إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

من المكونات إلى المدن الذكية.. تونس تمهّد الطريق نحو صناعة السيارات

 

تشهد تونس في السنوات الأخيرة حركية متسارعة في قطاع الصناعات الميكانيكية، وخاصة صناعة مكونات السيارات، في محاولة جادّة لتحويل البلاد إلى منصّة صناعية إقليمية قادرة على استقطاب الاستثمارات الأجنبية، وخلق مواطن شغل جديدة، والمضيّ قدما نحو إنتاج السيارات الكاملة. هذه الجهود لا تأتي بمعزل عن الاستراتيجية الوطنية للصناعة والتجديد، بل تندرج ضمن رؤية شاملة تهدف إلى مضاعفة الصادرات الصناعية وتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني في مواجهة التحوّلات العالمية.

في جويلية 2022، أعلنت وزارة الصناعة والطاقة والمناجم عن توقيع «ميثاق التنافسية لصناعة السيارات»، بالشراكة مع الجمعية التونسية لمصنّعي مكونات السيارات (TAA)، وبدعم من الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، إلى جانب التعاون الألماني (GIZ). يمثّل هذا الميثاق أحد أبرز الخطوات العملية لوضع أسس صناعة سيارات متكاملة في تونس.

ويهدف الميثاق إلى تحقيق جملة من الأهداف الطموحة، من أبرزها مضاعفة صادرات مكونات السيارات من 7.5 مليار دينار إلى 14 مليار دينار في أفق سنة 2027، وخلق 60 ألف فرصة عمل جديدة، إلى جانب 90 ألف موطن شغل قائم حاليًا. كما يسعى إلى زيادة نسبة الاندماج المحلي من 40 بالمائة إلى 48 بالمائة، ورفع مساهمة القطاع في الناتج الداخلي الخام من 12 بالمائة إلى 22 بالمائة.

ويرتكز هذا المشروع الوطني على خمسة محاور أساسية، أبرزها: تحسين البنية التحتية الداعمة للصناعة، تطوير الإطار القانوني والتشريعي، دعم التكوين المهني والتشغيل، تشجيع البحث والتطوير والابتكار، وأخيرًا الترويج لتونس كوجهة صناعية قادرة على المنافسة إقليميا ودوليا.

المدينة الذكية.. رهان على المستقبل

في ديسمبر 2024، أعلنت وزارة الصناعة عن انطلاق التحضيرات لإنجاز «المدينة الذكية للسيارات»، وهو مشروع ضخم من شأنه أن يغيّر وجه القطاع الصناعي في تونس. ويهدف هذا المشروع إلى إقامة مجمّع صناعي وتكنولوجي متكامل مخصص لصناعة السيارات الكهربائية والذكية، بما يسمح للبلاد بمواكبة التحوّلات العالمية نحو التنقّل المستدام والاقتصاد الأخضر.

وقد أوضحت وزيرة الصناعة خلال حفل الإعلان أن المشروع سيعزّز موقع تونس كمنصّة صناعية إفريقية، ويساهم في تحسين جاذبية البلاد للاستثمارات الكبرى، خاصة في المجالات ذات القيمة المضافة العالية. كما سيتيح للجامعات ومراكز البحث الوطني الانخراط في هذا التحول، من خلال تطوير الكفاءات في مجالات الهندسة الإلكترونية، والبرمجيات، والذكاء الاصطناعي الموجّه لصناعة السيارات.

وأكد مدير عام الصناعات المعملية بوزارة الصناعة والطاقة والمناجم، فتحي سهلاوي، في تصريحات إعلامية، أن مشروع «المدينة الذكية للسيارات» يندرج ضمن الاستراتيجية الوطنية للوزارة في أفق 2027، وفي إطار ميثاق تنافسية قطاع معدات السيارات ومكوّناتها، بهدف تعزيز موقع تونس في مجال تصنيع السيارات التقليدية والذكية على حدّ سواء.

وأوضح سهلاوي أن المشروع يهدف إلى استقطاب استثمارات بقيمة 300 مليون دولار، ومن المنتظر أن يوفّر نحو 100 ألف موطن شغل مباشر وغير مباشر. وأضاف أنه تم تحديد أربعة مواقع مرشّحة لاحتضان المشروع، اعتمادًا على معايير تتعلّق بالقرب من الموانئ والمطارات، فضلًا عن النسيج الصناعي ومراكز البحث والتطوير.

وأشار المسؤول إلى أنّ مكتب دراسات مختصا يرافق الهياكل التابعة للوزارة على مستوى القطب التكنولوجي بسوسة لإعداد خارطة طريق واستكمال الدراسات الضرورية، معبّرًا عن أمله في إنهاء هذا المسار قبل نهاية السنة الحالية.

وأضاف أن التوجّه من خلال هذا المشروع سيكون نحو تطوير السيارات الذكية المتصلة بالهواتف، إلى جانب السيارات الكهربائية والصديقة للبيئة، بما يتماشى مع التوجّهات العالمية في هذا القطاع.

رغم الخبرات المتراكمة في مجال صناعة مكونات السيارات، لم تشهد تونس بعد تأسيس شركات قادرة على إنتاج سيارات كاملة محليًا. ويُعزى ذلك إلى عدّة عوامل تتعلق بالبنية التحتية، وتكاليف الإنتاج، والتمويل، فضلًا عن المنافسة الإقليمية من دول مثل المغرب، التي نجحت في بناء مصانع سيارات متكاملة بمشاركة شركات عالمية.

ويؤكّد خبراء الاقتصاد لـ»الصباح»، أن تونس تتميّز بقوة في صناعة المكوّنات واللوحات الكهربائية والمحركات الجزئية، حيث تُصدر هذه المكوّنات إلى أوروبا وأفريقيا، ما يجعلها وجهة موثوقة للشركات الأجنبية في هذا المجال. ويشير تقرير وزارة الصناعة إلى أن صادرات مكونات السيارات تصل إلى أكثر من 2.7 مليار يورو سنويًا، وتُسهم بنسبة تتجاوز 4 بالمائة في الناتج المحلي الإجمالي.

ويرى خبراء اقتصاديون أن تونس تسير بخطوات ثابتة نحو بناء قدرات إنتاجية أكبر، وقد تتحول في المستقبل إلى بلد قادر على إنتاج سيارات متكاملة، خاصة إذا نجحت مشاريع المدينة الذكية وتكاملت مع السياسات الوطنية للاستثمار والتكوين التقني. وحتى ذلك الحين، يبقى القطاع يعتمد على تصنيع المكوّنات وتجميع السيارات جزئيًا، مع التركيز على الاستعداد للثورة المقبلة في السيارات الكهربائية والذكية، في محاولة لمواكبة التحوّلات العالمية وتعزيز مكانة تونس على الخارطة الصناعية الدولية.

استثمارات دولية تدعم الطموح الوطني

لم تقتصر جهود تونس على الجانب التشريعي أو التخطيطي فحسب، بل شهدت السنوات الأخيرة تدفق استثمارات أجنبية مباشرة في قطاع السيارات.

ففي سنة 2024، افتتحت المجموعة الألمانية «ماركوارت» مصنعا جديدا في منطقة الفجة شمال العاصمة، باستثمار يفوق 50 مليون يورو، مخصص لإنتاج لوحات التحكّم الخاصة بالسيارات الفاخرة. ويوفّر هذا المشروع نحو 1500 فرصة عمل جديدة، ويؤكد ثقة المستثمرين الألمان في الوجهة التونسية.

كما أبدت ثلاث شركات صينية كبرى اهتمامها بإقامة مصانع لمكونات السيارات في تونس، في خطوة تعكس المكانة الاستراتيجية التي باتت تحتلها البلاد في سلاسل التوريد العالمية. وفي السياق ذاته، أعلنت وزارة الصناعة في جويلية 2024 عن برنامج استثمارات جديدة بقيمة 322 مليون دينار، من المنتظر أن يخلق أكثر من 7000 موطن شغل خلال السنوات المقبلة.

مكانة متميّزة لتونس

بحسب بيانات وزارة الصناعة، تحتل تونس المرتبة الثانية قارّيًا في صناعة مكونات السيارات بعد المغرب، وهو ما يعكس التقدّم الكبير الذي أحرزته البلاد في هذا المجال. ووفق إحصائيات أخرى صادرة عن الجمعية التونسية لمصنّعي مكوّنات السيارات، يُسهم القطاع بنحو 4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، ويُصدر سنويًا ما قيمته 2.7 مليار يورو نحو الأسواق الأوروبية أساسا.

هذا التموضع المتميّز يعزّز فرص تونس في الانتقال إلى مرحلة جديدة تتمثل في إنتاج سيارات كاملة، خاصة مع تزايد الطلب العالمي على السيارات الكهربائية والذكية، ما قد يمنح تونس ميزة تنافسية إضافية.

رغم المؤشرات الإيجابية، تواجه تونس جملة من التحديات التي قد تُعيق تسريع هذا التحوّل الصناعي، من أبرزها الحاجة إلى تطوير البنية التحتية اللوجستية، خاصة على مستوى الموانئ والطرقات، وضمان توفير طاقة مستدامة وبكلفة تنافسية في ظل التحولات العالمية نحو الطاقات المتجددة، وتبسيط الإجراءات الإدارية، وتحسين مناخ الأعمال لجذب الاستثمارات الأجنبية، والاستثمار أكثر في البحث والتطوير، حتى لا تقتصر تونس على تصنيع المكوّنات التقليدية، بل تنخرط في الصناعات ذات القيمة المضافة العالية مثل البطاريات والبرمجيات المدمجة، إضافة إلى بناء طلب داخلي يمكن أن يشكّل قاعدة لاستهلاك جزء من الإنتاج، إلى جانب التصدير.

وتجمع كل المؤشرات، اليوم، على أن تونس تسير بخطى ثابتة نحو توسيع صناعة السيارات، حيث لم يعد الأمر يقتصر على المكوّنات الكهربائية والميكانيكية التقليدية، بل تجاوز ذلك ليشمل السيارات الذكية والكهربائية. وإذا ما تواصل تنفيذ البرامج المُعلنة بالنسق المطلوب، فإن البلاد مرشّحة لأن تدخل، خلال العقد المقبل، نادي الدول المصنّعة للسيارات الكاملة، مستفيدة من موقعها الجغرافي القريب من أوروبا، واتفاقياتها الإقليمية في أفريقيا، ومواردها البشرية المؤهلة في مجالات الهندسة والتكنولوجيا.

سفيان المهداوي

من المكونات إلى المدن الذكية..   تونس تمهّد الطريق نحو صناعة السيارات

 

تشهد تونس في السنوات الأخيرة حركية متسارعة في قطاع الصناعات الميكانيكية، وخاصة صناعة مكونات السيارات، في محاولة جادّة لتحويل البلاد إلى منصّة صناعية إقليمية قادرة على استقطاب الاستثمارات الأجنبية، وخلق مواطن شغل جديدة، والمضيّ قدما نحو إنتاج السيارات الكاملة. هذه الجهود لا تأتي بمعزل عن الاستراتيجية الوطنية للصناعة والتجديد، بل تندرج ضمن رؤية شاملة تهدف إلى مضاعفة الصادرات الصناعية وتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني في مواجهة التحوّلات العالمية.

في جويلية 2022، أعلنت وزارة الصناعة والطاقة والمناجم عن توقيع «ميثاق التنافسية لصناعة السيارات»، بالشراكة مع الجمعية التونسية لمصنّعي مكونات السيارات (TAA)، وبدعم من الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، إلى جانب التعاون الألماني (GIZ). يمثّل هذا الميثاق أحد أبرز الخطوات العملية لوضع أسس صناعة سيارات متكاملة في تونس.

ويهدف الميثاق إلى تحقيق جملة من الأهداف الطموحة، من أبرزها مضاعفة صادرات مكونات السيارات من 7.5 مليار دينار إلى 14 مليار دينار في أفق سنة 2027، وخلق 60 ألف فرصة عمل جديدة، إلى جانب 90 ألف موطن شغل قائم حاليًا. كما يسعى إلى زيادة نسبة الاندماج المحلي من 40 بالمائة إلى 48 بالمائة، ورفع مساهمة القطاع في الناتج الداخلي الخام من 12 بالمائة إلى 22 بالمائة.

ويرتكز هذا المشروع الوطني على خمسة محاور أساسية، أبرزها: تحسين البنية التحتية الداعمة للصناعة، تطوير الإطار القانوني والتشريعي، دعم التكوين المهني والتشغيل، تشجيع البحث والتطوير والابتكار، وأخيرًا الترويج لتونس كوجهة صناعية قادرة على المنافسة إقليميا ودوليا.

المدينة الذكية.. رهان على المستقبل

في ديسمبر 2024، أعلنت وزارة الصناعة عن انطلاق التحضيرات لإنجاز «المدينة الذكية للسيارات»، وهو مشروع ضخم من شأنه أن يغيّر وجه القطاع الصناعي في تونس. ويهدف هذا المشروع إلى إقامة مجمّع صناعي وتكنولوجي متكامل مخصص لصناعة السيارات الكهربائية والذكية، بما يسمح للبلاد بمواكبة التحوّلات العالمية نحو التنقّل المستدام والاقتصاد الأخضر.

وقد أوضحت وزيرة الصناعة خلال حفل الإعلان أن المشروع سيعزّز موقع تونس كمنصّة صناعية إفريقية، ويساهم في تحسين جاذبية البلاد للاستثمارات الكبرى، خاصة في المجالات ذات القيمة المضافة العالية. كما سيتيح للجامعات ومراكز البحث الوطني الانخراط في هذا التحول، من خلال تطوير الكفاءات في مجالات الهندسة الإلكترونية، والبرمجيات، والذكاء الاصطناعي الموجّه لصناعة السيارات.

وأكد مدير عام الصناعات المعملية بوزارة الصناعة والطاقة والمناجم، فتحي سهلاوي، في تصريحات إعلامية، أن مشروع «المدينة الذكية للسيارات» يندرج ضمن الاستراتيجية الوطنية للوزارة في أفق 2027، وفي إطار ميثاق تنافسية قطاع معدات السيارات ومكوّناتها، بهدف تعزيز موقع تونس في مجال تصنيع السيارات التقليدية والذكية على حدّ سواء.

وأوضح سهلاوي أن المشروع يهدف إلى استقطاب استثمارات بقيمة 300 مليون دولار، ومن المنتظر أن يوفّر نحو 100 ألف موطن شغل مباشر وغير مباشر. وأضاف أنه تم تحديد أربعة مواقع مرشّحة لاحتضان المشروع، اعتمادًا على معايير تتعلّق بالقرب من الموانئ والمطارات، فضلًا عن النسيج الصناعي ومراكز البحث والتطوير.

وأشار المسؤول إلى أنّ مكتب دراسات مختصا يرافق الهياكل التابعة للوزارة على مستوى القطب التكنولوجي بسوسة لإعداد خارطة طريق واستكمال الدراسات الضرورية، معبّرًا عن أمله في إنهاء هذا المسار قبل نهاية السنة الحالية.

وأضاف أن التوجّه من خلال هذا المشروع سيكون نحو تطوير السيارات الذكية المتصلة بالهواتف، إلى جانب السيارات الكهربائية والصديقة للبيئة، بما يتماشى مع التوجّهات العالمية في هذا القطاع.

رغم الخبرات المتراكمة في مجال صناعة مكونات السيارات، لم تشهد تونس بعد تأسيس شركات قادرة على إنتاج سيارات كاملة محليًا. ويُعزى ذلك إلى عدّة عوامل تتعلق بالبنية التحتية، وتكاليف الإنتاج، والتمويل، فضلًا عن المنافسة الإقليمية من دول مثل المغرب، التي نجحت في بناء مصانع سيارات متكاملة بمشاركة شركات عالمية.

ويؤكّد خبراء الاقتصاد لـ»الصباح»، أن تونس تتميّز بقوة في صناعة المكوّنات واللوحات الكهربائية والمحركات الجزئية، حيث تُصدر هذه المكوّنات إلى أوروبا وأفريقيا، ما يجعلها وجهة موثوقة للشركات الأجنبية في هذا المجال. ويشير تقرير وزارة الصناعة إلى أن صادرات مكونات السيارات تصل إلى أكثر من 2.7 مليار يورو سنويًا، وتُسهم بنسبة تتجاوز 4 بالمائة في الناتج المحلي الإجمالي.

ويرى خبراء اقتصاديون أن تونس تسير بخطوات ثابتة نحو بناء قدرات إنتاجية أكبر، وقد تتحول في المستقبل إلى بلد قادر على إنتاج سيارات متكاملة، خاصة إذا نجحت مشاريع المدينة الذكية وتكاملت مع السياسات الوطنية للاستثمار والتكوين التقني. وحتى ذلك الحين، يبقى القطاع يعتمد على تصنيع المكوّنات وتجميع السيارات جزئيًا، مع التركيز على الاستعداد للثورة المقبلة في السيارات الكهربائية والذكية، في محاولة لمواكبة التحوّلات العالمية وتعزيز مكانة تونس على الخارطة الصناعية الدولية.

استثمارات دولية تدعم الطموح الوطني

لم تقتصر جهود تونس على الجانب التشريعي أو التخطيطي فحسب، بل شهدت السنوات الأخيرة تدفق استثمارات أجنبية مباشرة في قطاع السيارات.

ففي سنة 2024، افتتحت المجموعة الألمانية «ماركوارت» مصنعا جديدا في منطقة الفجة شمال العاصمة، باستثمار يفوق 50 مليون يورو، مخصص لإنتاج لوحات التحكّم الخاصة بالسيارات الفاخرة. ويوفّر هذا المشروع نحو 1500 فرصة عمل جديدة، ويؤكد ثقة المستثمرين الألمان في الوجهة التونسية.

كما أبدت ثلاث شركات صينية كبرى اهتمامها بإقامة مصانع لمكونات السيارات في تونس، في خطوة تعكس المكانة الاستراتيجية التي باتت تحتلها البلاد في سلاسل التوريد العالمية. وفي السياق ذاته، أعلنت وزارة الصناعة في جويلية 2024 عن برنامج استثمارات جديدة بقيمة 322 مليون دينار، من المنتظر أن يخلق أكثر من 7000 موطن شغل خلال السنوات المقبلة.

مكانة متميّزة لتونس

بحسب بيانات وزارة الصناعة، تحتل تونس المرتبة الثانية قارّيًا في صناعة مكونات السيارات بعد المغرب، وهو ما يعكس التقدّم الكبير الذي أحرزته البلاد في هذا المجال. ووفق إحصائيات أخرى صادرة عن الجمعية التونسية لمصنّعي مكوّنات السيارات، يُسهم القطاع بنحو 4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، ويُصدر سنويًا ما قيمته 2.7 مليار يورو نحو الأسواق الأوروبية أساسا.

هذا التموضع المتميّز يعزّز فرص تونس في الانتقال إلى مرحلة جديدة تتمثل في إنتاج سيارات كاملة، خاصة مع تزايد الطلب العالمي على السيارات الكهربائية والذكية، ما قد يمنح تونس ميزة تنافسية إضافية.

رغم المؤشرات الإيجابية، تواجه تونس جملة من التحديات التي قد تُعيق تسريع هذا التحوّل الصناعي، من أبرزها الحاجة إلى تطوير البنية التحتية اللوجستية، خاصة على مستوى الموانئ والطرقات، وضمان توفير طاقة مستدامة وبكلفة تنافسية في ظل التحولات العالمية نحو الطاقات المتجددة، وتبسيط الإجراءات الإدارية، وتحسين مناخ الأعمال لجذب الاستثمارات الأجنبية، والاستثمار أكثر في البحث والتطوير، حتى لا تقتصر تونس على تصنيع المكوّنات التقليدية، بل تنخرط في الصناعات ذات القيمة المضافة العالية مثل البطاريات والبرمجيات المدمجة، إضافة إلى بناء طلب داخلي يمكن أن يشكّل قاعدة لاستهلاك جزء من الإنتاج، إلى جانب التصدير.

وتجمع كل المؤشرات، اليوم، على أن تونس تسير بخطى ثابتة نحو توسيع صناعة السيارات، حيث لم يعد الأمر يقتصر على المكوّنات الكهربائية والميكانيكية التقليدية، بل تجاوز ذلك ليشمل السيارات الذكية والكهربائية. وإذا ما تواصل تنفيذ البرامج المُعلنة بالنسق المطلوب، فإن البلاد مرشّحة لأن تدخل، خلال العقد المقبل، نادي الدول المصنّعة للسيارات الكاملة، مستفيدة من موقعها الجغرافي القريب من أوروبا، واتفاقياتها الإقليمية في أفريقيا، ومواردها البشرية المؤهلة في مجالات الهندسة والتكنولوجيا.

سفيان المهداوي