إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تنقيح مجلة المحروقات.. والتشجيع على الاستثمار في الطاقات النظيفة.. تونس مرشحة لتكون منصة إقليمية لإنتاج وتصدير الهيدروجين النظيف

في خضم التحديات المتزايدة التي يواجهها قطاع الطاقة في تونس، تبرز أصوات الخبراء محذّرة من المضيّ في خيارات قد تكون مكلفة بيئيا واقتصاديا، وداعية في المقابل إلى الاستثمار المكثّف في الطاقات المتجددة، وفي مقدّمتها الهيدروجين الباطني باعتباره طاقة نظيفة وغير مكلفة. وفي هذا السياق، دعا محمد غازي بن جميع، الخبير في الجيولوجيا والطاقة، أمس، في تصريح لـ»الصباح»، إلى إعادة ترتيب الأولويات الوطنية في مجال الطاقة، مؤكّدا أن مستقبل البلاد يكمن في استغلال الموارد المتجددة عوض المراهنة على الغاز الصخري الذي يحمل في طياته مخاطر بيئية جسيمة.

وأوضح بن جميع في ردّه على استفسارات «الصباح»، أن المقترح المقدَّم من بعض مهنيي قطاع الطاقة إلى وزارة الصناعة والطاقة والمناجم بشأن استخراج الغاز الصخري، رغم أنه قد يساهم في تلبية جزء من الاحتياجات الطاقية على المدى القصير، إلا أنه يحمل مخاطر بيئية كبيرة على المدى البعيد. وأكّد أن عملية استخراج الغاز الصخري تعتمد أساسا على تكسير الصخور في أماكن الآبار باستخدام كميات هائلة من المياه، ما يفرض ضغطا إضافيا على الموارد المائية الشحيحة أصلًا في تونس.

وأشار الخبير إلى أن خيار الاعتماد على محطات تحلية مياه البحر لتوفير المياه اللازمة لهذه العملية، قد يتسبّب في تلوث البحر الأبيض المتوسط، وهو ما ستكون له تداعيات إيكولوجية خطيرة، خاصة في ظل حساسية النظام البيئي البحري. وأضاف أن مثل هذه المخاطر لاستخراج طاقة «ناضبة» وغير مستدامة، ستكون لها تداعيات خطيرة على البيئة، حتى وإن كانت قادرة على تزويد البلاد بجزء من حاجياتها الطاقية لفترة زمنية محدودة.

وشدّد بن جميع على أن المضي في هذا الخيار يستوجب أولا تنقيح الإطار القانوني لمجلة المحروقات، ووضع ضوابط بيئية صارمة لتفادي الكوارث المحتملة. غير أنه أوضح أن كل هذه الإجراءات لن تمنع من حصول أضرار جسيمة على المدى الطويل، لا يمكن قبولها لا محليًا ولا على المستوى الدولي، خصوصا وأن المنطقة المتوسطية تخضع لتوازنات بيئية دقيقة.

دعوات لاستخراج الغاز الصخري

وكان رئيس الجمعية التونسية لمهنيي الطاقة هشام منصور، قد أدلى بتصريحات إعلامية أكّد فيها أن تونس لا تنتج سوى ثلث حاجياتها من الطاقة، حيث لا يتجاوز الإنتاج الوطني من النفط والغاز الطبيعي 20 مليون برميل سنويا، في حين أن الاستهلاك يتراوح بين 58 و60 مليون برميل. وأشار إلى أن هذا العجز الهيكلي يفرض على تونس البحث عن حلول مبتكرة لتأمين أمنها الطاقي.

وأكّد منصور أن هذه الفجوة الطاقية تعكس تراجع الإنتاج الوطني منذ أكثر من 15 سنة، وأن البلاد مطالبة بتعبئة استثمارات ضخمة لتطوير قدراتها سواء في مجال الاستكشاف أو في البحث عن بدائل مستدامة. وأوضح أن الطاقات المتجددة ما زالت تمثّل نسبة ضعيفة من الاستهلاك الوطني لا تتجاوز 4 إلى 5 %، ما يستدعي خططا جريئة لتسريع نسق الانتقال الطاقي.

وشدّد منصور على أن تونس تبقى من بين أكثر الدول المكهربة في إفريقيا، وهو ما يمثّل مكسبا يمكن البناء عليه لتعزيز استغلال الطاقات البديلة.

ومن جهة أخرى، ذكر هشام منصور أن مهنيي قطاع الطاقة أعدّوا وثيقة تحتوي على جملة من التوصيات لإعادة إنعاش القطاع الطاقي، وقد تم رفع هذه الوثيقة إلى وزارة الصناعة والمناجم والطاقة. وأكّد في تصريحاته، أنه من أبرز التوصيات، اللجوء إلى تكنولوجيات جديدة تسمح للبلاد باستخراج الغاز الصخري، مع التقليل من أثر ذلك على البيئة.

الهيدروجين الباطني.. مستقبل نظيف لتونس

ويطرح غازي بن جميع الخبير في الجيولوجيا بديلا واعدا يتمثّل في الاستثمار في الطاقات المتجددة، وعلى رأسها الهيدروجين الباطني أو ما يُعرف بالهيدروجين النظيف. وأوضح أن هذه الطاقة ليست فقط صديقة للبيئة، بل إنها أيضًا أقل كلفة على المدى الطويل، خاصة مع تطور التكنولوجيا الحديثة التي باتت تتيح استخراج الهيدروجين من أعماق الأرض بكفاءة عالية ودون أضرار جسيمة على النظم البيئية. وأوضح بن جميع أن الهيدروجين طاقة نظيفة، عند احتراقه لا يطلق سوى بخار الماء، دون انبعاثات كربونية، وأقل كلفة من الهيدروجين الصناعي الذي يتم إنتاجه اليوم عبر التحليل الكهربائي للماء أو من الغاز الطبيعي.

وأشار الخبير إلى أن تونس تملك إمكانات واعدة في هذا المجال، بالنظر إلى خصائصها الجيولوجية وموقعها الاستراتيجي على ضفاف المتوسط، ما يجعلها مرشّحة لتكون منصة إقليمية لإنتاج وتصدير الهيدروجين النظيف نحو أوروبا التي تشهد بدورها انتقالا طاقيا واسع النطاق.

وشدّد على أن الطاقات المتجددة لا تعني فقط الشمس والرياح، بل تشمل أيضا موارد جديدة على غرار الهيدروجين الباطني الذي يمكن أن يحدث ثورة حقيقية في القطاع الطاقي التونسي إذا ما تم استغلاله بالشكل الأمثل. كما اعتبر أن الاستثمار في هذا المجال سيمنح تونس استقلالية أكبر على المستوى الطاقي، ويجعلها في صلب التحولات العالمية نحو اقتصاد منخفض الكربون.

تحوير الإطار القانوني وتعزيز الحوكمة

من النقاط الجوهرية التي ركّز عليها بن جميع هي ضرورة تحوير الإطار القانوني لمجلة المحروقات، بحيث يتلاءم مع التطورات الجديدة ويشجّع على الاستثمار في الطاقات النظيفة. وأوضح أن القوانين الحالية تركز بالأساس على المحروقات التقليدية، وهو ما يتطلب مراجعة شاملة تتيح إدراج الطاقات المتجددة ضمن أولويات السياسة الوطنية.

كما دعا إلى اعتماد آليات تمويل مبتكرة وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، فضلا عن جذب الاستثمارات الأجنبية في مجالات الطاقة البديلة. وأكّد أن تونس بحاجة إلى إرادة سياسية قوية لتسريع هذا المسار، مع ضرورة وضع خارطة طريق واضحة تحدّد الأهداف على المدى المتوسط والبعيد.

وتقف تونس، اليوم، أمام مفترق طرق حاسم في مجال الطاقة. فمن جهة، يمثّل الغاز الصخري حلًّا قصير المدى لتقليص العجز الطاقي، لكنه محفوف بمخاطر بيئية قد تكون كارثية. ومن جهة أخرى، تفتح الطاقات المتجددة والهيدروجين الباطني آفاقًا رحبة لتحقيق استقلالية طاقية مستدامة، إذا ما تم الاستثمار فيها بالجدية اللازمة.

انعكاسات اجتماعية واقتصادية

التحوّل نحو الطاقات المتجددة، وخاصة الهيدروجين الباطني، لا يمثّل فقط رهانا بيئيا، بل يمكن أن يكون رافعة اقتصادية واجتماعية لتونس. فالاستثمار في هذا المجال من شأنه أن يخلق آلاف مواطن الشغل الجديدة في قطاعات البحث العلمي، والهندسة، والصناعة الطاقية. كما سيمكن تونس من تقليص فاتورة التوريد، وبالتالي تخفيف الضغط على ميزان المدفوعات.

على المستوى الاجتماعي، من شأن الطاقات النظيفة أن تساهم في تحسين جودة الحياة عبر تقليص التلوث والانبعاثات الغازية، وهو ما سينعكس مباشرة على صحة المواطنين والبيئة الحضرية. ولم يعد الاستثمار في الطاقات المتجددة خيارا ثانويا لتونس، بل ضرورة وطنية ملحّة لضمان الأمن الطاقي والحفاظ على البيئة في الوقت ذاته. وفي هذا الإطار، يبرز الهيدروجين الباطني كخيار استراتيجي يمكن أن يغيّر وجه قطاع الطاقة في البلاد، إذا ما تم تبنّيه ضمن رؤية متكاملة تعتمد أحدث التكنولوجيات وتستفيد من الخبرات الوطنية والدولية.

وبينما يحذّر الخبراء من مخاطر الغاز الصخري، يبدو أن الرهان الحقيقي لتونس يكمن في التوجّه بجرأة نحو المستقبل، حيث الطاقات النظيفة قادرة على توفير الأمن الطاقي، خلق مواطن الشغل، وتعزيز موقع البلاد في الخريطة الطاقية الإقليمية والدولية. وبالتالي، تصبح دعوة غازي بن جميع ليست مجرد مقترح علمي، بل توجّها استراتيجيا في حاجة إلى إرادة سياسية واضحة، ورؤية وطنية متكاملة، وإطار قانوني مرن يواكب التحولات العالمية، فضلا عن استثمارات فعلية وشراكات دولية كبرى تجعل من تونس فاعلا أساسيا في سوق الطاقات المتجددة والهيدروجين النظيف خلال العقود القادمة.

سفيان المهداوي

تنقيح مجلة المحروقات.. والتشجيع على الاستثمار في الطاقات النظيفة..     تونس مرشحة لتكون منصة إقليمية لإنتاج وتصدير الهيدروجين النظيف

في خضم التحديات المتزايدة التي يواجهها قطاع الطاقة في تونس، تبرز أصوات الخبراء محذّرة من المضيّ في خيارات قد تكون مكلفة بيئيا واقتصاديا، وداعية في المقابل إلى الاستثمار المكثّف في الطاقات المتجددة، وفي مقدّمتها الهيدروجين الباطني باعتباره طاقة نظيفة وغير مكلفة. وفي هذا السياق، دعا محمد غازي بن جميع، الخبير في الجيولوجيا والطاقة، أمس، في تصريح لـ»الصباح»، إلى إعادة ترتيب الأولويات الوطنية في مجال الطاقة، مؤكّدا أن مستقبل البلاد يكمن في استغلال الموارد المتجددة عوض المراهنة على الغاز الصخري الذي يحمل في طياته مخاطر بيئية جسيمة.

وأوضح بن جميع في ردّه على استفسارات «الصباح»، أن المقترح المقدَّم من بعض مهنيي قطاع الطاقة إلى وزارة الصناعة والطاقة والمناجم بشأن استخراج الغاز الصخري، رغم أنه قد يساهم في تلبية جزء من الاحتياجات الطاقية على المدى القصير، إلا أنه يحمل مخاطر بيئية كبيرة على المدى البعيد. وأكّد أن عملية استخراج الغاز الصخري تعتمد أساسا على تكسير الصخور في أماكن الآبار باستخدام كميات هائلة من المياه، ما يفرض ضغطا إضافيا على الموارد المائية الشحيحة أصلًا في تونس.

وأشار الخبير إلى أن خيار الاعتماد على محطات تحلية مياه البحر لتوفير المياه اللازمة لهذه العملية، قد يتسبّب في تلوث البحر الأبيض المتوسط، وهو ما ستكون له تداعيات إيكولوجية خطيرة، خاصة في ظل حساسية النظام البيئي البحري. وأضاف أن مثل هذه المخاطر لاستخراج طاقة «ناضبة» وغير مستدامة، ستكون لها تداعيات خطيرة على البيئة، حتى وإن كانت قادرة على تزويد البلاد بجزء من حاجياتها الطاقية لفترة زمنية محدودة.

وشدّد بن جميع على أن المضي في هذا الخيار يستوجب أولا تنقيح الإطار القانوني لمجلة المحروقات، ووضع ضوابط بيئية صارمة لتفادي الكوارث المحتملة. غير أنه أوضح أن كل هذه الإجراءات لن تمنع من حصول أضرار جسيمة على المدى الطويل، لا يمكن قبولها لا محليًا ولا على المستوى الدولي، خصوصا وأن المنطقة المتوسطية تخضع لتوازنات بيئية دقيقة.

دعوات لاستخراج الغاز الصخري

وكان رئيس الجمعية التونسية لمهنيي الطاقة هشام منصور، قد أدلى بتصريحات إعلامية أكّد فيها أن تونس لا تنتج سوى ثلث حاجياتها من الطاقة، حيث لا يتجاوز الإنتاج الوطني من النفط والغاز الطبيعي 20 مليون برميل سنويا، في حين أن الاستهلاك يتراوح بين 58 و60 مليون برميل. وأشار إلى أن هذا العجز الهيكلي يفرض على تونس البحث عن حلول مبتكرة لتأمين أمنها الطاقي.

وأكّد منصور أن هذه الفجوة الطاقية تعكس تراجع الإنتاج الوطني منذ أكثر من 15 سنة، وأن البلاد مطالبة بتعبئة استثمارات ضخمة لتطوير قدراتها سواء في مجال الاستكشاف أو في البحث عن بدائل مستدامة. وأوضح أن الطاقات المتجددة ما زالت تمثّل نسبة ضعيفة من الاستهلاك الوطني لا تتجاوز 4 إلى 5 %، ما يستدعي خططا جريئة لتسريع نسق الانتقال الطاقي.

وشدّد منصور على أن تونس تبقى من بين أكثر الدول المكهربة في إفريقيا، وهو ما يمثّل مكسبا يمكن البناء عليه لتعزيز استغلال الطاقات البديلة.

ومن جهة أخرى، ذكر هشام منصور أن مهنيي قطاع الطاقة أعدّوا وثيقة تحتوي على جملة من التوصيات لإعادة إنعاش القطاع الطاقي، وقد تم رفع هذه الوثيقة إلى وزارة الصناعة والمناجم والطاقة. وأكّد في تصريحاته، أنه من أبرز التوصيات، اللجوء إلى تكنولوجيات جديدة تسمح للبلاد باستخراج الغاز الصخري، مع التقليل من أثر ذلك على البيئة.

الهيدروجين الباطني.. مستقبل نظيف لتونس

ويطرح غازي بن جميع الخبير في الجيولوجيا بديلا واعدا يتمثّل في الاستثمار في الطاقات المتجددة، وعلى رأسها الهيدروجين الباطني أو ما يُعرف بالهيدروجين النظيف. وأوضح أن هذه الطاقة ليست فقط صديقة للبيئة، بل إنها أيضًا أقل كلفة على المدى الطويل، خاصة مع تطور التكنولوجيا الحديثة التي باتت تتيح استخراج الهيدروجين من أعماق الأرض بكفاءة عالية ودون أضرار جسيمة على النظم البيئية. وأوضح بن جميع أن الهيدروجين طاقة نظيفة، عند احتراقه لا يطلق سوى بخار الماء، دون انبعاثات كربونية، وأقل كلفة من الهيدروجين الصناعي الذي يتم إنتاجه اليوم عبر التحليل الكهربائي للماء أو من الغاز الطبيعي.

وأشار الخبير إلى أن تونس تملك إمكانات واعدة في هذا المجال، بالنظر إلى خصائصها الجيولوجية وموقعها الاستراتيجي على ضفاف المتوسط، ما يجعلها مرشّحة لتكون منصة إقليمية لإنتاج وتصدير الهيدروجين النظيف نحو أوروبا التي تشهد بدورها انتقالا طاقيا واسع النطاق.

وشدّد على أن الطاقات المتجددة لا تعني فقط الشمس والرياح، بل تشمل أيضا موارد جديدة على غرار الهيدروجين الباطني الذي يمكن أن يحدث ثورة حقيقية في القطاع الطاقي التونسي إذا ما تم استغلاله بالشكل الأمثل. كما اعتبر أن الاستثمار في هذا المجال سيمنح تونس استقلالية أكبر على المستوى الطاقي، ويجعلها في صلب التحولات العالمية نحو اقتصاد منخفض الكربون.

تحوير الإطار القانوني وتعزيز الحوكمة

من النقاط الجوهرية التي ركّز عليها بن جميع هي ضرورة تحوير الإطار القانوني لمجلة المحروقات، بحيث يتلاءم مع التطورات الجديدة ويشجّع على الاستثمار في الطاقات النظيفة. وأوضح أن القوانين الحالية تركز بالأساس على المحروقات التقليدية، وهو ما يتطلب مراجعة شاملة تتيح إدراج الطاقات المتجددة ضمن أولويات السياسة الوطنية.

كما دعا إلى اعتماد آليات تمويل مبتكرة وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، فضلا عن جذب الاستثمارات الأجنبية في مجالات الطاقة البديلة. وأكّد أن تونس بحاجة إلى إرادة سياسية قوية لتسريع هذا المسار، مع ضرورة وضع خارطة طريق واضحة تحدّد الأهداف على المدى المتوسط والبعيد.

وتقف تونس، اليوم، أمام مفترق طرق حاسم في مجال الطاقة. فمن جهة، يمثّل الغاز الصخري حلًّا قصير المدى لتقليص العجز الطاقي، لكنه محفوف بمخاطر بيئية قد تكون كارثية. ومن جهة أخرى، تفتح الطاقات المتجددة والهيدروجين الباطني آفاقًا رحبة لتحقيق استقلالية طاقية مستدامة، إذا ما تم الاستثمار فيها بالجدية اللازمة.

انعكاسات اجتماعية واقتصادية

التحوّل نحو الطاقات المتجددة، وخاصة الهيدروجين الباطني، لا يمثّل فقط رهانا بيئيا، بل يمكن أن يكون رافعة اقتصادية واجتماعية لتونس. فالاستثمار في هذا المجال من شأنه أن يخلق آلاف مواطن الشغل الجديدة في قطاعات البحث العلمي، والهندسة، والصناعة الطاقية. كما سيمكن تونس من تقليص فاتورة التوريد، وبالتالي تخفيف الضغط على ميزان المدفوعات.

على المستوى الاجتماعي، من شأن الطاقات النظيفة أن تساهم في تحسين جودة الحياة عبر تقليص التلوث والانبعاثات الغازية، وهو ما سينعكس مباشرة على صحة المواطنين والبيئة الحضرية. ولم يعد الاستثمار في الطاقات المتجددة خيارا ثانويا لتونس، بل ضرورة وطنية ملحّة لضمان الأمن الطاقي والحفاظ على البيئة في الوقت ذاته. وفي هذا الإطار، يبرز الهيدروجين الباطني كخيار استراتيجي يمكن أن يغيّر وجه قطاع الطاقة في البلاد، إذا ما تم تبنّيه ضمن رؤية متكاملة تعتمد أحدث التكنولوجيات وتستفيد من الخبرات الوطنية والدولية.

وبينما يحذّر الخبراء من مخاطر الغاز الصخري، يبدو أن الرهان الحقيقي لتونس يكمن في التوجّه بجرأة نحو المستقبل، حيث الطاقات النظيفة قادرة على توفير الأمن الطاقي، خلق مواطن الشغل، وتعزيز موقع البلاد في الخريطة الطاقية الإقليمية والدولية. وبالتالي، تصبح دعوة غازي بن جميع ليست مجرد مقترح علمي، بل توجّها استراتيجيا في حاجة إلى إرادة سياسية واضحة، ورؤية وطنية متكاملة، وإطار قانوني مرن يواكب التحولات العالمية، فضلا عن استثمارات فعلية وشراكات دولية كبرى تجعل من تونس فاعلا أساسيا في سوق الطاقات المتجددة والهيدروجين النظيف خلال العقود القادمة.

سفيان المهداوي