أسست تونس لتقاليد عريقة في استيراد وتصدير الملابس المُستعملة، إذ تُلاقي هذه التجارة رواجا كبيرا في بلادنا منذ سنوات طويلة، كما أنها تجذّرت في السلوك الاستهلاكي لدى الكثير من التونسيين.
وعلى الرغم من الطابع الاجتماعي للقطاع، إلا أنه يعدّ أحد الأنشطة الاقتصادية المُرتبطة بالوصول إلى السلع وتوزيعها سواء في السوق المحلية أو الأسواق الخارجية، ويتطلّب بالتالي حسن إدارة المؤسسة ودمجها في الاقتصاد التونسي والنسيج المؤسساتي الوطني، ودراية بحاجيات الحرفاء وتطلّعاتهم المُتنوّعة، وتطبيق مختلف القوانين المنظمة لهذا النشاط سارية المفعول. وفي هذا الصدد، أفاد رئيس الغرفة الوطنية لتجار الملابس المستعملة التابعة للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، الصحبي معلاوي، أن حجم الصادرات من الملابس المستعملة سنة 2024 قدّر بـ29 ألف طن بقيمة تقارب 125 مليون دينار.
صادرات موجهة أساسا إلى الأسواق الإفريقية والآسيوية
وفي حديثه لـ«الصباح»، قال الصحبي معلاوي إن الصادرات التونسية من «الفريب» موجهة أساسا إلى أسواق القارة الإفريقية، من بينها الكونغو والطوغو والكاميرون والصومال، والأسواق الآسيوية على سبيل المثال الهند وباكستان.
وتنتهج بلادنا سياسات تجارية جديدة ترنو إلى تعزيز توجه المؤسسات التونسية المصدّرة نحو أسواق جديدة بهدف اقتحام الأسواق الإفريقية والآسيوية، ورفع مبادلاتها التجارية مع هذه الدول. ويبرز تصدير الملابس المُستعملة كأحد السبل لتنمية الصادرات والاندماج الكلي في سلاسل القيمة الإقليمية والعالمية، وتحقيق تنمية ذات بعد قاري ودولي وتوسيع قاعدة الشركاء التجاريين والاقتصاديين.
واردات من دول الاتحاد الأوروبي وكندا والولايات المتحدة
وفي ما يتعلق بالواردات، أوضح مُحدثنا أنه خلال سنة 2024، بلغت الواردات 140 ألف طن بقيمة بنحو 285 مليون دينار، على أن تونس تُورّد بدرجة أولى من دول الاتحاد الأوروبي، من ضمنها فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، وبدرجة ثانية من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا.
وبالنسبة للسنة الحالية 2025، يتوقع الصحبي معلاوي تسجيل انخفاض نسبي في حجم الواردات بالنظر إلى أن المزود الرئيسي لبلادنا، أي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، تمرّ أغلبها بأزمة اقتصادية خانقة، إضافة إلى تواصل الحرب الروسية الأوكرانية منذ فيفري 2022، التي كان لها تأثيرات سلبية مباشرة على سلاسل التصدير والتوريد العالمية.
إشكالية نظام الحصص في الولايات
وعلى صعيد آخر، دعا رئيس الغرفة الوطنية لتجار الملابس المستعملة إلى إعادة النظر في تنظيم القطاع على مستوى التشريعات، على خلفية أن بعض القوانين تُكبّل أنشطة تجار الجملة والتفصيل وتحدّ من توسُّعها. على سبيل المثال، حظر تعاطي نشاط «الفريب» بالجملة بين الولايات، وذلك عملاً بنظام الحصص الذي ينصّ على تخصيص حصة لكل ولاية من ولايات الجمهورية، لا يمكن قانونيًا تجاوزها.
35 مؤسسة تنشط في قطاع «الفريب»
ويكتسي قطاع الملابس المستعملة أهمية بالغة من حيث التأسيس لنسيج صناعي تونسي قوي وثابت يضم مؤسسات ذات مؤشرات إنتاجية وتصديرية واعدة، على خلفية أن عدد المؤسسات الصناعية التي تقوم بعمليات تصدير وتوريد «الفريب» يصل إلى 35 مؤسسة، على أن قدرة القطاع التصديرية العالية قد أسفرت عن توفير مداخيل هامة من العملة الصعبة استفادت منها خزينة الدولة. كما أن له دورا فاعلا في بعث ديناميكية في سوق الشغل من خلال استيعابه للآلاف من العاملين، مما من شأنه أن يساهم في تعزيز تحسن المناخ الاجتماعي والاقتصادي، إذ بحسب الصحبي معلاوي يُشغّل القطاع نحو 130 ألف يد عاملة مباشرة وغير مباشرة، إضافة إلى مشاركته الحيوية في الدورة الاقتصادية وفي إنشاء توازن اجتماعي، بالنظر إلى أن حرفاءه ينتمون إلى جميع الطبقات الاجتماعية، بما فيها الطبقة الاجتماعية الميسورة لتواجد ملابس مستعملة من الماركات العالمية.
ركيزة للاقتصاد الدائري
ويُعدّ قطاع «الفريب» أحد الركائز الأساسية للاقتصاد الدائري ومن القطاعات التي يُمكن التعويل عليها للاستفادة منها في نظام الرسكلة والتصرّف الصحيح في بقاياه. وفي هذا السياق، أوضح رئيس الغرفة الوطنية لتجار الملابس المستعملة أن تجربة استعمال بقايا الملابس المستعملة في الأفران بدل البنزين والغازوال «المازوت» في إحدى مصانع الاسمنت الكبرى بتونس، قد أثبتت نجاعتها التامة، وبناءً على ذلك يمكن النسج على منوالها وتطبيقها في العديد من المؤسسات الصناعية الأخرى لتكون من التجارب النموذجية في مجال الاقتصاد الدائري.
ويعتبر استخدام بقايا الملابس المستعملة بدلا عن الطاقات الكلاسيكية من الطرق الحديثة المتاحة التي تؤدي إلى توفير موارد مالية هامة سواء للمؤسسة أو الدولة، وتُقلّص من تكلفة الإنتاج المرتفعة، وينجم عنها الاقتصاد في الطاقة، خاصة وأن بلادنا تعاني من عجز طاقي واضح.
ووفق بيانات المعهد الوطني، بلغ العجز الطاقي في بلادنا 8.621 مليار دينار خلال الأشهر التسعة الأولى من 2025، فيما بلغ العجز التجاري حدود 16.728 مليار دينار، مقابل 13.497 مليار دينار خلال الفترة ذاتها من سنة 2024.
ويُصنّف الاقتصاد الدائري من بين المحطات البارزة للوصول إلى بيئة نظيفة واقتصاد سليم من خلال اعتماد استراتيجية تدوير المواد، من ضمنها منظومة تثمين بقايا الملابس المستعملة، إذ تهدف تونس إلى إعادة هيكلة الاقتصاد على أسس الاستدامة والفعالية، وتجنّب بالتالي سوء إدارة هذه البقايا وإلقائها كفضلات، لتتحوّل البقايا إلى إحدى الخيارات الناجحة من الناحية الاقتصادية والبيئية التي يجب المُراهنة عليها بجدّية في المرحلة القادمة.
ومع ذلك، فإن العديد من المؤسسات لا تزال تحتاج إلى المرافقة الفنية وحتى التقنية من أجل التثمين السليم لبقايا الملابس المستعملة، إلى جانب رغبتها في الانخراط في خطة ترويجية مُتكاملة للتوعية والتحسيس بمزايا الاقتصاد الدائري، ومنافعه المختلفة، مفادها الحيلولة دون تلوث البيئة وعدم انتفاع الاقتصاد الوطني بهذه البقايا بالشكل المطلوب، وحتى يكون القطاع مساهما في النهوض بالاقتصاد.
درصاف اللموشي
أسست تونس لتقاليد عريقة في استيراد وتصدير الملابس المُستعملة، إذ تُلاقي هذه التجارة رواجا كبيرا في بلادنا منذ سنوات طويلة، كما أنها تجذّرت في السلوك الاستهلاكي لدى الكثير من التونسيين.
وعلى الرغم من الطابع الاجتماعي للقطاع، إلا أنه يعدّ أحد الأنشطة الاقتصادية المُرتبطة بالوصول إلى السلع وتوزيعها سواء في السوق المحلية أو الأسواق الخارجية، ويتطلّب بالتالي حسن إدارة المؤسسة ودمجها في الاقتصاد التونسي والنسيج المؤسساتي الوطني، ودراية بحاجيات الحرفاء وتطلّعاتهم المُتنوّعة، وتطبيق مختلف القوانين المنظمة لهذا النشاط سارية المفعول. وفي هذا الصدد، أفاد رئيس الغرفة الوطنية لتجار الملابس المستعملة التابعة للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، الصحبي معلاوي، أن حجم الصادرات من الملابس المستعملة سنة 2024 قدّر بـ29 ألف طن بقيمة تقارب 125 مليون دينار.
صادرات موجهة أساسا إلى الأسواق الإفريقية والآسيوية
وفي حديثه لـ«الصباح»، قال الصحبي معلاوي إن الصادرات التونسية من «الفريب» موجهة أساسا إلى أسواق القارة الإفريقية، من بينها الكونغو والطوغو والكاميرون والصومال، والأسواق الآسيوية على سبيل المثال الهند وباكستان.
وتنتهج بلادنا سياسات تجارية جديدة ترنو إلى تعزيز توجه المؤسسات التونسية المصدّرة نحو أسواق جديدة بهدف اقتحام الأسواق الإفريقية والآسيوية، ورفع مبادلاتها التجارية مع هذه الدول. ويبرز تصدير الملابس المُستعملة كأحد السبل لتنمية الصادرات والاندماج الكلي في سلاسل القيمة الإقليمية والعالمية، وتحقيق تنمية ذات بعد قاري ودولي وتوسيع قاعدة الشركاء التجاريين والاقتصاديين.
واردات من دول الاتحاد الأوروبي وكندا والولايات المتحدة
وفي ما يتعلق بالواردات، أوضح مُحدثنا أنه خلال سنة 2024، بلغت الواردات 140 ألف طن بقيمة بنحو 285 مليون دينار، على أن تونس تُورّد بدرجة أولى من دول الاتحاد الأوروبي، من ضمنها فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، وبدرجة ثانية من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا.
وبالنسبة للسنة الحالية 2025، يتوقع الصحبي معلاوي تسجيل انخفاض نسبي في حجم الواردات بالنظر إلى أن المزود الرئيسي لبلادنا، أي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، تمرّ أغلبها بأزمة اقتصادية خانقة، إضافة إلى تواصل الحرب الروسية الأوكرانية منذ فيفري 2022، التي كان لها تأثيرات سلبية مباشرة على سلاسل التصدير والتوريد العالمية.
إشكالية نظام الحصص في الولايات
وعلى صعيد آخر، دعا رئيس الغرفة الوطنية لتجار الملابس المستعملة إلى إعادة النظر في تنظيم القطاع على مستوى التشريعات، على خلفية أن بعض القوانين تُكبّل أنشطة تجار الجملة والتفصيل وتحدّ من توسُّعها. على سبيل المثال، حظر تعاطي نشاط «الفريب» بالجملة بين الولايات، وذلك عملاً بنظام الحصص الذي ينصّ على تخصيص حصة لكل ولاية من ولايات الجمهورية، لا يمكن قانونيًا تجاوزها.
35 مؤسسة تنشط في قطاع «الفريب»
ويكتسي قطاع الملابس المستعملة أهمية بالغة من حيث التأسيس لنسيج صناعي تونسي قوي وثابت يضم مؤسسات ذات مؤشرات إنتاجية وتصديرية واعدة، على خلفية أن عدد المؤسسات الصناعية التي تقوم بعمليات تصدير وتوريد «الفريب» يصل إلى 35 مؤسسة، على أن قدرة القطاع التصديرية العالية قد أسفرت عن توفير مداخيل هامة من العملة الصعبة استفادت منها خزينة الدولة. كما أن له دورا فاعلا في بعث ديناميكية في سوق الشغل من خلال استيعابه للآلاف من العاملين، مما من شأنه أن يساهم في تعزيز تحسن المناخ الاجتماعي والاقتصادي، إذ بحسب الصحبي معلاوي يُشغّل القطاع نحو 130 ألف يد عاملة مباشرة وغير مباشرة، إضافة إلى مشاركته الحيوية في الدورة الاقتصادية وفي إنشاء توازن اجتماعي، بالنظر إلى أن حرفاءه ينتمون إلى جميع الطبقات الاجتماعية، بما فيها الطبقة الاجتماعية الميسورة لتواجد ملابس مستعملة من الماركات العالمية.
ركيزة للاقتصاد الدائري
ويُعدّ قطاع «الفريب» أحد الركائز الأساسية للاقتصاد الدائري ومن القطاعات التي يُمكن التعويل عليها للاستفادة منها في نظام الرسكلة والتصرّف الصحيح في بقاياه. وفي هذا السياق، أوضح رئيس الغرفة الوطنية لتجار الملابس المستعملة أن تجربة استعمال بقايا الملابس المستعملة في الأفران بدل البنزين والغازوال «المازوت» في إحدى مصانع الاسمنت الكبرى بتونس، قد أثبتت نجاعتها التامة، وبناءً على ذلك يمكن النسج على منوالها وتطبيقها في العديد من المؤسسات الصناعية الأخرى لتكون من التجارب النموذجية في مجال الاقتصاد الدائري.
ويعتبر استخدام بقايا الملابس المستعملة بدلا عن الطاقات الكلاسيكية من الطرق الحديثة المتاحة التي تؤدي إلى توفير موارد مالية هامة سواء للمؤسسة أو الدولة، وتُقلّص من تكلفة الإنتاج المرتفعة، وينجم عنها الاقتصاد في الطاقة، خاصة وأن بلادنا تعاني من عجز طاقي واضح.
ووفق بيانات المعهد الوطني، بلغ العجز الطاقي في بلادنا 8.621 مليار دينار خلال الأشهر التسعة الأولى من 2025، فيما بلغ العجز التجاري حدود 16.728 مليار دينار، مقابل 13.497 مليار دينار خلال الفترة ذاتها من سنة 2024.
ويُصنّف الاقتصاد الدائري من بين المحطات البارزة للوصول إلى بيئة نظيفة واقتصاد سليم من خلال اعتماد استراتيجية تدوير المواد، من ضمنها منظومة تثمين بقايا الملابس المستعملة، إذ تهدف تونس إلى إعادة هيكلة الاقتصاد على أسس الاستدامة والفعالية، وتجنّب بالتالي سوء إدارة هذه البقايا وإلقائها كفضلات، لتتحوّل البقايا إلى إحدى الخيارات الناجحة من الناحية الاقتصادية والبيئية التي يجب المُراهنة عليها بجدّية في المرحلة القادمة.
ومع ذلك، فإن العديد من المؤسسات لا تزال تحتاج إلى المرافقة الفنية وحتى التقنية من أجل التثمين السليم لبقايا الملابس المستعملة، إلى جانب رغبتها في الانخراط في خطة ترويجية مُتكاملة للتوعية والتحسيس بمزايا الاقتصاد الدائري، ومنافعه المختلفة، مفادها الحيلولة دون تلوث البيئة وعدم انتفاع الاقتصاد الوطني بهذه البقايا بالشكل المطلوب، وحتى يكون القطاع مساهما في النهوض بالاقتصاد.