سجلت صادرات قطاع الصناعات الميكانيكية والكهربائية، مؤخرًا، ارتفاعًا بنسبة 6.7 % خلال الأشهر الثمانية الأولى من السنة الجارية، بحسب بيانات معهد الإحصاء الذي صنّف القطاع ضمن “القطاعات الصاعدة” على صعيد الأداء التصديري. هذا التطور يعكس تحسن الطلب الخارجي واستعادة سلاسل التوريد لانتظامها بعد سنوات من الاضطراب، فيما تراهن الحكومة على ترجمة هذا الزخم إلى مكاسب مستدامة في النمو والتشغيل عبر حزمة إجراءات لدعم الاستثمار والابتكار، وتعميق الاندماج في سلاسل القيمة العالمية.
وحسب ما أكده، خبراء الاقتصاد لـ«الصباح»، يعكس نمو الصادرات بنسبة 6.7 % عودة التوازن إلى سلسلة الإنتاج التي تتوزع من مكونات السيارات، الأسلاك والكابلات، والتجهيزات الكهربائية، إلى جانب المكونات الميكانيكية الدقيقة. كما يظهر أن المصنعين المحليين نجحوا في تثبيت مواقعهم داخل شبكات التوريد الأوروبية والمتوسطية مستفيدين من عنصر القرب الجغرافي وقدرتهم على احترام مواقيت التسليم ومعايير الجودة. ومع أن نسبة النمو تبدو متوسطة قياسا ببعض القفزات الظرفية في قطاعات أخرى، إلا أن وزن الصناعات الميكانيكية والكهربائية في بنية الصادرات الصناعية يمنحها أثرًا مضاعفا على القيمة المضافة والتشغيل، خصوصا أنها ترتكز على عقود توريد متوسطة إلى طويلة الأجل تُسهم في استقرار العائدات، وتقليص التقلبات الموسمية.
قيمة مضافة عالية لاقتصاد
وتمتلك الصناعات الميكانيكية والكهربائية قدرة خاصة على توليد القيمة المضافة بفضل الأهمية الكبيرة للمنتجات، والتي تعتمد بشكل واسع على التكنولوجيات الحديثة، وارتفاع الصادرات يعني توسع الإنتاج وخلق فرص عمل مؤهلة تشمل المهندسين والفنيين والتقنيين، فضلًا عن تحفيز شبكة واسعة من الموردين المحليين في مجالات المعادن والبلاستيك والخدمات اللوجستية. ومن زاوية الاقتصاد الكلي، يدعم نمو الصادرات تحسن ميزان المدفوعات ويعزز احتياطات النقد الأجنبي، ما يمنح السياسة النقدية مساحة أكبر للمناورة ويقوي ثقة المستثمرين. كما يساهم القطاع في نقل التكنولوجيا، والمعايير الدولية للجودة والسلامة، وهو ما ينعكس على تحديث النسيج الصناعي وتعزيز تنافسيته، ويعمّق اندماجه في سلاسل القيمة العالمية بما يضمن تدفقات طلب أكثر استقرارًا واستدامة.
من اضطرابات الجائحة إلى مسار صاعد
وقد شهدت السنوات التي تلت الجائحة اضطرابات حادة في الشحن ونقصا عالميًا في المكونات الإلكترونية، ما أثّر على وتيرة الإنتاج والقدرة على الوفاء بالعقود ضمن الآجال. تلا ذلك تعافٍ متدرج مع إعادة فتح الاقتصاديات وعودة الطلب الأوروبي على مكونات السيارات والكابلات إلى المسار الصاعد. في هذا السياق، استفاد المصنعون المحليون من مرونة سلاسلهم وقدرتهم على إعادة ضبط خطوط الإنتاج، إلى جانب ميزة القرب من الأسواق النهائية. ورغم فترات تباطؤ مؤقتة بسبب ارتفاع كلفة التمويل أو تذبذب الطلب العالمي، يظهر اتجاه عام نحو التحسن المستدام في الصادرات ذات القيمة المضافة. وتأتي نسبة 6.7 % المسجلة مؤخرًا لتؤكد أن القطاع تجاوز قاع التباطؤ، وشرع في مرحلة نمو أكثر استدامة واستقرارًا .
برنامج حكومي لدعم القطاع
وتراهن الحكومة على تحويل هذه المؤشرات الإيجابية إلى مكاسب هيكلية من خلال حزمة محاور متكاملة. في البنية التحتية واللوجستيات، يجري تسريع رقمنة الإجراءات الجمركية وتبسيط عمليات التصدير، مع تحسين جاهزية الموانئ والمناطق اللوجستية وربطها بشبكات النقل لتقليص كلفة وزمن الشحن. وفي مجال الاستثمار والإنتاج، تُطرح حوافز ضريبية وتمويلات ميسّرة موجهة لتحديث الآلات وتوسعة الطاقات، مع ضمانات للمخاطر تستهدف خاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وعلى صعيد رأس المال البشري، تعمل الحكومة التونسية على تحديث مناهج التكوين في الميكاترونيك والكهرباء الصناعية، وإرساء برامج تدريب مشتركة مع الشركات العالمية المتمركزة محليًا لضمان مواءمة المهارات مع متطلبات خطوط الإنتاج .
ولا تقتصر الرؤية الحكومية على رفع الكميات المصدرة فحسب، بل تشمل تعميق الاندماج في سلاسل القيمة عبر توطين مراحل إضافية من التصنيع والانتقال من التجميع إلى التصنيع المتكامل، وصولًا إلى اكتساب قدرات التصميم والهندسة. يجري ذلك عبر سياسات محلية تدريجية، ومنصات ربط أعمال بين المصنعين العالميين والموردين المحليين، بالإضافة إلى منح للبحث والتطوير، واعتماد مختبرات قياس بمعايير دولية لتقليص كلفة الاختبارات الخارجية. كما يُدفع بالتحول الرقمي في المصانع عبر أنظمة تخطيط الموارد الصناعية، وإنترنات الأشياء الصناعي، وحلول التتبع وضبط الجودة، بما يحسّن الإنتاجية ويقلل الهدر ويعزّز القدرة التنافسية في الأسواق المتقدمة.
تأثيرات مباشرة على الميزان التجاري
ويساهم الاستقرار النسبي لعقود التوريد في الصناعات الميكانيكية والكهربائية في تقليص حساسية الميزان التجاري لتقلبات أسعار السلع الأولية. ومع زيادة الصادرات، تتضاءل فجوة الحساب الجاري، وترتفع قدرة الاقتصاد على امتصاص الصدمات الخارجية. هذه الديناميكية تعزز ثقة المستثمرين المحليين والدوليين، وتدفعهم إلى ضخ استثمارات جديدة في خطوط الإنتاج المتقدمة ومرافق البحث والتطوير، ما يخلق حلقة إيجابية من النمو القائم على الإنتاجية والابتكار بدلا من التوسّع الأفقي فحسب. كما تعزّز هذه الثقة فرص الحصول على تمويلات بشروط أفضل، خاصة في المشاريع الخضراء وتحسين كفاءة الطاقة داخل المصانع.
وحتى لا تتبدد هذه الجهود، يبقى الالتزام بالمعايير البيئية الأوروبية المتشددة عاملا حاسمًا في الحفاظ على الوصول إلى الأسواق. فالاستثمار في الطاقة المتجددة ورفع كفاءة الاستهلاك داخل المصانع، إلى جانب الامتثال لمعايير البصمة الكربونية عبر سلاسل الإمداد، يحقق مزايا تنافسية مباشرة. من جهة أخرى، يتطلب تسريع التحديث إنتاج أدوات تمويل ذكية قادرة على امتصاص أثر الفائدة المرتفعة، مثل القروض المدعومة والتمويل الأخضر والضمانات الجزئية للمخاطر. كما أن التشدد في منظومات الجودة، يفتح الباب أمام دخول قطاعات فرعية أعلى قيمة، ولاسيما مكونات المركبات الكهربائية والأنظمة الذكية، مع رفع سمعة المنتج الوطني.
نحو التخصص في صناعة المنتجات الكهربائية
وتتجه الأسواق العالمية إلى تسارع الطلب على السيارات الكهربائية، وحلول الطاقة النظيفة، وهو ما يخلق فرصًا واسعة لسلاسل توريد المكوّنات الكهربائية والميكانيكية المتقدمة، حيث يمنح هذا التحول للمصنعين المحليين التخصص في مجالات ذات نمو مرتفع مثل المحوّلات وكابلات الجهد والهياكل الميكانيكية الدقيقة. وإلى جانب التصنيع، تشكل قدرات التصميم والهندسة رافعة لزيادة القيمة المضافة المحلية، عبر مراكز تطوير مشتركة وحاضنات صناعية تربط الجامعات بالشركات. كما أن توطيد الشراكات الإقليمية وفتح أسواق إفريقية ومتوسطية مجاورة يوفر التنوع، ويقلل مخاطر الاعتماد على سوق واحدة، مع الاستفادة من الموقع الجغرافي لإنشاء جسور لوجستية مرنة وقصيرة المدى.
توفير الدعم لاستيراد المواد الأولية
على المدى القريب، تعمل الحكومة على مرافقة هذا القطاع للرفع من صادراته عبر تحسين السيولة لدى المصنعين والمصدّرين من خلال تسريع الإجراءات الجبائية والجمركية، وإطلاق منصات رقمية موحدة لإدارة شهادات المطابقة والتتبع بما يقلص زمن العبور. كما يُعد الاستثمار في برامج تدريب سريعة ومكثفة للمهارات الدقيقة المطلوبة على خطوط الإنتاج الحديثة إجراءً ذا عائد مرتفع، تعمل على تنفيذه الحكومة بالتعاون المباشر مع الشركات المستفيدة. كما يتم. العمل، اليوم، على توفير خطوط تمويل مرنة لاستيراد المكونات الحساسة، والمواد الأولية التي تتعرض لاضطرابات في السوق العالمية، ضمانًا لانسيابية الإنتاج، والوفاء بالالتزامات التعاقدية داخل الآجال.
ويقدم ارتفاع صادرات الصناعات الميكانيكية والكهربائية بنسبة 6.7 % خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام إشارة موثوقة إلى نضج هيكلي في القاعدة الصناعية واستعادة التوازن بين الطلب الخارجي والقدرات الإنتاجية المحلية. كما أن تصنيف معهد الإحصاء للقطاع ضمن “القطاعات الصاعدة” يضيف طبقة من الثقة للمنتج التونسي ويحفّز الاستثمارات الجديدة. ومع تنفيذ الحكومة التونسية لسياسة منسقة تدمج بين اللوجستيات والتمويل والتكوين والابتكار والالتزام البيئي، يؤكد الخبراء، أنه يمكن تحويل هذه المؤشرات إلى قاطرة نمو مستدام تدعم التشغيل المؤهل، وتحسّن موقع البلاد في سلاسل القيمة، وتقلص الاختلالات الخارجية. ولا يقتصر الأمر اليوم الحفاظ على وتيرة نمو الصادرات، بل يشمل مضاعفة القيمة المضافة المحلية وتوسيع قاعدة الموردين ورفع الإنتاجية، بما ينعكس مباشرة على الدخل واستقرار العملة وثقة المستثمرين، ويفتح آفاقا واسعة لانتعاش اقتصادي متوازن وصلب.
سفيان المهداوي
سجلت صادرات قطاع الصناعات الميكانيكية والكهربائية، مؤخرًا، ارتفاعًا بنسبة 6.7 % خلال الأشهر الثمانية الأولى من السنة الجارية، بحسب بيانات معهد الإحصاء الذي صنّف القطاع ضمن “القطاعات الصاعدة” على صعيد الأداء التصديري. هذا التطور يعكس تحسن الطلب الخارجي واستعادة سلاسل التوريد لانتظامها بعد سنوات من الاضطراب، فيما تراهن الحكومة على ترجمة هذا الزخم إلى مكاسب مستدامة في النمو والتشغيل عبر حزمة إجراءات لدعم الاستثمار والابتكار، وتعميق الاندماج في سلاسل القيمة العالمية.
وحسب ما أكده، خبراء الاقتصاد لـ«الصباح»، يعكس نمو الصادرات بنسبة 6.7 % عودة التوازن إلى سلسلة الإنتاج التي تتوزع من مكونات السيارات، الأسلاك والكابلات، والتجهيزات الكهربائية، إلى جانب المكونات الميكانيكية الدقيقة. كما يظهر أن المصنعين المحليين نجحوا في تثبيت مواقعهم داخل شبكات التوريد الأوروبية والمتوسطية مستفيدين من عنصر القرب الجغرافي وقدرتهم على احترام مواقيت التسليم ومعايير الجودة. ومع أن نسبة النمو تبدو متوسطة قياسا ببعض القفزات الظرفية في قطاعات أخرى، إلا أن وزن الصناعات الميكانيكية والكهربائية في بنية الصادرات الصناعية يمنحها أثرًا مضاعفا على القيمة المضافة والتشغيل، خصوصا أنها ترتكز على عقود توريد متوسطة إلى طويلة الأجل تُسهم في استقرار العائدات، وتقليص التقلبات الموسمية.
قيمة مضافة عالية لاقتصاد
وتمتلك الصناعات الميكانيكية والكهربائية قدرة خاصة على توليد القيمة المضافة بفضل الأهمية الكبيرة للمنتجات، والتي تعتمد بشكل واسع على التكنولوجيات الحديثة، وارتفاع الصادرات يعني توسع الإنتاج وخلق فرص عمل مؤهلة تشمل المهندسين والفنيين والتقنيين، فضلًا عن تحفيز شبكة واسعة من الموردين المحليين في مجالات المعادن والبلاستيك والخدمات اللوجستية. ومن زاوية الاقتصاد الكلي، يدعم نمو الصادرات تحسن ميزان المدفوعات ويعزز احتياطات النقد الأجنبي، ما يمنح السياسة النقدية مساحة أكبر للمناورة ويقوي ثقة المستثمرين. كما يساهم القطاع في نقل التكنولوجيا، والمعايير الدولية للجودة والسلامة، وهو ما ينعكس على تحديث النسيج الصناعي وتعزيز تنافسيته، ويعمّق اندماجه في سلاسل القيمة العالمية بما يضمن تدفقات طلب أكثر استقرارًا واستدامة.
من اضطرابات الجائحة إلى مسار صاعد
وقد شهدت السنوات التي تلت الجائحة اضطرابات حادة في الشحن ونقصا عالميًا في المكونات الإلكترونية، ما أثّر على وتيرة الإنتاج والقدرة على الوفاء بالعقود ضمن الآجال. تلا ذلك تعافٍ متدرج مع إعادة فتح الاقتصاديات وعودة الطلب الأوروبي على مكونات السيارات والكابلات إلى المسار الصاعد. في هذا السياق، استفاد المصنعون المحليون من مرونة سلاسلهم وقدرتهم على إعادة ضبط خطوط الإنتاج، إلى جانب ميزة القرب من الأسواق النهائية. ورغم فترات تباطؤ مؤقتة بسبب ارتفاع كلفة التمويل أو تذبذب الطلب العالمي، يظهر اتجاه عام نحو التحسن المستدام في الصادرات ذات القيمة المضافة. وتأتي نسبة 6.7 % المسجلة مؤخرًا لتؤكد أن القطاع تجاوز قاع التباطؤ، وشرع في مرحلة نمو أكثر استدامة واستقرارًا .
برنامج حكومي لدعم القطاع
وتراهن الحكومة على تحويل هذه المؤشرات الإيجابية إلى مكاسب هيكلية من خلال حزمة محاور متكاملة. في البنية التحتية واللوجستيات، يجري تسريع رقمنة الإجراءات الجمركية وتبسيط عمليات التصدير، مع تحسين جاهزية الموانئ والمناطق اللوجستية وربطها بشبكات النقل لتقليص كلفة وزمن الشحن. وفي مجال الاستثمار والإنتاج، تُطرح حوافز ضريبية وتمويلات ميسّرة موجهة لتحديث الآلات وتوسعة الطاقات، مع ضمانات للمخاطر تستهدف خاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وعلى صعيد رأس المال البشري، تعمل الحكومة التونسية على تحديث مناهج التكوين في الميكاترونيك والكهرباء الصناعية، وإرساء برامج تدريب مشتركة مع الشركات العالمية المتمركزة محليًا لضمان مواءمة المهارات مع متطلبات خطوط الإنتاج .
ولا تقتصر الرؤية الحكومية على رفع الكميات المصدرة فحسب، بل تشمل تعميق الاندماج في سلاسل القيمة عبر توطين مراحل إضافية من التصنيع والانتقال من التجميع إلى التصنيع المتكامل، وصولًا إلى اكتساب قدرات التصميم والهندسة. يجري ذلك عبر سياسات محلية تدريجية، ومنصات ربط أعمال بين المصنعين العالميين والموردين المحليين، بالإضافة إلى منح للبحث والتطوير، واعتماد مختبرات قياس بمعايير دولية لتقليص كلفة الاختبارات الخارجية. كما يُدفع بالتحول الرقمي في المصانع عبر أنظمة تخطيط الموارد الصناعية، وإنترنات الأشياء الصناعي، وحلول التتبع وضبط الجودة، بما يحسّن الإنتاجية ويقلل الهدر ويعزّز القدرة التنافسية في الأسواق المتقدمة.
تأثيرات مباشرة على الميزان التجاري
ويساهم الاستقرار النسبي لعقود التوريد في الصناعات الميكانيكية والكهربائية في تقليص حساسية الميزان التجاري لتقلبات أسعار السلع الأولية. ومع زيادة الصادرات، تتضاءل فجوة الحساب الجاري، وترتفع قدرة الاقتصاد على امتصاص الصدمات الخارجية. هذه الديناميكية تعزز ثقة المستثمرين المحليين والدوليين، وتدفعهم إلى ضخ استثمارات جديدة في خطوط الإنتاج المتقدمة ومرافق البحث والتطوير، ما يخلق حلقة إيجابية من النمو القائم على الإنتاجية والابتكار بدلا من التوسّع الأفقي فحسب. كما تعزّز هذه الثقة فرص الحصول على تمويلات بشروط أفضل، خاصة في المشاريع الخضراء وتحسين كفاءة الطاقة داخل المصانع.
وحتى لا تتبدد هذه الجهود، يبقى الالتزام بالمعايير البيئية الأوروبية المتشددة عاملا حاسمًا في الحفاظ على الوصول إلى الأسواق. فالاستثمار في الطاقة المتجددة ورفع كفاءة الاستهلاك داخل المصانع، إلى جانب الامتثال لمعايير البصمة الكربونية عبر سلاسل الإمداد، يحقق مزايا تنافسية مباشرة. من جهة أخرى، يتطلب تسريع التحديث إنتاج أدوات تمويل ذكية قادرة على امتصاص أثر الفائدة المرتفعة، مثل القروض المدعومة والتمويل الأخضر والضمانات الجزئية للمخاطر. كما أن التشدد في منظومات الجودة، يفتح الباب أمام دخول قطاعات فرعية أعلى قيمة، ولاسيما مكونات المركبات الكهربائية والأنظمة الذكية، مع رفع سمعة المنتج الوطني.
نحو التخصص في صناعة المنتجات الكهربائية
وتتجه الأسواق العالمية إلى تسارع الطلب على السيارات الكهربائية، وحلول الطاقة النظيفة، وهو ما يخلق فرصًا واسعة لسلاسل توريد المكوّنات الكهربائية والميكانيكية المتقدمة، حيث يمنح هذا التحول للمصنعين المحليين التخصص في مجالات ذات نمو مرتفع مثل المحوّلات وكابلات الجهد والهياكل الميكانيكية الدقيقة. وإلى جانب التصنيع، تشكل قدرات التصميم والهندسة رافعة لزيادة القيمة المضافة المحلية، عبر مراكز تطوير مشتركة وحاضنات صناعية تربط الجامعات بالشركات. كما أن توطيد الشراكات الإقليمية وفتح أسواق إفريقية ومتوسطية مجاورة يوفر التنوع، ويقلل مخاطر الاعتماد على سوق واحدة، مع الاستفادة من الموقع الجغرافي لإنشاء جسور لوجستية مرنة وقصيرة المدى.
توفير الدعم لاستيراد المواد الأولية
على المدى القريب، تعمل الحكومة على مرافقة هذا القطاع للرفع من صادراته عبر تحسين السيولة لدى المصنعين والمصدّرين من خلال تسريع الإجراءات الجبائية والجمركية، وإطلاق منصات رقمية موحدة لإدارة شهادات المطابقة والتتبع بما يقلص زمن العبور. كما يُعد الاستثمار في برامج تدريب سريعة ومكثفة للمهارات الدقيقة المطلوبة على خطوط الإنتاج الحديثة إجراءً ذا عائد مرتفع، تعمل على تنفيذه الحكومة بالتعاون المباشر مع الشركات المستفيدة. كما يتم. العمل، اليوم، على توفير خطوط تمويل مرنة لاستيراد المكونات الحساسة، والمواد الأولية التي تتعرض لاضطرابات في السوق العالمية، ضمانًا لانسيابية الإنتاج، والوفاء بالالتزامات التعاقدية داخل الآجال.
ويقدم ارتفاع صادرات الصناعات الميكانيكية والكهربائية بنسبة 6.7 % خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام إشارة موثوقة إلى نضج هيكلي في القاعدة الصناعية واستعادة التوازن بين الطلب الخارجي والقدرات الإنتاجية المحلية. كما أن تصنيف معهد الإحصاء للقطاع ضمن “القطاعات الصاعدة” يضيف طبقة من الثقة للمنتج التونسي ويحفّز الاستثمارات الجديدة. ومع تنفيذ الحكومة التونسية لسياسة منسقة تدمج بين اللوجستيات والتمويل والتكوين والابتكار والالتزام البيئي، يؤكد الخبراء، أنه يمكن تحويل هذه المؤشرات إلى قاطرة نمو مستدام تدعم التشغيل المؤهل، وتحسّن موقع البلاد في سلاسل القيمة، وتقلص الاختلالات الخارجية. ولا يقتصر الأمر اليوم الحفاظ على وتيرة نمو الصادرات، بل يشمل مضاعفة القيمة المضافة المحلية وتوسيع قاعدة الموردين ورفع الإنتاجية، بما ينعكس مباشرة على الدخل واستقرار العملة وثقة المستثمرين، ويفتح آفاقا واسعة لانتعاش اقتصادي متوازن وصلب.