسيين. أمامنا "ورثة سلبية" دورنا هو تغيير نظرة التونسيين/ات، وإعادة الأمل وفرض نقاش سياسي رفيع.
*بهذا المعنى هل أن واقع السياسة اليوم سيختلف عما سبقه؟
السياسة اليوم لم تعد "توزيعا للغنيمة" لأنه لم يعد هناك ما يمكن توزيعه، اليوم علينا أن نُعيد للسياسة معناها الأصلي والنبيل، كيف نُغيّر حياة الناس؟ كيف نخلق الثروة؟ كيف نضاعف الأجور؟ كيف نقوّي المقدرة الشرائية؟ كيف نضمن السيادة الوطنية من خلال تحقيق الأمن الغذائي والطاقي والمائي؟
نعرف صعوبة المهمة، ولكننا عازمون على التحدي، وعازمون على النجاح، لأن "تونس مستحقتنا". وتحتاج كلّ أبنائها. نحن متواضعون ومنفتحون على كل القوى الوطنية المؤمنة بتونس مدنية ديمقراطية وتعمل من أجل مشروع حضاري لتونس.
*ماهي قدرتكم على التأثير في تغيير نظرة الشارع التونسي للأحزاب؟
هذه مهمة نضالية. نعرف صعوبتها ولكننا مستعدون. اعددنا برنامجا اقتصاديا واجتماعيا دقيقا، فيه مشاريع كبرى قابلة للتنفيذ وستغيّر وجه البلاد بسرعة.
شرعت الأكاديمية السياسية في النشاط، ونقوم بتكوين سياسي لجيل جديد من السياسيين، بخطاب جديد وكثير من الصدق والحماس. نحن نتعامل مع حياة سياسية متحركة ومعقّدة، يغلب عليها الصراع السياسي والأحقاد ودعوات الإقصاء. نريد أن نكون مختلفين، لأن التوانسة يستحقون حياة سياسية أفضل، ويحتاجون خاصة حزبا يتحدث عن قضاياهم المعيشية والاقتصادية ويعمل على جعلهم "يعيشوا بقدرهم" في بلادهم.
*سنة مرت منذ إعلان سعيد عن إجراءاته الاستثنائية كيف تقيمونها وهل نجح الرئيس في تصحيح المسار أم أضر بكل المسارات؟
للأسف هي فرصة أخرى مهدورة. نحن أبطال العالم في إهدار الفُرص. لم يتغيّر الكثير منذ سنة، بالعكس هناك مؤشرات سلبية أكثر. حتى الكورونا هناك تحذيرات من موجة جديدة.
كان الرئيس يوم 26 جويلية مدعوما بفئات واسعة من التونسيين التائقين للإصلاح، ومن المعارضين لمسار الحُكم الذي كانت تعيشه تونس، ولكن تلك الآمال الكبيرة بدأت تتبخّر تدريجيا. وتتواصل نفس منهجيات الحُكم بالتعويل على "الموالين" وإقصاء الكفاءات وهو ما أدى الى غياب النجاعة، ويكاد الوضع الاجتماعي ينفجر.
كما أن الرئيس برفضه محاورة التونسيين وتمسّكه بطريقة حُكم انفرادية واستحواذه على كل السلطات وتعطيله للمسار الدستوري، عزل تونس دوليا. ونرى آثار ذلك على علاقاتنا مع شركائنا الدوليين ومع المانحين.
بصراحة الوضعية تزداد تعقيدا، ولم نحقّق شيئا من الإصلاحات الضرورية، وهذا يضيّع على تونس فرصا كثيرة.
*على ذكر الشركاء.. هل نجح شركاء تونس اقتصاديا وديمقراطيا في تحجيم امتداد سعيد وإجراءاته أم أن تدخلاتهم لم تكن ذات جدوى كما يروج أنصار الرئيس لذلك؟
منذ بدء الإجراءات الاستثنائية عرفت علاقاتنا بشركائنا تطوّرا في المواقف. في البداية كان هناك "تفهّم" فقد كان الجميع متابعا لتعثّر المسار الديمقراطي. كان هناك وعي خارجي مثل الداخلي تماما، بأن "الديمقراطية الناشئة" كانت تعاني تشوهات وان الفساد كان ينخُرُها، وأن النخب السياسية كان فيها فساد وصراعاتها عبثية وأنها تمثّل خطرا على الديمقراطية، ونتذكر تصريحات السفير الأوروبي أو تقرير البنك الدولي أو تقرير "مجموعة الأزمات".
بعد التفهم بدأت الحيرة التي تحولت إلى قلق فرفض. كان شركاء تونس يريدون "عملية جريئة" لإعادة المسار الديمقراطي الى سكة الإصلاح، ولكنهم لا يريدون إنهاء المسار وإلغاء الحياة السياسية التشاركية، وهذا قادنا الى ما يُشبه العُزلة. يكفي أن ننظر الى المفاوضات مع صندوق النقد، والى إجراءات الاتحاد الأوروبي والى غلق الحدود المتواصل مع الجزائر لنفهم أن الحل يكمن في تأمين حياة ديمقراطية سليمة قائمة على دستور يضمن الحقوق والحريات وعلى نظام حكم قائم على مؤسسات قوية، هذا ما يُريده التونسيون وما يُطالب به شركاؤنا.
*يرى البعض من المعارضة أن ما تعيشه تونس اليوم هو دخول في مرحلة بعد سعيد وأن الرئيس في عزلة تامة داخليا وخارجيا وهو ما دفعه لممارسة الكثير من الأخطاء السياسية؟
ونحن نرى أن هذه المعارضة تعيش عزلة داخلية أيضا. هناك نوع من "الإقصاء التبادلي" أي حالة "إنكار". معارضة الرئيس المُتمسّكة بالعودة الى ما قبل 25 جويلية، تُنكرُ ارتفاع رفض التونسيين لها، وتتجاهلُ دورها في تعفين الأوضاع السياسية ومسؤوليتها في الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها تونس. وهي لا تريد أن تتفاعل مع الوضع الجديد.
الرئيس أيضا يُنكرُ ان هناك قوى حية أخرى، وطنية وصادقة ولكنها تعارض خياراته وهي حريصة مثله على نفع تونس وعلى محاربة الفساد السياسي والاجتماعي. الرئيس أيضا لا يتفاعل بطريقة مرنة مع الأصوات التي تريد الإصلاح، ورأينا كيفية تعامله مع توصيات لجنة البندقية الاستشارية، أو تقارير وكالات التصنيف الائتماني.
الحقيقة أن تونس تحتاج اليوم مقاربة سياسية تشاركية داخليا، وتحتاج إلى تفعيل كل عناصر قوتها الناعمة لتوفير الدعم الخارجي من أصدقاء تونس، في إطار احترام السيادة والقرار الوطني.
*من الملاحظ أن الخلاف بين قرطاج وبطحاء محمد علي آخذة في التصعيد أكثر وأكثر ماهي قراءتكم لهذه المعركة الحاسمة؟
هي معركة كنا في غنى عنها. لا تحتاج تونس مثل هذه الصراعات. ولا أحد في تقديرنا مستفيد من هذا الصراع، الجميعُ خاسرون.
الاتحاد منظمة وطنية ولها أهميتها ومن واجبها المشاركة في ضبط السياسات الاقتصادية والاجتماعية الوطنية، والرئيس يحتاج إلى دعم المنظمات الوطنية وكل القوى الوطنية المؤمنة بتونس المدنية الديمقراطية. لا حل في تونس إلا بمنظومة حُكم تشاركية، فلا أحد وحده يمتلكُ الحقيقة، ولا أحد وحده يُمكنه إصلاح البلاد. جميعُنا معنيون بذلك، ولذلك نحن نقترح "ميثاقا اقتصاديا واجتماعيا" يرسم صورة تونس المستقبل، ويتم فيه تحديد الاستراتيجيات والأهداف والادوار.
*كثر الحديث في الآونة الأخيرة ان هناك نية لتحجيم دور الاتحاد العام التونسي للشغل سياسيا وان منظمة حشاد اليوم محشورة في الزاوية حتى ان الإضراب العام لم يغير من واقع السياسة اصلا؟
هذا كلام فارغ، ولا قيمة له. من يقول ذلك لا يعرف الاتحاد ولا تاريخه ولا دوره الوطني والاجتماعي. اتحاد الشغل شريك وطني في معركة التحرر الوطني وبناء الدولة وتحقيق المكاسب الاجتماعية، كما أنه كان مساهما في الحركة الديمقراطية وحمى الدولة بعد الثورة، وحمى المسار الديمقراطي في الحوار الوطني. الاتحاد منظمة نقابية دورها اجتماعي، ولكنها كانت دائما مشاركة في السياسات الكُبرى. وعند الازمات يُسارع السياسيون للذهاب اليه وليس من المنطقي ان تتم مهاجمته عند زوال الحاجة اليه. واذا كان الاتحاد "تجاوز" أحيانا دوره، فذلك يعود إلى عجز السياسيين على القيام بدورهم. فالاتحاد شريك وليس مجرد نقابة.
نأسف لتعطّل الحوار مع الحكومة، ولتوتّر العلاقة مع الرئيس، ونأسف لاضطرار الاتحاد للذهاب في إضرابات عامة، لأن ذلك مُضرّ بالبلاد، ولكننا نعرف ان قرار الإضراب خاصة العام ليس سهلا حتى على الاتحاد. نرجو ان يكون صوت العقل هو الأعلى وأن تكون مصلحة تونس هي البوصلة.
خليل الحناشي
لا أحد مستفيد من الصراع بين الرئاسة والاتحاد
الدستور لا بد أن يكون موضوع نقاش وطني واسع يُشارك فيه الجميع
الأحزاب غرقت في صراعاتها السياسية والإيديولوجية وتصفية حسابات وأحقاد الماضي
وصف رئيس حزب حركة عازمون عياشي زمال الوضع العام في البلاد بالمُركب وشديد التعقيد على كل المستويات.
واعتبر أن اجراءات 25 جويلية لم توقف الصراع السياسي بل زادته حدة بسبب الاستقطاب الحاصل .
وقال في هذا السياق "إن المسار لم يكن تشاركيا وغابت عليه النخب التونسية والمثقفون والمنظمات وقوى المجتمع المدني والسياسيون. الدستور هو "تعاقد اجتماعي" ولكي نضمن له القبول والاستمرار لا بد أن يكون موضوع نقاش وطني واسع يُشارك فيه الجميع، للأسف هذا لم يحصل".
وفيما يلي نص الحوار
*كيف تقيمون الوضع العام للبلاد؟
في واقع الأمر نحن نعيش أزمة مُركّبة وشديدة التعقيد على كلّ المستويات. ما يعنينا أكثر في حركة "عازمون" هي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للبلاد. تدهور القدرة الشرائية وغلاء الأسعار والنقص الكبير في المواد الغذائية الأساسية والأدوية، وتسجيل بداية أزمة في الوقود، فضلا على الانقطاعات المُتكرّرة للماء الصالح لشرب ومخاطر نقص الماء على الفلاحة، هي أولويات التونسيين اليوم.
*لكن بالرغم من ذلك فان الصراع متواصل؟
نعم هذا صحيح حيث يتواصل الصراع السياسي، إذ هناك استقطاب حاد بين الرئيس قيس سعيد وخصومه. بين من يدعو إلى عودة "منظومة 25 جويلية" التي بان فشلها وبين "منظومة قيس سعيد" التي أبانت بعد عام تقريبا أنها لا تقلّ عنها فشلا. ونعتقد أن كل هذا الاهتمام بالمسائل الدستورية والقانونية يتم على حساب مشاكل التونسيين.
*هل تعتقدون أنه بالإمكان تجاوز هذا الوضع؟
طبعا نعتقد أنه يُمكن للتونسيين/ات تجاوز هذه الوضعية. ونحن في "عازمون" لولا إيماننا بهذه الإمكانية لما أسّسنا حركتنا.
ما يؤسفني أكثر هو أننا نواصل في تونس "إضاعة الفُرص"، فتونس تمتلك عناصر القوّة الناعمة من موقع جغرافي ومهارات في اليد العاملة ومقدرات في الطاقة البديلة، علاوة على ما تتمتع به من سمعة طيبة. نحن اليوم يُمكننا الاستفادة من الأزمات الدولية والإقليمية، لنحوّل تونس إلى بلد جاذب للاستثمار وفي قلب سوق الطاقة المستقبلي.
وهنا نقترح "ميثاقا اقتصاديا واجتماعيا وطنيا" يُغيّر المقاربات التنموية ويكون قائما على أولويات واضحة. نريد مضاعفة الثروة والعمل من أجل جعل "حقيقة الأجور" هي التحدي الأكبر. انتهى عصر الأجور المُنخفضة لجلب الاستثمار، يمكننا بيع طاقة منخفضة وخدمات لوجستيك عصرية. يُمكننا الاستثمار في شركة فسفاط قفصة وفي الفلاحة والطاقة.
هذه هي التحديات الحقيقية وهذه هي الثورة التي نريد تحقيقها.
*ولكن التحدي اليوم والأكبر هو الدستور المجهول اقتصاديا واجتماعيا فكيف تنظرون الى دستور سعيد وحواره الوطني؟
نحن في "عازمون" ايجابيون، نُمارس السياسة بشكل عقلاني. لذلك نعتقد أن منظومة الحُكم السابقة انتهت، وأن إجراءات الرئيس يوم 25 جويلية كانت لإعلان ذلك. ولكننا في نفس الوقت غير مرتاحين لتمشي الرئيس.
وغابت عليه النخب التونسية والمثقفون والمنظمات وقوى المجتمع المدني والسياسيون. الدستور هو "تعاقد اجتماعي" ولكي نضمن له القبول والاستمرار لا بد أن يكون موضوع نقاش وطني واسع يُشارك فيه الجميع، للأسف هذا لم يحصل. والحوار الذي تمّ يوحي بكونه لم يكن جدّيا وشهادة بعض المشاركين فيه غير مطمئنة، ورئيس الرابطة مثلا قال انه لم يطلع على نسخة الدستور.
لا نعرف حقيقة أين يوجد الدستور ومن يكتبه وما الذي سيحتويه. سننتظر الاطلاع على المسودة. ونتمنى أن تكون أفضل من دستور 1959، ومن دستور 2014. نريد منظومة حكم ناجعة، ودستورا يضمن الحريات العامة والخاصة، دستورا يليق بالشعب التونسي.
نحن نُريد نقاشا مجتمعيا، ونريد حياة سياسية تشاركية شفافة يهتم فيها الجميع بقضايا تونس لذلك ورغم كل تحفظاتنا على المسار وعلى الحوار وحتى على ضمانات "شفافية الاستفتاء" قرّرنا المشاركة في حملة الاستفتاء. لأننا ايجابيون ونريد أن يكون لنا رأي في مستقبل تونس، بالقبول أو بالرفض، وثقتنا في التونسيين/ات كبيرة، ونرفض كل أشكال الوصاية عليهم من أي كان.
*في ظل تراجع كبير لعدد هام من الأحزاب هل مازلتم تؤمنون بالأحزاب كوسيط بين المواطن والسلطة؟
طبعا لذلك أسسنا حركة "عازمون". اليوم هناك تفكير كوني في أشكال الانتظام السياسي، وهناك جدل حول تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي على الرأي العام، وهناك من يعتقد أن الأحزاب والجمعيات والنقابات انتهى دورها. هذا نقاش نظري مهم. لكننا نعتقد أن بدائل الأحزاب والجمعيات لم تتبلور بعد.
التجربة الحزبية في تونس مازالت جديدة، والمُمارسة السياسية الحزبية كانت سببا لهذه النظرة السلبية للأحزاب في تونس. وفي ذلك الكثير من الوجاهة. لقد اهتمت أغلب الأحزاب بالصراع حول السلطة.
*ولكن أصل الممارسة الحزبية هي الذهاب الى السلطة؟
نعم هي كذلك ولكن الأحزاب غرقت في صراعاتها السياسية والإيديولوجية وتصفية حسابات وأحقاد الماضي، وشجعت الأحزاب الموالاة على الكفاءات ونشرت ثقافة الانتهازية و"تدبير الراس"، كما أنها انخرطت بشكل أو بآخر في ترذيل بعضها البعض، ونزلت بالخطاب والنقاش السياسي إلى الحضيض. وهذا جعل الثقة فيها منعدمة.
ونحن في "عازمون" وقفنا على ذلك، وحرصنا على الاستفادة من تجارب الأحزاب، بتثمين المكاسب الديمقراطية وتجاوز مشاكل الحوكمة الداخلية ورعاية البرنامج وتجديد الخطاب والعمل على الدفع بجيل من القيادات السياسية الشبابية.
*كيف تصنفون تجربتكم السياسية الجديدة ومع من تلتقي من ناحية الأهداف؟
"عازمون" حركة ولدت في رحم مسار الإصلاح. التونسيون كانوا يُطالبون بالإصلاحات. هناك شبه إجماع وطني على أهمية وحتمية الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. لكن الاختلاف يكمن في كيفية القيام بذلك.
الاختلاف حول الأولويات. نعتقد أننا جئنا في مرحلة مهمة جدا. السياسة اليوم فعل نضالي، وتأسيس حزب فيه الكثير من الشجاعة والعزيمة. فنحن نمضي ضد تيار "عازف" على الأحزاب، وضد تيار قوي يحتاط من السياسيين. أمامنا "ورثة سلبية" دورنا هو تغيير نظرة التونسيين/ات، وإعادة الأمل وفرض نقاش سياسي رفيع.
*بهذا المعنى هل أن واقع السياسة اليوم سيختلف عما سبقه؟
السياسة اليوم لم تعد "توزيعا للغنيمة" لأنه لم يعد هناك ما يمكن توزيعه، اليوم علينا أن نُعيد للسياسة معناها الأصلي والنبيل، كيف نُغيّر حياة الناس؟ كيف نخلق الثروة؟ كيف نضاعف الأجور؟ كيف نقوّي المقدرة الشرائية؟ كيف نضمن السيادة الوطنية من خلال تحقيق الأمن الغذائي والطاقي والمائي؟
نعرف صعوبة المهمة، ولكننا عازمون على التحدي، وعازمون على النجاح، لأن "تونس مستحقتنا". وتحتاج كلّ أبنائها. نحن متواضعون ومنفتحون على كل القوى الوطنية المؤمنة بتونس مدنية ديمقراطية وتعمل من أجل مشروع حضاري لتونس.
*ماهي قدرتكم على التأثير في تغيير نظرة الشارع التونسي للأحزاب؟
هذه مهمة نضالية. نعرف صعوبتها ولكننا مستعدون. اعددنا برنامجا اقتصاديا واجتماعيا دقيقا، فيه مشاريع كبرى قابلة للتنفيذ وستغيّر وجه البلاد بسرعة.
شرعت الأكاديمية السياسية في النشاط، ونقوم بتكوين سياسي لجيل جديد من السياسيين، بخطاب جديد وكثير من الصدق والحماس. نحن نتعامل مع حياة سياسية متحركة ومعقّدة، يغلب عليها الصراع السياسي والأحقاد ودعوات الإقصاء. نريد أن نكون مختلفين، لأن التوانسة يستحقون حياة سياسية أفضل، ويحتاجون خاصة حزبا يتحدث عن قضاياهم المعيشية والاقتصادية ويعمل على جعلهم "يعيشوا بقدرهم" في بلادهم.
*سنة مرت منذ إعلان سعيد عن إجراءاته الاستثنائية كيف تقيمونها وهل نجح الرئيس في تصحيح المسار أم أضر بكل المسارات؟
للأسف هي فرصة أخرى مهدورة. نحن أبطال العالم في إهدار الفُرص. لم يتغيّر الكثير منذ سنة، بالعكس هناك مؤشرات سلبية أكثر. حتى الكورونا هناك تحذيرات من موجة جديدة.
كان الرئيس يوم 26 جويلية مدعوما بفئات واسعة من التونسيين التائقين للإصلاح، ومن المعارضين لمسار الحُكم الذي كانت تعيشه تونس، ولكن تلك الآمال الكبيرة بدأت تتبخّر تدريجيا. وتتواصل نفس منهجيات الحُكم بالتعويل على "الموالين" وإقصاء الكفاءات وهو ما أدى الى غياب النجاعة، ويكاد الوضع الاجتماعي ينفجر.
كما أن الرئيس برفضه محاورة التونسيين وتمسّكه بطريقة حُكم انفرادية واستحواذه على كل السلطات وتعطيله للمسار الدستوري، عزل تونس دوليا. ونرى آثار ذلك على علاقاتنا مع شركائنا الدوليين ومع المانحين.
بصراحة الوضعية تزداد تعقيدا، ولم نحقّق شيئا من الإصلاحات الضرورية، وهذا يضيّع على تونس فرصا كثيرة.
*على ذكر الشركاء.. هل نجح شركاء تونس اقتصاديا وديمقراطيا في تحجيم امتداد سعيد وإجراءاته أم أن تدخلاتهم لم تكن ذات جدوى كما يروج أنصار الرئيس لذلك؟
منذ بدء الإجراءات الاستثنائية عرفت علاقاتنا بشركائنا تطوّرا في المواقف. في البداية كان هناك "تفهّم" فقد كان الجميع متابعا لتعثّر المسار الديمقراطي. كان هناك وعي خارجي مثل الداخلي تماما، بأن "الديمقراطية الناشئة" كانت تعاني تشوهات وان الفساد كان ينخُرُها، وأن النخب السياسية كان فيها فساد وصراعاتها عبثية وأنها تمثّل خطرا على الديمقراطية، ونتذكر تصريحات السفير الأوروبي أو تقرير البنك الدولي أو تقرير "مجموعة الأزمات".
بعد التفهم بدأت الحيرة التي تحولت إلى قلق فرفض. كان شركاء تونس يريدون "عملية جريئة" لإعادة المسار الديمقراطي الى سكة الإصلاح، ولكنهم لا يريدون إنهاء المسار وإلغاء الحياة السياسية التشاركية، وهذا قادنا الى ما يُشبه العُزلة. يكفي أن ننظر الى المفاوضات مع صندوق النقد، والى إجراءات الاتحاد الأوروبي والى غلق الحدود المتواصل مع الجزائر لنفهم أن الحل يكمن في تأمين حياة ديمقراطية سليمة قائمة على دستور يضمن الحقوق والحريات وعلى نظام حكم قائم على مؤسسات قوية، هذا ما يُريده التونسيون وما يُطالب به شركاؤنا.
*يرى البعض من المعارضة أن ما تعيشه تونس اليوم هو دخول في مرحلة بعد سعيد وأن الرئيس في عزلة تامة داخليا وخارجيا وهو ما دفعه لممارسة الكثير من الأخطاء السياسية؟
ونحن نرى أن هذه المعارضة تعيش عزلة داخلية أيضا. هناك نوع من "الإقصاء التبادلي" أي حالة "إنكار". معارضة الرئيس المُتمسّكة بالعودة الى ما قبل 25 جويلية، تُنكرُ ارتفاع رفض التونسيين لها، وتتجاهلُ دورها في تعفين الأوضاع السياسية ومسؤوليتها في الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها تونس. وهي لا تريد أن تتفاعل مع الوضع الجديد.
الرئيس أيضا يُنكرُ ان هناك قوى حية أخرى، وطنية وصادقة ولكنها تعارض خياراته وهي حريصة مثله على نفع تونس وعلى محاربة الفساد السياسي والاجتماعي. الرئيس أيضا لا يتفاعل بطريقة مرنة مع الأصوات التي تريد الإصلاح، ورأينا كيفية تعامله مع توصيات لجنة البندقية الاستشارية، أو تقارير وكالات التصنيف الائتماني.
الحقيقة أن تونس تحتاج اليوم مقاربة سياسية تشاركية داخليا، وتحتاج إلى تفعيل كل عناصر قوتها الناعمة لتوفير الدعم الخارجي من أصدقاء تونس، في إطار احترام السيادة والقرار الوطني.
*من الملاحظ أن الخلاف بين قرطاج وبطحاء محمد علي آخذة في التصعيد أكثر وأكثر ماهي قراءتكم لهذه المعركة الحاسمة؟
هي معركة كنا في غنى عنها. لا تحتاج تونس مثل هذه الصراعات. ولا أحد في تقديرنا مستفيد من هذا الصراع، الجميعُ خاسرون.
الاتحاد منظمة وطنية ولها أهميتها ومن واجبها المشاركة في ضبط السياسات الاقتصادية والاجتماعية الوطنية، والرئيس يحتاج إلى دعم المنظمات الوطنية وكل القوى الوطنية المؤمنة بتونس المدنية الديمقراطية. لا حل في تونس إلا بمنظومة حُكم تشاركية، فلا أحد وحده يمتلكُ الحقيقة، ولا أحد وحده يُمكنه إصلاح البلاد. جميعُنا معنيون بذلك، ولذلك نحن نقترح "ميثاقا اقتصاديا واجتماعيا" يرسم صورة تونس المستقبل، ويتم فيه تحديد الاستراتيجيات والأهداف والادوار.
*كثر الحديث في الآونة الأخيرة ان هناك نية لتحجيم دور الاتحاد العام التونسي للشغل سياسيا وان منظمة حشاد اليوم محشورة في الزاوية حتى ان الإضراب العام لم يغير من واقع السياسة اصلا؟
هذا كلام فارغ، ولا قيمة له. من يقول ذلك لا يعرف الاتحاد ولا تاريخه ولا دوره الوطني والاجتماعي. اتحاد الشغل شريك وطني في معركة التحرر الوطني وبناء الدولة وتحقيق المكاسب الاجتماعية، كما أنه كان مساهما في الحركة الديمقراطية وحمى الدولة بعد الثورة، وحمى المسار الديمقراطي في الحوار الوطني. الاتحاد منظمة نقابية دورها اجتماعي، ولكنها كانت دائما مشاركة في السياسات الكُبرى. وعند الازمات يُسارع السياسيون للذهاب اليه وليس من المنطقي ان تتم مهاجمته عند زوال الحاجة اليه. واذا كان الاتحاد "تجاوز" أحيانا دوره، فذلك يعود إلى عجز السياسيين على القيام بدورهم. فالاتحاد شريك وليس مجرد نقابة.
نأسف لتعطّل الحوار مع الحكومة، ولتوتّر العلاقة مع الرئيس، ونأسف لاضطرار الاتحاد للذهاب في إضرابات عامة، لأن ذلك مُضرّ بالبلاد، ولكننا نعرف ان قرار الإضراب خاصة العام ليس سهلا حتى على الاتحاد. نرجو ان يكون صوت العقل هو الأعلى وأن تكون مصلحة تونس هي البوصلة.