إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

إلغاء عروض وانسحابات وأحداث غير متوقعة.. «سحابات مظلمة» خيّمت على بعض مهرجانات هذا العام.. فهل من استخلاص للنتائج؟

شهدت عدة مهرجانات دولية ووطنية هذه الصائفة أحداثًا غير متوقعة من انسحابات لبعض الفنانين وإلغاء لبعض العروض، حتى وصل الأمر مع إحدى التظاهرات إلى الاستنجاد بالقضاء. وفي هذه الورقة نقدم فكرة عن البعض من هذه الأحداث التي رافقت عملية التنظيم، وكانت عبارة عن سحابة مظلمة خيمت على سماء مهرجانات هذا العام. فقد عرفت الدورة 59 لمهرجان قرطاج الدولي، التي شارفت على نهايتها، إلغاء وانسحابان.

إذ تم إلغاء عرض الفنانة هيلين سيغارا بعد ضغط كبير من رواد وسائل التواصل الاجتماعي على خلفية موقف هذه الفنانة الداعمة للكيان الصهيوني. وانتصارًا للقضية الفلسطينية العادلة، أصدرت إدارة مهرجان قرطاج الدولي في هذا المجال بلاغًا أعلنت فيه إلغاء برمجة هذا العرض، مؤكدة في ذات الوقت التزامها بموقف تونس الثابت في نصرة الشعب الفلسطيني الشقيق من أجل استرداد حقوقه كاملة وإقامة دولته المستقلة، عاصمتها القدس الشريف.

وشدّدت إدارة المهرجان على أنها حرصت على أن تتضمّن دورة هذا العام عروضًا مساندة لفلسطين ولشعبها، احتفاءً بصمودهم ونضالهم، وانتصارًا لحقّهم في الحياة وفي الحرية.

وفي المقابل، شدّدت الفنانة الفرنسية في تصريحات لوسائل إعلام فرنسية أنها لم توقّع عقدًا مع إدارة مهرجان قرطاج، وأن هذه الأخيرة أعلنت عن إلغاء عرض غير مبرمج في الأصل.

وقبل انطلاق مهرجان قرطاج بفترة قليلة، أعلنت الفنانة نور قمر عن قرارها الانسحاب من عرض «من قاع الخابية» للموسيقار محمد القرفي، الذي افتتح المهرجان، احتجاجًا منها – وفق ما نُقل عنها من تصريحات أو ما خطته من تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي – على معلّقة المهرجان التي لم تحمل اسمها، حتى أنها أصدرت بيانًا يحمل توقيعها في الغرض.

ومن جهته، عبّر الفنان مقداد السهيلي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن رفضه لما وصفه بـ «الإقحام غير القانوني» لاسمه ضمن المعلّقة الدعائية لعرض «سهرة تونسية» في تنفيذ موسيقي للفرقة الوطنية للموسيقى بقيادة يوسف بلهاني، وأكد بالقول إنه أُدرج اسمه في القائمة «من دون أن يكون قد وقّع أو وافق على المشاركة»، التي «يرى أنها يجب أن لا تُفرض بشكل رمزي أو تلقائي».

جدل حول فن «الراب» ومهرجان دولي للفنون الشعبية

وأعلنت إدارة مهرجان سوسة الدولي من جهتها، قبل انطلاق الدورة الجديدة للمهرجان – الدورة 66 – عن عدم تنظيم سهرات خاصة بفن «الراب». وقد أثار القرار جدلًا واسعًا، رغم أنه يتكرر للعام الثاني على التوالي، واعتُبر إقصاءً لأنماط فنية لها جمهور واسع في تونس.

ورغم أن مدير المهرجان أوضح في أكثر من لقاء إعلامي أن القرار لا يندرج ضمن موقف معادٍ للراب، بل يأتي لتفادي المشاكل التي وقعت في مهرجانات سابقة، فإن الجدل تواصل، خاصة أن إدارة المهرجان بدت وكأنها منعت أيضًا عروض الفن الشعبي، في حين أنها اشترطت أن يكون العرض متكاملًا وبمستوى يليق بالمهرجان. وقد قُرئت المسألة على أنها إقصاء من المهرجان للفن الشعبي إلى جانب «الراب».

وللتاريخ نقول – وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في مقال سابق – إن الراحل صالح المهدي، خلال فترة إشرافه على إدارة الموسيقى بالوزارة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، عمل على تأسيس مهرجان قرطاج الدولي للفنون الشعبية، والذي كان ينتظم مرة كل سنتين، وقد استقطب المهرجان في تلك السنوات فرقًا للفنون الشعبية من أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي سابقًا، والعديد من الدول العربية، إلى جانب الفرقة القومية للفنون الشعبية.

واليوم يعود هذا المهرجان، بعد أكثر من أربعين سنة، بشكله الجديد، وتنتظم سهراته بالمسرح الأثري بأوذنة.

حادث «التجهيزات الضوئية» وحدث قضائي

وشهد عرض «الرباط تغني 2» في إطار فعاليات مهرجان المنستير الدولي في دورته 52، سقوط تجهيزات ضوئية على ركح قصر الرباط بالمنستير. وقد أصدرت هيئة تنظيم المهرجان الدولي بلاغًا توضيحيًا أكدت فيه أن «ما حصل كان نتيجة الرياح القوية ولم يكن تقصيرًا». وتم إسعاف المصابين جراء هذا الحادث ، وهم من العازفين.

ومن جهته، ووفق ما أعلنته هيئة التنظيم، تغيب أحد مغني «الراب» عن عرضه المبرمج في مهرجان تطاوين الصيفي بدون سابق إعلام، ليتبيّن بعد ذلك أنه على ذمة القضاء إثر تهمة موجهة له، استوجبت التحقيق معه، ليكون قرار المهرجان بإلغاء العرض بصفة رسمية.

عزوف الجمعيات الثقافية

وقد برزت ظاهرة جديدة هذه الصائفة تتمثل في عزوف عديد الجمعيات الثقافية عن الإشراف وتنظيم المهرجانات، لأسباب تتعلق بالتمويل والاستشهار بالأساس. ويُلاحظ هذا العزوف بدرجة أولى بولايتي جندوبة وسليانة، لتنتظم بعض التظاهرات بهذه الجهات تحت الإشراف المباشر للمندوبيات الثقافية.

وهذا العزوف يؤكد خطأ القرار المجحف الذي تم اتخاذه سابقًا، وكنا تعرضنا إليه في أكثر من مقال، وهو يتمثل في حل اللجان الثقافية الجهوية وبعث الجمعيات الثقافية لتقوم محلها، لكن تأكد أن الجمعيات محدودة في إمكانياتها، وقد انعكس ذلك على كامل نواحي التنظيم.

ومن هذا المنطلق، نعتقد أنه قد يكون قد حان الوقت لإعادة النظر من طرف وزارة الشؤون الثقافية  في واقع الجمعيات الثقافية اليوم، والعمل على إحياء اللجان الثقافية الجهوية والمحلية، لعل الكثير من المهرجانات تستعيد إشعاعها وتوهجها، والتأكيد على خصوصيتها.

محسن بن أحمد

إلغاء عروض وانسحابات وأحداث غير متوقعة..   «سحابات مظلمة» خيّمت على بعض مهرجانات هذا العام.. فهل من استخلاص للنتائج؟

شهدت عدة مهرجانات دولية ووطنية هذه الصائفة أحداثًا غير متوقعة من انسحابات لبعض الفنانين وإلغاء لبعض العروض، حتى وصل الأمر مع إحدى التظاهرات إلى الاستنجاد بالقضاء. وفي هذه الورقة نقدم فكرة عن البعض من هذه الأحداث التي رافقت عملية التنظيم، وكانت عبارة عن سحابة مظلمة خيمت على سماء مهرجانات هذا العام. فقد عرفت الدورة 59 لمهرجان قرطاج الدولي، التي شارفت على نهايتها، إلغاء وانسحابان.

إذ تم إلغاء عرض الفنانة هيلين سيغارا بعد ضغط كبير من رواد وسائل التواصل الاجتماعي على خلفية موقف هذه الفنانة الداعمة للكيان الصهيوني. وانتصارًا للقضية الفلسطينية العادلة، أصدرت إدارة مهرجان قرطاج الدولي في هذا المجال بلاغًا أعلنت فيه إلغاء برمجة هذا العرض، مؤكدة في ذات الوقت التزامها بموقف تونس الثابت في نصرة الشعب الفلسطيني الشقيق من أجل استرداد حقوقه كاملة وإقامة دولته المستقلة، عاصمتها القدس الشريف.

وشدّدت إدارة المهرجان على أنها حرصت على أن تتضمّن دورة هذا العام عروضًا مساندة لفلسطين ولشعبها، احتفاءً بصمودهم ونضالهم، وانتصارًا لحقّهم في الحياة وفي الحرية.

وفي المقابل، شدّدت الفنانة الفرنسية في تصريحات لوسائل إعلام فرنسية أنها لم توقّع عقدًا مع إدارة مهرجان قرطاج، وأن هذه الأخيرة أعلنت عن إلغاء عرض غير مبرمج في الأصل.

وقبل انطلاق مهرجان قرطاج بفترة قليلة، أعلنت الفنانة نور قمر عن قرارها الانسحاب من عرض «من قاع الخابية» للموسيقار محمد القرفي، الذي افتتح المهرجان، احتجاجًا منها – وفق ما نُقل عنها من تصريحات أو ما خطته من تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي – على معلّقة المهرجان التي لم تحمل اسمها، حتى أنها أصدرت بيانًا يحمل توقيعها في الغرض.

ومن جهته، عبّر الفنان مقداد السهيلي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن رفضه لما وصفه بـ «الإقحام غير القانوني» لاسمه ضمن المعلّقة الدعائية لعرض «سهرة تونسية» في تنفيذ موسيقي للفرقة الوطنية للموسيقى بقيادة يوسف بلهاني، وأكد بالقول إنه أُدرج اسمه في القائمة «من دون أن يكون قد وقّع أو وافق على المشاركة»، التي «يرى أنها يجب أن لا تُفرض بشكل رمزي أو تلقائي».

جدل حول فن «الراب» ومهرجان دولي للفنون الشعبية

وأعلنت إدارة مهرجان سوسة الدولي من جهتها، قبل انطلاق الدورة الجديدة للمهرجان – الدورة 66 – عن عدم تنظيم سهرات خاصة بفن «الراب». وقد أثار القرار جدلًا واسعًا، رغم أنه يتكرر للعام الثاني على التوالي، واعتُبر إقصاءً لأنماط فنية لها جمهور واسع في تونس.

ورغم أن مدير المهرجان أوضح في أكثر من لقاء إعلامي أن القرار لا يندرج ضمن موقف معادٍ للراب، بل يأتي لتفادي المشاكل التي وقعت في مهرجانات سابقة، فإن الجدل تواصل، خاصة أن إدارة المهرجان بدت وكأنها منعت أيضًا عروض الفن الشعبي، في حين أنها اشترطت أن يكون العرض متكاملًا وبمستوى يليق بالمهرجان. وقد قُرئت المسألة على أنها إقصاء من المهرجان للفن الشعبي إلى جانب «الراب».

وللتاريخ نقول – وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في مقال سابق – إن الراحل صالح المهدي، خلال فترة إشرافه على إدارة الموسيقى بالوزارة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، عمل على تأسيس مهرجان قرطاج الدولي للفنون الشعبية، والذي كان ينتظم مرة كل سنتين، وقد استقطب المهرجان في تلك السنوات فرقًا للفنون الشعبية من أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي سابقًا، والعديد من الدول العربية، إلى جانب الفرقة القومية للفنون الشعبية.

واليوم يعود هذا المهرجان، بعد أكثر من أربعين سنة، بشكله الجديد، وتنتظم سهراته بالمسرح الأثري بأوذنة.

حادث «التجهيزات الضوئية» وحدث قضائي

وشهد عرض «الرباط تغني 2» في إطار فعاليات مهرجان المنستير الدولي في دورته 52، سقوط تجهيزات ضوئية على ركح قصر الرباط بالمنستير. وقد أصدرت هيئة تنظيم المهرجان الدولي بلاغًا توضيحيًا أكدت فيه أن «ما حصل كان نتيجة الرياح القوية ولم يكن تقصيرًا». وتم إسعاف المصابين جراء هذا الحادث ، وهم من العازفين.

ومن جهته، ووفق ما أعلنته هيئة التنظيم، تغيب أحد مغني «الراب» عن عرضه المبرمج في مهرجان تطاوين الصيفي بدون سابق إعلام، ليتبيّن بعد ذلك أنه على ذمة القضاء إثر تهمة موجهة له، استوجبت التحقيق معه، ليكون قرار المهرجان بإلغاء العرض بصفة رسمية.

عزوف الجمعيات الثقافية

وقد برزت ظاهرة جديدة هذه الصائفة تتمثل في عزوف عديد الجمعيات الثقافية عن الإشراف وتنظيم المهرجانات، لأسباب تتعلق بالتمويل والاستشهار بالأساس. ويُلاحظ هذا العزوف بدرجة أولى بولايتي جندوبة وسليانة، لتنتظم بعض التظاهرات بهذه الجهات تحت الإشراف المباشر للمندوبيات الثقافية.

وهذا العزوف يؤكد خطأ القرار المجحف الذي تم اتخاذه سابقًا، وكنا تعرضنا إليه في أكثر من مقال، وهو يتمثل في حل اللجان الثقافية الجهوية وبعث الجمعيات الثقافية لتقوم محلها، لكن تأكد أن الجمعيات محدودة في إمكانياتها، وقد انعكس ذلك على كامل نواحي التنظيم.

ومن هذا المنطلق، نعتقد أنه قد يكون قد حان الوقت لإعادة النظر من طرف وزارة الشؤون الثقافية  في واقع الجمعيات الثقافية اليوم، والعمل على إحياء اللجان الثقافية الجهوية والمحلية، لعل الكثير من المهرجانات تستعيد إشعاعها وتوهجها، والتأكيد على خصوصيتها.

محسن بن أحمد