- رؤية نسوية لاعتصام الرحيل.. قصص إنسانية ووجهة نظر للنقاش
في فيلم "النافورة" (La Maison Dorée) - وكان عرضه العالمي الأول خلال الدورة الخامسة والثلاثين لأيام قرطاج السينمائية - تحاور سلمى بكار الراهن التونسي وتعود إلى مرحلة مفصلية ما بعد 2011 وتحديدًا سنة 2013، التي لطخت تاريخ تونس بدماء شهداء السياسة.
فبعد اغتيال شكري بلعيد في 6 فيفري 2013، اغتيل المنسق العام لحزب «التيار الشعبي» النائب محمد البراهمي في 25 جويلية 2013، وهو ما تزامن مع ذكرى عيد الجمهورية، واقترنت هذه الأحداث باعتصام الرحيل، الفضاء الزماني لفيلم سلمى بكار.
في اعتقادنا، تحلت سلمى بكار بشجاعة استثنائية لتقدم على رواية حدث تاريخي معاصر وبرؤية «نسوية»، رغم أن هذه الفترة مازالت قيد الاختلاف والنقاش - كل حسب انتماءاته الأيديولوجية والسياسية والاجتماعية - وخاصة أن مخرجة «النافورة» كانت مشاركة في جانب من هذه الأحداث باعتبارها في ذاك الزمن نائبة بالمجلس الوطني التأسيسي عن «القطب الديمقراطي الحداثي”.
تختلف وجهات نظر الساسة والفاعلين في مكونات المجتمع المدني وحتى المواطنين التونسيين ممّن شاركوا في اعتصام الرحيل، وهذا يثقل مسؤولية سلمى بكار على مستوى طرحها الفكري لهذا الحدث المعاصر. غير أن رائدة السينما التونسية لم تخش «السجال» وحكت قصتها بأسلوب يغوص في عوالم الذات ويبحث في الإنساني.
ثلاث نساء يتخبطن في معترك الحياة والسياسة، تجمعهن الانكسارات والأزمات والأحلام رغم اختلاف خلفياتهن الثقافية والاجتماعية والعمرية (مناضلة يسارية تعاني مشاكل زوجية، بائعة هوى مصابة بالسيدا، وشابة تصارع براثن التطرف)، يجدن في اعتصام الرحيل متنفسًا لأرواحهن المعذبة.
كنا نأمل أن يكون أداء بطلات العمل أكثر تناغمًا (ريم الرياحي، أميرة درويش، رنيم علياني)، ولعل تغيير الكاستينغ وتعدد الترشيحات أثر على تناغم أداء شخوصه، وليس ظلما لممثلي التلفزيون. إلا أن هذا الفيلم ذا البعد التوثيقي والتاريخي في جانب منه كان في حاجة لأسماء «غير مستهلكة» تلفزيونيًا، وتحمل في الآن نفسه سمات الأداء السينمائي والرؤية والفكر السياسي المتماهي مع مضمون «النافورة»، حتى يكون أكثر مصداقية.
لعل بعض الأصوات ترفض تصنيف الممثل تلفزيونيًا كان أو سينمائيًا، وهذا منطقي على عدة أصعدة، إلا أن بعض الأفلام تفرض الاستثناء حتى تحقق غاية تنفيذها وتثمن سرديتها. وهذه الأعمال تكون بعيدة عن السينما التجارية، وفي حاجة لاسم له ثقل سينمائي ويتمتع بالكاريزما والفكر القادرين على الإضافة للعمل.
في «النافورة»، يتماهي الذاتي مع الموضوعي، وتتمازج تقنيات التوثيق مع جماليات الرواية (الفيلم من كتابة سلمى بكار وآمنة الرميلي).
ولعل تجربة سلمى بكار السياسية كان أثرها واضحًا على فيلمها السينمائي الأحدث «النافورة»، مقارنة بأعمالها السينمائية السابقة. تبحث سلمى بكار في السينما عن التغيير، خذلتها السياسة، لكن الفن ظل ملجأها للحلم. ذاك الوطن جسدته نساء «النافورة» في فندق يدعى “La Maison Dorée”، بما يحمله من تناقضات وأوجاع وانتماء قد تخفيه أحيانًا الخلافات والمصالح. ومع ذلك، يطفو في اللحظات الحاسمة على السطح.
اختلافنا أو اتفاقنا مع خيارات سلمى بكار في تجربتها السينمائية الأحدث «النافورة» ورؤيتها لحدث تاريخي مفصلي أثر عميقًا في مسار البلاد السياسي، لا يلغي أهمية هذا الفيلم الذي منحنا مساحة للتفاعل والنقاش، ودفعنا لإعادة قراءة هذه المرحلة من تاريخ تونس، وهي فترة زمنية في حاجة لعدد أكبر من الأعمال السينمائية الروائية منها والوثائقية.
للتذكير، فإن فيلم «النافورة» سيكون في قاعات السينما التونسية بداية من 15 جانفي الحالي، وهو من بطولة ريم الرياحي، أميرة درويش، رنيم علياني، محمد حسين قريع، خالد هويسة، علي بنور، ماري جو تامباريلو، أيمن مبروك ومحمد الكرموسي.
وكان آخر أعمال سلمى بكار «الجايدة» قد حقق أرقامًا قياسية على مستوى الإقبال الجماهيري. سلمى بكار واحدة من أهم صانعات الأفلام عربيًا وأفريقيًا، فهي من رائدات هذا المجال في المنطقة، وهي أول منتجة تونسية تمتلك شركة إنتاج خاصة سنة 1989. ومن أفلامها «خشخاش»، «رقصة النار» و»فاطمة 75”.
نجلاء قموع
- رؤية نسوية لاعتصام الرحيل.. قصص إنسانية ووجهة نظر للنقاش
في فيلم "النافورة" (La Maison Dorée) - وكان عرضه العالمي الأول خلال الدورة الخامسة والثلاثين لأيام قرطاج السينمائية - تحاور سلمى بكار الراهن التونسي وتعود إلى مرحلة مفصلية ما بعد 2011 وتحديدًا سنة 2013، التي لطخت تاريخ تونس بدماء شهداء السياسة.
فبعد اغتيال شكري بلعيد في 6 فيفري 2013، اغتيل المنسق العام لحزب «التيار الشعبي» النائب محمد البراهمي في 25 جويلية 2013، وهو ما تزامن مع ذكرى عيد الجمهورية، واقترنت هذه الأحداث باعتصام الرحيل، الفضاء الزماني لفيلم سلمى بكار.
في اعتقادنا، تحلت سلمى بكار بشجاعة استثنائية لتقدم على رواية حدث تاريخي معاصر وبرؤية «نسوية»، رغم أن هذه الفترة مازالت قيد الاختلاف والنقاش - كل حسب انتماءاته الأيديولوجية والسياسية والاجتماعية - وخاصة أن مخرجة «النافورة» كانت مشاركة في جانب من هذه الأحداث باعتبارها في ذاك الزمن نائبة بالمجلس الوطني التأسيسي عن «القطب الديمقراطي الحداثي”.
تختلف وجهات نظر الساسة والفاعلين في مكونات المجتمع المدني وحتى المواطنين التونسيين ممّن شاركوا في اعتصام الرحيل، وهذا يثقل مسؤولية سلمى بكار على مستوى طرحها الفكري لهذا الحدث المعاصر. غير أن رائدة السينما التونسية لم تخش «السجال» وحكت قصتها بأسلوب يغوص في عوالم الذات ويبحث في الإنساني.
ثلاث نساء يتخبطن في معترك الحياة والسياسة، تجمعهن الانكسارات والأزمات والأحلام رغم اختلاف خلفياتهن الثقافية والاجتماعية والعمرية (مناضلة يسارية تعاني مشاكل زوجية، بائعة هوى مصابة بالسيدا، وشابة تصارع براثن التطرف)، يجدن في اعتصام الرحيل متنفسًا لأرواحهن المعذبة.
كنا نأمل أن يكون أداء بطلات العمل أكثر تناغمًا (ريم الرياحي، أميرة درويش، رنيم علياني)، ولعل تغيير الكاستينغ وتعدد الترشيحات أثر على تناغم أداء شخوصه، وليس ظلما لممثلي التلفزيون. إلا أن هذا الفيلم ذا البعد التوثيقي والتاريخي في جانب منه كان في حاجة لأسماء «غير مستهلكة» تلفزيونيًا، وتحمل في الآن نفسه سمات الأداء السينمائي والرؤية والفكر السياسي المتماهي مع مضمون «النافورة»، حتى يكون أكثر مصداقية.
لعل بعض الأصوات ترفض تصنيف الممثل تلفزيونيًا كان أو سينمائيًا، وهذا منطقي على عدة أصعدة، إلا أن بعض الأفلام تفرض الاستثناء حتى تحقق غاية تنفيذها وتثمن سرديتها. وهذه الأعمال تكون بعيدة عن السينما التجارية، وفي حاجة لاسم له ثقل سينمائي ويتمتع بالكاريزما والفكر القادرين على الإضافة للعمل.
في «النافورة»، يتماهي الذاتي مع الموضوعي، وتتمازج تقنيات التوثيق مع جماليات الرواية (الفيلم من كتابة سلمى بكار وآمنة الرميلي).
ولعل تجربة سلمى بكار السياسية كان أثرها واضحًا على فيلمها السينمائي الأحدث «النافورة»، مقارنة بأعمالها السينمائية السابقة. تبحث سلمى بكار في السينما عن التغيير، خذلتها السياسة، لكن الفن ظل ملجأها للحلم. ذاك الوطن جسدته نساء «النافورة» في فندق يدعى “La Maison Dorée”، بما يحمله من تناقضات وأوجاع وانتماء قد تخفيه أحيانًا الخلافات والمصالح. ومع ذلك، يطفو في اللحظات الحاسمة على السطح.
اختلافنا أو اتفاقنا مع خيارات سلمى بكار في تجربتها السينمائية الأحدث «النافورة» ورؤيتها لحدث تاريخي مفصلي أثر عميقًا في مسار البلاد السياسي، لا يلغي أهمية هذا الفيلم الذي منحنا مساحة للتفاعل والنقاش، ودفعنا لإعادة قراءة هذه المرحلة من تاريخ تونس، وهي فترة زمنية في حاجة لعدد أكبر من الأعمال السينمائية الروائية منها والوثائقية.
للتذكير، فإن فيلم «النافورة» سيكون في قاعات السينما التونسية بداية من 15 جانفي الحالي، وهو من بطولة ريم الرياحي، أميرة درويش، رنيم علياني، محمد حسين قريع، خالد هويسة، علي بنور، ماري جو تامباريلو، أيمن مبروك ومحمد الكرموسي.
وكان آخر أعمال سلمى بكار «الجايدة» قد حقق أرقامًا قياسية على مستوى الإقبال الجماهيري. سلمى بكار واحدة من أهم صانعات الأفلام عربيًا وأفريقيًا، فهي من رائدات هذا المجال في المنطقة، وهي أول منتجة تونسية تمتلك شركة إنتاج خاصة سنة 1989. ومن أفلامها «خشخاش»، «رقصة النار» و»فاطمة 75”.