إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بين التصدّي للوبيات والإطاحة بالمحتكرين.. إرادة سياسية لتطهير الإدارة ودفع المشاريع

-رئيس لجنة التشريع العام لـ«الصباح»: آن الأوان لتقوم هياكل الرقابة بمعالجات جذرية وحملات تنظيف من الداخل

-عضو بلجنة التشريع العام لـ«الصباح»: نحتاج إلى قوانين جديدة تلغي مواطن الاحتكار واللوبيات

تخوض اليوم تونس واحدة من أهم معاركها البارزة: «القضاء على اللوبيات»، فالمسألة باتت خيارا استراتيجيا تتبنّاه الدولة في أعلى مستوياتها، على اعتبار أن اللوبيات، التي تغلغلت في الإدارة وتسلّلت إلى المرافق العمومية، وأمسكت بخيوط الاحتكار والصفقات والمشاريع الكبرى، قد أضحت العائق الأكبر أمام التنمية والعدالة الاجتماعية. وتقابل هذه الظاهرة اليوم إرادة سياسية واضحة وحاسمة لمواجهتها، وذلك في إطار مسار وطني يضع مكافحة الفساد واستعادة هيبة الدولة في صدارة الأولويات.

هذا الملف، وعلى أهميته، عاد إلى الصدارة من جديد في اجتماع مجلس الوزراء الأخير الذي أشرف عليه رئيس الجمهورية قيس سعيّد. وهي ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها رئيس الجمهورية إلى خطورة اللوبيات وأهمية التصدّي لها، سواء تلك المتمركزة في الداخل أو الخارج، بما يعكس أن الحرب على هذه الشبكات قد انطلقت دون هوادة، لتتحول إلى مسار واضح يستهدف من تلاعبوا بمفاصل الإدارة، ومن احتكروا الأسواق، ومن عملوا على عرقلة المشاريع الكبرى خدمة لمصالح أو فئات ضيّقة على حساب الشعب، أو من وجدوا في بثّ الإشاعات ملاذا لهم.

وقد جدّد رئيس الجمهورية، الذي حذّر مرارا وتكرارا من خطر هذه الشبكات، عزمه خلال اجتماع مجلس الوزراء الأخير على المضي قدما في هذه الحرب، مؤكّدا أن الثورة لن تكتمل إلا بإسقاط منظومة النفوذ التي كبّلت الوطن لعقود.

وشدّد في الإطار نفسه على أن مسار الثورة مستمر، ولا رجعة إلى الوراء، معلنا أنه لا مجال للتهاون مع هذه اللوبيات ولا مع من يساندها من داخل المرافق العمومية. فالمعركة، كما قدّمها، هي معركة استعادة الدولة من أيادي من حوّلوها إلى وسيلة لخدمة مصالحهم الخاصة على حساب الشعب.

أنواع اللوبيات والتغلغل في مفاصل الدولة

يشير ملاحظون إلى أن اللوبيات في تونس تتخذ أشكالا متعددة ومختلفة: فبعضها، وكما أشرنا سابقا، يتمركز داخل الإدارات والمرافق العمومية، فيعطّل الإجراءات حتى تُمنح الصفقات لفئات بعينها. وبعضها الآخر يسيطر على مفاصل التجارة والتوزيع، فيحتكر السلع ويُرهق المواطن بأسعار مشطّة. فيما تمتدّ شبكات أخرى نحو الخارج لتُبرم تحالفات ومصالح عابرة للحدود تُكرّس التبعية الاقتصادية والسياسية.

وهذه الظواهر والسلوكيات، وكما وصفها رئيس الدولة، «مفضوحة أمام الجميع»، ولم يعد ممكنا الاستمرار في التغاضي عنها.

وفي هذا الخصوص، ولأن هذه الحرب من طراز خاص، فإنها تُخاض بالقانون، والشفافية، والإرادة الشعبية. فالمسار المقترح لمواجهتها لا يقوم على المعالجات السطحية ولا على الحلول الترقيعية، بل على نصوص تشريعية «ثورية» تقطع مع الماضي وتؤسس لمرحلة جديدة من خلال ترسانة قوانين تفرض الشفافية في المعاملات العمومية وتُغلق أبواب تضارب المصالح، إلى جانب محاسبة فعلية لكل من أخلّ بواجباته، على اعتبار أن المرحلة الراهنة تستوجب حلولا جذرية تُعيد الثقة للمواطن وتُترجم فعليا مبادئ العدالة الاجتماعية التي شدّد رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة على أهمية تجسيمها.

مواقف من داخل مجلس نواب الشعب

وفي تفاعله مع المعركة التي انطلقت من أعلى هرم الدولة ضد اللوبيات، أورد رئيس لجنة التشريع العام ياسر القوراري، في تصريح لـ»الصباح»، أن مسألة القضاء على الفساد تحتاج إلى مقاربة ثنائية تراوح بين الوظيفة التنفيذية والتدخلات الميدانية لمختلف الأطراف المعنية بمكافحة الفساد، من ذلك مختلف المصالح التجارية والأمنية، لا سيّما وأن مختلف اللوبيات اليوم تهدد قوت وأمن التونسيين.

وقال محدثنا في هذا الشأن: «أعتقد أنه آن الأوان لتقوم هياكل الرقابة بمعالجات جذرية وحملات تنظيف من الداخل، فهي تعيش حالة اختراق داخلي يترجمها تسرب المعلومات للمحتكرين في عديد الحالات»، موضحا أن مكافحة اللوبيات لا تلغي الدور التشريعي لمجلس نواب الشعب، مشيرا إلى أن المجلس متعاون مع الوظيفة التنفيذية في كل ما تراه ضروريا من تشريعات آنية في علاقة بالتصدي للاحتكار والفساد، مؤكّدا في الإطار نفسه على أهمية وجود إطار تشريعي جديد يكافح اللوبيات ويضرب بيد من حديد على كل المحتكرين.

وفي الاتجاه نفسه، أشارت عضو لجنة التشريع العام بسمة الهمامي، في تصريح لـ«الصباح»، إلى أن اللوبيات لم تُخلق من عدم، وإنما وجدت حاضنة لها من خلال جملة من المشاريع والنصوص التي أفضت إلى خلق لوبيات و»لصوص»، على حدّ تعبيرها.

وفسّرت محدثتنا المسألة بقولها: «على سبيل المثال، فإن قانون الصفقات العمومية يُعتبر من القوانين التي تعمل على التعطيل على مستوى التنفيذ، الأمر الذي أدّى إلى خلق وبروز لوبيات ومحتكرين في عديد الميادين والمجالات على حساب الأفراد والشباب».

وأضافت أن الكمّ الهائل من القوانين والتشريعات التي سُنّت في فترة سابقة لا قيمة لها، قائلة: «عاشت البلاد في فترة سابقة على وقع استشراء الفساد، وهو ما يترجمه كثرة النصوص والتشريعات التي تم إقرارها آنذاك. وبالتالي، فإن النجاعة لا تكمن في الكثرة، فنحن نحتاج إلى قوانين جديدة تُلغي مواطن الاحتكار واللوبيات».

وأوضحت الهمامي أن الرقمنة قد تمثل طوق نجاة، ولم تعد اليوم ترفا، بل خيارا ضروريا، إلى جانب تفعيل آليات الرقابة وفقا لآليات جديدة، حتى يتسنى بلورة مناخ سليم من شأنه أن يُحفّز على الاستثمار، ويشجع الشباب الذي يتمسّك جزء كبير منه بعدم مغادرة البلاد.

الشباب في قلب المشروع الوطني الجديد

وفي هذا الخضم، ولأن الشباب هو وقود الحاضر وضمان المستقبل، فقد ذكّر رئيس الجمهورية بأنهم المعنيون الأوائل بهذه المرحلة. فهم من دفعوا ضريبة البطالة والتفقير لعقود طويلة، وهم أيضا من سيقودون البناء الجديد للوطن على أسس الكرامة والحرية والعدالة.

فإشراكهم في الشأن العام سيكون خطوة جوهرية لتجفيف منابع الفساد وقطع الطريق أمام عودة شبكات الضغط من جديد.

واليوم، تبدو تونس على أعتاب مرحلة جديدة، مرحلة يعلو فيها صوت العدالة والشفافية، وتستعيد فيها الدولة سيادتها وهيبتها أمام أي نفوذ خفي. فالحرب على اللوبيات تعكس في جوهرها مشروعا مستمرا لإعادة الثقة للمواطن، وإعطاء فرص حقيقية للشباب، وضمان توزيع عادل للثروة الوطنية.

منال حرزي

بين التصدّي للوبيات والإطاحة بالمحتكرين..   إرادة سياسية لتطهير الإدارة ودفع المشاريع

-رئيس لجنة التشريع العام لـ«الصباح»: آن الأوان لتقوم هياكل الرقابة بمعالجات جذرية وحملات تنظيف من الداخل

-عضو بلجنة التشريع العام لـ«الصباح»: نحتاج إلى قوانين جديدة تلغي مواطن الاحتكار واللوبيات

تخوض اليوم تونس واحدة من أهم معاركها البارزة: «القضاء على اللوبيات»، فالمسألة باتت خيارا استراتيجيا تتبنّاه الدولة في أعلى مستوياتها، على اعتبار أن اللوبيات، التي تغلغلت في الإدارة وتسلّلت إلى المرافق العمومية، وأمسكت بخيوط الاحتكار والصفقات والمشاريع الكبرى، قد أضحت العائق الأكبر أمام التنمية والعدالة الاجتماعية. وتقابل هذه الظاهرة اليوم إرادة سياسية واضحة وحاسمة لمواجهتها، وذلك في إطار مسار وطني يضع مكافحة الفساد واستعادة هيبة الدولة في صدارة الأولويات.

هذا الملف، وعلى أهميته، عاد إلى الصدارة من جديد في اجتماع مجلس الوزراء الأخير الذي أشرف عليه رئيس الجمهورية قيس سعيّد. وهي ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها رئيس الجمهورية إلى خطورة اللوبيات وأهمية التصدّي لها، سواء تلك المتمركزة في الداخل أو الخارج، بما يعكس أن الحرب على هذه الشبكات قد انطلقت دون هوادة، لتتحول إلى مسار واضح يستهدف من تلاعبوا بمفاصل الإدارة، ومن احتكروا الأسواق، ومن عملوا على عرقلة المشاريع الكبرى خدمة لمصالح أو فئات ضيّقة على حساب الشعب، أو من وجدوا في بثّ الإشاعات ملاذا لهم.

وقد جدّد رئيس الجمهورية، الذي حذّر مرارا وتكرارا من خطر هذه الشبكات، عزمه خلال اجتماع مجلس الوزراء الأخير على المضي قدما في هذه الحرب، مؤكّدا أن الثورة لن تكتمل إلا بإسقاط منظومة النفوذ التي كبّلت الوطن لعقود.

وشدّد في الإطار نفسه على أن مسار الثورة مستمر، ولا رجعة إلى الوراء، معلنا أنه لا مجال للتهاون مع هذه اللوبيات ولا مع من يساندها من داخل المرافق العمومية. فالمعركة، كما قدّمها، هي معركة استعادة الدولة من أيادي من حوّلوها إلى وسيلة لخدمة مصالحهم الخاصة على حساب الشعب.

أنواع اللوبيات والتغلغل في مفاصل الدولة

يشير ملاحظون إلى أن اللوبيات في تونس تتخذ أشكالا متعددة ومختلفة: فبعضها، وكما أشرنا سابقا، يتمركز داخل الإدارات والمرافق العمومية، فيعطّل الإجراءات حتى تُمنح الصفقات لفئات بعينها. وبعضها الآخر يسيطر على مفاصل التجارة والتوزيع، فيحتكر السلع ويُرهق المواطن بأسعار مشطّة. فيما تمتدّ شبكات أخرى نحو الخارج لتُبرم تحالفات ومصالح عابرة للحدود تُكرّس التبعية الاقتصادية والسياسية.

وهذه الظواهر والسلوكيات، وكما وصفها رئيس الدولة، «مفضوحة أمام الجميع»، ولم يعد ممكنا الاستمرار في التغاضي عنها.

وفي هذا الخصوص، ولأن هذه الحرب من طراز خاص، فإنها تُخاض بالقانون، والشفافية، والإرادة الشعبية. فالمسار المقترح لمواجهتها لا يقوم على المعالجات السطحية ولا على الحلول الترقيعية، بل على نصوص تشريعية «ثورية» تقطع مع الماضي وتؤسس لمرحلة جديدة من خلال ترسانة قوانين تفرض الشفافية في المعاملات العمومية وتُغلق أبواب تضارب المصالح، إلى جانب محاسبة فعلية لكل من أخلّ بواجباته، على اعتبار أن المرحلة الراهنة تستوجب حلولا جذرية تُعيد الثقة للمواطن وتُترجم فعليا مبادئ العدالة الاجتماعية التي شدّد رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة على أهمية تجسيمها.

مواقف من داخل مجلس نواب الشعب

وفي تفاعله مع المعركة التي انطلقت من أعلى هرم الدولة ضد اللوبيات، أورد رئيس لجنة التشريع العام ياسر القوراري، في تصريح لـ»الصباح»، أن مسألة القضاء على الفساد تحتاج إلى مقاربة ثنائية تراوح بين الوظيفة التنفيذية والتدخلات الميدانية لمختلف الأطراف المعنية بمكافحة الفساد، من ذلك مختلف المصالح التجارية والأمنية، لا سيّما وأن مختلف اللوبيات اليوم تهدد قوت وأمن التونسيين.

وقال محدثنا في هذا الشأن: «أعتقد أنه آن الأوان لتقوم هياكل الرقابة بمعالجات جذرية وحملات تنظيف من الداخل، فهي تعيش حالة اختراق داخلي يترجمها تسرب المعلومات للمحتكرين في عديد الحالات»، موضحا أن مكافحة اللوبيات لا تلغي الدور التشريعي لمجلس نواب الشعب، مشيرا إلى أن المجلس متعاون مع الوظيفة التنفيذية في كل ما تراه ضروريا من تشريعات آنية في علاقة بالتصدي للاحتكار والفساد، مؤكّدا في الإطار نفسه على أهمية وجود إطار تشريعي جديد يكافح اللوبيات ويضرب بيد من حديد على كل المحتكرين.

وفي الاتجاه نفسه، أشارت عضو لجنة التشريع العام بسمة الهمامي، في تصريح لـ«الصباح»، إلى أن اللوبيات لم تُخلق من عدم، وإنما وجدت حاضنة لها من خلال جملة من المشاريع والنصوص التي أفضت إلى خلق لوبيات و»لصوص»، على حدّ تعبيرها.

وفسّرت محدثتنا المسألة بقولها: «على سبيل المثال، فإن قانون الصفقات العمومية يُعتبر من القوانين التي تعمل على التعطيل على مستوى التنفيذ، الأمر الذي أدّى إلى خلق وبروز لوبيات ومحتكرين في عديد الميادين والمجالات على حساب الأفراد والشباب».

وأضافت أن الكمّ الهائل من القوانين والتشريعات التي سُنّت في فترة سابقة لا قيمة لها، قائلة: «عاشت البلاد في فترة سابقة على وقع استشراء الفساد، وهو ما يترجمه كثرة النصوص والتشريعات التي تم إقرارها آنذاك. وبالتالي، فإن النجاعة لا تكمن في الكثرة، فنحن نحتاج إلى قوانين جديدة تُلغي مواطن الاحتكار واللوبيات».

وأوضحت الهمامي أن الرقمنة قد تمثل طوق نجاة، ولم تعد اليوم ترفا، بل خيارا ضروريا، إلى جانب تفعيل آليات الرقابة وفقا لآليات جديدة، حتى يتسنى بلورة مناخ سليم من شأنه أن يُحفّز على الاستثمار، ويشجع الشباب الذي يتمسّك جزء كبير منه بعدم مغادرة البلاد.

الشباب في قلب المشروع الوطني الجديد

وفي هذا الخضم، ولأن الشباب هو وقود الحاضر وضمان المستقبل، فقد ذكّر رئيس الجمهورية بأنهم المعنيون الأوائل بهذه المرحلة. فهم من دفعوا ضريبة البطالة والتفقير لعقود طويلة، وهم أيضا من سيقودون البناء الجديد للوطن على أسس الكرامة والحرية والعدالة.

فإشراكهم في الشأن العام سيكون خطوة جوهرية لتجفيف منابع الفساد وقطع الطريق أمام عودة شبكات الضغط من جديد.

واليوم، تبدو تونس على أعتاب مرحلة جديدة، مرحلة يعلو فيها صوت العدالة والشفافية، وتستعيد فيها الدولة سيادتها وهيبتها أمام أي نفوذ خفي. فالحرب على اللوبيات تعكس في جوهرها مشروعا مستمرا لإعادة الثقة للمواطن، وإعطاء فرص حقيقية للشباب، وضمان توزيع عادل للثروة الوطنية.

منال حرزي