- النواب يطالبون بالحد من العجز الطاقي وتلافي الانقطاعات المتكرّرة للكهرباء
صادق مجلس نواب الشعب، مساء أمس، خلال جلسته العامة المنعقدة بقصر باردو، على مشروع قانون يتعلق بالموافقة على اتفاقية الضمان المُبرمة بتاريخ 12 مارس 2025 بين الجمهورية التونسية والمؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، والمتعلقة باتفاقية المرابحة المبرمة بين الشركة التونسية للكهرباء والغاز والمؤسسة المذكورة، بمبلغ لا يتجاوز سبعين مليون دولار أمريكي، للمساهمة في تمويل استيراد الغاز الطبيعي. وقد كانت نتيجة التصويت كما يلي: 73 موافقًا، 14 محتفظًا، و12 رافضًا.
وقبل المرور إلى النقاش العام لمشروع القانون، قدّم محمد بن حسين، مقرر لجنة المالية والميزانية، تقريرًا حول هذا المشروع، أشار فيه إلى أن ضمان الدولة يتعلق بالقرض المسند إلى الشركة التونسية للكهرباء والغاز «الستاغ»، بمقتضى اتفاقية المرابحة المبرمة بينها وبين المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، بهدف المساهمة في تمويل استيراد الغاز الطبيعي.
وأضاف أن إبرام اتفاقية المرابحة يندرج ضمن الاتفاقية الإطارية للتعاون المالي الموقعة بتاريخ 12 فيفري 2021 بين الدولة التونسية والمؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة. وذكر أن هذه المؤسسة تقوم بتمويل احتياجات عدة مؤسسات عمومية من السلع والمواد الاستراتيجية، ومنها الشركة التونسية للكهرباء والغاز، لتمويل استيراد الغاز الطبيعي.
وأضاف أنه، نظرًا لأهمية تزويد هذه الشركة بالغاز الطبيعي لإنتاج الكهرباء، ولضرورة توفير مصادر تمويل وطنية وأجنبية وتنوّعها، من أجل تعبئة الموارد اللازمة لتمكين الشركة من الإيفاء بالتزاماتها التعاقدية تجاه مزوّديها، بما يساهم في تحقيق الأمن الطاقي في تونس، فقد تم، في إطار التعاون مع مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، وخاصة المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، إبرام اتفاقية المرابحة موضوع مشروع القانون.
الشروط المالية للاتفاقية
ولدى حديثه عن الشروط المالية للاتفاقية، أشار بن حسين إلى أنها تتمثل فيما يلي:
- صيغة التمويل: عقد مرابحة
- الضمان: الدولة التونسية
- نسبة الفائدة: تساوي معدل نسبة المقايضة مع هامش نسبته 4 %
- فترة التمويل: 12 شهرًا من تاريخ السحب الأول
- فترة التسديد لكل سحب: 3 سنوات
- عمولة التنفيذ: 0.4 % من مبلغ التمويل الجملي
الانتقال الطاقي
وإثر تقديم المعطيات حول مشروع القانون، استعرض محمد بن حسين، مقرر لجنة المالية والميزانية، حصيلة أعمال اللجنة بمناسبة النظر في هذا المشروع، وبيّن، بالخصوص، أن اللجنة عقدت جلسة يوم الاثنين 30 جوان 2025، استمعت خلالها إلى ممثلين عن وزارة الصناعة والمناجم والطاقة، وممثلين عن الشركة التونسية للكهرباء والغاز، وعن وزارة الاقتصاد والتخطيط.
وذكر أن ممثلي وزارة الاقتصاد والتخطيط تطرّقوا إلى أهم محاور الاستراتيجية المتعلقة بالانتقال الطاقي في تونس، والمتمثلة أساسًا في تنويع المزيج الطاقي لإنتاج الكهرباء من خلال إدماج الطاقات المتجددة، وتسريع برامج النجاعة والرصانة الطاقية، وتطوير التكنولوجيا الحديثة في علاقة بإنتاج الهيدروجين الأخضر والتنقّل الكهربائي وتخزين الكهرباء والشبكات الذكية، إلى جانب تحقيق الاندماج الإقليمي من خلال تطوير شبكات الربط.
كما تطرقوا، في نفس الجلسة، إلى الصعوبات الهيكلية والقطاعية والمالية التي تعاني منها الشركة التونسية للكهرباء والغاز.
وتعود الصعوبات الهيكلية أساسًا إلى ضعف قدرات إنتاج الكهرباء نتيجة عدم إنجاز محطتي إنتاج الكهرباء بالدورة المزدوجة في الصخيرة، ومن المنتظر أن يتفاقم هذا العجز في صورة التأخر في إنجاز برنامج الطاقات المتجددة في إطار نظام اللزمات، وذلك إضافة إلى ارتفاع الفاقد الطاقي الذي بلغ 18 % سنة 2024، موزعًا بين فاقد فني بنسبة 10 % وفاقد تجاري بنسبة 8 %.
أما الصعوبات القطاعية، فتتمثل في التبعية الطاقية، حيث تعتمد الشركة التونسية للكهرباء والغاز على مصدرين رئيسيين للتزود بالغاز الطبيعي، وهما الغاز الوطني، الذي يغطي أقل من ثلث الحاجيات، والغاز الجزائري، الذي يغطي بقية الطلبات. وقد تسببت هذه التبعية في تعميق هشاشة المنظومة، مما أدى إلى عدم توفّر الإمدادات الكافية من الغاز الطبيعي.
وفي ما يخص الصعوبات المالية، فهي تتمثل في التغطية الجزئية لتكلفة الإنتاج، باعتبار أن مبيعات الكهرباء لا تغطي سوى جزء من كلفة الإنتاج الفعلية، فضلًا عن غياب الدعم أو الاقتصار على منحة، وهو ما أثّر سلبًا في وضعية السيولة المالية، رغم إدراج تعديلات في تعريفات الكهرباء والغاز خلال سنتي 2022 و2023.
لكن هذه الإجراءات لم تكن كافية لتغطية العجز المالي المتراكم، خاصة مع تفاقم المستحقات غير المستخلصة لدى الحرفاء، سواء في القطاع العام أو الخاص.
وأضاف بن حسين أن ممثلي وزارة الصناعة والمناجم والطاقة قدّموا للجنة المالية والميزانية بيانات حول الجوانب التقنية للمشروع، وبيّنوا أن سعر الكيلوواط في الساعة يبلغ حوالي 472 مي، ويشمل هذا السعر 70 بالمائة كتكلفة للغاز الطبيعي، وهي مقسمة بين 50 بالمائة شراءات من الجزائر، و15 بالمائة في شكل إتاوة، والبقية من الإنتاج المحلي.
وأوضحوا أن كلفة الإنتاج المحلي تبلغ حوالي 370 دولارًا للطن، وأن الشراءات من الجزائر تبلغ 500 دولار للطن، وأن استثمارات الشركة تتم بالعملة الأجنبية، وهو ما يتسبب في ارتفاع كلفة الغاز، إضافة إلى أن معدّل سعر الكلفة تأثر بالزيادة التي طالبت بها الشركة الجزائرية لمراجعة سعر بيع الغاز الطبيعي بمفعول رجعي ابتداءً من أكتوبر 2021.
وفسروا أن عدم تغطية التعريفات للكلفة الحقيقية للغاز يعود أساسًا إلى الزيادات المتتالية في أسعار التزود بالغاز من الجانب الجزائري، وهو ما أثّر بشكل مباشر على التوازنات المالية للشركة التونسية للكهرباء والغاز، إذ تم خلال الثلاثي الرابع من سنة 2021 تسجيل زيادة قدرها 2 دولار أمريكي لكل مليون وحدة حرارية بريطانية (MMBTU)، وزيادة قدرها 2.5 دولار أمريكي خلال سنة 2022، وزيادة بنحو 3 دولارات خلال سنة 2023.
وتُستخدم الوحدة الحرارية البريطانية سالفة الذكر لقياس الطاقة، خاصة بالنسبة إلى الغاز الطبيعي والطاقة الحرارية والصناعات المتعلقة بالوقود.
وقد أسفرت هذه الزيادات في الأسعار عن أعباء مالية إضافية قُدّرت بحوالي 300 مليون دولار سنويًا، وهو ما نجم عنه تراكم مستحقات غير مسددة لفائدة الموردين بقيمة 550 مليون دولار أمريكي، أي ما يعادل تقريبًا 1707 مليون دينار تونسي، وساهم هذا الوضع في تعميق الأزمة المالية التي تمر بها الشركة التونسية للكهرباء والغاز، وأثر على قدراتها في الإيفاء بتعهداتها المالية سواء تجاه مزوّديها أو لتمويل مشاريعها الاستراتيجية.
وخلصوا إلى أن الهدف الرئيسي من مشروع القانون يتمثل في المحافظة على سعر الكهرباء، من خلال تعزيز اللجوء إلى الطاقات المتجددة، بما يساهم في تحسين الاستقلالية الطاقية على المدى المتوسط والبعيد، إلى جانب ضبط رؤية واضحة وواقعية بخصوص تحديد الأسعار خلال السنوات القادمة.
وبيّنوا أن نسبة الدعم الموجّه للكهرباء تُقدّر بحوالي 40 بالمائة، وأن 85 بالمائة من الحرفاء يستهلكون شهريًا أقل من 200 كيلوواط في الساعة، مما يبيّن أهمية التدرّج في أي مراجعة محتملة للتعريفة مع الحفاظ على الطابع الاجتماعي للسياسة الطاقية.
وأشاروا إلى أن قرار الترفيع في سعر الكهرباء والغاز لا يتم اتخاذه بصفة آلية أو أحادية، وإنما ينبني على دراسة شاملة تراعي مختلف الجوانب التقنية والاجتماعية والمالية.
وذكروا أن الشركة مدعوّة لبذل مجهودات إضافية لترشيد النفقات، والحدّ من كلفة الإنتاج، خاصة عبر تحسين الأداء الطاقي، ومكافحة الفاقد، وتقليص الكلفة المرتبطة بالتزود بالغاز.
وبيّن محمد بن حسين، مقرر لجنة المالية والميزانية، أنه في علاقة بمشروع القانون المعروض، أفاد ممثلو الشركة التونسية للكهرباء والغاز بأن هذا القرض سيُخصص لدعم خزينة الشركة وتغطية جزء من حاجياتها المالية العاجلة، وهو يندرج ضمن سياسة تمويلية تهدف إلى تأمين استمرارية النشاط وتجاوز الضغوطات المالية المتزايدة.
وقدّموا معطيات حول تطوّر مديونية الشركة منذ سنة 2015، وبيّنوا أن قروض الاستغلال المتوسطة وطويلة المدى بلغت حوالي 1640.5 مليون دينار خلال سنة 2024، وفي نفس السنة قُدّرت قروض الاستغلال قصيرة المدى بنحو 469 مليون دينار، وهو ما يعكس حجم التحديات المالية التي تواجهها الشركة في ظل ارتفاع كلفة التزود بالطاقة وضعف الاستخلاص.
ثم قدّموا حوصلة للشراكة المالية القائمة بين الشركة التونسية للكهرباء والغاز والمؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، وهي شراكة مكّنت من توفير موارد مالية هامة في إطار آليات التمويل الإسلامي المتطابقة مع توجهات الدولة في البحث عن بدائل تمويلية خارج النظام التقليدي، مع ضمان الاستفادة من شروط ميسّرة ومتابعة تقنية ومالية دقيقة.
كما بيّنوا أن القرض موضوع مشروع القانون لا يتضمّن نسبة فائدة، وإنما هامش ربح طبقًا لما هو معمول به في اتفاقيات المرابحة، وهو لا يفي بحاجة الشركة لحل صعوباتها الهيكلية والقطاعية والمالية.
وأضافوا أن القرض هو جزء من اتفاق إطاري يتضمّن 1.5 مليار دولار، وأن الشركة تتفاوض حاليًا حول قروض تبلغ قيمتها حوالي 3.5 مليار دينار.
وذكروا أنه تمّ إمضاء عقد برنامج في فيفري 2025 بين الشركة والدولة لتحسين الفاقد الطاقي والاستخلاص لدى الحرفاء الخواص والشركات الوطنية، والاعتراف بديون القطاع العام لدى الشركة.
كما قدّموا بيانات حول استغلال وصيانة خط الغاز بين تونس والجزائر، وحول إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة، واستعرضوا برامج وكالة التحكم في الطاقة المساندة لمجهود الشركة.
شفافية ورقابة
وأشار محمد بن حسين، مقرر لجنة المالية والميزانية، إلى أن اللجنة عقدت جلسة أخرى يوم 3 جويلية 2025، واصلت خلالها الاستماع إلى ممثلين عن وزارة الاقتصاد والتخطيط، حول مشروع القانون المتعلق بالموافقة على اتفاقية الضمان المبرمة بتاريخ 12 مارس 2025 بين الجمهورية التونسية والمؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، والمتعلّقة باتفاقية المرابحة المبرمة بين الشركة التونسية للكهرباء والغاز والمؤسسة المذكورة، للمساهمة في تمويل استيراد الغاز الطبيعي.
وبيّن ممثلو الوزارة أن الاتفاقية الإطارية المبرمة بين الجمهورية التونسية والمؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة تهدف إلى تنمية وتطوير السبل والآليات الكفيلة بضمان التعاون وتنسيق الجهود من أجل تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين.
وذكروا أنه تم تخصيص مبلغ جملي قدره 1.5 مليار دولار أمريكي، وتم تمويل مشاريع لفائدة الشركة التونسية للكهرباء والغاز بمبلغ 154 مليون دولار بتاريخ 5 فيفري 2019، والشركة التونسية لصناعات التكرير بمبلغ 136 مليون دولار بتاريخ 26 جوان 2019، والمجمع الكيميائي التونسي بمبلغ 50 مليون دولار بتاريخ 12 ماي 2021.
وفي علاقة بعقد المرابحة المعتمد في إطار هذه الاتفاقية، فهو يقوم على أساس أن تتولى الشركة التونسية للكهرباء والغاز البحث عن المزوّد وتحديد حاجياتها من السلع أو المعدات أو الموارد الأولية، ثم تتولى المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة الشراء من المزوّد باسمها ولمصلحتها الخاصة، ثم تعيد بيعها إلى الجمهورية التونسية ممثلة في الجهة المنتفعة، وهي الشركة التونسية للكهرباء والغاز، وذلك بهامش ربح معلوم ومتفق عليه مسبقًا بين الطرفين، وهذا الهامش هو نظير تحمّل المموّل عبء الشراء والتسليم والتمويل، ويتم سداد الثمن على أقساط أو دفعة واحدة حسب ما يتم الاتفاق عليه صلب بنود العقد.
وتمت الإشارة إلى أن مبلغ التمويل لا يُسحب كاملًا منذ البداية، بل يتم استعماله وفق الحاجيات الفعلية للجهة المنتفعة وبطريقة مرنة وبصفة تدريجية، وذلك استنادًا إلى طلبات التزود أو مستندات التوريد المقدّمة إلى المؤسسة المموّلة، وهي حسب قولهم آلية تضمن الشفافية والرقابة، إذ لا يتم صرف أي مبلغ إلا بعد التأكد من مطابقة الطلبات للشروط الفنية والمالية المنصوص عليها بالعقد. وتتيح هذه الآلية مرونة في التصرف المالي وتمكّن من التحكّم في الكلفة الجملية للتمويل، خاصة في سياق يشهد فيه التمويل التقليدي ضغوطات متزايدة على مستوى الشروط والفوائد الموظّفة.
وأوضحوا أن هذا النوع من العقود لا يتضمن نسبة فائدة كما هو معمول به في القروض البنكية التقليدية، بل يعتمد على بيع حقيقي للسلع بثمن يتكوّن من تكلفة الشراء الأصلية زائد هامش الربح المتفق عليه.
قلق النواب
وخلال النقاش العام لمشروع القانون المتعلّق بالموافقة على اتفاقية الضمان المبرمة بتاريخ 12 مارس 2025 بين الجمهورية التونسية والمؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، والمتعلّقة باتفاقية المرابحة المبرمة بين الشركة التونسية للكهرباء والغاز والمؤسسة المذكورة، للمساهمة في تمويل استيراد الغاز الطبيعي، لم يُخفِ النواب قلقهم من الصعوبات الكبيرة التي تعاني منها الشركة التونسية للكهرباء والغاز والناجمة عن عجز هيكلي، وبيّنوا أن هذا القرض لن يحلّ المشكل.
وأشار العديد منهم إلى أنه لا فائدة من الإجراءات الترقيعية، ويجب اتخاذ إجراءات شجاعة في اتجاه تحقيق الانتقال الطاقي، ودفع الاستثمار في الطاقات البديلة، وتحفيز المواطنين والمؤسسات على استعمال الطاقة الشمسية، وتوجيه الدعم لمستحقيه.
وأشار النائب عن كتلة الأمانة والعمل، زياد الماهر، إلى الاختلال الموجود بين العرض والطلب، وهو ما يفسّر الانقطاعات المتكررة للكهرباء التي تم تسجيلها في الفترة الأخيرة في أوقات الذروة. ويرى النائب أن تلافي العجز يتم من خلال تقوية شبكة الكهرباء لكي تتمتع بنسبة إدماج أكبر، وهو ما يقتضي اتخاذ إجراءات استثنائية من شأنها أن ترتقي بهذه الشبكة. كما يجب، حسب قوله، تركيز المحولات الطاقية في كل الولايات والأحياء ذات الكثافة السكانية المرتفعة، والمناطق المهمشة، وكذلك في المناطق الصناعية.
وبيّنت النائبة مها عامر عن كتلة الأحرار، أنه يحزّ في نفسها أن يقع النظر في قرض لتوريد الغاز الطبيعي، وأنه كان من الأفضل استغلال الطاقات المتجددة والطاقة الشمسية، فهذا القرض موجّه للاستهلاك وليس للاستثمار. وذكرت أنه يمكن الاستفادة من الرياح في إنتاج الطاقات البديلة، وتساءلت عن سبب عدم الحصول على قروض للاستثمار في هذه المجالات وليس للاستهلاك.
وأضافت عامر أنه تم في أفق 2030 توقع بلوغ نسبة استهلاك للطاقات المتجددة في حدود 30 بالمائة، لكن إلى غاية اليوم لم يقع بلوغ سوى 8 بالمائة، والحال أن الشمس في تونس تشرق 300 يوم في العام. وذكرت أن هناك لزمات تهم وزارة الصناعة لم يقع النظر فيها.
وأضافت النائبة أن الشركة التونسية للكهرباء والغاز لم تعد قادرة على تأمين تغطية كاملة للاستهلاك بكل البلاد، وعلى وزارة الإشراف أن تكون لديها رؤية لدعم الاستثمار في الطاقة على المدى المتوسط والطويل. وعبّرت عن رغبتها في وضع إستراتيجية واضحة لتطوير «الستاغ»، لأن المواطنين يعانون يوميًا من انقطاع الكهرباء.
ميناء النفيضة
النائب غير المنتمي إلى كتل، عمر برهومي، أشار إلى علاقة مشروع القانون بالانتقال الطاقي، وبيّن أن مشروع هذا القانون هو عبارة عن مواصلة اعتماد الطاقات الصخرية عبر آلية التوريد، وما في ذلك من تبعية للأسواق العالمية، حيث تكون أسعار الطاقة مرتبطة دائمًا بالتغيرات الجيوسياسية وبالأسعار العالمية.
وتساءل النائب: كيف يمكن لوزير اقتصاد وتخطيط أن يضع برنامجًا اقتصاديًا في ظل نظام رخص وتعقيدات إدارية وكراسات شروط تعجيزية، وتمويل بنكي غائب أو بشروط مشطّة، ومجلات قانونية قديمة مثل مجلات الصرف والمياه والاستثمار والديوانة وغيرها؟
ويرى أنه بهذه المعطيات يصبح الاستثمار مجازفة ومخاطرة، ولا يمكن استقطاب المستثمر التونسي والأجنبي، وهو ما يتطلب تعديل النصوص القانونية وتهيئة مناخ ملائم للاستثمار، ثم إثر ذلك يتم وضع برنامج اقتصادي.
وشدّد النائب على أنه في غياب تغيير هيكلي للمنظومة التشريعية، لا يمكن النهوض بالاقتصاد. كما أشار برهومي إلى أنه باستثناء القروض الأجنبية، فإن الموارد من العملة الصعبة متأتية بالأساس من التونسيين بالخارج، وعائدات السياحة، وعائدات تصدير الفسفاط وزيت الزيتون والتمور وغيرها من المنتوجات.
ولكن، في ظل الوضع الصعب الذي تعيشه الناقلة الوطنية الجوية والناقلة البحرية، لا يمكن تحفيز التونسيين بالخارج على الاستثمار، ولا يمكن استقطاب المستثمرين الأجانب. وذكر أنه لا يمكن بناء اقتصاد دون وجود منظومة نقل فعالة، وأضاف أن الخلل الموجود في منظومة النقل الجوي والبحري يمكن أن يترتّب عنه خلل في الاقتصاد.
كما تطرّق النائب إلى مشروع ميناء المياه العميقة بالنفيضة، وذكر أن البنين، على سبيل الذكر، تحقق نصف موارد الدولة بالاعتماد على الميناء، أما المغرب فهي تخطط لبعث ميناء مياه عميقة لدعم الاستثمار، لكن في تونس ما زال مشروع ميناء النفيضة، الذي تم إطلاقه قبل 2010، يراوح مكانه.
الحد من التهميش
وقال النائب محمد ضو عن كتلة «لينتصر الشعب» إن مداخلته ستكون باسم 21 عمادة موزعة على معتمديتي مدنين الجنوبية وسيدي مخلوف، وباسم انقطاعات الكهرباء المتكررة، وباسم خمسين درجة حرارة في هذا الصيف. وبيّن أن أهالي مدنين جزء من هذا الوطن، وأنه يجب وضع حد لإقصائهم وتهميشهم. وذكر أنه تم تنظيم عديد الزيارات الرسمية للجهة لكن الوضع ظل على حاله، فالبنية التحتية مهترئة، والمسالك الفلاحية في حالة رثة، والمناطق الصناعية اسم بلا دلالة، فهي «تصنع الهواء وتبيع الأوهام وتشغّل صفرًا» يدًا عاملة.
وبيّن أنه تم رفع الفيتو منذ نصف قرن في وجه فلاحي مدنين الجنوبية وسيدي مخلوف لكي لا يتم حفر الآبار، أما الشباب فإنهم لا يتمتعون بمرافق ترفيه أو ملاعب أحياء، ودفع هذا الفراغ بالكثير منهم إلى الجنوح.
ولدى حديثه عن النقل، أشار إلى أن متساكني مدنين ينتظرون منذ سنة 1983 وصول القطار، وتساءل ضو: متى تنتهي الدراسات ويحل ركب القطار؟ وبيّن أن مدرسة اللبّة بمدنين الجنوبية، وغيرها من المدارس الابتدائية، تتطلب صيانة فورية.
ولاحظ النائب أن مراكز البريد الحالية في الجهة لا تفي بالغرض، وأكد أنه كان قد طالب في أكثر من مناسبة بإحداث مراكز بريدية باللبّة والعمرة من مدنين الجنوبية، والقصبة والراقوبة الغربية من سيدي مخلوف، وتساءل: متى سيقع إحداث هذه المراكز؟ كما أشار إلى مشاكل بطّاح جربة، فالمسافر، حسب قوله، يعاني من طول الطوابير ومن غياب دورات المياه، وتساءل: إلى متى ستتواصل معاناة أهالي مدنين الجنوبية وسيدي مخلوف؟ وما هي الإجراءات الاستعجالية التي سيتم اتخاذها قبل أن تسوء الأوضاع الاجتماعية أكثر؟
التمويلات الخارجية
وبيّن مصطفى البوبكري، النائب عن الكتلة الوطنية المستقلة، أن الغاز الطبيعي عنصر أساسي في تونس، خاصة في ظل ارتفاع كلفة الإنتاج وتنامي الطلب من قبل المواطنين والمؤسسات. وذكر أن اللجوء إلى التمويلات الخارجية أصبح خيارًا لا مفر منه في ظل الوضعية المالية الحرجة للدولة، وفي ظل وضعية مؤسساتها العمومية، لكن من واجب نواب الشعب، حسب قوله، إثارة العديد من التساؤلات في علاقة بالاتفاقية موضوع مشروع القانون المعروض على الجلسة العامة أمس.
وفي هذا السياق، تساءل النائب عن الشروط المالية للقرض، ونسبة الأرباح التي ستتحصل عليها المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، والأثر المالي الفعلي على الشركة التونسية للكهرباء والغاز، وطبيعة الضمانات المقدمة من قبل الدولة التونسية، وهل هناك مخاطر تحميل الخزينة العمومية أعباء إضافية في صورة عدم إيفاء «الستاغ» بالتزاماتها. واستفسر عن الفرق بين التمويل التقليدي والتمويل بالمرابحة، خاصة وأن الشركة مثقلة بالديون، وهل تمت مراجعة منظومة الحوكمة داخل هذه الشركة لضمان حسن استعمال موارد القرض، وما هي الإجراءات المتخذة لضمان عدم تكرار الأزمات المالية، ولماذا لا يقع التوجه نحو إصلاح شامل لقطاع الطاقة عوضًا عن اللجوء إلى التمويلات الظرفية؟
وتساءل البوبكري: إلى متى ستبقى تونس مرتهنة للغاز المورَّد في غياب رؤية واضحة وسياسة طاقية حول الطاقات المتجددة؟ وهل من خطة وطنية لتقليص الاعتماد على التوريد؟ وهل يوجد تنسيق فعلي بين وزارة الطاقة وشركة الكهرباء والغاز؟ وأين مشروع نوّارة للغاز الطبيعي؟
وبيّن النائب أنه لا يعترض على تمويل الحاجيات الحيوية للبلاد، لكنه يدعو إلى الشفافية الكاملة حول مضامين الاتفاقيات، وضمان عدم تحميل الأجيال القادمة أعباء إضافية دون حلول هيكلية حقيقية.
أما النائب سامي الحاج عمر، فقد أشار إلى أنه تم تنظيم اجتماع وزاري تم التطرق خلاله إلى البرنامج الاقتصادي والاجتماعي للدولة، وتضمن هذا البرنامج نقطة مهمة تتعلق بالتسريع في الانتقال الطاقي وتطوير نسبة إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة.
وبيّن أن تونس تعاني من عجز طاقي، وذكر أن المجلس النيابي صادق أول أمس على قرض، ونظر أمس في قرض آخر، ولكن، لئن كان القرض الأول سيعود بالنفع على البلاد، فإن القرض الثاني استهلاكي.
وأضاف أنه تم منح تسهيلات كبيرة لبرنامج الطاقة الشمسية، وعلى الوزارة تنظيم حملة إعلامية لتشجيع المواطنين على الاستفادة من هذا البرنامج، كما يجب تمكين المؤسسات الصغرى والورشات من قروض دون فوائد لاستعمال الطاقات البديلة.
ويجب اعتماد الطاقة الفولطوضوئية في المؤسسات التربوية والمستشفيات والشركات والمنشآت العمومية، وذلك بهدف تحقيق الأهداف التي رسمت في الإستراتيجية الوطنية المتعلقة بالطاقة. وذكر أن مثل هذا الاستثمار يساعد على التقليص من العجز الطاقي، وعلى توفير موارد من العملة الصعبة.
وطالب النائب وزير الاقتصاد والتخطيط بعدم الخوف واتخاذ إجراءات شجاعة. وتحدث إثر ذلك عن شركة النقل بالساحل، وقال إنه يجب توفير عدد إضافي من الحافلات لفائدة هذه الشركة قبل العودة المدرسية والجامعية، لأن التلاميذ والطلبة بالساحل يعانون من عدم توفر وسائل النقل، خاصة من جمال إلى سوسة.
الأوضاع في غزة
وتطرق العديد من النواب في مداخلاتهم خلال الجلسة العامة إلى القضية الفلسطينية والوضع في غزة، ومنهم مسعود قريرة، النائب عن كتلة الخط الوطني السيادي، الذي بيّن أن «شعب الجبارين يموت جوعًا وعطشًا ومرضًا تحت الحصار في غزة الصامدة دفاعًا عن الأمة العربية والقيم الإنسانية، حيث يُخيّر الفلسطيني بين الموت داخل خيمته أو أمام مصيدة البحث عن الغذاء لأطفالهم وشيوخهم ونسائهم، ويأتيهم الخبر أن العائل قد استُشهد».
أما علي زغدود، النائب عن كتلة «لينتصر الشعب»، فقال إنه كمواطن عربي، يتابع بألم إبادة شعب غزة بالحصار والتجويع من قبل العصابة الصهيونية، حيث وصلت الأمور إلى مرحلة غير مسبوقة في الوحشية والإرهاب، كما أنه يتابع صلف وعنجهية الإدارة الأمريكية التي تتعامل مع دول المنطقة كمحميات ومسؤوليها أقل من موظفين في هذه الإدارة، وهذا عبارة عن قتل معنوي يتعرض له العرب يوميًا وشعور بالمهانة.
وأضاف أن العرب باتوا ينتظرون أن يرضى المجرم نتنياهو بأن تدخل جرعة ماء للأطفال والشيوخ في غزة.
وبيّن أنه في ظل هذه العتمة، نجحت تونس أمس الأول بامتياز في استرجاع شيء كبير من كرامة الشعوب العربية المهدورة، وأعلن عن دعم كتلته البرلمانية لما وصفه بالموقف الوطني والقومي والإنساني، الذي عبّر عنه رئيس الجمهورية قيس سعيد في كلمته بحضور مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون العربية والشرق الأوسط وإفريقيا.
وأضاف زغدود قائلًا: «لا نامت أعين الجبناء»، ولم يُخفِ شعوره بالفخر لتزامن هذا الموقف مع ذكرى 23 جويلية بقيادة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، وذكرى عيد الجمهورية، وذكرى استشهاد القائد القومي الكبير محمد البراهمي، وذكر إجراءات 25 جويلية الاستثنائية التي أنقذت تونس وشعبها من الضياع، وفق تعبيره.
استراتيجية القطاع الطاقي
وتعقيبًا على مداخلات النواب، قدّم سمير عبد الحفيظ، وزير الاقتصاد والتخطيط، معطيات ضافية حول مشروع القانون المتعلّق بالموافقة على اتفاقية الضمان المبرمة بتاريخ 12 مارس 2025 بين الجمهورية التونسية والمؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، والمتعلّقة باتفاقية المرابحة المبرمة بين الشركة التونسية للكهرباء والغاز والمؤسسة المذكورة، بمبلغ لا يتجاوز سبعين مليون دولار أمريكي للمساهمة في تمويل استيراد الغاز الطبيعي. وفسّر مزايا عقود المرابحة، وأضاف أن بعض النواب أشاروا إلى أن القرض هو قرض استهلاكي، ولكنه في الحقيقة سيمكن «الستاغ» من إنتاج الكهرباء للاستعمال المنزلي والصناعي.
وتفاعلًا مع ملاحظات النائبة سيرين مرابط حول ما جاء على لسان ممثلي الوزارة الذين تم الاستماع إليهم صلب لجنة المالية والميزانية، أكد الوزير أنه حتى في صورة عدم الحصول على القرض، فإنه لا بد من بذل كل الجهود لتمكين هذه الشركة من الحصول على الموارد اللازمة لتوريد الغاز الطبيعي لإنتاج الكهرباء.
وذكر أنه تم إبرام عقد أهداف بين الدولة التونسية وبين هذه الشركة، وهو يضبط التزامات الطرفين، وتمت الموافقة عليه في شهر نوفمبر 2024 في مجلس وزاري، ويتضمن هذا العقد مؤشرات لمتابعة الوضع، ومنها الاستهلاك النوعي لمحطات الإنتاج، ونسبة الفاقد الطاقي، ونسبة الانقطاعات بالشبكة، ونسبة إدماج الطاقات المتجددة، ونسبة استخلاص الديون المتخلدة لدى الحرفاء، مع إرساء نظام مكافحة الفساد بالإدارة التي تعنى بالمشاريع الكبرى.
وفي ما يخص الهيكلة، أكد أن العمل جارٍ لتطبيق الأمر الرئاسي المتعلّق بضبط مبادئ وتقييم أداء وإعفاء أعضاء مجلس الإدارة، وهناك مؤشر آخر، حسب قوله، يتمثل في بعث هياكل تُعنى بالمشاريع الكبرى مثل مشروع الشبكة الذكية. وأكد أنه سيتم خلال الأشهر القادمة توفير تمويل كبير لهذا البرنامج للنهوض بحوكمة الشركة.
وأضاف الوزير سمير عبد الحفيظ أن بعض النواب أشاروا إلى غياب الاستراتيجيات الواضحة، لكن في الحقيقة توجد العديد من الاستراتيجيات، منها ما يتعلق بالماء، وبالمؤسسات الصغرى والمتوسطة، وبالانتقال الطاقي. وقدّم لنواب الشعب عناصر استراتيجية الانتقال الطاقي وأهدافها، ومنها الرفع من مساهمة إنتاج الكهرباء في المزيج الطاقي إلى 35 بالمائة سنة 2030، وهو هدف طموح جدًا حسب وصفه. كما عدّد الوزير إثر ذلك الإنجازات التي تم القيام بها في إطار نظام اللزمات، وفي هذا الإطار قدّم بسطة حول مشاريع يتم إنجازها في إطار نظام اللزمات بولايات القيروان وتوزر وسيدي بوزيد وقفصة وتطاوين.
وأكد أنه لا يوجد أي تمييز جهوي، وعبّر عن تفهمه لحماس النواب، لكنه نبّه من مخاطر العبارات التي يمكن أن تُثير الفتنة الجهوية، وبيّن أنه يتم بذل كل الجهود لدعم التوازن بين الجهات، وأن كل الجهات معنية بالنمو والتنمية والصحة والتربية والنقل.
وبخصوص مشروع «سرا ورتان» بين الشركة الصينية، أوضح أنها اتصلت بوزارة الاقتصاد وبوزارة الصناعة وبولاية الكاف وطلبت الحصول على رخصة، وأكد أنه عندما يكون الاستثمار مجديًا ويحافظ على سيادة تونس ومواردها الطبيعية، فإنه لا يرى مانعًا في ذلك.
وتعقيبًا على النواب الذين عبّروا عن انزعاجهم من القروض، أشار عبد الحفيظ إلى أنه منذ تسلمه الوزارة، حوّل 12 اتفاقية قرض بقيمة جملية قدرها 2043 مليون دينار، وهي تهم مختلف القطاعات، وعدّد الوزير جميع هذه القروض التي تم عرضها على المجلس النيابي، وذكّر بأنه تم رفض المصادقة على اتفاقية قرض بـ80 مليون يورو تهم المؤسسات الصغرى والمتوسطة، ولكن تلك هي قواعد اللعبة الديمقراطية، حسب قوله.
سعيدة بوهلال