إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

منتدى الصباح: بعد انتهاء ولاية الدبيبة احتمال اندلاع حرب أهلية مجددا غير مستبعد

بقلم: رشيد خشانة*

انتظرالليبيون يوم الحادي والعشرين من جوان الجاري (الثلاثاء)، الذي وصلت فيه خارطة الطريق إلى نهايتها، بعدما كان "ملتقى الحوار السياسي الليبي" في تونس قد أقرها في نوفمبر من 2020، والتي تشكلت بناء عليها حكومة عبد الحميد الدبيبة. وهم يتطلعون إلى معرفة ما سيسفر عنه المستقبل السياسي للبلد، الذي مازالت تلفه غلالة سميكة من الضباب. وما زاد المشهد غموضا وتعقيدا أن تلك النهاية تزامنت مع انتهاء ولاية حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة الدبيبة من دون وجود بديل منتخب، فيما عجزت الحكومة الموازية برئاسة فتحي باشاغا عن الدخول إلى العاصمة، كي يتسنى لوزرائها تسلُم حقائبهم الوزارية. وفي هذا المناخ المشحون اندلع قتال في حديقة عامة بقلب طرابلس بين جماعتين مسلحتين أسفر عن سقوط قتيل وعدة جرحى من المدنيين. ولهذا السبب حذر مراقبون، بعد انتهاء ولاية الدبيبة، من احتمال اندلاع حرب أهلية مجددا، بعدما ظل البلد في حماية اتفاق وقف إطلاق النار، الذي يعود إلى عام 2020. أكثر من ذلك، صُدم الليبيون بالتصريحات الأخيرة لعضو مجلس الدولة بلقاسم قزيط، التي كشف من خلالها النقاب عن عبثية الحوارات التي تجري في القاهرة. وقال قزيط في تصريحات صحفية إن ما أشيع ويشاع عن الوصول إلى توافق بين الأطراف الليبية، في أعقاب اجتماع في القاهرة بين رئيسي مجلس الدولة ومجلس النواب خالد المشري وعقيلة صالح هو "خداعٌ للرأي العام".

وبحسب قزيط تُشكل مسألة ترشيح العسكريين للانتخابات الرئاسية إحدى نقاط الخلاف البارزة، إضافة إلى استبعاد حاملي الجنسيات المزدوجة أيضا من الترشح. إلا أن قزيط يعتبر في الوقت نفسه، السماح بترشح العسكريين للانتخابات الرئاسية اختبارا حقيقيا لمدى التوافق بين الأجسام الليبية، خصوصا أن الأطراف المتشاورة في القاهرة اتفقت على 200 مادة، واختلفت على عدد قليل من المواد، لكنها موادٌ أساسية. ومن الواضح أن إصرار عقيلة صالح على البند الذي يسمح للعسكريين بالترشح نابعٌ من رغبة حليفه اللواء المتقاعد خليفة حفتر الجامحة في الترشح لأعلى منصب في الدولة.

خبرة طويلة بالملف الليبي

وسط هذا الاضطراب، ومع تعثر الحوار في القاهرة، تحركت دول اقليمية لمحاولة التأثير المباشر في دفع المسار المُعطل، وأساسا المغرب، الذي دعا قادة أجسام عسكرية من المنطقة الغربية، إلى الاجتماع في ضاحية الصخيرات، على أمل المساعدة على الوصول إلى حل يُنهي التنازع على الشرعية بين الدبيبة وباشاغا، ويفتح الطريق لإجراء الانتخابات. والمغاربة عارفون بتفاصيل الملف الليبي ومطباته وألغامه، ولذا أقدموا على هذه المحاولة انطلاقا من تلك الخبرة، فدعوا إلى الصخيرات الوفد المؤلف من قادة التشكيلات العسكرية في العاصمة طرابلس ومدن غربية أخرى، واجتمعوا في اليوم نفسه، مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ووفد عسكري من المنطقة الشرقية برئاسة أبوالقاسم حفتر، أحد أبناء خليفة حفتر، وآمر جهاز الأمن المركزي عبد الغني الككلي، المشهور بلقب "غنيوة". ويعتمد المغاربة في هذه المهمة، التي تبدو عسيرة، على خبرتهم الطويلة في الملف الليبي، خصوصا بعدما لعبوا دورا رئيسيا في الوصول إلى "اتفاق الصخيرات" (2015). وأنهى ذلك الاتفاق حربا أهلية استمرت سنوات، ووضع حدا للتنافس بين ثلاث حكومات على الشرعية، بميلاد حكومة فائز السراج، المعترف بها دوليا.

والأرجح أن الرباط تدرك أن السلك الكهربائي في ليبيا يوجد بين أيدي الجماعات المسلحة، التي صارت تتنطع أحيانا، فتغدو أقوى من مموليها. ولذلك فضل المغاربة تعبيد الطريق إلى الحل السياسي، بالاستماع إلى قادة تلك المليشيات وإيجاد حلول تضمن مصيرهم في مرحلة السلم. وربما من الطبيعي أن يسعى أولئك القائمون على الجماعات المسلحة إلى نسف أي اتفاق يُعيد السلام الحقيقي إلى البلد، لكونهم الخاسرين الأوائل من انتهاء الصراع الأهلي.

تقرير سويسري

وفي هذا الصدد أظهر تقرير لصحيفة "لوتون" (الزمان) السويسرية أن النخب العسكرية في ليبيا زادت ثراء في ظل الفوضى العارمة. وذكرت كاتبة التقرير الباحثة آريان لافريو أن القيادات العسكرية هي التي استفادت من الأوضاع غير المستقرة منذ 2011، بينما ازدادت نسبة الفقر لدى عموم السكان، في ظل تفاقم الفساد والبطالة وتراجع قيمة العملة الليبية. وأفاد القائد العسكري للمنطقة الغربية الرائد صلاح الدين النمروش أن ما بين ألفين وثلاثة آلاف مسلح يأتمرون بأوامره، مؤكدا أن أربع مواجهات عسكرية على الأقل، حدثت منذ بداية الشهر الماضي، ولم يستبعد أن يتجدد القتال. وأظهر تسجيل بواسطة الفيديو رئيس الحكومة الدبيبة وهو يعطي الأوامر بالهاتف، لقيادة السرية 444، بـ"إسكات المدافع بكل الوسائل (في العاصمة طرابلس)". وكان سكان العاصمة عاشوا ليالي طويلة من الترويع بعدما أطلق اللواء خليفة حفتر هجوما شاملا للاستيلاء على طرابلس في الرابع من أفريل 2019. ولولا الدعم العسكري الذي أرسل إلى الحكومة المعترف بها دوليا من الدولة التركية، والذي قلب الموازين العسكرية، لما اضطر حفتر إلى سحب قواته من ضواحي طرابلس.

مبادرة افريقية مُجهضة

ودخل الاتحاد الأفريقي على خط الأزمة الليبية، بعد صمت مديد، من خلال الجولة التي قام بها وفد من الاتحاد بقيادة وزير خارجية جمهورية الكونغو (برازافيل)، جان كلود جاكوسو. وقال الوفد إنه قدم، خلال زيارتيه لطرابلس وبنغازي، تصورا بإقامة مؤتمر جامع برعاية الاتحاد الأفريقي، يضم كافة الأطراف الليبية ويصل إلى عملية انتخابية تنبثق منها سلطات جديدة. ونقل البيان نفسه عن جاكوسو قوله إن زيارته على رأس الوفد "جاءت بناء على قرار دولي وقرار أفريقي تم اتخاذهما في مؤتمر برلين وبالاتفاق مع الأمين العام للأمم المتحدة، يقضيان بأن المصالحة الوطنية موكلة إلى الاتحاد الأفريقي، وأن "الملف الليبي مطروح على أعلى مستوى في رئاسة التكتل". وأكد جاكوسو أن التكتل "يعمل منذ سنوات من أجل اجتياز الشعب الليبي لهذه المحنة"، معتبرا أن "المصالحة الوطنية هي الحل الوحيد للخروج من كل الأزمات التي تمر بها ليبيا".

الأحزاب والمصالحة

من هذه الزاوية يمكن اعتبار المبادرة التي أقدمت على اتخاذها مجموعة من الأحزاب الليبية، بالدعوة إلى مصالحة وطنية وجمع الفرقاء تحت مظلة المجلس الرئاسي، أقرب إلى الواقع وأوفر فرصا للنجاح، وإن كان حجم الأحزاب الليبية لا يبعد عن وزن الريشة. وأكد رؤساء عدد من الأحزاب "تأييدهم الكامل لخطوات المجلس الرئاسي لتحقيق مشروع المصالحة الوطنية وجمع الفرقاء ولمّ شمل الليبيين"، معتبرين أن المجلس يمثل وحدة التراب الليبي. وأتى ذلك خلال لقاء رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي بعدد من رؤساء الأحزاب في طرابلس لبحث مستجدات الأوضاع السياسية في البلد، إضافة إلى مناقشة سبل حلحلة بعض الإشكالات الراهنة، وخاصة السياسية والأمنية منها، بتقديم مقترحات من شأنها أن تُساهم في السير نحو تحقيق السلام والاستقرار في ليبيا.

ولو تبنى المنفي ومعه عضوا المجلس الآخران، هذه المبادرة ستكون لها، ربما، تبعات ومخرجات تُقرب المسافة بين أطراف الأزمة، لكن من دون إشراك الأحزاب فيها مباشرة. في المقابل يملك المجتمع المدني في ليبيا وزنا أكبر من وزن الأحزاب، بالرغم من سياسة التضييق المُمنهجة التي سلكتها الحكومات المتتالية والأجسام العسكرية في تعاطيها مع مكونات المجتمع المدني. أكثر من ذلك دفعت الجمعيات والروابط والنقابات والشخصيات المستقلة ثمنا باهظا لحماية مربعات الحرية الأخيرة قبل إسكات الأصوات المخالفة، بالخطف والسجن وحتى بالتصفية الجسدية مثلما حصل للنائب سهام سيرغيوة في أحد الشوارع الرئيسية لبنغازي، التي يتحكم فيها أبناء اللواء حفتر.

كما يُعزى وهن مكونات المجتمع المدني في ليبيا إلى انتشار الأفكار المعادية لأي تنظيم عصري للمجتمع واللجوء في كثير من الأحيان، إلى البنى القبلية بوصفها وسيلة للحكم. وساهم تغييب الدولة سواء في خطاب معمر القذافي أو في ممارساته (مثل إقامة خيمته الشهيرة في حديقة قصر الإيليزي) في تهميش تلك المكونات، إلى درجة أن بعض الباحثين، أسوة بليزا أندرسون، يجزمون بأن الدولة لم توجد في ليبيا قبل 2011، وكذلك المجتمع المدني، باعتباره مرآة عاكسة للدولة بحسب ما قالت. وعلى خلاف الانتفاضات في تونس ومصر واليمن وحتى في سوريا، فإن التمرد على السلطات في ليبيا ارتدى سريعا طابعا عسكريا قويا، وأفسح المجال للقوى الغربية والشرقية، للتدخل المباشر في الحرب الأهلية. ولم تتوفق القوى الليبية المتمسكة بما تبقى من سيادة واستقلال قرار، في إيصال صوتها والتأثير في مسارات الحل السلمي.

* مدير المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا

 

 

منتدى الصباح: بعد انتهاء ولاية الدبيبة  احتمال اندلاع حرب أهلية مجددا غير مستبعد

بقلم: رشيد خشانة*

انتظرالليبيون يوم الحادي والعشرين من جوان الجاري (الثلاثاء)، الذي وصلت فيه خارطة الطريق إلى نهايتها، بعدما كان "ملتقى الحوار السياسي الليبي" في تونس قد أقرها في نوفمبر من 2020، والتي تشكلت بناء عليها حكومة عبد الحميد الدبيبة. وهم يتطلعون إلى معرفة ما سيسفر عنه المستقبل السياسي للبلد، الذي مازالت تلفه غلالة سميكة من الضباب. وما زاد المشهد غموضا وتعقيدا أن تلك النهاية تزامنت مع انتهاء ولاية حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة الدبيبة من دون وجود بديل منتخب، فيما عجزت الحكومة الموازية برئاسة فتحي باشاغا عن الدخول إلى العاصمة، كي يتسنى لوزرائها تسلُم حقائبهم الوزارية. وفي هذا المناخ المشحون اندلع قتال في حديقة عامة بقلب طرابلس بين جماعتين مسلحتين أسفر عن سقوط قتيل وعدة جرحى من المدنيين. ولهذا السبب حذر مراقبون، بعد انتهاء ولاية الدبيبة، من احتمال اندلاع حرب أهلية مجددا، بعدما ظل البلد في حماية اتفاق وقف إطلاق النار، الذي يعود إلى عام 2020. أكثر من ذلك، صُدم الليبيون بالتصريحات الأخيرة لعضو مجلس الدولة بلقاسم قزيط، التي كشف من خلالها النقاب عن عبثية الحوارات التي تجري في القاهرة. وقال قزيط في تصريحات صحفية إن ما أشيع ويشاع عن الوصول إلى توافق بين الأطراف الليبية، في أعقاب اجتماع في القاهرة بين رئيسي مجلس الدولة ومجلس النواب خالد المشري وعقيلة صالح هو "خداعٌ للرأي العام".

وبحسب قزيط تُشكل مسألة ترشيح العسكريين للانتخابات الرئاسية إحدى نقاط الخلاف البارزة، إضافة إلى استبعاد حاملي الجنسيات المزدوجة أيضا من الترشح. إلا أن قزيط يعتبر في الوقت نفسه، السماح بترشح العسكريين للانتخابات الرئاسية اختبارا حقيقيا لمدى التوافق بين الأجسام الليبية، خصوصا أن الأطراف المتشاورة في القاهرة اتفقت على 200 مادة، واختلفت على عدد قليل من المواد، لكنها موادٌ أساسية. ومن الواضح أن إصرار عقيلة صالح على البند الذي يسمح للعسكريين بالترشح نابعٌ من رغبة حليفه اللواء المتقاعد خليفة حفتر الجامحة في الترشح لأعلى منصب في الدولة.

خبرة طويلة بالملف الليبي

وسط هذا الاضطراب، ومع تعثر الحوار في القاهرة، تحركت دول اقليمية لمحاولة التأثير المباشر في دفع المسار المُعطل، وأساسا المغرب، الذي دعا قادة أجسام عسكرية من المنطقة الغربية، إلى الاجتماع في ضاحية الصخيرات، على أمل المساعدة على الوصول إلى حل يُنهي التنازع على الشرعية بين الدبيبة وباشاغا، ويفتح الطريق لإجراء الانتخابات. والمغاربة عارفون بتفاصيل الملف الليبي ومطباته وألغامه، ولذا أقدموا على هذه المحاولة انطلاقا من تلك الخبرة، فدعوا إلى الصخيرات الوفد المؤلف من قادة التشكيلات العسكرية في العاصمة طرابلس ومدن غربية أخرى، واجتمعوا في اليوم نفسه، مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ووفد عسكري من المنطقة الشرقية برئاسة أبوالقاسم حفتر، أحد أبناء خليفة حفتر، وآمر جهاز الأمن المركزي عبد الغني الككلي، المشهور بلقب "غنيوة". ويعتمد المغاربة في هذه المهمة، التي تبدو عسيرة، على خبرتهم الطويلة في الملف الليبي، خصوصا بعدما لعبوا دورا رئيسيا في الوصول إلى "اتفاق الصخيرات" (2015). وأنهى ذلك الاتفاق حربا أهلية استمرت سنوات، ووضع حدا للتنافس بين ثلاث حكومات على الشرعية، بميلاد حكومة فائز السراج، المعترف بها دوليا.

والأرجح أن الرباط تدرك أن السلك الكهربائي في ليبيا يوجد بين أيدي الجماعات المسلحة، التي صارت تتنطع أحيانا، فتغدو أقوى من مموليها. ولذلك فضل المغاربة تعبيد الطريق إلى الحل السياسي، بالاستماع إلى قادة تلك المليشيات وإيجاد حلول تضمن مصيرهم في مرحلة السلم. وربما من الطبيعي أن يسعى أولئك القائمون على الجماعات المسلحة إلى نسف أي اتفاق يُعيد السلام الحقيقي إلى البلد، لكونهم الخاسرين الأوائل من انتهاء الصراع الأهلي.

تقرير سويسري

وفي هذا الصدد أظهر تقرير لصحيفة "لوتون" (الزمان) السويسرية أن النخب العسكرية في ليبيا زادت ثراء في ظل الفوضى العارمة. وذكرت كاتبة التقرير الباحثة آريان لافريو أن القيادات العسكرية هي التي استفادت من الأوضاع غير المستقرة منذ 2011، بينما ازدادت نسبة الفقر لدى عموم السكان، في ظل تفاقم الفساد والبطالة وتراجع قيمة العملة الليبية. وأفاد القائد العسكري للمنطقة الغربية الرائد صلاح الدين النمروش أن ما بين ألفين وثلاثة آلاف مسلح يأتمرون بأوامره، مؤكدا أن أربع مواجهات عسكرية على الأقل، حدثت منذ بداية الشهر الماضي، ولم يستبعد أن يتجدد القتال. وأظهر تسجيل بواسطة الفيديو رئيس الحكومة الدبيبة وهو يعطي الأوامر بالهاتف، لقيادة السرية 444، بـ"إسكات المدافع بكل الوسائل (في العاصمة طرابلس)". وكان سكان العاصمة عاشوا ليالي طويلة من الترويع بعدما أطلق اللواء خليفة حفتر هجوما شاملا للاستيلاء على طرابلس في الرابع من أفريل 2019. ولولا الدعم العسكري الذي أرسل إلى الحكومة المعترف بها دوليا من الدولة التركية، والذي قلب الموازين العسكرية، لما اضطر حفتر إلى سحب قواته من ضواحي طرابلس.

مبادرة افريقية مُجهضة

ودخل الاتحاد الأفريقي على خط الأزمة الليبية، بعد صمت مديد، من خلال الجولة التي قام بها وفد من الاتحاد بقيادة وزير خارجية جمهورية الكونغو (برازافيل)، جان كلود جاكوسو. وقال الوفد إنه قدم، خلال زيارتيه لطرابلس وبنغازي، تصورا بإقامة مؤتمر جامع برعاية الاتحاد الأفريقي، يضم كافة الأطراف الليبية ويصل إلى عملية انتخابية تنبثق منها سلطات جديدة. ونقل البيان نفسه عن جاكوسو قوله إن زيارته على رأس الوفد "جاءت بناء على قرار دولي وقرار أفريقي تم اتخاذهما في مؤتمر برلين وبالاتفاق مع الأمين العام للأمم المتحدة، يقضيان بأن المصالحة الوطنية موكلة إلى الاتحاد الأفريقي، وأن "الملف الليبي مطروح على أعلى مستوى في رئاسة التكتل". وأكد جاكوسو أن التكتل "يعمل منذ سنوات من أجل اجتياز الشعب الليبي لهذه المحنة"، معتبرا أن "المصالحة الوطنية هي الحل الوحيد للخروج من كل الأزمات التي تمر بها ليبيا".

الأحزاب والمصالحة

من هذه الزاوية يمكن اعتبار المبادرة التي أقدمت على اتخاذها مجموعة من الأحزاب الليبية، بالدعوة إلى مصالحة وطنية وجمع الفرقاء تحت مظلة المجلس الرئاسي، أقرب إلى الواقع وأوفر فرصا للنجاح، وإن كان حجم الأحزاب الليبية لا يبعد عن وزن الريشة. وأكد رؤساء عدد من الأحزاب "تأييدهم الكامل لخطوات المجلس الرئاسي لتحقيق مشروع المصالحة الوطنية وجمع الفرقاء ولمّ شمل الليبيين"، معتبرين أن المجلس يمثل وحدة التراب الليبي. وأتى ذلك خلال لقاء رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي بعدد من رؤساء الأحزاب في طرابلس لبحث مستجدات الأوضاع السياسية في البلد، إضافة إلى مناقشة سبل حلحلة بعض الإشكالات الراهنة، وخاصة السياسية والأمنية منها، بتقديم مقترحات من شأنها أن تُساهم في السير نحو تحقيق السلام والاستقرار في ليبيا.

ولو تبنى المنفي ومعه عضوا المجلس الآخران، هذه المبادرة ستكون لها، ربما، تبعات ومخرجات تُقرب المسافة بين أطراف الأزمة، لكن من دون إشراك الأحزاب فيها مباشرة. في المقابل يملك المجتمع المدني في ليبيا وزنا أكبر من وزن الأحزاب، بالرغم من سياسة التضييق المُمنهجة التي سلكتها الحكومات المتتالية والأجسام العسكرية في تعاطيها مع مكونات المجتمع المدني. أكثر من ذلك دفعت الجمعيات والروابط والنقابات والشخصيات المستقلة ثمنا باهظا لحماية مربعات الحرية الأخيرة قبل إسكات الأصوات المخالفة، بالخطف والسجن وحتى بالتصفية الجسدية مثلما حصل للنائب سهام سيرغيوة في أحد الشوارع الرئيسية لبنغازي، التي يتحكم فيها أبناء اللواء حفتر.

كما يُعزى وهن مكونات المجتمع المدني في ليبيا إلى انتشار الأفكار المعادية لأي تنظيم عصري للمجتمع واللجوء في كثير من الأحيان، إلى البنى القبلية بوصفها وسيلة للحكم. وساهم تغييب الدولة سواء في خطاب معمر القذافي أو في ممارساته (مثل إقامة خيمته الشهيرة في حديقة قصر الإيليزي) في تهميش تلك المكونات، إلى درجة أن بعض الباحثين، أسوة بليزا أندرسون، يجزمون بأن الدولة لم توجد في ليبيا قبل 2011، وكذلك المجتمع المدني، باعتباره مرآة عاكسة للدولة بحسب ما قالت. وعلى خلاف الانتفاضات في تونس ومصر واليمن وحتى في سوريا، فإن التمرد على السلطات في ليبيا ارتدى سريعا طابعا عسكريا قويا، وأفسح المجال للقوى الغربية والشرقية، للتدخل المباشر في الحرب الأهلية. ولم تتوفق القوى الليبية المتمسكة بما تبقى من سيادة واستقلال قرار، في إيصال صوتها والتأثير في مسارات الحل السلمي.

* مدير المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews