إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ثورة تشريعية على درب المشاريع الكبرى.. من أجل نقلة نوعية وتنمية عادلة وشاملة

تتجه الأنظار في تونس اليوم الى إصلاح تشريعي واسع يرتقى إلى مستوى الإرادة السياسية الراهنة والتحديات الموجودة، ذلك أن أغلب ترسانة القوانين المعمول بها لا تتلاءم في جوهرها مع طبيعة المرحلة. ومن هنا، برزت الحاجة الملحّة إلى مراجعة شاملة للنصوص بما يُمكّن من تجاوز البيروقراطية، وتسريع نسق الاستثمار، ودفع عجلة التنمية على أسس متينة وهو طرح لطالما أكّد عليه رئيس الجمهورية قيس سعيد باعتبار أن التنمية الشاملة لا يمكن أن تتحقق بنصوص قديمة صيغت في ظروف مغايرة أو بممارسات بيروقراطية تُكبّل الطاقات وتؤجل المشاريع الكبرى.

وتتطلب المرحلة الدقيقة اليوم ثورة تشريعية حقيقية، ثورة لا تقف عند حدود تعديل النصوص أو صياغة قوانين جديدة، بل تسعى إلى بناء منظومة قانونية متكاملة وملائمة لمتطلبات المرحلة الراهنة.

فالمشاريع الكبرى المعلنة، إلى جانب العديد من المشاريع الأخرى التي تنتظر انطلاقتها، لن تجد طريقها إلى التنفيذ ما لم تتوفر لها أرضية قانونية واضحة تضمن سرعة الإنجاز ونجاعة التطبيق.

وفي هذا الإطار يؤكد ملاحظون أن ترسانة مشاريع القوانين الجديدة التي يعكف مجلس النواب على إعدادها ستكون إثر المصادقة عليها بعد العودة البرلمانية محرّكا أساسيا لمسار التنمية وقوة دفع للمشاريع الكبرى التي تراهن عليها البلاد في السنوات القادمة..

وجدير بالذكر أن الدولة أعلنت في وقت سابق عن حزمة من مشاريع كبرى ومهيكلة -تشرف عليها لجنة المشاريع الكبرى- وتشمل قطاعات استراتيجية على غرار الصحة والتعليم والنقل.. وهذه المشاريع تمثل رهانات استراتيجية لا فقط للنمو الاقتصادي، بل أيضا لإرساء العدالة الجهوية والاجتماعية بما يضمن توزيعا عادلا ومتوازنا للثروة والتنمية عبر مختلف ولايات البلاد.

لكن هذه المشاريع وغيرها - كثيرا ما تصطدم بجدار النصوص القديمة والإجراءات الإدارية المعقدة -رغم أن لجنة المشاريع موكول إليها ضمن مهامها الحد من العراقيل والصعوبات- فتظلّ حبيسة الرفوف رغم جاهزية الدراسات والتمويلات.

وسيلة لتجسيد خيارات الشعب

هذه الوضعية دفعت رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى التأكيد في أكثر من مناسبة على أن الوقت قد حان لتجديد المنظومة القانونية، بما يتلاءم مع طبيعة المرحلة وحاجيات الشعب، وبما يفتح الباب واسعاً أمام الاستثمار الوطني والأجنبي على حدّ سواء.

وفي معرض تصريحاته شدد رئيس الدولة على أن النصوص القانونية ليست غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لترجمة إرادة الإصلاح وتجسيد خيارات الشعب. وفي هذا السياق، برزت الحاجة الملحّة إلى تطوير الادارة وتعصيرها من خلال تنصيص رئيس الدولة على ضرورة القضاء على البيروقراطية التي كبّلت الدولة لعقود، وأعاقت الاستثمار والمبادرات الفردية والجماعية على حدّ سواء داعيا إلى تركيز نمط جديد للإدارة التونسية بما يخول لها أن تكون رافعة للتنمية وأن تتحول من جهاز معطِّل ومعقد إلى قوة دفع حقيقية علما أن رئيس الجمهورية كان قد أورد مرارا وتكرارا في معرض لقاءاته الرسمية على أن البيروقراطية ليست قدراً، بل نتيجة خيارات وسياسات تراكمت عبر العقود، وأن القضاء عليها شرط أساسي لإنجاح أي إصلاح حقيقي، فالمواطن والمستثمر على حدّ سواء بحاجة إلى إدارة مرنة، سريعة، وفاعلة، لا إلى مسالك متشعبة تُهدر الوقت وتُفقد الثقة في الدولة.

في هذا الجانب يرى كثيرون أن الإصلاح التشريعي الذي دعا اليه رئيس الجمهورية لن يقف عند مستوى الإطار المركزي فحسب، بل سيتجه إلى ملامسة الواقع الجهوي والمحلي. ذلك أن التنمية الحقيقية تبدأ من الجهات، ومن القرى التي تنتظر نصيبها من المشاريع المهيكلة.

وفي هذا السياق كان رئيس الجمهورية قد أكّد بأن تحقيق العدالة الاجتماعية لا تنفصل عن تحقيق العدالة الجهوية، وأن إعادة توزيع الثروة والتنمية على كامل التراب الوطني هي المدخل الأساسي لبناء دولة عادلة وقوية، فما يجعل الإصلاح التشريعي محوريا هو انعكاسه المباشر على التنمية الجهوية والمحلية. فالمشاريع الكبرى لن تكون ذات جدوى إذا لم تتفرع عنها مشاريع محلية صغرى ومتوسطة، قادرة على خلق فرص عمل وتحريك الدورة الاقتصادية داخل الجهات. وهنا يظهر البعد الاستراتيجي للتشريع الجديد: أن ينهي منطق المركزية المفرطة، وأن يمنح السلطات الجهوية والبلدية صلاحيات فعلية في التخطيط والتنفيذ.

عقد اجتماعي جديد

في هذا الخضم يرى متابعون للشأن العام بأن الإصلاح التشريعي اليوم لم يعد ترفا أو خيارا مؤجلا، بل بات ضرورة حتمية لإنقاذ الاقتصاد وإعادة بناء الدولة، على اعتبار أن القوانين الحالية التي صيغ أغلبها في سياقات قديمة، لم تعد قادرة على مجاراة التحولات الاقتصادية والاجتماعية ولا على مسايرة متطلبات المرحلة الراهنة، ومن هنا تأتي الحاجة إلى نصوص جديدة تُبنى على جملة من الآليات على غرار الشفافية، وتبسيط الإجراءات، وإلغاء التعقيدات الإدارية التي كرّست ثقافة البيروقراطية وأعاقت كل ديناميكية إصلاحية بما يؤشر إلى أن تونس اليوم أمام فرصة هامة لبناء عقد اجتماعي جديد، أساسه نصوص عصرية، واضحة وفعالة، تضع مصلحة المواطن في الصدارة، وتفتح الباب أمام المشاريع الكبرى لتكون قاطرة للتنمية العادلة والشاملة. فالتشريع إذا تجسّد على أرض الواقع سيتحوّل إلى الركيزة الأولى لدولة قوية، عادلة، ومؤسسات قادرة على تحقيق تطلعات التونسيين في مستقبل أفضل.

منال حرزي

ثورة تشريعية على درب المشاريع الكبرى..     من أجل نقلة نوعية وتنمية عادلة وشاملة

تتجه الأنظار في تونس اليوم الى إصلاح تشريعي واسع يرتقى إلى مستوى الإرادة السياسية الراهنة والتحديات الموجودة، ذلك أن أغلب ترسانة القوانين المعمول بها لا تتلاءم في جوهرها مع طبيعة المرحلة. ومن هنا، برزت الحاجة الملحّة إلى مراجعة شاملة للنصوص بما يُمكّن من تجاوز البيروقراطية، وتسريع نسق الاستثمار، ودفع عجلة التنمية على أسس متينة وهو طرح لطالما أكّد عليه رئيس الجمهورية قيس سعيد باعتبار أن التنمية الشاملة لا يمكن أن تتحقق بنصوص قديمة صيغت في ظروف مغايرة أو بممارسات بيروقراطية تُكبّل الطاقات وتؤجل المشاريع الكبرى.

وتتطلب المرحلة الدقيقة اليوم ثورة تشريعية حقيقية، ثورة لا تقف عند حدود تعديل النصوص أو صياغة قوانين جديدة، بل تسعى إلى بناء منظومة قانونية متكاملة وملائمة لمتطلبات المرحلة الراهنة.

فالمشاريع الكبرى المعلنة، إلى جانب العديد من المشاريع الأخرى التي تنتظر انطلاقتها، لن تجد طريقها إلى التنفيذ ما لم تتوفر لها أرضية قانونية واضحة تضمن سرعة الإنجاز ونجاعة التطبيق.

وفي هذا الإطار يؤكد ملاحظون أن ترسانة مشاريع القوانين الجديدة التي يعكف مجلس النواب على إعدادها ستكون إثر المصادقة عليها بعد العودة البرلمانية محرّكا أساسيا لمسار التنمية وقوة دفع للمشاريع الكبرى التي تراهن عليها البلاد في السنوات القادمة..

وجدير بالذكر أن الدولة أعلنت في وقت سابق عن حزمة من مشاريع كبرى ومهيكلة -تشرف عليها لجنة المشاريع الكبرى- وتشمل قطاعات استراتيجية على غرار الصحة والتعليم والنقل.. وهذه المشاريع تمثل رهانات استراتيجية لا فقط للنمو الاقتصادي، بل أيضا لإرساء العدالة الجهوية والاجتماعية بما يضمن توزيعا عادلا ومتوازنا للثروة والتنمية عبر مختلف ولايات البلاد.

لكن هذه المشاريع وغيرها - كثيرا ما تصطدم بجدار النصوص القديمة والإجراءات الإدارية المعقدة -رغم أن لجنة المشاريع موكول إليها ضمن مهامها الحد من العراقيل والصعوبات- فتظلّ حبيسة الرفوف رغم جاهزية الدراسات والتمويلات.

وسيلة لتجسيد خيارات الشعب

هذه الوضعية دفعت رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى التأكيد في أكثر من مناسبة على أن الوقت قد حان لتجديد المنظومة القانونية، بما يتلاءم مع طبيعة المرحلة وحاجيات الشعب، وبما يفتح الباب واسعاً أمام الاستثمار الوطني والأجنبي على حدّ سواء.

وفي معرض تصريحاته شدد رئيس الدولة على أن النصوص القانونية ليست غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لترجمة إرادة الإصلاح وتجسيد خيارات الشعب. وفي هذا السياق، برزت الحاجة الملحّة إلى تطوير الادارة وتعصيرها من خلال تنصيص رئيس الدولة على ضرورة القضاء على البيروقراطية التي كبّلت الدولة لعقود، وأعاقت الاستثمار والمبادرات الفردية والجماعية على حدّ سواء داعيا إلى تركيز نمط جديد للإدارة التونسية بما يخول لها أن تكون رافعة للتنمية وأن تتحول من جهاز معطِّل ومعقد إلى قوة دفع حقيقية علما أن رئيس الجمهورية كان قد أورد مرارا وتكرارا في معرض لقاءاته الرسمية على أن البيروقراطية ليست قدراً، بل نتيجة خيارات وسياسات تراكمت عبر العقود، وأن القضاء عليها شرط أساسي لإنجاح أي إصلاح حقيقي، فالمواطن والمستثمر على حدّ سواء بحاجة إلى إدارة مرنة، سريعة، وفاعلة، لا إلى مسالك متشعبة تُهدر الوقت وتُفقد الثقة في الدولة.

في هذا الجانب يرى كثيرون أن الإصلاح التشريعي الذي دعا اليه رئيس الجمهورية لن يقف عند مستوى الإطار المركزي فحسب، بل سيتجه إلى ملامسة الواقع الجهوي والمحلي. ذلك أن التنمية الحقيقية تبدأ من الجهات، ومن القرى التي تنتظر نصيبها من المشاريع المهيكلة.

وفي هذا السياق كان رئيس الجمهورية قد أكّد بأن تحقيق العدالة الاجتماعية لا تنفصل عن تحقيق العدالة الجهوية، وأن إعادة توزيع الثروة والتنمية على كامل التراب الوطني هي المدخل الأساسي لبناء دولة عادلة وقوية، فما يجعل الإصلاح التشريعي محوريا هو انعكاسه المباشر على التنمية الجهوية والمحلية. فالمشاريع الكبرى لن تكون ذات جدوى إذا لم تتفرع عنها مشاريع محلية صغرى ومتوسطة، قادرة على خلق فرص عمل وتحريك الدورة الاقتصادية داخل الجهات. وهنا يظهر البعد الاستراتيجي للتشريع الجديد: أن ينهي منطق المركزية المفرطة، وأن يمنح السلطات الجهوية والبلدية صلاحيات فعلية في التخطيط والتنفيذ.

عقد اجتماعي جديد

في هذا الخضم يرى متابعون للشأن العام بأن الإصلاح التشريعي اليوم لم يعد ترفا أو خيارا مؤجلا، بل بات ضرورة حتمية لإنقاذ الاقتصاد وإعادة بناء الدولة، على اعتبار أن القوانين الحالية التي صيغ أغلبها في سياقات قديمة، لم تعد قادرة على مجاراة التحولات الاقتصادية والاجتماعية ولا على مسايرة متطلبات المرحلة الراهنة، ومن هنا تأتي الحاجة إلى نصوص جديدة تُبنى على جملة من الآليات على غرار الشفافية، وتبسيط الإجراءات، وإلغاء التعقيدات الإدارية التي كرّست ثقافة البيروقراطية وأعاقت كل ديناميكية إصلاحية بما يؤشر إلى أن تونس اليوم أمام فرصة هامة لبناء عقد اجتماعي جديد، أساسه نصوص عصرية، واضحة وفعالة، تضع مصلحة المواطن في الصدارة، وتفتح الباب أمام المشاريع الكبرى لتكون قاطرة للتنمية العادلة والشاملة. فالتشريع إذا تجسّد على أرض الواقع سيتحوّل إلى الركيزة الأولى لدولة قوية، عادلة، ومؤسسات قادرة على تحقيق تطلعات التونسيين في مستقبل أفضل.

منال حرزي