إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

نواب‭ ‬يقترحون‭ ‬مبادرة‭ ‬تشريعية‭ ‬للعمل‭ ‬بنظام‭ ‬الحصة‭ ‬الواحدة.. الزمن‭ ‬المدرسي‭.. ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الإصلاح‭ ‬التربوي‭ ‬العميق‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬قراءة‭ ‬شاملة

 

●‭ ‬النائبة‭ ‬ريم‭ ‬الصغيّر‭ ‬لـ«الصباح‮»‬‭: ‬ «مبادرة‭ ‬تقليص‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬منطلقات‭ ‬عمل‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتربية‮»‬

منذ‭ ‬سنوات،‭ ‬ومسألة‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬والذهاب‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬الحصة‭ ‬الواحدة‭ ‬في‭ ‬التدريس‭ ‬عوض‭ ‬الحصتين‭ ‬مطروحة‭ ‬للنقاش‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬التربوية،‭ ‬مع‭ ‬اختلاف‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬بشأنها‭ ‬بين‭ ‬متحمس‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬إقرار‭ ‬زمن‭ ‬مدرسي‭ ‬جديد‭ ‬يقلص‭ ‬ساعات‭ ‬التمدرس‭ ‬ويكون‭ ‬مؤسسًا‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬الحصة‭ ‬الواحدة،‭ ‬وبين‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬الحصتين‭ ‬كنظام‭ ‬مستقر‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭. ‬منذ‭ ‬أيام،‭ ‬تقدم‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬النواب‭ ‬بمقترح‭ ‬قانون‭ ‬يتعلق‭ ‬بتنظيم‭ ‬العمل‭ ‬بنظام‭ ‬الحصة‭ ‬الواحدة‭ ‬وحوكمة‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬بالمؤسسات‭ ‬التربوية‭ ‬العمومية،‭ ‬بهدف‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬الإرهاق‭ ‬الدراسي‭ ‬وتحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬الزمني‭ ‬وتوفير‭ ‬ظروف‭ ‬أفضل‭ ‬للعمل‭ ‬التربوي‭ ‬والارتقاء‭ ‬بجودة‭ ‬التعليم،‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬اعتمده‭ ‬النواب‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬التشريعية‭.‬

‮«‬الصباح‮»‬‭ ‬استطلعت‭ ‬مختلف‭ ‬الآراء‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬المقترح‭ ‬التشريعي،‭ ‬من‭ ‬النائبة‭ ‬ريم‭ ‬الصغيّر‭ ‬صاحبة‭ ‬المبادرة‭ ‬التشريعية،‭ ‬التي‭ ‬أكدت‭ ‬أن‭ ‬لجنة‭ ‬التربية‭ ‬البرلمانية‭ ‬ستناقش‭ ‬باستفاضة‭ ‬أكثر‭ ‬هذا‭ ‬المقترح‭ ‬التشريعي‭ ‬يوم‭ ‬الثلاثاء‭ ‬القادم،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬استطلاع‭ ‬رأي‭ ‬الأولياء‭ ‬والتلاميذ‭ ‬الذي‭ ‬يعبّر‭ ‬عنه‭ ‬رئيس‭ ‬جمعية‭ ‬الأولياء‭ ‬والتلاميذ،‭ ‬رضا‭ ‬الزهروني،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تأطير‭ ‬مسألة‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬سوسيولوجيًا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قراءة‭ ‬للدكتور‭ ‬منذر‭ ‬عافي،‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬والتربية،‭ ‬حول‭ ‬المقاربة‭ ‬السوسيولوجية‭ ‬لتحولات‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬في‭ ‬تونس‭.‬

المقترح‭ ‬التشريعي

النائبة‭ ‬بمجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب،‭ ‬ريم‭ ‬الصغيّر،‭ ‬وضّحت‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬تقديم‭ ‬مقترح‭ ‬تشريعي‭ ‬يحدد‭ ‬الزمن‭ ‬مدرسيا‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬التربوية‭ ‬العمومية‭ ‬بمعدل‭ ‬5‭ ‬ساعات‭ ‬يوميا‭ ‬على‭ ‬فترة‭ ‬واحدة‭ ‬متواصلة‭ ‬صباحية‭ ‬أو‭ ‬مسائية،‭ ‬مع‭ ‬إمكانية‭ ‬إدماج‭ ‬أنشطة‭ ‬ثقافية‭ ‬ورياضية‭ ‬موازية‭ ‬خارج‭ ‬هذا‭ ‬التوقيت‭.‬

وقالت‭ ‬ريم‭ ‬الصغيّر‭ ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬لـ»الصباح‮»‬‭: ‬‮«‬الإطار‭ ‬العام‭ ‬لهذه‭ ‬المبادرة‭ ‬التشريعية‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬النواب‭ ‬لتقليص‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي،‭ ‬يتنزل‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬إصلاح‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬وجودة‭ ‬التعليم‭ ‬وظروف‭ ‬التمدرس،‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬رؤية‭ ‬سياسية‭ ‬عامة‭ ‬للدولة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬ومراعاة‭ ‬المصلحة‭ ‬الفضلى‭ ‬للطفل‭ ‬التلميذ‭. ‬فالمنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬هي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬عقد‭ ‬اجتماعي‭ ‬بين‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬ووزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتلميذ‭ ‬وعائلته،‭ ‬ومقترح‭ ‬التقليص‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬التربوي‭ ‬يتنزل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‮»‬‭. ‬وتضيف‭ ‬النائبة‭ ‬ريم‭ ‬الصغيّر‭ ‬أنه‭ ‬ثبت‭ ‬علميًا‭ ‬أن‭ ‬بعد‭ ‬5‭ ‬ساعات‭ ‬تدريس،‭ ‬يتوقف‭ ‬عقل‭ ‬التلميذ‭ ‬عن‭ ‬الاستيعاب‭ ‬ويتقلص‭ ‬لديه‭ ‬الفهم،‭ ‬وبالتالي‭ ‬مقترح‭ ‬الخمس‭ ‬ساعات‭ ‬لم‭ ‬يأتِ‭ ‬من‭ ‬فراغ،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬التحصيل‭ ‬العلمي‭ ‬للتلاميذ‭ ‬أكثر‭ ‬جودة‭ ‬وأكثر‭ ‬حماية‭ ‬لهم،‭ ‬لأن‭ ‬نظام‭ ‬الحصتين‭ ‬خلق‭ ‬مشاكل‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬المدرسي،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬وقت‭ ‬الفراغ‭ ‬الذي‭ ‬يمضيه‭ ‬التلاميذ‭ ‬بين‭ ‬الحصتين‭ ‬قد‭ ‬يشكل‭ ‬خطورة‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الجنوح‭ ‬إلى‭ ‬ممارسة‭ ‬العنف‭ ‬والسقوط‭ ‬ضحية‭ ‬ظواهر‭ ‬اجتماعية‭ ‬تحاربها‭ ‬الدولة‭ ‬اليوم‭ ‬مثل‭ ‬المخدرات‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬المدرسي‭.‬

وبالنسبة‭ ‬لموقف‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتربية‭ ‬والتعليم،‭ ‬كهيئة‭ ‬جديدة‭ ‬مهمتها‭ ‬اليوم‭ ‬الإصلاح‭ ‬التربوي‭ ‬بما‭ ‬يتلاءم‭ ‬مع‭ ‬حاجة‭ ‬التلميذ‭ ‬واحتياجات‭ ‬وأهداف‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية،‭ ‬وعلاقة‭ ‬هذا‭ ‬المجلس‭ ‬بالزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬الجديد‭ ‬المقترح،‭ ‬قالت‭ ‬ريم‭ ‬الصغيّر‭ ‬إن‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتربية‭ ‬والتعليم‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬له‭ ‬آليات‭ ‬وركائز‭ ‬ينطلق‭ ‬منها‭ ‬لأداء‭ ‬مهمته‭ ‬في‭ ‬الإصلاح‭ ‬التربوي،‭ ‬وهذه‭ ‬المبادرة‭ ‬لتقليص‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬أحد‭ ‬منطلقات‭ ‬عمله‭ ‬ولن‭ ‬تكون‭ ‬عائقًا‭ ‬أمامه‭.‬

النائبة‭ ‬ريم‭ ‬الصغيّر‭ ‬ذكرت‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬لجنة‭ ‬التربية‭ ‬بمجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب‭ ‬ستعقد‭ ‬أولى‭ ‬جلساتها‭ ‬لمناقشة‭ ‬المبادرة‭ ‬التشريعية‭ ‬حول‭ ‬تقليص‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬يوم‭ ‬الثلاثاء‭ ‬القادم،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬لم‭ ‬يوقعها‭ ‬إلا‭ ‬13‭ ‬نائبًا،‭ ‬وهو‭ ‬العدد‭ ‬القانوني‭ ‬من‭ ‬النواب‭ ‬الذين‭ ‬من‭ ‬حقهم‭ ‬التقدم‭ ‬بمبادرة‭ ‬تشريعية،‭ ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬ينفي‭ ‬أن‭ ‬تسعين‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬النواب‭ ‬مع‭ ‬فكرة‭ ‬تقليص‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬بما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية،‭ ‬وفق‭ ‬تعبيرها‭.‬

ووفق‭ ‬محدّثتنا،‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬لجنة‭ ‬التربية‭ ‬سيتم‭ ‬الاستئناس‭ ‬بآراء‭ ‬المعنيين‭ ‬بالشأن‭ ‬التربوي‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬لأنه‭ ‬الأقرب‭ ‬إلى‭ ‬معرفة‭ ‬تفاصيل‭ ‬الواقع،‭ ‬وكذلك‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬ومجلس‭ ‬التخطيط‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬بوزارة‭ ‬التربية‭. ‬كما‭ ‬أشارت‭ ‬ريم‭ ‬الصغيّر‭ ‬إلى‭ ‬كون‭ ‬البعض‭ ‬يتعلل‭ ‬في‭ ‬رفضه‭ ‬لطرح‭ ‬مسألة‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬الآن‭ ‬بالبنية‭ ‬التحتية‭ ‬المهترئة‭ ‬للمدارس‭ ‬والمعاهد،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ريم‭ ‬الصغيّر‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬تقليص‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬سيقلص‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬المؤسسة‭ ‬التربوية‭.‬

وفي‭ ‬ختام‭ ‬حديثها،‭ ‬أكدت‭ ‬ريم‭ ‬الصغيّر‭ ‬أن‭ ‬اليوم‭ ‬هناك‭ ‬مبادرة‭ ‬تشريعية‭ ‬لتنقيح‭ ‬الزمن‭ ‬الإداري‭ ‬في‭ ‬الوظيفة‭ ‬العمومية‭ ‬والقطاع‭ ‬العام،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تنقيح‭ ‬التوقيت‭ ‬الإداري،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬ليكون‭ ‬هناك‭ ‬انسجام‭ ‬بين‭ ‬تقليص‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬ومراجعة‭ ‬التوقيت‭ ‬الإداري‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬الأسرة‭ ‬التونسية‭ ‬ويحافظ‭ ‬على‭ ‬تماسكها‭.‬

المطلوب‭ ‬زمن‭ ‬اجتماعي‭!‬

رئيس‭ ‬جمعية‭ ‬الأولياء‭ ‬والتلاميذ،‭ ‬رضا‭ ‬الزهروني،‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬رأي‭ ‬مختلف‭ ‬بشأن‭ ‬هذا‭ ‬المقترح‭ ‬التشريعي،‭ ‬إذ‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬لـ«الصباح‮»‬‭:‬

‮«‬أولًا،‭ ‬لنتفق‭ ‬أن‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬هو‭ ‬معضلة‭ ‬من‭ ‬معضلات‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬الحالية،‭ ‬لأنه‭ ‬زمن‭ ‬مثقل‭ ‬ويثقل‭ ‬كاهل‭ ‬التلاميذ‭. ‬وهناك‭ ‬اليوم‭ ‬اتفاق‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الأطراف‭ ‬تقريبًا‭ ‬حول‭ ‬ضرورة‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬زمن‭ ‬اجتماعي‭ ‬للتلميذ‭ ‬عوض‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭. ‬الزمن‭ ‬الاجتماعي‭ ‬يستوعب‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي،‭ ‬ولكنه‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬يسمح‭ ‬للتلميذ‭ ‬بالأنشطة‭ ‬الثقافية‭ ‬والرياضية‭ ‬والترفيه،‭ ‬وحتى‭ ‬بالراحة،‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬أنشطة‭ ‬ضرورية‭ ‬ومركزية‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الطفل‭ ‬والمراهق،‭ ‬حتى‭ ‬تكون‭ ‬حياته‭ ‬وشخصيته‭ ‬متوازنة‭ ‬لاحقًا‮»‬‭.‬

وأضاف‭ ‬الزهروني‭: ‬‮«‬وبالتالي،‭ ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬اقتراح‭ ‬مراجعة‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬اقتراح‭ ‬خاطئ،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬المصلحة‭ ‬البيداغوجية‭ ‬حتى‭ ‬نمر‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬الحصتين‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬الحصة‭ ‬الواحدة؟‭ ‬ما‭ ‬أريد‭ ‬قوله‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬المقترح‭ ‬سابق‭ ‬لأوانه،‭ ‬لاعتبارات‭ ‬أبرزها‭ ‬وجود‭ ‬قانون‭ ‬منظم‭ ‬للتربية‭ ‬والتمدرس،‭ ‬وهو‭ ‬القانون‭ ‬التوجيهي‭ ‬للتربية‭ ‬والتعليم‭ ‬المدرسي‭ ‬عدد‭ ‬80‭ ‬لسنة‭ ‬2002،‭ ‬وهو‭ ‬ينص‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬24‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬يُضبط‭ ‬بأمر‭ ‬تنظيم‭ ‬التعليم‭ ‬الأساسي،‭ ‬وكذلك‭ ‬برامجه‭ ‬وتوقيت‭ ‬الدراسة‭. ‬كما‭ ‬ينص‭ ‬الفصل‭ ‬26‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬يُضبط‭ ‬بقرار‭ ‬من‭ ‬الوزير‭ ‬المكلف‭ ‬بالتربية‭ ‬نظام‭ ‬التقييم‭ ‬والارتقاء‭ ‬صلب‭ ‬المرحلة‭ ‬التعليمية‭. ‬وبالتالي،‭ ‬نحن‭ ‬هنا‭ ‬لدينا‭ ‬قانون‭ ‬موجود‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يحل‭ ‬معضلة‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬بأمر،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬مشمولات‭ ‬الحكومة،‭ ‬والأمر‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬واضح‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مبادرة‭ ‬تشريعية‭ ‬ولا‭ ‬إلى‭ ‬نص‭ ‬قانوني‭ ‬جديد،‭ ‬فعوض‭ ‬تكديس‭ ‬النصوص‭ ‬القانونية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتوجه‭ ‬إلى‭ ‬إجراء‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الحقيقية،‭ ‬إلى‭ ‬إصلاح‭ ‬المؤسسة‭ ‬التربوية‭ ‬وتجهيزها‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬مدرسي‭ ‬جديد‮»‬‭.‬

رضا‭ ‬الزهروني‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬إشكاليات‭ ‬لصيقة‭ ‬بالزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬يجب‭ ‬معالجتها‭ ‬قبل‭ ‬إرساء‭ ‬زمن‭ ‬جديد،‭ ‬مثل‭ ‬تحديد‭ ‬الاحتياجات‭ ‬التربوية،‭ ‬وساعات‭ ‬التمدرس‭ ‬السنوية،‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬الملائمة‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬التربوية،‭ ‬والمناهج‭ ‬البيداغوجية‭ ‬الملائمة‭ ‬لزمن‭ ‬الحصة‭ ‬الواحدة‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬التربوية‭. ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬الحاجيات‭ ‬تختلف‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬ومن‭ ‬المناطق‭ ‬الحضرية‭ ‬إلى‭ ‬المناطق‭ ‬البلدية‭ ‬وغير‭ ‬البلدية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬هناك‭ ‬منهجية‭ ‬كاملة‭ ‬يجب‭ ‬الاشتغال‭ ‬وفقها‭ ‬حتى‭ ‬نصل‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬لحظة‭ ‬تغيير‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬الحصتين‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬الحصة‭ ‬الواحدة،‭ ‬وفق‭ ‬تعبيره‭.‬

وختم‭ ‬رئيس‭ ‬جمعية‭ ‬الأولياء‭ ‬والتلاميذ‭ ‬حديثه‭ ‬بالقول‭ ‬إن‭ ‬القانون‭ ‬الموجود‭ ‬يسمح‭ ‬بتغيير‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬بأمر،‭ ‬كما‭ ‬يسمح‭ ‬بتدريس‭ ‬مادة‭ ‬التربية‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مبادرة‭ ‬تشريعية‭. ‬وما‭ ‬دام‭ ‬القانون‭ ‬الحالي‭ ‬كفيلًا‭ ‬بحلّ‭ ‬بعض‭ ‬المعضلات‭ ‬مثل‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬أو‭ ‬تدريس‭ ‬بعض‭ ‬المواد‭ ‬الجديدة،‭ ‬فإنه‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الأجدر‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬بقية‭ ‬المشاكل‭ ‬التي‭ ‬تكبّل‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬وتعيق‭ ‬تطويرها،‭ ‬وفق‭ ‬تعبيره‭. ‬وفي‭ ‬انتظار‭ ‬مآل‭ ‬المبادرة‭ ‬التشريعية‭ ‬الجديدة،‭ ‬فإن‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬الملتصقة‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬بالمنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬تستدعي‭ ‬اليوم‭ ‬معالجة‭ ‬جذرية‭.‬

الباحث‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬والتربية‭ ‬د‭. ‬منذر‭ ‬عافي‭ ‬لـ«الصباح‮»‬‭: ‬التقنين‭ ‬الزمني‭ ‬ليس‭ ‬قرارًا‭ ‬لوجستيًا‭ ‬فحسب‭.. ‬بل‭ ‬هو‭ ‬انعكاس‭ ‬لتصوّر‭ ‬مجتمعي‭ ‬لدور‭ ‬المدرسة‭..

وأفانا‭ ‬د‭. ‬منذر‭ ‬عافي‭ ‬بقراءة‭ ‬خاصة‭ ‬لـ«الصباح‮»‬‭ ‬حول‭ ‬المقاربة‭ ‬السوسيولوجية‭ ‬لتحولات‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬حيث‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬يمثل‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬المقترح‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬لجنة‭ ‬التربية‭ ‬بمجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب،‭ ‬والمتمثل‭ ‬في‭ ‬اعتماد‭ ‬نظام‭ ‬الحصة‭ ‬الواحدة‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬التربوية‭ ‬العمومية،‭ ‬محطة‭ ‬لافتة‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬إصلاح‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية،‭ ‬وهو‭ ‬مقترح‭ ‬يثير‭ ‬إشكاليات‭ ‬تتجاوز‭ ‬أبعاده‭ ‬التنظيمية‭ ‬الظاهرة،‭ ‬لتمسّ‭ ‬جوهر‭ ‬الرؤية‭ ‬التربوية‭ ‬التي‭ ‬نتصورها‭ ‬للمدرسة،‭ ‬ولموقع‭ ‬الزمن‭ ‬داخل‭ ‬هذا‭ ‬التصور‭. ‬فالزمن‭ ‬المدرسي،‭ ‬خلافًا‭ ‬لما‭ ‬توحي‭ ‬به‭ ‬المقاربات‭ ‬التقنية،‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬أداة‭ ‬لتنظيم‭ ‬الحصص‭ ‬الدراسية،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬بنية‭ ‬دلالية‭ ‬وسوسيولوجية‭ ‬معقّدة‭ ‬تُسهم‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬المعنى،‭ ‬وتشكيل‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬المتعلم‭ ‬والمعرفة،‭ ‬وبين‭ ‬المدرسة‭ ‬والمجتمع‮»‬‭.‬

ويضيف‭ ‬د‭. ‬منذر‭ ‬عافي‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الاقتصار‭ ‬على‭ ‬معالجة‭ ‬مسألة‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أدوات‭ ‬تشريعية‭ ‬أو‭ ‬تنظيمية‭ ‬مقتضبة،‭ ‬يخفي‭ ‬تعقيدًا‭ ‬عميقًا‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬الفاعلين‭ ‬التربويين‭ ‬بالزمن‭ ‬التعليمي،‭ ‬ويغفل‭ ‬الطابع‭ ‬التركيبي‭ ‬لهذا‭ ‬الزمن‭ ‬الذي‭ ‬يندمج‭ ‬فيه‭ ‬المعرفي‭ ‬بالنفسي،‭ ‬والوجداني‭ ‬بالمجتمعي‭. ‬فمتى‭ ‬اختُزل‭ ‬الزمن‭ ‬في‭ ‬معطيات‭ ‬كرونولوجية،‭ ‬أُفرغ‭ ‬من‭ ‬أبعاده‭ ‬التكوينية،‭ ‬وفُقدت‭ ‬صلته‭ ‬العضوية‭ ‬بسيرورة‭ ‬بناء‭ ‬الذات‭ ‬المتعلّمة‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬نبّه‭ ‬إليه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدارسين،‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬إميل‭ ‬دوركايم،‭ ‬الذي‭ ‬اعتبر‭ ‬المؤسسة‭ ‬المدرسية‭ ‬وسيطًا‭ ‬لترسيخ‭ ‬الانضباط‭ ‬الاجتماعي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقنيات‭ ‬زمنية،‭ ‬أو‭ ‬بيير‭ ‬بورديو،‭ ‬الذي‭ ‬رأى‭ ‬في‭ ‬التوقيت‭ ‬المدرسي‭ ‬آلية‭ ‬لإعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬البُنى‭ ‬الاجتماعية‭ ‬القائمة‭.‬

تُظهر‭ ‬الملاحظة‭ ‬التربوية‭ ‬الميدانية‭ ‬اختلالا‭ ‬واضحا‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬زمن‭ ‬التعلّم‭ ‬والزمن‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لدى‭ ‬التلاميذ،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬العمومية‭. ‬فامتداد‭ ‬اليوم‭ ‬الدراسي‭ ‬في‭ ‬صيغته‭ ‬الحالية‭ ‬يُفضي‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الإنهاك‭ ‬الذهني،‭ ‬وإلى‭ ‬مفارقة‭ ‬متزايدة‭ ‬بين‭ ‬الإيقاع‭ ‬الزمني‭ ‬للمؤسسة‭ ‬التربوية‭ ‬والإيقاع‭ ‬الطبيعي‭ ‬للتلميذ،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬العمرية‭ ‬الأولى‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬الكمّ‭ ‬المعرفي‭ ‬المتراكم،‭ ‬وتواتر‭ ‬المواد‭ ‬دون‭ ‬تنسيق‭ ‬بيداغوجي‭ ‬فعّال،‭ ‬يُنتج‭ ‬تفاعلا‭ ‬هشّا‭ ‬مع‭ ‬المحتويات،‭ ‬ويفقد‭ ‬العملية‭ ‬التعليمية‭ ‬طابعها‭ ‬الحيوي‭ ‬والتفاعلي،‭ ‬ويجعلها‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬النقل‭ ‬التلقيني‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬التكوين‭ ‬الفعّال‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬تبرز‭ ‬مسألة‭ ‬اعتماد‭ ‬نظام‭ ‬الحصة‭ ‬الواحدة‭ ‬بوصفها‭ ‬محاولة‭ ‬لإعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬المدرسة‭ ‬وزمنها،‭ ‬ولكنها‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤتي‭ ‬أُكُلها‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تُدرج‭ ‬ضمن‭ ‬رؤية‭ ‬شاملة‭ ‬تُراعي‭ ‬أبعاد‭ ‬العملية‭ ‬التعليمية‭ ‬ككل‭. ‬فالاقتصار‭ ‬على‭ ‬تقليص‭ ‬المدة‭ ‬الزمنية‭ ‬اليومية‭ ‬دون‭ ‬إعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬للمضامين‭ ‬والبرامج‭ ‬وطرق‭ ‬التدريس،‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ضغط‭ ‬معرفي‭ ‬مكثف‭ ‬لا‭ ‬يتلاءم‭ ‬مع‭ ‬قدرات‭ ‬التلاميذ،‭ ‬ويفرغ‭ ‬الحصص‭ ‬من‭ ‬أبعادها‭ ‬التكوينية‭. ‬ومن‭ ‬هنا،‭ ‬فإن‭ ‬التحوّل‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُفهم‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬ارتباطه‭ ‬بتحوّل‭ ‬أعمق‭ ‬في‭ ‬المضامين‭ ‬البيداغوجية،‭ ‬وفي‭ ‬فلسفة‭ ‬التعليم‭ ‬نفسها‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬التنظيم‭ ‬الزمني‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يُراعي‭ ‬طبيعة‭ ‬التفاعلات‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬التلميذ‭ ‬بين‭ ‬أزمنة‭ ‬متعددة‭: ‬زمن‭ ‬الأسرة،‭ ‬زمن‭ ‬الشارع،‭ ‬زمن‭ ‬الوسائط‭ ‬الرقمية‮»‬‭.‬

ويختم‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬والتربية،‭ ‬د‭. ‬منذر‭ ‬عافي،‭ ‬بالقول‭:‬

‮«‬المدرسة‭ ‬لا‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬فراغ،‭ ‬وإنما‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬زمنية‭ ‬متشابكة،‭ ‬يفرض‭ ‬فهمها‭ ‬ضرورة‭ ‬تكامل‭ ‬السياسات‭ ‬التربوية‭ ‬مع‭ ‬السياسات‭ ‬الثقافية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬بما‭ ‬يسمح‭ ‬بإرساء‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الاتساق‭ ‬بين‭ ‬الأزمنة‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬تجربة‭ ‬الطفل‭ ‬اليومية‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتطلب،‭ ‬كما‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أنطوني‭ ‬غيدنز،‭ ‬وعيًا‭ ‬بالتحولات‭ ‬البنيوية‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬الزمن‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬المعاصرة،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التسارع،‭ ‬والتشظي،‭ ‬وفقدان‭ ‬الإيقاع‭ ‬الجماعي‭ ‬الموحد‭. ‬إنّ‭ ‬ما‭ ‬يُعرض‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬مجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يُقرأ‭ ‬فقط‭ ‬كإجراء‭ ‬إداري‭ ‬لتخفيف‭ ‬الضغط‭ ‬الزمني،‭ ‬بل‭ ‬كمدخل‭ ‬لسؤال‭ ‬أعمق‭ ‬وأكثر‭ ‬دقة‭: ‬ما‭ ‬هي‭ ‬الرؤية‭ ‬التربوية‭ ‬التي‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نبني‭ ‬عليها‭ ‬المدرسة‭ ‬التونسية؟‭ ‬وأي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬العلاقة‭ ‬نرغب‭ ‬في‭ ‬نسجها‭ ‬بين‭ ‬الزمن‭ ‬والمعرفة،‭ ‬وبين‭ ‬المدرسة‭ ‬والمجتمع؟‭ ‬فالتقنين‭ ‬الزمني،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬ليس‭ ‬قرارًا‭ ‬لوجستيًا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬انعكاس‭ ‬لتصور‭ ‬مجتمعي‭ ‬لدور‭ ‬المدرسة،‭ ‬ولموقع‭ ‬الطفل‭ ‬فيها،‭ ‬ولمدى‭ ‬قدرتنا‭ ‬كمجتمع‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬مؤسسة‭ ‬تعليمية‭ ‬تستجيب‭ ‬لتحديات‭ ‬اللحظة‭ ‬وتؤسس‭ ‬لمواطنة‭ ‬متوازنة‭ ‬وفاعلة‭. ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬فإنّ‭ ‬مقترح‭ ‬الحصة‭ ‬الواحدة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكتسب‭ ‬وجاهته‭ ‬من‭ ‬كونه‭ ‬يطرح‭ ‬إشكالية‭ ‬حيوية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُعالج‭ ‬خارج‭ ‬إطار‭ ‬مشروع‭ ‬إصلاحي‭ ‬شامل‭ ‬يعيد‭ ‬الاعتبار‭ ‬للزمن‭ ‬المدرسي،‭ ‬لا‭ ‬كأداة‭ ‬تنظيمية،‭ ‬بل‭ ‬كمكوّن‭ ‬بنيوي‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬التربوية،‭ ‬وكمرآة‭ ‬لرؤية‭ ‬مجتمع‭ ‬بأكمله‭ ‬لمستقبل‭ ‬أبنائه‮»‬‭.‬

‬منية‭ ‬العرفاوي

نواب‭ ‬يقترحون‭ ‬مبادرة‭ ‬تشريعية‭ ‬للعمل‭ ‬بنظام‭ ‬الحصة‭ ‬الواحدة..   الزمن‭ ‬المدرسي‭.. ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الإصلاح‭ ‬التربوي‭ ‬العميق‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬قراءة‭ ‬شاملة

 

●‭ ‬النائبة‭ ‬ريم‭ ‬الصغيّر‭ ‬لـ«الصباح‮»‬‭: ‬ «مبادرة‭ ‬تقليص‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬منطلقات‭ ‬عمل‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتربية‮»‬

منذ‭ ‬سنوات،‭ ‬ومسألة‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬والذهاب‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬الحصة‭ ‬الواحدة‭ ‬في‭ ‬التدريس‭ ‬عوض‭ ‬الحصتين‭ ‬مطروحة‭ ‬للنقاش‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬التربوية،‭ ‬مع‭ ‬اختلاف‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬بشأنها‭ ‬بين‭ ‬متحمس‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬إقرار‭ ‬زمن‭ ‬مدرسي‭ ‬جديد‭ ‬يقلص‭ ‬ساعات‭ ‬التمدرس‭ ‬ويكون‭ ‬مؤسسًا‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬الحصة‭ ‬الواحدة،‭ ‬وبين‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬الحصتين‭ ‬كنظام‭ ‬مستقر‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭. ‬منذ‭ ‬أيام،‭ ‬تقدم‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬النواب‭ ‬بمقترح‭ ‬قانون‭ ‬يتعلق‭ ‬بتنظيم‭ ‬العمل‭ ‬بنظام‭ ‬الحصة‭ ‬الواحدة‭ ‬وحوكمة‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬بالمؤسسات‭ ‬التربوية‭ ‬العمومية،‭ ‬بهدف‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬الإرهاق‭ ‬الدراسي‭ ‬وتحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬الزمني‭ ‬وتوفير‭ ‬ظروف‭ ‬أفضل‭ ‬للعمل‭ ‬التربوي‭ ‬والارتقاء‭ ‬بجودة‭ ‬التعليم،‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬اعتمده‭ ‬النواب‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬التشريعية‭.‬

‮«‬الصباح‮»‬‭ ‬استطلعت‭ ‬مختلف‭ ‬الآراء‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬المقترح‭ ‬التشريعي،‭ ‬من‭ ‬النائبة‭ ‬ريم‭ ‬الصغيّر‭ ‬صاحبة‭ ‬المبادرة‭ ‬التشريعية،‭ ‬التي‭ ‬أكدت‭ ‬أن‭ ‬لجنة‭ ‬التربية‭ ‬البرلمانية‭ ‬ستناقش‭ ‬باستفاضة‭ ‬أكثر‭ ‬هذا‭ ‬المقترح‭ ‬التشريعي‭ ‬يوم‭ ‬الثلاثاء‭ ‬القادم،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬استطلاع‭ ‬رأي‭ ‬الأولياء‭ ‬والتلاميذ‭ ‬الذي‭ ‬يعبّر‭ ‬عنه‭ ‬رئيس‭ ‬جمعية‭ ‬الأولياء‭ ‬والتلاميذ،‭ ‬رضا‭ ‬الزهروني،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تأطير‭ ‬مسألة‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬سوسيولوجيًا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قراءة‭ ‬للدكتور‭ ‬منذر‭ ‬عافي،‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬والتربية،‭ ‬حول‭ ‬المقاربة‭ ‬السوسيولوجية‭ ‬لتحولات‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬في‭ ‬تونس‭.‬

المقترح‭ ‬التشريعي

النائبة‭ ‬بمجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب،‭ ‬ريم‭ ‬الصغيّر،‭ ‬وضّحت‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬تقديم‭ ‬مقترح‭ ‬تشريعي‭ ‬يحدد‭ ‬الزمن‭ ‬مدرسيا‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬التربوية‭ ‬العمومية‭ ‬بمعدل‭ ‬5‭ ‬ساعات‭ ‬يوميا‭ ‬على‭ ‬فترة‭ ‬واحدة‭ ‬متواصلة‭ ‬صباحية‭ ‬أو‭ ‬مسائية،‭ ‬مع‭ ‬إمكانية‭ ‬إدماج‭ ‬أنشطة‭ ‬ثقافية‭ ‬ورياضية‭ ‬موازية‭ ‬خارج‭ ‬هذا‭ ‬التوقيت‭.‬

وقالت‭ ‬ريم‭ ‬الصغيّر‭ ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬لـ»الصباح‮»‬‭: ‬‮«‬الإطار‭ ‬العام‭ ‬لهذه‭ ‬المبادرة‭ ‬التشريعية‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬النواب‭ ‬لتقليص‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي،‭ ‬يتنزل‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬إصلاح‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬وجودة‭ ‬التعليم‭ ‬وظروف‭ ‬التمدرس،‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬رؤية‭ ‬سياسية‭ ‬عامة‭ ‬للدولة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬ومراعاة‭ ‬المصلحة‭ ‬الفضلى‭ ‬للطفل‭ ‬التلميذ‭. ‬فالمنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬هي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬عقد‭ ‬اجتماعي‭ ‬بين‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬ووزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتلميذ‭ ‬وعائلته،‭ ‬ومقترح‭ ‬التقليص‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬التربوي‭ ‬يتنزل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‮»‬‭. ‬وتضيف‭ ‬النائبة‭ ‬ريم‭ ‬الصغيّر‭ ‬أنه‭ ‬ثبت‭ ‬علميًا‭ ‬أن‭ ‬بعد‭ ‬5‭ ‬ساعات‭ ‬تدريس،‭ ‬يتوقف‭ ‬عقل‭ ‬التلميذ‭ ‬عن‭ ‬الاستيعاب‭ ‬ويتقلص‭ ‬لديه‭ ‬الفهم،‭ ‬وبالتالي‭ ‬مقترح‭ ‬الخمس‭ ‬ساعات‭ ‬لم‭ ‬يأتِ‭ ‬من‭ ‬فراغ،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬التحصيل‭ ‬العلمي‭ ‬للتلاميذ‭ ‬أكثر‭ ‬جودة‭ ‬وأكثر‭ ‬حماية‭ ‬لهم،‭ ‬لأن‭ ‬نظام‭ ‬الحصتين‭ ‬خلق‭ ‬مشاكل‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬المدرسي،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬وقت‭ ‬الفراغ‭ ‬الذي‭ ‬يمضيه‭ ‬التلاميذ‭ ‬بين‭ ‬الحصتين‭ ‬قد‭ ‬يشكل‭ ‬خطورة‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الجنوح‭ ‬إلى‭ ‬ممارسة‭ ‬العنف‭ ‬والسقوط‭ ‬ضحية‭ ‬ظواهر‭ ‬اجتماعية‭ ‬تحاربها‭ ‬الدولة‭ ‬اليوم‭ ‬مثل‭ ‬المخدرات‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬المدرسي‭.‬

وبالنسبة‭ ‬لموقف‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتربية‭ ‬والتعليم،‭ ‬كهيئة‭ ‬جديدة‭ ‬مهمتها‭ ‬اليوم‭ ‬الإصلاح‭ ‬التربوي‭ ‬بما‭ ‬يتلاءم‭ ‬مع‭ ‬حاجة‭ ‬التلميذ‭ ‬واحتياجات‭ ‬وأهداف‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية،‭ ‬وعلاقة‭ ‬هذا‭ ‬المجلس‭ ‬بالزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬الجديد‭ ‬المقترح،‭ ‬قالت‭ ‬ريم‭ ‬الصغيّر‭ ‬إن‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتربية‭ ‬والتعليم‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬له‭ ‬آليات‭ ‬وركائز‭ ‬ينطلق‭ ‬منها‭ ‬لأداء‭ ‬مهمته‭ ‬في‭ ‬الإصلاح‭ ‬التربوي،‭ ‬وهذه‭ ‬المبادرة‭ ‬لتقليص‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬أحد‭ ‬منطلقات‭ ‬عمله‭ ‬ولن‭ ‬تكون‭ ‬عائقًا‭ ‬أمامه‭.‬

النائبة‭ ‬ريم‭ ‬الصغيّر‭ ‬ذكرت‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬لجنة‭ ‬التربية‭ ‬بمجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب‭ ‬ستعقد‭ ‬أولى‭ ‬جلساتها‭ ‬لمناقشة‭ ‬المبادرة‭ ‬التشريعية‭ ‬حول‭ ‬تقليص‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬يوم‭ ‬الثلاثاء‭ ‬القادم،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬لم‭ ‬يوقعها‭ ‬إلا‭ ‬13‭ ‬نائبًا،‭ ‬وهو‭ ‬العدد‭ ‬القانوني‭ ‬من‭ ‬النواب‭ ‬الذين‭ ‬من‭ ‬حقهم‭ ‬التقدم‭ ‬بمبادرة‭ ‬تشريعية،‭ ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬ينفي‭ ‬أن‭ ‬تسعين‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬النواب‭ ‬مع‭ ‬فكرة‭ ‬تقليص‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬بما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية،‭ ‬وفق‭ ‬تعبيرها‭.‬

ووفق‭ ‬محدّثتنا،‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬لجنة‭ ‬التربية‭ ‬سيتم‭ ‬الاستئناس‭ ‬بآراء‭ ‬المعنيين‭ ‬بالشأن‭ ‬التربوي‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬لأنه‭ ‬الأقرب‭ ‬إلى‭ ‬معرفة‭ ‬تفاصيل‭ ‬الواقع،‭ ‬وكذلك‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬ومجلس‭ ‬التخطيط‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬بوزارة‭ ‬التربية‭. ‬كما‭ ‬أشارت‭ ‬ريم‭ ‬الصغيّر‭ ‬إلى‭ ‬كون‭ ‬البعض‭ ‬يتعلل‭ ‬في‭ ‬رفضه‭ ‬لطرح‭ ‬مسألة‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬الآن‭ ‬بالبنية‭ ‬التحتية‭ ‬المهترئة‭ ‬للمدارس‭ ‬والمعاهد،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ريم‭ ‬الصغيّر‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬تقليص‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬سيقلص‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬المؤسسة‭ ‬التربوية‭.‬

وفي‭ ‬ختام‭ ‬حديثها،‭ ‬أكدت‭ ‬ريم‭ ‬الصغيّر‭ ‬أن‭ ‬اليوم‭ ‬هناك‭ ‬مبادرة‭ ‬تشريعية‭ ‬لتنقيح‭ ‬الزمن‭ ‬الإداري‭ ‬في‭ ‬الوظيفة‭ ‬العمومية‭ ‬والقطاع‭ ‬العام،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تنقيح‭ ‬التوقيت‭ ‬الإداري،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬ليكون‭ ‬هناك‭ ‬انسجام‭ ‬بين‭ ‬تقليص‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬ومراجعة‭ ‬التوقيت‭ ‬الإداري‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬الأسرة‭ ‬التونسية‭ ‬ويحافظ‭ ‬على‭ ‬تماسكها‭.‬

المطلوب‭ ‬زمن‭ ‬اجتماعي‭!‬

رئيس‭ ‬جمعية‭ ‬الأولياء‭ ‬والتلاميذ،‭ ‬رضا‭ ‬الزهروني،‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬رأي‭ ‬مختلف‭ ‬بشأن‭ ‬هذا‭ ‬المقترح‭ ‬التشريعي،‭ ‬إذ‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬لـ«الصباح‮»‬‭:‬

‮«‬أولًا،‭ ‬لنتفق‭ ‬أن‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬هو‭ ‬معضلة‭ ‬من‭ ‬معضلات‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬الحالية،‭ ‬لأنه‭ ‬زمن‭ ‬مثقل‭ ‬ويثقل‭ ‬كاهل‭ ‬التلاميذ‭. ‬وهناك‭ ‬اليوم‭ ‬اتفاق‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الأطراف‭ ‬تقريبًا‭ ‬حول‭ ‬ضرورة‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬زمن‭ ‬اجتماعي‭ ‬للتلميذ‭ ‬عوض‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭. ‬الزمن‭ ‬الاجتماعي‭ ‬يستوعب‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي،‭ ‬ولكنه‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬يسمح‭ ‬للتلميذ‭ ‬بالأنشطة‭ ‬الثقافية‭ ‬والرياضية‭ ‬والترفيه،‭ ‬وحتى‭ ‬بالراحة،‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬أنشطة‭ ‬ضرورية‭ ‬ومركزية‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الطفل‭ ‬والمراهق،‭ ‬حتى‭ ‬تكون‭ ‬حياته‭ ‬وشخصيته‭ ‬متوازنة‭ ‬لاحقًا‮»‬‭.‬

وأضاف‭ ‬الزهروني‭: ‬‮«‬وبالتالي،‭ ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬اقتراح‭ ‬مراجعة‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬اقتراح‭ ‬خاطئ،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬المصلحة‭ ‬البيداغوجية‭ ‬حتى‭ ‬نمر‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬الحصتين‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬الحصة‭ ‬الواحدة؟‭ ‬ما‭ ‬أريد‭ ‬قوله‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬المقترح‭ ‬سابق‭ ‬لأوانه،‭ ‬لاعتبارات‭ ‬أبرزها‭ ‬وجود‭ ‬قانون‭ ‬منظم‭ ‬للتربية‭ ‬والتمدرس،‭ ‬وهو‭ ‬القانون‭ ‬التوجيهي‭ ‬للتربية‭ ‬والتعليم‭ ‬المدرسي‭ ‬عدد‭ ‬80‭ ‬لسنة‭ ‬2002،‭ ‬وهو‭ ‬ينص‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬24‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬يُضبط‭ ‬بأمر‭ ‬تنظيم‭ ‬التعليم‭ ‬الأساسي،‭ ‬وكذلك‭ ‬برامجه‭ ‬وتوقيت‭ ‬الدراسة‭. ‬كما‭ ‬ينص‭ ‬الفصل‭ ‬26‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬يُضبط‭ ‬بقرار‭ ‬من‭ ‬الوزير‭ ‬المكلف‭ ‬بالتربية‭ ‬نظام‭ ‬التقييم‭ ‬والارتقاء‭ ‬صلب‭ ‬المرحلة‭ ‬التعليمية‭. ‬وبالتالي،‭ ‬نحن‭ ‬هنا‭ ‬لدينا‭ ‬قانون‭ ‬موجود‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يحل‭ ‬معضلة‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬بأمر،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬مشمولات‭ ‬الحكومة،‭ ‬والأمر‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬واضح‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مبادرة‭ ‬تشريعية‭ ‬ولا‭ ‬إلى‭ ‬نص‭ ‬قانوني‭ ‬جديد،‭ ‬فعوض‭ ‬تكديس‭ ‬النصوص‭ ‬القانونية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتوجه‭ ‬إلى‭ ‬إجراء‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الحقيقية،‭ ‬إلى‭ ‬إصلاح‭ ‬المؤسسة‭ ‬التربوية‭ ‬وتجهيزها‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬مدرسي‭ ‬جديد‮»‬‭.‬

رضا‭ ‬الزهروني‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬إشكاليات‭ ‬لصيقة‭ ‬بالزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬يجب‭ ‬معالجتها‭ ‬قبل‭ ‬إرساء‭ ‬زمن‭ ‬جديد،‭ ‬مثل‭ ‬تحديد‭ ‬الاحتياجات‭ ‬التربوية،‭ ‬وساعات‭ ‬التمدرس‭ ‬السنوية،‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬الملائمة‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬التربوية،‭ ‬والمناهج‭ ‬البيداغوجية‭ ‬الملائمة‭ ‬لزمن‭ ‬الحصة‭ ‬الواحدة‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬التربوية‭. ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬الحاجيات‭ ‬تختلف‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬ومن‭ ‬المناطق‭ ‬الحضرية‭ ‬إلى‭ ‬المناطق‭ ‬البلدية‭ ‬وغير‭ ‬البلدية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬هناك‭ ‬منهجية‭ ‬كاملة‭ ‬يجب‭ ‬الاشتغال‭ ‬وفقها‭ ‬حتى‭ ‬نصل‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬لحظة‭ ‬تغيير‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬الحصتين‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬الحصة‭ ‬الواحدة،‭ ‬وفق‭ ‬تعبيره‭.‬

وختم‭ ‬رئيس‭ ‬جمعية‭ ‬الأولياء‭ ‬والتلاميذ‭ ‬حديثه‭ ‬بالقول‭ ‬إن‭ ‬القانون‭ ‬الموجود‭ ‬يسمح‭ ‬بتغيير‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬بأمر،‭ ‬كما‭ ‬يسمح‭ ‬بتدريس‭ ‬مادة‭ ‬التربية‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مبادرة‭ ‬تشريعية‭. ‬وما‭ ‬دام‭ ‬القانون‭ ‬الحالي‭ ‬كفيلًا‭ ‬بحلّ‭ ‬بعض‭ ‬المعضلات‭ ‬مثل‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬أو‭ ‬تدريس‭ ‬بعض‭ ‬المواد‭ ‬الجديدة،‭ ‬فإنه‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الأجدر‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬بقية‭ ‬المشاكل‭ ‬التي‭ ‬تكبّل‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬وتعيق‭ ‬تطويرها،‭ ‬وفق‭ ‬تعبيره‭. ‬وفي‭ ‬انتظار‭ ‬مآل‭ ‬المبادرة‭ ‬التشريعية‭ ‬الجديدة،‭ ‬فإن‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬الملتصقة‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬بالمنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬تستدعي‭ ‬اليوم‭ ‬معالجة‭ ‬جذرية‭.‬

الباحث‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬والتربية‭ ‬د‭. ‬منذر‭ ‬عافي‭ ‬لـ«الصباح‮»‬‭: ‬التقنين‭ ‬الزمني‭ ‬ليس‭ ‬قرارًا‭ ‬لوجستيًا‭ ‬فحسب‭.. ‬بل‭ ‬هو‭ ‬انعكاس‭ ‬لتصوّر‭ ‬مجتمعي‭ ‬لدور‭ ‬المدرسة‭..

وأفانا‭ ‬د‭. ‬منذر‭ ‬عافي‭ ‬بقراءة‭ ‬خاصة‭ ‬لـ«الصباح‮»‬‭ ‬حول‭ ‬المقاربة‭ ‬السوسيولوجية‭ ‬لتحولات‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬حيث‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬يمثل‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬المقترح‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬لجنة‭ ‬التربية‭ ‬بمجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب،‭ ‬والمتمثل‭ ‬في‭ ‬اعتماد‭ ‬نظام‭ ‬الحصة‭ ‬الواحدة‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬التربوية‭ ‬العمومية،‭ ‬محطة‭ ‬لافتة‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬إصلاح‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية،‭ ‬وهو‭ ‬مقترح‭ ‬يثير‭ ‬إشكاليات‭ ‬تتجاوز‭ ‬أبعاده‭ ‬التنظيمية‭ ‬الظاهرة،‭ ‬لتمسّ‭ ‬جوهر‭ ‬الرؤية‭ ‬التربوية‭ ‬التي‭ ‬نتصورها‭ ‬للمدرسة،‭ ‬ولموقع‭ ‬الزمن‭ ‬داخل‭ ‬هذا‭ ‬التصور‭. ‬فالزمن‭ ‬المدرسي،‭ ‬خلافًا‭ ‬لما‭ ‬توحي‭ ‬به‭ ‬المقاربات‭ ‬التقنية،‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬أداة‭ ‬لتنظيم‭ ‬الحصص‭ ‬الدراسية،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬بنية‭ ‬دلالية‭ ‬وسوسيولوجية‭ ‬معقّدة‭ ‬تُسهم‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬المعنى،‭ ‬وتشكيل‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬المتعلم‭ ‬والمعرفة،‭ ‬وبين‭ ‬المدرسة‭ ‬والمجتمع‮»‬‭.‬

ويضيف‭ ‬د‭. ‬منذر‭ ‬عافي‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الاقتصار‭ ‬على‭ ‬معالجة‭ ‬مسألة‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أدوات‭ ‬تشريعية‭ ‬أو‭ ‬تنظيمية‭ ‬مقتضبة،‭ ‬يخفي‭ ‬تعقيدًا‭ ‬عميقًا‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬الفاعلين‭ ‬التربويين‭ ‬بالزمن‭ ‬التعليمي،‭ ‬ويغفل‭ ‬الطابع‭ ‬التركيبي‭ ‬لهذا‭ ‬الزمن‭ ‬الذي‭ ‬يندمج‭ ‬فيه‭ ‬المعرفي‭ ‬بالنفسي،‭ ‬والوجداني‭ ‬بالمجتمعي‭. ‬فمتى‭ ‬اختُزل‭ ‬الزمن‭ ‬في‭ ‬معطيات‭ ‬كرونولوجية،‭ ‬أُفرغ‭ ‬من‭ ‬أبعاده‭ ‬التكوينية،‭ ‬وفُقدت‭ ‬صلته‭ ‬العضوية‭ ‬بسيرورة‭ ‬بناء‭ ‬الذات‭ ‬المتعلّمة‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬نبّه‭ ‬إليه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدارسين،‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬إميل‭ ‬دوركايم،‭ ‬الذي‭ ‬اعتبر‭ ‬المؤسسة‭ ‬المدرسية‭ ‬وسيطًا‭ ‬لترسيخ‭ ‬الانضباط‭ ‬الاجتماعي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقنيات‭ ‬زمنية،‭ ‬أو‭ ‬بيير‭ ‬بورديو،‭ ‬الذي‭ ‬رأى‭ ‬في‭ ‬التوقيت‭ ‬المدرسي‭ ‬آلية‭ ‬لإعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬البُنى‭ ‬الاجتماعية‭ ‬القائمة‭.‬

تُظهر‭ ‬الملاحظة‭ ‬التربوية‭ ‬الميدانية‭ ‬اختلالا‭ ‬واضحا‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬زمن‭ ‬التعلّم‭ ‬والزمن‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لدى‭ ‬التلاميذ،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬العمومية‭. ‬فامتداد‭ ‬اليوم‭ ‬الدراسي‭ ‬في‭ ‬صيغته‭ ‬الحالية‭ ‬يُفضي‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الإنهاك‭ ‬الذهني،‭ ‬وإلى‭ ‬مفارقة‭ ‬متزايدة‭ ‬بين‭ ‬الإيقاع‭ ‬الزمني‭ ‬للمؤسسة‭ ‬التربوية‭ ‬والإيقاع‭ ‬الطبيعي‭ ‬للتلميذ،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬العمرية‭ ‬الأولى‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬الكمّ‭ ‬المعرفي‭ ‬المتراكم،‭ ‬وتواتر‭ ‬المواد‭ ‬دون‭ ‬تنسيق‭ ‬بيداغوجي‭ ‬فعّال،‭ ‬يُنتج‭ ‬تفاعلا‭ ‬هشّا‭ ‬مع‭ ‬المحتويات،‭ ‬ويفقد‭ ‬العملية‭ ‬التعليمية‭ ‬طابعها‭ ‬الحيوي‭ ‬والتفاعلي،‭ ‬ويجعلها‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬النقل‭ ‬التلقيني‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬التكوين‭ ‬الفعّال‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬تبرز‭ ‬مسألة‭ ‬اعتماد‭ ‬نظام‭ ‬الحصة‭ ‬الواحدة‭ ‬بوصفها‭ ‬محاولة‭ ‬لإعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬المدرسة‭ ‬وزمنها،‭ ‬ولكنها‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤتي‭ ‬أُكُلها‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تُدرج‭ ‬ضمن‭ ‬رؤية‭ ‬شاملة‭ ‬تُراعي‭ ‬أبعاد‭ ‬العملية‭ ‬التعليمية‭ ‬ككل‭. ‬فالاقتصار‭ ‬على‭ ‬تقليص‭ ‬المدة‭ ‬الزمنية‭ ‬اليومية‭ ‬دون‭ ‬إعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬للمضامين‭ ‬والبرامج‭ ‬وطرق‭ ‬التدريس،‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ضغط‭ ‬معرفي‭ ‬مكثف‭ ‬لا‭ ‬يتلاءم‭ ‬مع‭ ‬قدرات‭ ‬التلاميذ،‭ ‬ويفرغ‭ ‬الحصص‭ ‬من‭ ‬أبعادها‭ ‬التكوينية‭. ‬ومن‭ ‬هنا،‭ ‬فإن‭ ‬التحوّل‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُفهم‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬ارتباطه‭ ‬بتحوّل‭ ‬أعمق‭ ‬في‭ ‬المضامين‭ ‬البيداغوجية،‭ ‬وفي‭ ‬فلسفة‭ ‬التعليم‭ ‬نفسها‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬التنظيم‭ ‬الزمني‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يُراعي‭ ‬طبيعة‭ ‬التفاعلات‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬التلميذ‭ ‬بين‭ ‬أزمنة‭ ‬متعددة‭: ‬زمن‭ ‬الأسرة،‭ ‬زمن‭ ‬الشارع،‭ ‬زمن‭ ‬الوسائط‭ ‬الرقمية‮»‬‭.‬

ويختم‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬والتربية،‭ ‬د‭. ‬منذر‭ ‬عافي،‭ ‬بالقول‭:‬

‮«‬المدرسة‭ ‬لا‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬فراغ،‭ ‬وإنما‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬زمنية‭ ‬متشابكة،‭ ‬يفرض‭ ‬فهمها‭ ‬ضرورة‭ ‬تكامل‭ ‬السياسات‭ ‬التربوية‭ ‬مع‭ ‬السياسات‭ ‬الثقافية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬بما‭ ‬يسمح‭ ‬بإرساء‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الاتساق‭ ‬بين‭ ‬الأزمنة‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬تجربة‭ ‬الطفل‭ ‬اليومية‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتطلب،‭ ‬كما‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أنطوني‭ ‬غيدنز،‭ ‬وعيًا‭ ‬بالتحولات‭ ‬البنيوية‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬الزمن‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬المعاصرة،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التسارع،‭ ‬والتشظي،‭ ‬وفقدان‭ ‬الإيقاع‭ ‬الجماعي‭ ‬الموحد‭. ‬إنّ‭ ‬ما‭ ‬يُعرض‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬مجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يُقرأ‭ ‬فقط‭ ‬كإجراء‭ ‬إداري‭ ‬لتخفيف‭ ‬الضغط‭ ‬الزمني،‭ ‬بل‭ ‬كمدخل‭ ‬لسؤال‭ ‬أعمق‭ ‬وأكثر‭ ‬دقة‭: ‬ما‭ ‬هي‭ ‬الرؤية‭ ‬التربوية‭ ‬التي‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نبني‭ ‬عليها‭ ‬المدرسة‭ ‬التونسية؟‭ ‬وأي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬العلاقة‭ ‬نرغب‭ ‬في‭ ‬نسجها‭ ‬بين‭ ‬الزمن‭ ‬والمعرفة،‭ ‬وبين‭ ‬المدرسة‭ ‬والمجتمع؟‭ ‬فالتقنين‭ ‬الزمني،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬ليس‭ ‬قرارًا‭ ‬لوجستيًا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬انعكاس‭ ‬لتصور‭ ‬مجتمعي‭ ‬لدور‭ ‬المدرسة،‭ ‬ولموقع‭ ‬الطفل‭ ‬فيها،‭ ‬ولمدى‭ ‬قدرتنا‭ ‬كمجتمع‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬مؤسسة‭ ‬تعليمية‭ ‬تستجيب‭ ‬لتحديات‭ ‬اللحظة‭ ‬وتؤسس‭ ‬لمواطنة‭ ‬متوازنة‭ ‬وفاعلة‭. ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬فإنّ‭ ‬مقترح‭ ‬الحصة‭ ‬الواحدة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكتسب‭ ‬وجاهته‭ ‬من‭ ‬كونه‭ ‬يطرح‭ ‬إشكالية‭ ‬حيوية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُعالج‭ ‬خارج‭ ‬إطار‭ ‬مشروع‭ ‬إصلاحي‭ ‬شامل‭ ‬يعيد‭ ‬الاعتبار‭ ‬للزمن‭ ‬المدرسي،‭ ‬لا‭ ‬كأداة‭ ‬تنظيمية،‭ ‬بل‭ ‬كمكوّن‭ ‬بنيوي‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬التربوية،‭ ‬وكمرآة‭ ‬لرؤية‭ ‬مجتمع‭ ‬بأكمله‭ ‬لمستقبل‭ ‬أبنائه‮»‬‭.‬

‬منية‭ ‬العرفاوي