إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

فرضتها حدة التغيرات المناخية.. منظومة التأمين بين أزمة الثقة وتحدي التعويض عن الكوارث الطبيعية

تسبب نزول البرد مؤخرا في عدد من الولايات والمعتمديات على  غرار سيدي بوزيد وسبيطلة والقصرين وقفصة في إلحاق أضرار بعدد من السيارات وبتوجه المتضررين لشركات التأمين لإصلاح الأضرار والحصول على التعويضات، تفاجأ البعض برفض التعويض على  تهشم البلور بحجر البرد على اعتبار أن الكوارث الطبيعية تحتاج لتأمين بعينه لا تشمله عقود التأمين العادية للسيارات.

تطرح هذه الوضعيات من جديد إشكالا قديما متجددا يتمثل في العلاقة المتوترة عادة بين شركات التأمين وحرفائها في غياب الثقة بين الطرفين وعادة ما تهتم هذه الشركات بالتنصل من التعويض والبحث عن مسوغات للرفض في المقابل تتذمر شركات التأمين من التحيّل والغش الذي يمارسه أحيانا الحريف وتحول في بعض المناسبات إلى شبكات إجرامية مختصة .

من جهة أخرى تثير هذه الوضعيات جملة من التساؤلات حول مدى مواكبة قطاع التأمين لمستجدات التغيرات المناخية وما تطرحه من تحديات منها التأمين على الكوارث الطبيعية.

وتفيد المؤشرات أن  قطاع التأمين في تونس يعد من بين القطاعات الحيوية التي تشهد تنافسًا متناميا بين الشركات العمومية والخاصة في ظل ارتفاع حوادث الطرقات، وتزايد الحاجة إلى التأمين الصحي، بالإضافة إلى مستجد مخاطر الكوارث الطبيعية.

وتشمل أنواع التأمينات الرئيسية في تونس (التأمين على السيارات، التأمين الصحي والتكميلي، التأمين على الحياة، تأمين العقارات والمقاولات إلى جانب التأمين على السفر والبضائع).

وتفيد آخر مؤشرات الهيئة العامة للتأمين أن التعويضات المُسـددة من قبل مؤسسات التأمين للمؤمن لهم بلغت مع أواخر الثلاثية الأولى من سنة 2025 ما قيمته 481.1 مليون دينار مقابل 423.6م. د في الفترة نفسها من السنة الفارطة بزيادة بنسبة 14.3 بالمائة.

وبحسب الهيئة العامة للتأمين حازت التعويضات في فرع التأمين على السيارات على نسبة 44.6 بالمائة من إجمالي التعويضات على غير الحياة لتبلغ قيمتها 215.9 م. د مقابل 179.4 م. د.

وإذا أخذت في الاعتبار التغيرات المناخية ولاسيما منها التوقي من الجوائح الطبيعية وفي مقدمتها الحرائق بلغ رقم معاملات التأمين على الحريق في تونس 149 م. د مسدلا زيادة بنسبة 13.5 بالمائة بالمقارنة مع الأشهر الثلاثة الأولى من السنة الفارطة.

أزمة ثقة

كما يواجه قطاع التأمين  بشكل عام جملة من التحديات منها قلة الشفافية في عقود العقود ما تمثل مشكلًا لبعض الحرفاء كما  لا تزال بعض الشركات تعتمد على الإجراءات الورقية في التعويضات بالإضافة إلى ضعف ثقافة التأمين لدى المواطن الذي يؤدي إلى سوء اختيار العروض ويعمق مشكل الثقة ويؤسس لعلاقة متوترة بين الطرفين.

وعادة ما توصف شركات التأمين لدى الرأي العام التونسي بأنها تحصل على اشتراكات التأمين وفي حالات الحوادث تبح عن الثغرات للتنصل من التعويضات وحتى وإن تم التعويض لا يكون بحجم الضرر والمصاريف التي يحتاجها الإصلاح.

في المقابل تتذمر شركات التأمين من ممارسات التحيّل، ومؤخرا  صرح  مدير عام الجامعة التونسية لشركات التأمين، بأن «الغشّ والتحيّل في التّأمين يعدّان من أخطر الظواهر التي تهدّد الأمن الاقتصادي الوطني لما تخفيه من ممارسات غير قانونية قد تتعدّى مجرّد الاستفادة من تعويض بسيط لتشمل شبكات إجرامية مختصة هدفها نهب الأموال واستعمالها في أنشطة مشبوهة».

وأكد أن «الخسائر المالية السنوية التي تتكبدها شركات التأمين والناجمة عن عمليات التحيّل والغشّ تقدر بحوالي 10 بالمائة من القيمة الجملية للتعويضات المدفوعة، إذ بلغت مثلا سنة 2023 ما يفوق عن 80 مليون دينار».

وقد أعلنت الجامعة التونسية لشركات التأمين، رسميا، عن إحداث وكالة مكافحة الغش والتحيّل في مجال التأمين في خطوة لوقف تزايد ظاهرة الغشّ والتّزوير في القطاع، ولاسيما في قطاع التأمين على السيارات. وتهتم  الوكالة بدراسة ملفات الحوادث الوهمية والتحيّل والغشّ في التّأمين والتنسيق بين أعضائها وبين مختلف الأطراف المتداخلة في هذا المجال.

التأمين على الكوارث الطبيعية

من جهة أخرى وفي علاقة بتحديات منظومة التأمين يطرح تنامي الظواهر الطبيعية العنيفة في السنوات الأخيرة إلزامية التأقلم مع واقع التغيرات المناخية وما يحتاجه من تعويضات عن الأضرار الناجمة عن الكوارث الطبيعية.

في هذا الإطار  تستعد تونس  لإرساء منظومة تأمين إجبارية ضد الكوارث الطبيعية خاصة الزلازل والفيضانات على المتساكنين وأصحاب الشركات والمؤسسات الاقتصادية بمختلف أصنافها بإلزام إضافة عنصر الكوارث الطبيعية في عقود التأمين المكتتبة.

ونقلت مؤخرا مصادر إعلامية أن  مكتب دراسات  انجز دراسة في الغرض ويتم الاشتغال على المنظومة على  أن تكون جاهزة في سنة 2026.

وأنجزت سابقا دراسة منذ 2018 من طرف البنك الدولي جاء فيها أن تونس عرضة لثلاثة أنواع من الكوارث الطبيعية هي الفيضانات والجفاف والزلازل.

وبالتوازي مع ذلك صرح به كاهية مدير الاستشراف والتخطيط بوزارة البيئة محمد بن سعيد  أنه «يتم حاليا العمل بالتنسيق مع مختلف الأطراف والوزارات والهياكل العمومية على تنفيذ البرنامج المندمج للصمود ضد الكوارث في إطار الخطة الوطنية للإستراتيجية الوطنية للحد من مخاطر الكوارث».

وقال بن سعيد في تصريح إذاعي  أن هذا البرنامج «يتمثل في قرض من طرف البنك الدولي والوكالة الفرنسية للتنمية باعتمادات جملية تقدر بحوالي 125 مليون دينار ويتضمن 4 مكونات رئيسية، ويتم حاليا إعداد نص قانوني لإحداث الهيكل الدائم للصمود والنهوض بالإطار المؤسساتي والتشريعي للتصرف في الكوارث».

كما بين بن سعيد أن «المحور المتعلق بالحماية المالية ضمن الإستراتيجية  تشرف على انجازه وزارة المالية بالتنسيق مع الهيئة العامة للتأمين ويعتمد على تنفيذ الأنشطة ذات العلاقة بالحماية المالية ما بعد الكارثة وحسن إدارة الموارد المالية المتاحة وخاصة في مجال التعويضات وإحداث صناديق خصوصية لمشكل التعويضات، أما المحور الرابع فتشرف عليه وزارتي المالية والبيئة وأساسا الإدارة العامة للبيئة وجودة الحياة من أجل بعث هيكل دائم للصمود والنهوض بالإطار المؤسساتي والتشريعي للتصرف في الكوارث.

مؤكدا على أن تونس كانت سبّاقة في إعداد الإستراتيجية الوطنية للحد من الكوارث الطبيعية وخطة عملها إلى غضون 2030 عبر اعتماد مقاربة تشاركية سنة 2021».

 م.ي

فرضتها حدة التغيرات المناخية..   منظومة التأمين بين أزمة الثقة وتحدي التعويض عن الكوارث الطبيعية

تسبب نزول البرد مؤخرا في عدد من الولايات والمعتمديات على  غرار سيدي بوزيد وسبيطلة والقصرين وقفصة في إلحاق أضرار بعدد من السيارات وبتوجه المتضررين لشركات التأمين لإصلاح الأضرار والحصول على التعويضات، تفاجأ البعض برفض التعويض على  تهشم البلور بحجر البرد على اعتبار أن الكوارث الطبيعية تحتاج لتأمين بعينه لا تشمله عقود التأمين العادية للسيارات.

تطرح هذه الوضعيات من جديد إشكالا قديما متجددا يتمثل في العلاقة المتوترة عادة بين شركات التأمين وحرفائها في غياب الثقة بين الطرفين وعادة ما تهتم هذه الشركات بالتنصل من التعويض والبحث عن مسوغات للرفض في المقابل تتذمر شركات التأمين من التحيّل والغش الذي يمارسه أحيانا الحريف وتحول في بعض المناسبات إلى شبكات إجرامية مختصة .

من جهة أخرى تثير هذه الوضعيات جملة من التساؤلات حول مدى مواكبة قطاع التأمين لمستجدات التغيرات المناخية وما تطرحه من تحديات منها التأمين على الكوارث الطبيعية.

وتفيد المؤشرات أن  قطاع التأمين في تونس يعد من بين القطاعات الحيوية التي تشهد تنافسًا متناميا بين الشركات العمومية والخاصة في ظل ارتفاع حوادث الطرقات، وتزايد الحاجة إلى التأمين الصحي، بالإضافة إلى مستجد مخاطر الكوارث الطبيعية.

وتشمل أنواع التأمينات الرئيسية في تونس (التأمين على السيارات، التأمين الصحي والتكميلي، التأمين على الحياة، تأمين العقارات والمقاولات إلى جانب التأمين على السفر والبضائع).

وتفيد آخر مؤشرات الهيئة العامة للتأمين أن التعويضات المُسـددة من قبل مؤسسات التأمين للمؤمن لهم بلغت مع أواخر الثلاثية الأولى من سنة 2025 ما قيمته 481.1 مليون دينار مقابل 423.6م. د في الفترة نفسها من السنة الفارطة بزيادة بنسبة 14.3 بالمائة.

وبحسب الهيئة العامة للتأمين حازت التعويضات في فرع التأمين على السيارات على نسبة 44.6 بالمائة من إجمالي التعويضات على غير الحياة لتبلغ قيمتها 215.9 م. د مقابل 179.4 م. د.

وإذا أخذت في الاعتبار التغيرات المناخية ولاسيما منها التوقي من الجوائح الطبيعية وفي مقدمتها الحرائق بلغ رقم معاملات التأمين على الحريق في تونس 149 م. د مسدلا زيادة بنسبة 13.5 بالمائة بالمقارنة مع الأشهر الثلاثة الأولى من السنة الفارطة.

أزمة ثقة

كما يواجه قطاع التأمين  بشكل عام جملة من التحديات منها قلة الشفافية في عقود العقود ما تمثل مشكلًا لبعض الحرفاء كما  لا تزال بعض الشركات تعتمد على الإجراءات الورقية في التعويضات بالإضافة إلى ضعف ثقافة التأمين لدى المواطن الذي يؤدي إلى سوء اختيار العروض ويعمق مشكل الثقة ويؤسس لعلاقة متوترة بين الطرفين.

وعادة ما توصف شركات التأمين لدى الرأي العام التونسي بأنها تحصل على اشتراكات التأمين وفي حالات الحوادث تبح عن الثغرات للتنصل من التعويضات وحتى وإن تم التعويض لا يكون بحجم الضرر والمصاريف التي يحتاجها الإصلاح.

في المقابل تتذمر شركات التأمين من ممارسات التحيّل، ومؤخرا  صرح  مدير عام الجامعة التونسية لشركات التأمين، بأن «الغشّ والتحيّل في التّأمين يعدّان من أخطر الظواهر التي تهدّد الأمن الاقتصادي الوطني لما تخفيه من ممارسات غير قانونية قد تتعدّى مجرّد الاستفادة من تعويض بسيط لتشمل شبكات إجرامية مختصة هدفها نهب الأموال واستعمالها في أنشطة مشبوهة».

وأكد أن «الخسائر المالية السنوية التي تتكبدها شركات التأمين والناجمة عن عمليات التحيّل والغشّ تقدر بحوالي 10 بالمائة من القيمة الجملية للتعويضات المدفوعة، إذ بلغت مثلا سنة 2023 ما يفوق عن 80 مليون دينار».

وقد أعلنت الجامعة التونسية لشركات التأمين، رسميا، عن إحداث وكالة مكافحة الغش والتحيّل في مجال التأمين في خطوة لوقف تزايد ظاهرة الغشّ والتّزوير في القطاع، ولاسيما في قطاع التأمين على السيارات. وتهتم  الوكالة بدراسة ملفات الحوادث الوهمية والتحيّل والغشّ في التّأمين والتنسيق بين أعضائها وبين مختلف الأطراف المتداخلة في هذا المجال.

التأمين على الكوارث الطبيعية

من جهة أخرى وفي علاقة بتحديات منظومة التأمين يطرح تنامي الظواهر الطبيعية العنيفة في السنوات الأخيرة إلزامية التأقلم مع واقع التغيرات المناخية وما يحتاجه من تعويضات عن الأضرار الناجمة عن الكوارث الطبيعية.

في هذا الإطار  تستعد تونس  لإرساء منظومة تأمين إجبارية ضد الكوارث الطبيعية خاصة الزلازل والفيضانات على المتساكنين وأصحاب الشركات والمؤسسات الاقتصادية بمختلف أصنافها بإلزام إضافة عنصر الكوارث الطبيعية في عقود التأمين المكتتبة.

ونقلت مؤخرا مصادر إعلامية أن  مكتب دراسات  انجز دراسة في الغرض ويتم الاشتغال على المنظومة على  أن تكون جاهزة في سنة 2026.

وأنجزت سابقا دراسة منذ 2018 من طرف البنك الدولي جاء فيها أن تونس عرضة لثلاثة أنواع من الكوارث الطبيعية هي الفيضانات والجفاف والزلازل.

وبالتوازي مع ذلك صرح به كاهية مدير الاستشراف والتخطيط بوزارة البيئة محمد بن سعيد  أنه «يتم حاليا العمل بالتنسيق مع مختلف الأطراف والوزارات والهياكل العمومية على تنفيذ البرنامج المندمج للصمود ضد الكوارث في إطار الخطة الوطنية للإستراتيجية الوطنية للحد من مخاطر الكوارث».

وقال بن سعيد في تصريح إذاعي  أن هذا البرنامج «يتمثل في قرض من طرف البنك الدولي والوكالة الفرنسية للتنمية باعتمادات جملية تقدر بحوالي 125 مليون دينار ويتضمن 4 مكونات رئيسية، ويتم حاليا إعداد نص قانوني لإحداث الهيكل الدائم للصمود والنهوض بالإطار المؤسساتي والتشريعي للتصرف في الكوارث».

كما بين بن سعيد أن «المحور المتعلق بالحماية المالية ضمن الإستراتيجية  تشرف على انجازه وزارة المالية بالتنسيق مع الهيئة العامة للتأمين ويعتمد على تنفيذ الأنشطة ذات العلاقة بالحماية المالية ما بعد الكارثة وحسن إدارة الموارد المالية المتاحة وخاصة في مجال التعويضات وإحداث صناديق خصوصية لمشكل التعويضات، أما المحور الرابع فتشرف عليه وزارتي المالية والبيئة وأساسا الإدارة العامة للبيئة وجودة الحياة من أجل بعث هيكل دائم للصمود والنهوض بالإطار المؤسساتي والتشريعي للتصرف في الكوارث.

مؤكدا على أن تونس كانت سبّاقة في إعداد الإستراتيجية الوطنية للحد من الكوارث الطبيعية وخطة عملها إلى غضون 2030 عبر اعتماد مقاربة تشاركية سنة 2021».

 م.ي