إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

قيمتها بلغت 2.8 مليار دينار.. المعاملات بين البنوك ترتفع إلى 28 % وتبعث برسائل ثقة للمستثمرين

 

سجّلت المعاملات بين البنوك في تونس قفزة لافتة بتاريخ 26 أوت 2025، حيث بلغت قيمتها 2.8 مليار دينار مقابل 2.2 مليار دينار في الفترة نفسها من العام المنقضي، أي بزيادة تناهز 620.7 مليون دينار، وفق ما أعلنه البنك المركزي التونسي. هذا التطور، الذي بلغت نسبته المائوية 28.2 %، يعكس بوضوح حركية جديدة يشهدها القطاع المصرفي التونسي، ويبرز المكانة التي بات يحتلها النظام البنكي في إدارة الدورة الاقتصادية وإنعاشها، في ظرف دقيق يتسم بارتفاع التحديات المالية والاقتصادية على المستويين الوطني والدولي.

وحسب ما كشف عنه خبراء الاقتصاد لـ«الصباح»، فإن تزايد حجم المبادلات المالية بين البنوك لا يمكن قراءته فقط من زاوية رقمية، بل يجب فهمه في سياق شمولي يتصل بعودة الثقة بين المؤسسات المالية وقدرتها على توفير السيولة وتدويرها بكفاءة أكبر. فارتفاع حجم التعاملات بهذا الشكل يعبّر عن تفعيل أدوات السياسة النقدية، واستجابة البنوك للضوابط التي يضعها البنك المركزي، وهو ما يفتح الباب أمام ديناميكية اقتصادية جديدة قوامها السيولة المتاحة وقدرتها على تغذية مختلف دوائر الإنتاج والاستهلاك.

تعافي القطاع البنكي

من الناحية الاقتصادية المباشرة، يعني ارتفاع هذه المعاملات أن البنوك باتت في موقع أفضل لإقراض الشركات والأفراد، وهو ما يُترجم عمليًا في دعم الاستثمار وتوسيع قاعدة الاستهلاك. وفي ظل توفر السيولة، بات بإمكان البنوك اليوم أن تمنح تمويلات أكبر للمؤسسات الناشئة وللمشاريع الصغيرة والمتوسطة، ما يُسهم في خلق مواطن شغل وتحريك قطاعات إنتاجية حيوية. كما أن تسهيل القروض الاستهلاكية للأسر ينعكس مباشرة على دوران رأس المال في السوق وعلى ارتفاع حجم المبادلات التجارية والخدماتية. هذا التحسن في رقم المعاملات يُغذي بدوره مناخ الأعمال ويشجع على الاستثمار الخاص، الأمر الذي يمثل رافعة أساسية للنمو الاقتصادي.

ولا يمكن فصل هذه الأرقام عن الظرف الزمني الذي وردت فيه، أي نهاية شهر أوت، حيث يشكل هذا الموعد محطة محورية من الناحية المالية. فالموسم السياحي الذي عرفه الصيف أسهم في تدفق موارد مالية هامة من العملة الصعبة، انعكست على أداء البنوك وسيولتها. كما أن المواعيد الضريبية والرسوم المالية، التي عادة ما تستقر في خزينة الدولة خلال هذه الفترة، أدت إلى حركية إضافية في السوق البنكي. إلى جانب ذلك، فإن انطلاق برمجة ميزانيات جديدة للعديد من المؤسسات الحكومية والاقتصادية يخلق عادة موجة تحويلات وسيولة إضافية، ما يعزز بدوره حجم التعاملات بين البنوك.

فعالية السياسات النقدية

كما يعكس هذا التطور أيضا فعالية تدخل البنك المركزي، إذ يبرهن على أن أدوات السياسة النقدية، من نسب احتياطي إلزامي، ومعدلات فائدة، وتدخلات في السوق النقدي، تعمل بشكل متناغم. فالمسألة لا تتعلق فقط بزيادة رقمية في حجم المعاملات، بل بوجود تنظيم صارم يحول دون أي انزلاقات تضخمية قد تنتج عن وفرة السيولة. ويُفهم من هذه الأرقام أن البنك المركزي قد نجح تدريجيا في الموازنة بين دعم السيولة وتحفيز النشاط الاقتصادي من جهة، وضبط الأسعار وحماية الاستقرار المالي من جهة أخرى.

رسائل إيجابية للمستثمرين

في المقابل، فإن استمرار هذا الزخم يبعث برسالة إيجابية قوية إلى المستثمرين المحليين والأجانب. فارتفاع حجم المعاملات البنكية دليل على أن السوق المالية نشطة، وعلى أن النظام المصرفي قادر على استيعاب حركية اقتصادية أكبر. مثل هذه المؤشرات ترفع منسوب الثقة في الاقتصاد التونسي، وتجعله أكثر جاذبية لرؤوس الأموال الباحثة عن بيئات مستقرة للاستثمار. كما أن الشركاء الدوليين والمؤسسات المالية العالمية يتابعون بدقة مثل هذه الأرقام، التي غالبًا ما تكون مرآة لمدى صلابة القطاع المالي وقدرته على تمويل النمو.

من ناحية أخرى، يمثل هذا التطور فرصة حقيقية لصياغة سياسات متوسطة الأمد تضمن توجيه هذه السيولة نحو مشاريع استراتيجية. فالرهان لا يكمن فقط في توفير الأموال بل في حسن استغلالها، سواء عبر دعم الطاقات المتجددة، أو تعزيز الرقمنة في الخدمات، أو تطوير البنية التحتية. هذه القطاعات قادرة على خلق قيمة مضافة طويلة المدى، وتحقيق استدامة اقتصادية تقي البلاد من المخاطر المالية الدورية. وهنا تبرز ضرورة تكامل الجهود بين البنك المركزي ووزارة المالية والقطاع الخاص لتوجيه السيولة بما يخدم الأهداف الوطنية الكبرى.

ويمثل الارتفاع الملحوظ في حجم المعاملات بين البنوك في تونس رسالة إيجابية واضحة موجهة إلى المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء. فهذا التطور لا يعكس فقط تحسنا في مؤشرات السيولة داخل المنظومة البنكية، بل يُترجم قبل كل شيء درجة من الاستقرار والثقة في قدرة القطاع المالي على إدارة السيولة بفاعلية، وضمان انسيابها نحو مختلف دوائر الاقتصاد. مثل هذه المؤشرات عادة ما تُقرأ من قبل الفاعلين الاقتصاديين كإشارة على أن السوق المالية نشطة، وأن البنوك قادرة على تمويل المشاريع والاستثمارات دون صعوبات هيكلية، وهو ما يعزز مناخ الأعمال ويجعل البيئة التونسية أكثر جاذبية لرؤوس الأموال الباحثة عن وجهات استثمارية آمنة ومستقرة.

المستثمر، سواء كان محليا أو أجنبيا، ينظر عادة إلى ديناميكية القطاع المالي باعتبارها بوابة أساسية لقراراته الاستثمارية، فارتفاع حجم المعاملات البنكية يبرهن على وجود سيولة كافية قادرة على تمويل الاستثمارات الجديدة وتغطية حاجيات المؤسسات. كما أنه مؤشر على تراجع منسوب المخاطر في التعامل مع البنوك، وبالتالي يفتح المجال أمام تمويل أوفر للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي تُعتبر العمود الفقري للاقتصاد التونسي. والأهم من ذلك، أن هذه الزيادة في المبادلات المالية بين البنوك تترجم انخراطا متزايدا للقطاع المالي في الدورة الاقتصادية، ما يعطي للمستثمرين إشارة بأن الدولة تتحرك في اتجاه استقرار نقدي ومالي، وهو عنصر ثقة محوري عند اتخاذ القرارات الاستثمارية.

ولا يقتصر أثر هذه الرسائل على المستثمرين الأفراد فقط، بل يتجاوزها إلى المؤسسات المالية الدولية التي تتابع مثل هذه الأرقام بدقة، حيث تعتبرها مرآة لصلابة المنظومة البنكية وقدرتها على مواجهة الضغوط. وهو ما قد ينعكس إيجابًا على صورة تونس الائتمانية، ويفتح آفاقا أوسع للحصول على تمويلات خارجية بشروط أفضل. بذلك، يمكن القول إن القفزة المسجلة في حجم المعاملات بين البنوك ليست مجرد مؤشر مالي داخلي، بل ورقة اعتماد قوية يمكن أن تستثمرها تونس لتعزيز موقعها في الساحة الاستثمارية الإقليمية والدولية.

ضرورة تحفيز الإنتاج

ويبقى التحدي الأساسي، وفق خبراء الاقتصاد، في كيفية ترجمة هذه الديناميكية المالية إلى نمو حقيقي ومستدام. فإذا نجحت تونس في استغلال ارتفاع حجم المعاملات بين البنوك لتوسيع الاستثمار، وتحفيز الإنتاج، وتحسين مناخ الأعمال، فإن ذلك سيشكل نقطة تحوّل في مسار الاقتصاد الوطني. أمّا إذا ظلّت هذه الأموال تدور في دوائر محدودة دون أن تلامس جوهر الاقتصاد الحقيقي، فإن أثرها سيظلّ ظرفيًا ومحدودا. ومن هنا تأتي أهمية الحوكمة الرشيدة، والشفافية في إدارة الموارد، وتوجيهها وفق أولويات اقتصادية واضحة ومحددة.

وإجمالا، فإن بلوغ حجم المعاملات 2.8 مليار دينار يوم 26 أوت 2025 ليس مجرد رقم تقني عابر في بيانات البنك المركزي، بل هو مؤشر سياسي واقتصادي في آن واحد، لأنه يعكس نجاح مؤسسات الدولة في استعادة جزء من الثقة المفقودة، ويُظهر قدرة النظام المالي على التفاعل مع التحديات. هذه الديناميكية تحتاج اليوم إلى الاستمرارية والتعزيز، حتى تتحول إلى مسار ثابت يضمن لتونس استقرارها المالي ويمنحها موقعا أفضل في الساحة الاقتصادية الإقليمية والدولية.

كما يمكن القول إن الزيادة المسجلة بـ620.7 مليون دينار في حجم المعاملات بين البنوك خلال سنة واحدة تمثّل نقطة ضوء في مشهد اقتصادي معقّد. فهي تحمل بشائر انتعاش، لكنها تفرض في الوقت ذاته مسؤولية كبرى على صنّاع القرار لضمان حسن توظيفها. فالمسألة لا تتعلق بمجرد وفرة في الأموال، بل بالكيفية التي تُستثمر بها هذه الأموال لتصبح رافعة حقيقية للنمو والتنمية، وتفتح آفاقا جديدة للاقتصاد التونسي نحو الاستقرار والازدهار.

سفيان المهداوي

قيمتها بلغت 2.8 مليار دينار..   المعاملات بين البنوك ترتفع إلى 28 % وتبعث برسائل ثقة للمستثمرين

 

سجّلت المعاملات بين البنوك في تونس قفزة لافتة بتاريخ 26 أوت 2025، حيث بلغت قيمتها 2.8 مليار دينار مقابل 2.2 مليار دينار في الفترة نفسها من العام المنقضي، أي بزيادة تناهز 620.7 مليون دينار، وفق ما أعلنه البنك المركزي التونسي. هذا التطور، الذي بلغت نسبته المائوية 28.2 %، يعكس بوضوح حركية جديدة يشهدها القطاع المصرفي التونسي، ويبرز المكانة التي بات يحتلها النظام البنكي في إدارة الدورة الاقتصادية وإنعاشها، في ظرف دقيق يتسم بارتفاع التحديات المالية والاقتصادية على المستويين الوطني والدولي.

وحسب ما كشف عنه خبراء الاقتصاد لـ«الصباح»، فإن تزايد حجم المبادلات المالية بين البنوك لا يمكن قراءته فقط من زاوية رقمية، بل يجب فهمه في سياق شمولي يتصل بعودة الثقة بين المؤسسات المالية وقدرتها على توفير السيولة وتدويرها بكفاءة أكبر. فارتفاع حجم التعاملات بهذا الشكل يعبّر عن تفعيل أدوات السياسة النقدية، واستجابة البنوك للضوابط التي يضعها البنك المركزي، وهو ما يفتح الباب أمام ديناميكية اقتصادية جديدة قوامها السيولة المتاحة وقدرتها على تغذية مختلف دوائر الإنتاج والاستهلاك.

تعافي القطاع البنكي

من الناحية الاقتصادية المباشرة، يعني ارتفاع هذه المعاملات أن البنوك باتت في موقع أفضل لإقراض الشركات والأفراد، وهو ما يُترجم عمليًا في دعم الاستثمار وتوسيع قاعدة الاستهلاك. وفي ظل توفر السيولة، بات بإمكان البنوك اليوم أن تمنح تمويلات أكبر للمؤسسات الناشئة وللمشاريع الصغيرة والمتوسطة، ما يُسهم في خلق مواطن شغل وتحريك قطاعات إنتاجية حيوية. كما أن تسهيل القروض الاستهلاكية للأسر ينعكس مباشرة على دوران رأس المال في السوق وعلى ارتفاع حجم المبادلات التجارية والخدماتية. هذا التحسن في رقم المعاملات يُغذي بدوره مناخ الأعمال ويشجع على الاستثمار الخاص، الأمر الذي يمثل رافعة أساسية للنمو الاقتصادي.

ولا يمكن فصل هذه الأرقام عن الظرف الزمني الذي وردت فيه، أي نهاية شهر أوت، حيث يشكل هذا الموعد محطة محورية من الناحية المالية. فالموسم السياحي الذي عرفه الصيف أسهم في تدفق موارد مالية هامة من العملة الصعبة، انعكست على أداء البنوك وسيولتها. كما أن المواعيد الضريبية والرسوم المالية، التي عادة ما تستقر في خزينة الدولة خلال هذه الفترة، أدت إلى حركية إضافية في السوق البنكي. إلى جانب ذلك، فإن انطلاق برمجة ميزانيات جديدة للعديد من المؤسسات الحكومية والاقتصادية يخلق عادة موجة تحويلات وسيولة إضافية، ما يعزز بدوره حجم التعاملات بين البنوك.

فعالية السياسات النقدية

كما يعكس هذا التطور أيضا فعالية تدخل البنك المركزي، إذ يبرهن على أن أدوات السياسة النقدية، من نسب احتياطي إلزامي، ومعدلات فائدة، وتدخلات في السوق النقدي، تعمل بشكل متناغم. فالمسألة لا تتعلق فقط بزيادة رقمية في حجم المعاملات، بل بوجود تنظيم صارم يحول دون أي انزلاقات تضخمية قد تنتج عن وفرة السيولة. ويُفهم من هذه الأرقام أن البنك المركزي قد نجح تدريجيا في الموازنة بين دعم السيولة وتحفيز النشاط الاقتصادي من جهة، وضبط الأسعار وحماية الاستقرار المالي من جهة أخرى.

رسائل إيجابية للمستثمرين

في المقابل، فإن استمرار هذا الزخم يبعث برسالة إيجابية قوية إلى المستثمرين المحليين والأجانب. فارتفاع حجم المعاملات البنكية دليل على أن السوق المالية نشطة، وعلى أن النظام المصرفي قادر على استيعاب حركية اقتصادية أكبر. مثل هذه المؤشرات ترفع منسوب الثقة في الاقتصاد التونسي، وتجعله أكثر جاذبية لرؤوس الأموال الباحثة عن بيئات مستقرة للاستثمار. كما أن الشركاء الدوليين والمؤسسات المالية العالمية يتابعون بدقة مثل هذه الأرقام، التي غالبًا ما تكون مرآة لمدى صلابة القطاع المالي وقدرته على تمويل النمو.

من ناحية أخرى، يمثل هذا التطور فرصة حقيقية لصياغة سياسات متوسطة الأمد تضمن توجيه هذه السيولة نحو مشاريع استراتيجية. فالرهان لا يكمن فقط في توفير الأموال بل في حسن استغلالها، سواء عبر دعم الطاقات المتجددة، أو تعزيز الرقمنة في الخدمات، أو تطوير البنية التحتية. هذه القطاعات قادرة على خلق قيمة مضافة طويلة المدى، وتحقيق استدامة اقتصادية تقي البلاد من المخاطر المالية الدورية. وهنا تبرز ضرورة تكامل الجهود بين البنك المركزي ووزارة المالية والقطاع الخاص لتوجيه السيولة بما يخدم الأهداف الوطنية الكبرى.

ويمثل الارتفاع الملحوظ في حجم المعاملات بين البنوك في تونس رسالة إيجابية واضحة موجهة إلى المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء. فهذا التطور لا يعكس فقط تحسنا في مؤشرات السيولة داخل المنظومة البنكية، بل يُترجم قبل كل شيء درجة من الاستقرار والثقة في قدرة القطاع المالي على إدارة السيولة بفاعلية، وضمان انسيابها نحو مختلف دوائر الاقتصاد. مثل هذه المؤشرات عادة ما تُقرأ من قبل الفاعلين الاقتصاديين كإشارة على أن السوق المالية نشطة، وأن البنوك قادرة على تمويل المشاريع والاستثمارات دون صعوبات هيكلية، وهو ما يعزز مناخ الأعمال ويجعل البيئة التونسية أكثر جاذبية لرؤوس الأموال الباحثة عن وجهات استثمارية آمنة ومستقرة.

المستثمر، سواء كان محليا أو أجنبيا، ينظر عادة إلى ديناميكية القطاع المالي باعتبارها بوابة أساسية لقراراته الاستثمارية، فارتفاع حجم المعاملات البنكية يبرهن على وجود سيولة كافية قادرة على تمويل الاستثمارات الجديدة وتغطية حاجيات المؤسسات. كما أنه مؤشر على تراجع منسوب المخاطر في التعامل مع البنوك، وبالتالي يفتح المجال أمام تمويل أوفر للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي تُعتبر العمود الفقري للاقتصاد التونسي. والأهم من ذلك، أن هذه الزيادة في المبادلات المالية بين البنوك تترجم انخراطا متزايدا للقطاع المالي في الدورة الاقتصادية، ما يعطي للمستثمرين إشارة بأن الدولة تتحرك في اتجاه استقرار نقدي ومالي، وهو عنصر ثقة محوري عند اتخاذ القرارات الاستثمارية.

ولا يقتصر أثر هذه الرسائل على المستثمرين الأفراد فقط، بل يتجاوزها إلى المؤسسات المالية الدولية التي تتابع مثل هذه الأرقام بدقة، حيث تعتبرها مرآة لصلابة المنظومة البنكية وقدرتها على مواجهة الضغوط. وهو ما قد ينعكس إيجابًا على صورة تونس الائتمانية، ويفتح آفاقا أوسع للحصول على تمويلات خارجية بشروط أفضل. بذلك، يمكن القول إن القفزة المسجلة في حجم المعاملات بين البنوك ليست مجرد مؤشر مالي داخلي، بل ورقة اعتماد قوية يمكن أن تستثمرها تونس لتعزيز موقعها في الساحة الاستثمارية الإقليمية والدولية.

ضرورة تحفيز الإنتاج

ويبقى التحدي الأساسي، وفق خبراء الاقتصاد، في كيفية ترجمة هذه الديناميكية المالية إلى نمو حقيقي ومستدام. فإذا نجحت تونس في استغلال ارتفاع حجم المعاملات بين البنوك لتوسيع الاستثمار، وتحفيز الإنتاج، وتحسين مناخ الأعمال، فإن ذلك سيشكل نقطة تحوّل في مسار الاقتصاد الوطني. أمّا إذا ظلّت هذه الأموال تدور في دوائر محدودة دون أن تلامس جوهر الاقتصاد الحقيقي، فإن أثرها سيظلّ ظرفيًا ومحدودا. ومن هنا تأتي أهمية الحوكمة الرشيدة، والشفافية في إدارة الموارد، وتوجيهها وفق أولويات اقتصادية واضحة ومحددة.

وإجمالا، فإن بلوغ حجم المعاملات 2.8 مليار دينار يوم 26 أوت 2025 ليس مجرد رقم تقني عابر في بيانات البنك المركزي، بل هو مؤشر سياسي واقتصادي في آن واحد، لأنه يعكس نجاح مؤسسات الدولة في استعادة جزء من الثقة المفقودة، ويُظهر قدرة النظام المالي على التفاعل مع التحديات. هذه الديناميكية تحتاج اليوم إلى الاستمرارية والتعزيز، حتى تتحول إلى مسار ثابت يضمن لتونس استقرارها المالي ويمنحها موقعا أفضل في الساحة الاقتصادية الإقليمية والدولية.

كما يمكن القول إن الزيادة المسجلة بـ620.7 مليون دينار في حجم المعاملات بين البنوك خلال سنة واحدة تمثّل نقطة ضوء في مشهد اقتصادي معقّد. فهي تحمل بشائر انتعاش، لكنها تفرض في الوقت ذاته مسؤولية كبرى على صنّاع القرار لضمان حسن توظيفها. فالمسألة لا تتعلق بمجرد وفرة في الأموال، بل بالكيفية التي تُستثمر بها هذه الأموال لتصبح رافعة حقيقية للنمو والتنمية، وتفتح آفاقا جديدة للاقتصاد التونسي نحو الاستقرار والازدهار.

سفيان المهداوي