إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في ظل إرادة مشتركة للبلدين.. فرصوفيا تحتضن انطلاقة مرحلة جديدة من التعاون التونسي–البولوني

من العاصمة البولونية فرصوفيا، حيث انعقد بحر الأسبوع الجاري منتدى الأعمال التونسي-البولوني، بدت ملامح مرحلة جديدة في مسار التعاون الثنائي بين البلدين، مرحلة عنوانها الدفع نحو آفاق تعاون أرحب، وتجسيد الإرادة المشتركة في تحويل علاقات الصداقة القديمة إلى شراكة متنوعة تقوم على تبادل المنافع وتنويع مجالات التعاون. ليكرس هذا المنتدى وبوضوح إرادة تونس وبولونيا في الارتقاء بعلاقاتهما نحو شراكة متعددة الأبعاد تقوم على العمل المشترك وتبادل المنافع وتنويع مجالات التعاون بما يعكس وعيا ثنائيا متبادلا بأهمية الاستثمار في المستقبل المشترك.

فما بين ضفتي المتوسط وبحر البلطيق، تتقاطع اليوم رغبة البلدين في بناء تعاون متجدد ينم عن وعي مشترك بضرورة الانتقال من مجرد الصداقة التقليدية إلى شراكة فاعلة قادرة على استثمار الفرص وفتح آفاق جديدة للنمو. في هذا الإطار التأم يوم 21 أكتوبر الجاري المنتدى الاقتصادي التونسي-البولوني، بمشاركة بعثة اقتصادية تونسية متعدّدة القطاعات ترأسها رئيس غرفة التجارة والصناعة لتونس المنصف بن جمعة فضلا عن عدد هام من المؤسسات البولونية الناشطة في مجالات الاقتصاد والصناعة والخدمات.

وقد ثمن القائمون على هذا المنتدى أهميته باعتباره محطة محورية في تعزيز الشراكات الثنائية ودعم الحضور التونسي في السوق البولونية خاصة وأن هذه الزيارة تكتسي أهمية بالغة كونها الأولى من نوعها لبعثة أعمال عن غرفة التجارة والصناعة لتونس إلى فرصوفيا بما يمنحها رمزية مضاعفة ودلالة على التحوّل في مقاربة التعاون بين البلدين، من دبلوماسية تقليدية إلى أخرى اقتصادية نشيطة تقوم على التقاء المؤسسات وتبادل الفرص والخبرات.

ومن بين جدول أعمال وفد الأعمال التونسي، زيارة ميدانية إلى محافظة «وودج» البولونية تم خلالها تنفيذ جلسة عمل تناولت بحث سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين الفاعلين التونسيين ونظرائهم البولونيين لاسيما في القطاعات ذات الاهتمام المشترك على غرار النسيج والصناعات الغذائية وصناعة مكونات السيارات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والصناعات الصيدلانية ومستحضرات التجميل، إلى جانب مجالات الفلاحة والتعليم العالي والبحث العلمي.

وهذه المجالات لا تمثّل فقط قطاعات ذات أهمية وقيمة مضافة عالية بل تعبّر أيضا عن إرادة متينة في بناء شراكة متكاملة تتجاوز منطق التبادل التجاري التقليدي إلى إقامة مشاريع مشتركة. كما تفتح هذه المبادرات المجال أمام المؤسسات الصغرى والمتوسطة لتكون جزءا فعالا من حركية الانفتاح الاقتصادي التي تراهن عليها تونس اليوم عبر العمل المتعدد الأطراف.

في هذا الخصوص جدير بالذكر أن هذا المنتدى قد شكل أكثر من مجرد محطة لتعزيز التعاون الثنائي ين البلدين، حيث كان امتدادا لمسار العلاقات التونسية–البولونية التي تشهد اليوم زخما متجددا تترجمه إرادة مشتركة لدفع التعاون نحو أفق أوسع خاصة وأن البلدين تربطهما علاقات دبلوماسية تعود إلى أكثر من ستة عقود شهدت خلالها هذه العلاقات محطّات تعاون متنوعة.

ديناميكية جديدة

وبالرغم من التعاون الضارب في القدم إلا أن السنوات الأخيرة في مسار التعاون الثنائي بين البلدين قد كشف عن إرادة مشتركة في إرساء ديناميكية جديدة قوامها الاقتصاد والاستثمار.

فبولونيا، باعتبارها إحدى القوى الصاعدة في أوروبا الشرقية وعضوا فاعلا في الاتحاد الأوروبي تمثّل لتونس شريكا ذو إمكانيات كبيرة في مجالات التكنولوجيا، والصناعات التحويلية، والطاقة المتجددة، والتعليم العالي، والسياحة وغيرها من المجالات الحيوية، وفي المقابل، تمثل تونس بما تمتلكه من موقع استراتيجي بين إفريقيا وأوروبا ومن كفاءات بشرية واعدة، بوابة هامة للمؤسسات البولونية نحو الأسواق الإفريقية والعربية بما يجعل من الشراكة بين البلدين خيارا استراتيجيا أكثر من كونه مجرد تبادل ظرفي للمصالح المشتركة..

في هذا السياق وفي إطار العمل المتعدد الأطراف فإن تنويع الشركاء الاقتصاديين بات اليوم ضرورة ملحّة لتونس في ظل التحوّلات العالمية. فبينما تظل أوروبا الغربية الشريك التجاري الأول لتونس فإن توسيع التعاون نحو أوروبا الشرقية، وعلى رأسها بولونيا، يندرج في إطار رؤية أوسع تسعى إلى إعادة تموقع تونس في الأسواق الأوروبية، واستثمار التغيّرات في موازين القوى داخل الاتحاد الأوروبي نفسه.

ومن هذا المنطلق، يأتي المنتدى الاقتصادي بفرصوفيا تجسيدا عمليا للتوجّه نحو دبلوماسية اقتصادية نشيطة تمنح أهمية بالغة للفعل الميداني ولثقافة المبادرة بما يجعله قاطرة نحو التنمية..

نحو رؤية مستقبلية

في هذا الخضم تدخل العلاقات التونسية-البولونية اليوم مرحلة مفصلية، تتجاوز العلاقات التقليدية إلى شراكة تقوم على الثقة المتبادلة والمصالح المشتركة على أن المطلوب اليوم بالتوازي مع اللقاءات الاقتصادية والمنتديات الملتئمة إرساء آلية متابعة مستمرة تضمن تحويل التوصيات إلى مشاريع ملموسة. فتونس الجديدة تراهن على الدبلوماسية الاقتصادية كقوة ناعمة لفتح أسواق جديدة وجلب الاستثمارات وتوسيع شبكة شراكاتها. ومثل هذه المبادرات تؤكد أنّ التعاون بين تونس وبولونيا ليس محطة ظرفية بل مسارا استراتيجيا يعيد رسم موقع تونس على الخارطة الأوروبية، ويمنح للعلاقات الثنائية زخما جديدا يعكس إرادة البلدين في بناء مستقبل مشترك قوامه التنمية المتبادلة والانفتاح المتبادل.

منال حرزي  

في ظل إرادة مشتركة للبلدين..     فرصوفيا تحتضن انطلاقة مرحلة جديدة من التعاون التونسي–البولوني

من العاصمة البولونية فرصوفيا، حيث انعقد بحر الأسبوع الجاري منتدى الأعمال التونسي-البولوني، بدت ملامح مرحلة جديدة في مسار التعاون الثنائي بين البلدين، مرحلة عنوانها الدفع نحو آفاق تعاون أرحب، وتجسيد الإرادة المشتركة في تحويل علاقات الصداقة القديمة إلى شراكة متنوعة تقوم على تبادل المنافع وتنويع مجالات التعاون. ليكرس هذا المنتدى وبوضوح إرادة تونس وبولونيا في الارتقاء بعلاقاتهما نحو شراكة متعددة الأبعاد تقوم على العمل المشترك وتبادل المنافع وتنويع مجالات التعاون بما يعكس وعيا ثنائيا متبادلا بأهمية الاستثمار في المستقبل المشترك.

فما بين ضفتي المتوسط وبحر البلطيق، تتقاطع اليوم رغبة البلدين في بناء تعاون متجدد ينم عن وعي مشترك بضرورة الانتقال من مجرد الصداقة التقليدية إلى شراكة فاعلة قادرة على استثمار الفرص وفتح آفاق جديدة للنمو. في هذا الإطار التأم يوم 21 أكتوبر الجاري المنتدى الاقتصادي التونسي-البولوني، بمشاركة بعثة اقتصادية تونسية متعدّدة القطاعات ترأسها رئيس غرفة التجارة والصناعة لتونس المنصف بن جمعة فضلا عن عدد هام من المؤسسات البولونية الناشطة في مجالات الاقتصاد والصناعة والخدمات.

وقد ثمن القائمون على هذا المنتدى أهميته باعتباره محطة محورية في تعزيز الشراكات الثنائية ودعم الحضور التونسي في السوق البولونية خاصة وأن هذه الزيارة تكتسي أهمية بالغة كونها الأولى من نوعها لبعثة أعمال عن غرفة التجارة والصناعة لتونس إلى فرصوفيا بما يمنحها رمزية مضاعفة ودلالة على التحوّل في مقاربة التعاون بين البلدين، من دبلوماسية تقليدية إلى أخرى اقتصادية نشيطة تقوم على التقاء المؤسسات وتبادل الفرص والخبرات.

ومن بين جدول أعمال وفد الأعمال التونسي، زيارة ميدانية إلى محافظة «وودج» البولونية تم خلالها تنفيذ جلسة عمل تناولت بحث سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين الفاعلين التونسيين ونظرائهم البولونيين لاسيما في القطاعات ذات الاهتمام المشترك على غرار النسيج والصناعات الغذائية وصناعة مكونات السيارات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والصناعات الصيدلانية ومستحضرات التجميل، إلى جانب مجالات الفلاحة والتعليم العالي والبحث العلمي.

وهذه المجالات لا تمثّل فقط قطاعات ذات أهمية وقيمة مضافة عالية بل تعبّر أيضا عن إرادة متينة في بناء شراكة متكاملة تتجاوز منطق التبادل التجاري التقليدي إلى إقامة مشاريع مشتركة. كما تفتح هذه المبادرات المجال أمام المؤسسات الصغرى والمتوسطة لتكون جزءا فعالا من حركية الانفتاح الاقتصادي التي تراهن عليها تونس اليوم عبر العمل المتعدد الأطراف.

في هذا الخصوص جدير بالذكر أن هذا المنتدى قد شكل أكثر من مجرد محطة لتعزيز التعاون الثنائي ين البلدين، حيث كان امتدادا لمسار العلاقات التونسية–البولونية التي تشهد اليوم زخما متجددا تترجمه إرادة مشتركة لدفع التعاون نحو أفق أوسع خاصة وأن البلدين تربطهما علاقات دبلوماسية تعود إلى أكثر من ستة عقود شهدت خلالها هذه العلاقات محطّات تعاون متنوعة.

ديناميكية جديدة

وبالرغم من التعاون الضارب في القدم إلا أن السنوات الأخيرة في مسار التعاون الثنائي بين البلدين قد كشف عن إرادة مشتركة في إرساء ديناميكية جديدة قوامها الاقتصاد والاستثمار.

فبولونيا، باعتبارها إحدى القوى الصاعدة في أوروبا الشرقية وعضوا فاعلا في الاتحاد الأوروبي تمثّل لتونس شريكا ذو إمكانيات كبيرة في مجالات التكنولوجيا، والصناعات التحويلية، والطاقة المتجددة، والتعليم العالي، والسياحة وغيرها من المجالات الحيوية، وفي المقابل، تمثل تونس بما تمتلكه من موقع استراتيجي بين إفريقيا وأوروبا ومن كفاءات بشرية واعدة، بوابة هامة للمؤسسات البولونية نحو الأسواق الإفريقية والعربية بما يجعل من الشراكة بين البلدين خيارا استراتيجيا أكثر من كونه مجرد تبادل ظرفي للمصالح المشتركة..

في هذا السياق وفي إطار العمل المتعدد الأطراف فإن تنويع الشركاء الاقتصاديين بات اليوم ضرورة ملحّة لتونس في ظل التحوّلات العالمية. فبينما تظل أوروبا الغربية الشريك التجاري الأول لتونس فإن توسيع التعاون نحو أوروبا الشرقية، وعلى رأسها بولونيا، يندرج في إطار رؤية أوسع تسعى إلى إعادة تموقع تونس في الأسواق الأوروبية، واستثمار التغيّرات في موازين القوى داخل الاتحاد الأوروبي نفسه.

ومن هذا المنطلق، يأتي المنتدى الاقتصادي بفرصوفيا تجسيدا عمليا للتوجّه نحو دبلوماسية اقتصادية نشيطة تمنح أهمية بالغة للفعل الميداني ولثقافة المبادرة بما يجعله قاطرة نحو التنمية..

نحو رؤية مستقبلية

في هذا الخضم تدخل العلاقات التونسية-البولونية اليوم مرحلة مفصلية، تتجاوز العلاقات التقليدية إلى شراكة تقوم على الثقة المتبادلة والمصالح المشتركة على أن المطلوب اليوم بالتوازي مع اللقاءات الاقتصادية والمنتديات الملتئمة إرساء آلية متابعة مستمرة تضمن تحويل التوصيات إلى مشاريع ملموسة. فتونس الجديدة تراهن على الدبلوماسية الاقتصادية كقوة ناعمة لفتح أسواق جديدة وجلب الاستثمارات وتوسيع شبكة شراكاتها. ومثل هذه المبادرات تؤكد أنّ التعاون بين تونس وبولونيا ليس محطة ظرفية بل مسارا استراتيجيا يعيد رسم موقع تونس على الخارطة الأوروبية، ويمنح للعلاقات الثنائية زخما جديدا يعكس إرادة البلدين في بناء مستقبل مشترك قوامه التنمية المتبادلة والانفتاح المتبادل.

منال حرزي