إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مشاريع كبرى بصدد الإنجاز في تونس.. الصناعة في الصدارة وفرص عمل تفوق 45 ألفاً

 

- الصناعة تستحوذ على 37 % من إجمالي الاستثمارات لسنة 2025

- استعادة ثقة المموّلين الكبار تزامناً مع تسارع وتيرة إنجاز مشاريع كبرى

هذا التمركز للقطاع الصناعي ليس صدفة، بل هو نتيجة استراتيجية متكاملة تستند إلى موقع تونس الجغرافي على بوابة أوروبا وإفريقيا، وإلى ما راكمته البلاد من خبرات في الصناعات التحويلية ومكوّنات السيارات والطاقة المتجددة. وقد سجّل القطاع الصناعي زيادة بـ9,6 في المائة في الاستثمارات، و7,5 في المائة في مواطن الشغل مقارنة بالسنة الماضية، ما يعكس ديناميكية متسارعة تجذب المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء.

مشاريع ذات وزن اقتصادي

من أبرز المشاريع الكبرى التي بصدد الإنجاز، والتي من شأنها دفع سوق الشغل بقوة، توسّع شركة «يورا كوربوراسيون» الكورية المختصة في مكوّنات السيارات بمنطقة القيروان. المشروع، الذي ينطلق على مراحل، سيوفّر نحو 6 آلاف موطن شغل جديد بحلول 2026، إلى جانب ما يفوق ألفي وظيفة قائمة اليوم. توسّع هذه الشركة يعكس المكانة التي باتت تحتلها تونس في سلاسل القيمة العالمية لقطاع السيارات، بما يوفّره من يد عاملة مؤهلة وقرب جغرافي من الأسواق الأوروبية.

وفي السياق نفسه، دشّنت مجموعة «ماركوارت» الألمانية مصنعها الثالث بتونس، باستثمار يفوق 200 مليون دينار. هذا المشروع، الذي انطلق بالفجّة، من المنتظر أن يوفّر ما يزيد عن ألف فرصة عمل إضافية، مما يعزّز تموقع تونس كوجهة محورية للاستثمارات الأوروبية في الصناعات الإلكترونية والمكوّنات الدقيقة. كما اختارت شركة «إيتيلوج» السويسرية منطقة سيبخة بالقيروان لإقامة وحدة صناعية جديدة على مساحة هكتار كامل، ستوفّر مبدئياً أكثر من مائتي فرصة عمل، مع قابليّة للتوسّع في السنوات المقبلة.

هذه المشاريع الصناعية لا تقتصر على خلق الوظائف المباشرة، بل تفتح أيضاً المجال أمام سلسلة طويلة من الأنشطة غير المباشرة، من النقل والخدمات اللوجستية إلى الصيانة والتكوين، وهو ما يضاعف الأثر الاقتصادي والاجتماعي لها.

طفرة في مشاريع الطاقات المتجددة

إلى جانب الصناعات الميكانيكية والإلكترونية، يشهد قطاع الطاقة المتجددة طفرة حقيقية تجعله أحد أهم المحرّكات المستقبلية للنمو. ففي القيروان، يتم تنفيذ محطة كهرضوئية بقدرة 120 ميغاواط بالتعاون مع شركة إماراتية، ومن المنتظر أن تدخل حيّز الاستغلال التجاري قريباً. المشروع لا يقتصر على توفير الكهرباء من مصدر نظيف، بل يساهم أيضاً في تقليص العجز الطاقي وخلق مئات فرص العمل في مرحلة الإنشاء والتشغيل.

كما منحت السلطات التونسية التراخيص لأربع شركات دولية لبناء مراكز تعمل بالطاقة الشمسية تبلغ 500 ميغاواط، بكلفة تناهز 1,3 مليار دينار. هذه المشاريع، التي يُنتظر أن تُنتج أكثر من تيراواط/ساعة من الطاقة سنوياً، ستجعل تونس لاعباً أساسياً في سوق الكهرباء الخضراء بالمنطقة. ويبرز ضمن هذه الديناميكية مشروع ضخم تقوده «توتال إنرجي» الفرنسية وشركاؤها، ويهدف إلى إنتاج 200 ألف طن من الهيدروجين الأخضر سنوياً، مع خطط للتوسع إلى مليون طن بحلول 2030. المشروع موجّه للتصدير نحو أوروبا عبر ممرات أنابيب خاصة، وهو ما يحوّل تونس إلى منصّة استراتيجية للطاقة النظيفة في البحر المتوسط.

مشاريع ضخمة للبنية التحتية

كما وفّر بنك الاستثمار الأوروبي دعماً سخياً لمشاريع تونسية كبرى، من بينها قرض بـ210 ملايين يورو لإنجاز الطريق السريعة الرابطة بين صفاقس والقصرين، وهو مشروع يربط مناطق الداخل بالساحل ويختزل المسافات الزمنية بشكل كبير. ويشمل الدعم أيضاً تمويل الربط الكهربائي مع إيطاليا (مشروع ELMED)، إلى جانب تخصيص 170 مليون يورو لدعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة، فضلاً عن منح خاصة لتطوير البنية التربوية.

إلى جانب ذلك، لا تزال مشاريع حضرية كبرى في ضواحي العاصمة بصدد الإنجاز، وهناك مشروع تُقدّر كلفته بخمسة مليارات دولار، يجمع بين الفضاءات الرياضية والسكنية والتجارية، بما يعكس رؤية جديدة للتوسع العمراني الحديث.

وفي سياق موازٍ، تتقدّم أشغال مشروع «South H2 Corridor»، الذي سيربط تونس بإيطاليا وألمانيا عبر 3300 كلم من الأنابيب لنقل الهيدروجين الأخضر. المشروع يعكس رؤية استراتيجية تجعل من البلاد معبراً للطاقة النظيفة ومورداً أساسياً لأوروبا الباحثة عن تنويع مصادرها بعد أزمة الغاز العالمية.

أثر اقتصادي واجتماعي ملموس

جملة هذه المشاريع الكبرى، الممتدة من الصناعة والطاقة إلى البنية التحتية، لا تعني فقط أرقامًا مالية واستثمارات ضخمة، بل تعني قبل كل شيء آلاف الفرص للشباب الباحثين عن الشغل، إذ يُرتقب أن تخلق المشاريع المصرح بها خلال سنة 2025 أكثر من 45 ألف وظيفة، ما يمثل متنفسًا في سوق عمل يعاني من نسب بطالة مرتفعة، خصوصًا في صفوف خريجي الجامعات.

إضافةً إلى ذلك، فإن هيمنة القطاع الصناعي على 37 في المائة من الاستثمارات تعكس قدرة هذا المجال على أن يكون قاطرة للنمو الاقتصادي، بفضل ما يولّده من قيمة مضافة عالية وفرص اندماج في الأسواق الدولية. وإذا ما أُضيفت إلى ذلك مشاريع الطاقة المتجددة والبنية التحتية، فإن تونس مقبلة على تحول نوعي قد يعيد رسم خريطة البلاد الاقتصادية على المدى المتوسط والبعيد.

نحو مرحلة جديدة من النمو

وتبدو تونس اليوم، والتي عانت خلال العقد الأخير من أزمات متلاحقة أثّرت في جاذبيتها الاستثمارية، على مشارف مرحلة جديدة، فعودة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، إلى جانب المشاريع الممولة من شركاء دوليين كبار، تعكس استعادة الثقة في قدرتها على الاستقرار والإصلاح.

وما يعزّز هذه الديناميكية أن المشاريع ليست متمركزة فقط في العاصمة، بل موزعة على جهات الداخل كالقيروان وصفاقس، مما يساهم في التنمية الجهوية والحد من الفوارق الاجتماعية.

ويؤكد خبراء اقتصاديون لـ»الصباح» أن حجم الاستثمارات الجاري تنفيذها في تونس خلال سنة 2025 لن تكون له انعكاسات ظرفية فحسب، بل سيؤسس لمرحلة جديدة من النمو الهيكلي.

فوفق التقديرات الأولية، من المنتظر أن يسهم تسارع وتيرة المشاريع الصناعية والطاقة المتجددة في رفع نسبة النمو إلى ما بين 3 و3.5 في المائة خلال العام المقبل، مقابل توقعات أقل في حال غياب هذا الزخم الاستثماري.

ويعود ذلك بالأساس إلى الأثر المضاعف لهذه المشاريع على بقية القطاعات، إذ يوفّر كل موطن شغل مباشر في الصناعة أو الطاقة فرصًا إضافية في النقل والخدمات والتجارة، ما يخلق حلقة إيجابية تعزز الاستهلاك والاستثمار الداخلي في آنٍ واحد.

تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي

ويشير الخبراء إلى أن مشاريع الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية ستمكّن تونس من تقليص فاتورة التوريد الطاقي، التي مثّلت أحد أكبر أعباء الميزانية خلال السنوات الأخيرة، وهو ما ينعكس مباشرة على التوازنات المالية للدولة.

فكل ميغاواط يتم إنتاجه محليًا من مصادر نظيفة يخفّف الضغط على احتياطي العملة الصعبة، ويمنح المالية العمومية متنفسًا يسمح بتوجيه الموارد نحو مجالات حيوية أخرى مثل التعليم والصحة والبنية التحتية الاجتماعية.

ولا يغفل الخبراء عن الأثر الاجتماعي المباشر لهذه المشاريع، حيث إن تقليص البطالة بما يزيد على 45 ألف موطن شغل جديد خلال سنة 2025 من شأنه أن يخفف الضغط على سوق العمل، ويحدّ من موجات الهجرة غير النظامية، فضلًا عن مساهمته في تعزيز الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

فكلما تحسّنت مؤشرات التشغيل ارتفعت الثقة في المستقبل، وهو ما ينعكس بدوره على مناخ الأعمال ويشجع المستثمرين المحليين والأجانب على توسيع أنشطتهم.

وفي المحصلة، تبدو تونس بفضل هذه الاستثمارات أمام فرصة حقيقية لتجاوز دائرة الأزمات المتكررة، والانطلاق في مسار نمو متوازن يدمج بين حاجات السوق الداخلية ومتطلبات التصدير، وبين توفير العملة الصعبة وتحقيق التوازنات المالية.

غير أن نجاح هذا المسار يظل رهين قدرة الدولة على مرافقة المشاريع بإصلاحات هيكلية في مناخ الأعمال، وعلى ضمان استقرار اجتماعي وسياسي يوفّر الأرضية الضرورية لمواصلة جذب الاستثمارات وتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني.

سفيان المهداوي

 

مشاريع كبرى بصدد الإنجاز في تونس..    الصناعة في الصدارة وفرص عمل تفوق 45 ألفاً

 

- الصناعة تستحوذ على 37 % من إجمالي الاستثمارات لسنة 2025

- استعادة ثقة المموّلين الكبار تزامناً مع تسارع وتيرة إنجاز مشاريع كبرى

هذا التمركز للقطاع الصناعي ليس صدفة، بل هو نتيجة استراتيجية متكاملة تستند إلى موقع تونس الجغرافي على بوابة أوروبا وإفريقيا، وإلى ما راكمته البلاد من خبرات في الصناعات التحويلية ومكوّنات السيارات والطاقة المتجددة. وقد سجّل القطاع الصناعي زيادة بـ9,6 في المائة في الاستثمارات، و7,5 في المائة في مواطن الشغل مقارنة بالسنة الماضية، ما يعكس ديناميكية متسارعة تجذب المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء.

مشاريع ذات وزن اقتصادي

من أبرز المشاريع الكبرى التي بصدد الإنجاز، والتي من شأنها دفع سوق الشغل بقوة، توسّع شركة «يورا كوربوراسيون» الكورية المختصة في مكوّنات السيارات بمنطقة القيروان. المشروع، الذي ينطلق على مراحل، سيوفّر نحو 6 آلاف موطن شغل جديد بحلول 2026، إلى جانب ما يفوق ألفي وظيفة قائمة اليوم. توسّع هذه الشركة يعكس المكانة التي باتت تحتلها تونس في سلاسل القيمة العالمية لقطاع السيارات، بما يوفّره من يد عاملة مؤهلة وقرب جغرافي من الأسواق الأوروبية.

وفي السياق نفسه، دشّنت مجموعة «ماركوارت» الألمانية مصنعها الثالث بتونس، باستثمار يفوق 200 مليون دينار. هذا المشروع، الذي انطلق بالفجّة، من المنتظر أن يوفّر ما يزيد عن ألف فرصة عمل إضافية، مما يعزّز تموقع تونس كوجهة محورية للاستثمارات الأوروبية في الصناعات الإلكترونية والمكوّنات الدقيقة. كما اختارت شركة «إيتيلوج» السويسرية منطقة سيبخة بالقيروان لإقامة وحدة صناعية جديدة على مساحة هكتار كامل، ستوفّر مبدئياً أكثر من مائتي فرصة عمل، مع قابليّة للتوسّع في السنوات المقبلة.

هذه المشاريع الصناعية لا تقتصر على خلق الوظائف المباشرة، بل تفتح أيضاً المجال أمام سلسلة طويلة من الأنشطة غير المباشرة، من النقل والخدمات اللوجستية إلى الصيانة والتكوين، وهو ما يضاعف الأثر الاقتصادي والاجتماعي لها.

طفرة في مشاريع الطاقات المتجددة

إلى جانب الصناعات الميكانيكية والإلكترونية، يشهد قطاع الطاقة المتجددة طفرة حقيقية تجعله أحد أهم المحرّكات المستقبلية للنمو. ففي القيروان، يتم تنفيذ محطة كهرضوئية بقدرة 120 ميغاواط بالتعاون مع شركة إماراتية، ومن المنتظر أن تدخل حيّز الاستغلال التجاري قريباً. المشروع لا يقتصر على توفير الكهرباء من مصدر نظيف، بل يساهم أيضاً في تقليص العجز الطاقي وخلق مئات فرص العمل في مرحلة الإنشاء والتشغيل.

كما منحت السلطات التونسية التراخيص لأربع شركات دولية لبناء مراكز تعمل بالطاقة الشمسية تبلغ 500 ميغاواط، بكلفة تناهز 1,3 مليار دينار. هذه المشاريع، التي يُنتظر أن تُنتج أكثر من تيراواط/ساعة من الطاقة سنوياً، ستجعل تونس لاعباً أساسياً في سوق الكهرباء الخضراء بالمنطقة. ويبرز ضمن هذه الديناميكية مشروع ضخم تقوده «توتال إنرجي» الفرنسية وشركاؤها، ويهدف إلى إنتاج 200 ألف طن من الهيدروجين الأخضر سنوياً، مع خطط للتوسع إلى مليون طن بحلول 2030. المشروع موجّه للتصدير نحو أوروبا عبر ممرات أنابيب خاصة، وهو ما يحوّل تونس إلى منصّة استراتيجية للطاقة النظيفة في البحر المتوسط.

مشاريع ضخمة للبنية التحتية

كما وفّر بنك الاستثمار الأوروبي دعماً سخياً لمشاريع تونسية كبرى، من بينها قرض بـ210 ملايين يورو لإنجاز الطريق السريعة الرابطة بين صفاقس والقصرين، وهو مشروع يربط مناطق الداخل بالساحل ويختزل المسافات الزمنية بشكل كبير. ويشمل الدعم أيضاً تمويل الربط الكهربائي مع إيطاليا (مشروع ELMED)، إلى جانب تخصيص 170 مليون يورو لدعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة، فضلاً عن منح خاصة لتطوير البنية التربوية.

إلى جانب ذلك، لا تزال مشاريع حضرية كبرى في ضواحي العاصمة بصدد الإنجاز، وهناك مشروع تُقدّر كلفته بخمسة مليارات دولار، يجمع بين الفضاءات الرياضية والسكنية والتجارية، بما يعكس رؤية جديدة للتوسع العمراني الحديث.

وفي سياق موازٍ، تتقدّم أشغال مشروع «South H2 Corridor»، الذي سيربط تونس بإيطاليا وألمانيا عبر 3300 كلم من الأنابيب لنقل الهيدروجين الأخضر. المشروع يعكس رؤية استراتيجية تجعل من البلاد معبراً للطاقة النظيفة ومورداً أساسياً لأوروبا الباحثة عن تنويع مصادرها بعد أزمة الغاز العالمية.

أثر اقتصادي واجتماعي ملموس

جملة هذه المشاريع الكبرى، الممتدة من الصناعة والطاقة إلى البنية التحتية، لا تعني فقط أرقامًا مالية واستثمارات ضخمة، بل تعني قبل كل شيء آلاف الفرص للشباب الباحثين عن الشغل، إذ يُرتقب أن تخلق المشاريع المصرح بها خلال سنة 2025 أكثر من 45 ألف وظيفة، ما يمثل متنفسًا في سوق عمل يعاني من نسب بطالة مرتفعة، خصوصًا في صفوف خريجي الجامعات.

إضافةً إلى ذلك، فإن هيمنة القطاع الصناعي على 37 في المائة من الاستثمارات تعكس قدرة هذا المجال على أن يكون قاطرة للنمو الاقتصادي، بفضل ما يولّده من قيمة مضافة عالية وفرص اندماج في الأسواق الدولية. وإذا ما أُضيفت إلى ذلك مشاريع الطاقة المتجددة والبنية التحتية، فإن تونس مقبلة على تحول نوعي قد يعيد رسم خريطة البلاد الاقتصادية على المدى المتوسط والبعيد.

نحو مرحلة جديدة من النمو

وتبدو تونس اليوم، والتي عانت خلال العقد الأخير من أزمات متلاحقة أثّرت في جاذبيتها الاستثمارية، على مشارف مرحلة جديدة، فعودة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، إلى جانب المشاريع الممولة من شركاء دوليين كبار، تعكس استعادة الثقة في قدرتها على الاستقرار والإصلاح.

وما يعزّز هذه الديناميكية أن المشاريع ليست متمركزة فقط في العاصمة، بل موزعة على جهات الداخل كالقيروان وصفاقس، مما يساهم في التنمية الجهوية والحد من الفوارق الاجتماعية.

ويؤكد خبراء اقتصاديون لـ»الصباح» أن حجم الاستثمارات الجاري تنفيذها في تونس خلال سنة 2025 لن تكون له انعكاسات ظرفية فحسب، بل سيؤسس لمرحلة جديدة من النمو الهيكلي.

فوفق التقديرات الأولية، من المنتظر أن يسهم تسارع وتيرة المشاريع الصناعية والطاقة المتجددة في رفع نسبة النمو إلى ما بين 3 و3.5 في المائة خلال العام المقبل، مقابل توقعات أقل في حال غياب هذا الزخم الاستثماري.

ويعود ذلك بالأساس إلى الأثر المضاعف لهذه المشاريع على بقية القطاعات، إذ يوفّر كل موطن شغل مباشر في الصناعة أو الطاقة فرصًا إضافية في النقل والخدمات والتجارة، ما يخلق حلقة إيجابية تعزز الاستهلاك والاستثمار الداخلي في آنٍ واحد.

تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي

ويشير الخبراء إلى أن مشاريع الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية ستمكّن تونس من تقليص فاتورة التوريد الطاقي، التي مثّلت أحد أكبر أعباء الميزانية خلال السنوات الأخيرة، وهو ما ينعكس مباشرة على التوازنات المالية للدولة.

فكل ميغاواط يتم إنتاجه محليًا من مصادر نظيفة يخفّف الضغط على احتياطي العملة الصعبة، ويمنح المالية العمومية متنفسًا يسمح بتوجيه الموارد نحو مجالات حيوية أخرى مثل التعليم والصحة والبنية التحتية الاجتماعية.

ولا يغفل الخبراء عن الأثر الاجتماعي المباشر لهذه المشاريع، حيث إن تقليص البطالة بما يزيد على 45 ألف موطن شغل جديد خلال سنة 2025 من شأنه أن يخفف الضغط على سوق العمل، ويحدّ من موجات الهجرة غير النظامية، فضلًا عن مساهمته في تعزيز الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

فكلما تحسّنت مؤشرات التشغيل ارتفعت الثقة في المستقبل، وهو ما ينعكس بدوره على مناخ الأعمال ويشجع المستثمرين المحليين والأجانب على توسيع أنشطتهم.

وفي المحصلة، تبدو تونس بفضل هذه الاستثمارات أمام فرصة حقيقية لتجاوز دائرة الأزمات المتكررة، والانطلاق في مسار نمو متوازن يدمج بين حاجات السوق الداخلية ومتطلبات التصدير، وبين توفير العملة الصعبة وتحقيق التوازنات المالية.

غير أن نجاح هذا المسار يظل رهين قدرة الدولة على مرافقة المشاريع بإصلاحات هيكلية في مناخ الأعمال، وعلى ضمان استقرار اجتماعي وسياسي يوفّر الأرضية الضرورية لمواصلة جذب الاستثمارات وتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني.

سفيان المهداوي