إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بعد سقوط نظام حكم بشار الأسد أي مستقبل لسوريا: الانهيار

بقلم: نوفل سلامة (*)

يوما بعد يوم يتأكد أن الوضع في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد بعد خمسين سنة من حكم عائلته معقد للغاية لوجود جهات أجنبية مؤثرة وأثرت بقوة في الصراع السوري ولعبت أدوارا معلنة وخفية فيما حصل من انهيار سريع للسلطة ولاعبين إقليميين سهلوا السقوط وساعدوا على سيطرت "هيئة تحرير الشام" وسهلوا عملية أن تكون ممثلة لكافة الفصائل المعارضة المعادية لبشار الأسد سواء كانت فصائل عربية أو كردية وعلى تقديم أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع ) قائدا مستقبليا لسوريا وسوقوا له إعلاميا على أنه شخصية معتدلة قادرة على إدارة سوريا.

وهذا التعقيد وهذا التركيب الذي عليه الوضع العام في سوريا يجعل من الصعوبة بمكان تكوين موقف واضح ونهائي مما يحدث من تطورات متسارعة في سوريا خاصة فيما يتعلق بمستقبل هذا البلد أو كما يقول سياسيا وإعلاميا معرفة "مصير اليوم الثاني" لأفول نظام الحكم وهو بهذا التنوع الاثني الموجود وهذه الفصائل المتحالفة اليوم ولكن لا ندري كيف ستتعامل في المستقبل بعد أن تهدأ الأوضاع وتبرز الطموحات وتطفو المصالح الذاتية.

فلو تركنا جانبا الاتفاق الحاصل عند الجميع حول إدانة حكم بشار الأسد وعائلته فيما يتعلق بملف حقوق الانسان وملف التعذيب الذي تعرض له معارضوه السياسيين وحتى من المواطنين العاديين وما يحصل في سجون نظامه من تعذيب فاق الخيال حتى وصل إلى حالة من التفنن فيه لم يسلم منه أحد لا رجل ولا امرأة ولا شيخ وانتفت فيه أبسط قواعد المعاملة الإنسانية المتعارف عليها للآدميين حتى وصل هذا النظام البعثي العلوي إلى قمة البشاعة بل تجاوزها إلى مستويات لا نجد لها مصطلحا أو عبارة للوصف لفداحة ما حصل في سجونه وقد كشفت عنها الصور التي بدأت وسائل الاعلام تبثها من سجونه الأرضية والأقبية السرية معبرة عن سنوات الجمر والرعب والتنكيل التي عاناها الآلاف من السوريين في هذه السجون .

اذا تركنا مسألة دموية نظام بشار الأسد والتفتنا إلى الوضع السياسي بعد هروب بشار الأسد إلى روسيا بتلك الطريقة التي لم يعلم بها أحد حتى من أقرب أقربائه من العائلة أو من رجال نظامه المخلصين وتأملنا في العملية السياسية التي بدأ الإعداد لها لسوريا المستقبل وبدأت تتشكل فإن الغموض يزداد والشعور بتعقيد الوضع يتسع خاصة وأن المؤشرات الأولى المرتبطة بعملية الترتيبات لما بعد حكم الأسد وما أعلن عنه من تشكل حكومة انتقالية برئاسة محمد البشير سوف تتولى الأمور إلى حدود شهر مارس من العام المقبل من دون الإعلان عن خارطة طريق سياسية بإجراءات ومواعيد وقرارات واضحة يطرح أكثر من سؤال حول من يحكم سوريا اليوم؟ ومن يدير العملية السياسية في سوريا؟ هل هي فصائل المعارضة وما وضعته من برنامج لا نعلمه؟ أم جهات أخرى أجنبية وإقليمية لها مشروع لسوريا هو الاخر غير معلن؟

نقول هذا الكلام لسبب بسيط وهو أن الطريقة التي سقط بها نظام الأسد وعملية الانهيار السريع لحكم "حزب البعث" المدعوم عسكريا من روسيا وإيران و"حزب الله" اللبناني وهي القوى التي لم تتدخل هذه المرة لإسناد النظام السوري واكتفت بالمراقبة وما رافق ذلك من دخول فصائل المعارضة المسلحة بقيادة "هيئة تحرير الشام" وزعيمها محمد الجولاني بكل ذلك الهدوء الذي لم يصحبه لا قتل ولا حرق ولا تشفي ولا أعمال نهب وسرقة ولا انتقام من رموز النظام القديم، يقدم إشارة على أن الأمر مرتب بدقة وأن هناك ترتيبا متفقا عليه بين المعارضة والقوات المسلحة من جانب والجهات الأخرى المشرفة على كل العملية.

وهذا الكلام يحيلنا إلى قرار عملية تكليف محمد البشير على رأس الحكومة الانتقالية لمدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر من دون الإعلان عن الخطوات الموالية لهذا التكليف الذي لم تعترض عليه أية جهة سواء كانت داخلية أو إقليمية أو دولية، والملفت أنه لم ترافقها خطوات أخرى مثل الإعلان عن تشكيل هيئة لصياغة دستور جديد لسوريا أو الاتفاق حول نظام الحكم وشكله أو حديث حول تنظيم وضع الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية ووضع الاعلام كما هو الوضع الطبيعي في بلد عرف ثورة وعملية انهاء نظام حكم استبدادي.

يبدو أن التفسير الأول لكل هذه الأسئلة حول طبيعة المرحلة القادمة يذهب إلى أن سوريا وضعها مختلف عن وضع كل البلدان التي حصلت بها ثورة من حيث الفاعلين فيها ومن حيث الرهانات الداخلية والإقليمية والعالمية ومن حيث قدرة الفاعلين الداخلين على التأثير خاصة إذا علمنا أن المؤثر في سوريا ليست النقابات العمالية ولا الأحزاب السياسية ولا جمعيات المجتمع المدني ولا الطبقة المثقفة العلمانية الحداثية التقدمية ولا الجهاز الإعلامي المرتهن للخارج أو للأحزاب السياسية أو للوبيات المال والإعلام فكل هذه التركيبة إما أنها غير موجودة أو أن تأثيرها ضئيل أو منعدم وهذا في رأي بعض المحللين سوف يسهل عملية البناء والتأسيس الجديد لسوريا من دون أن تعرف تجاذبات وصراعات حزبية أو سياسية قد تؤثر على مسار الثورة ما يؤدي إلى افشالها أو التلاعب بها كما حصل في كل ثورات الربيع العربي.

المختلف في الوضع السوري أن عملية اسقاط النظام وعملية تولي إدارة الحكم والاعداد للمرحلة المقبلة لم تتخذ نفس الطريق التي سارت عليه ثورات الربيع العربي التي حصلت في سنة 2011 وما تلاها وتجنبت نهج هذه الثورات من حيث طبيعة المرحلة الانتقالية والانتقال من الوضع الاستبدادي إلى الوضع الديمقراطي ومن دولة الرجل الواحد إلى دولة كل الشعب ومن نظام يقوم على التعذيب والانفراد بالثروة إلى نظام يقوم على احترام الانسان والعدالة الاجتماعية وتوزيع خيرات البلاد بالتساوي فلم نشهد أي إعلان عن تشكل لجان أو هيئات يجلب لها شخصيات من مشارب أيديولوجية مختلفة تكون عادة مستقرة في بلدان أوروبية مستقلة أو حزبية يعهد إليها صياغة تصورات لمواضيع وقضايا مختلفة من تشريع وعدالة انتقالية ومحاسبة رموز النظام السابق ودستور واعلام وغيرها في عملية تشاركية لإدارة الحكم في المستقبل حتى لا ينفرد أي طرف بالحكم كما قالت الثورة التونسية.

هذا التمشي تخلت عليه الثورة السورية وتجنبه من بيده صناعة القرار وتشكيل المستقبل وارتأت لسوريا الجديدة طريقا مختلفا تم ترتيبه بكل دقة وعناية وحرفية حتى لا تسقط الثورة السورية فيما سقطت فيه كل الثورات العربية الأخرى من فوضى وانحراف عن أهدافها وعودة للنظام القديم ومن ردة وحنين للقديم ومن تحرك معاول الفشل التي عادة ما تكون وراءها الثورة المضادة.

الأكيد أن مستقبل سوريا لن يكون كمستقبل كل الدول التي عرفت ثورات على حكامها المستبدين لاختلاف المنطلقات والأهداف والتصورات وللاستفادة من دروس فشل الثورات السابقة.

 

 

 

بعد سقوط نظام حكم بشار الأسد أي مستقبل لسوريا: الانهيار

بقلم: نوفل سلامة (*)

يوما بعد يوم يتأكد أن الوضع في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد بعد خمسين سنة من حكم عائلته معقد للغاية لوجود جهات أجنبية مؤثرة وأثرت بقوة في الصراع السوري ولعبت أدوارا معلنة وخفية فيما حصل من انهيار سريع للسلطة ولاعبين إقليميين سهلوا السقوط وساعدوا على سيطرت "هيئة تحرير الشام" وسهلوا عملية أن تكون ممثلة لكافة الفصائل المعارضة المعادية لبشار الأسد سواء كانت فصائل عربية أو كردية وعلى تقديم أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع ) قائدا مستقبليا لسوريا وسوقوا له إعلاميا على أنه شخصية معتدلة قادرة على إدارة سوريا.

وهذا التعقيد وهذا التركيب الذي عليه الوضع العام في سوريا يجعل من الصعوبة بمكان تكوين موقف واضح ونهائي مما يحدث من تطورات متسارعة في سوريا خاصة فيما يتعلق بمستقبل هذا البلد أو كما يقول سياسيا وإعلاميا معرفة "مصير اليوم الثاني" لأفول نظام الحكم وهو بهذا التنوع الاثني الموجود وهذه الفصائل المتحالفة اليوم ولكن لا ندري كيف ستتعامل في المستقبل بعد أن تهدأ الأوضاع وتبرز الطموحات وتطفو المصالح الذاتية.

فلو تركنا جانبا الاتفاق الحاصل عند الجميع حول إدانة حكم بشار الأسد وعائلته فيما يتعلق بملف حقوق الانسان وملف التعذيب الذي تعرض له معارضوه السياسيين وحتى من المواطنين العاديين وما يحصل في سجون نظامه من تعذيب فاق الخيال حتى وصل إلى حالة من التفنن فيه لم يسلم منه أحد لا رجل ولا امرأة ولا شيخ وانتفت فيه أبسط قواعد المعاملة الإنسانية المتعارف عليها للآدميين حتى وصل هذا النظام البعثي العلوي إلى قمة البشاعة بل تجاوزها إلى مستويات لا نجد لها مصطلحا أو عبارة للوصف لفداحة ما حصل في سجونه وقد كشفت عنها الصور التي بدأت وسائل الاعلام تبثها من سجونه الأرضية والأقبية السرية معبرة عن سنوات الجمر والرعب والتنكيل التي عاناها الآلاف من السوريين في هذه السجون .

اذا تركنا مسألة دموية نظام بشار الأسد والتفتنا إلى الوضع السياسي بعد هروب بشار الأسد إلى روسيا بتلك الطريقة التي لم يعلم بها أحد حتى من أقرب أقربائه من العائلة أو من رجال نظامه المخلصين وتأملنا في العملية السياسية التي بدأ الإعداد لها لسوريا المستقبل وبدأت تتشكل فإن الغموض يزداد والشعور بتعقيد الوضع يتسع خاصة وأن المؤشرات الأولى المرتبطة بعملية الترتيبات لما بعد حكم الأسد وما أعلن عنه من تشكل حكومة انتقالية برئاسة محمد البشير سوف تتولى الأمور إلى حدود شهر مارس من العام المقبل من دون الإعلان عن خارطة طريق سياسية بإجراءات ومواعيد وقرارات واضحة يطرح أكثر من سؤال حول من يحكم سوريا اليوم؟ ومن يدير العملية السياسية في سوريا؟ هل هي فصائل المعارضة وما وضعته من برنامج لا نعلمه؟ أم جهات أخرى أجنبية وإقليمية لها مشروع لسوريا هو الاخر غير معلن؟

نقول هذا الكلام لسبب بسيط وهو أن الطريقة التي سقط بها نظام الأسد وعملية الانهيار السريع لحكم "حزب البعث" المدعوم عسكريا من روسيا وإيران و"حزب الله" اللبناني وهي القوى التي لم تتدخل هذه المرة لإسناد النظام السوري واكتفت بالمراقبة وما رافق ذلك من دخول فصائل المعارضة المسلحة بقيادة "هيئة تحرير الشام" وزعيمها محمد الجولاني بكل ذلك الهدوء الذي لم يصحبه لا قتل ولا حرق ولا تشفي ولا أعمال نهب وسرقة ولا انتقام من رموز النظام القديم، يقدم إشارة على أن الأمر مرتب بدقة وأن هناك ترتيبا متفقا عليه بين المعارضة والقوات المسلحة من جانب والجهات الأخرى المشرفة على كل العملية.

وهذا الكلام يحيلنا إلى قرار عملية تكليف محمد البشير على رأس الحكومة الانتقالية لمدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر من دون الإعلان عن الخطوات الموالية لهذا التكليف الذي لم تعترض عليه أية جهة سواء كانت داخلية أو إقليمية أو دولية، والملفت أنه لم ترافقها خطوات أخرى مثل الإعلان عن تشكيل هيئة لصياغة دستور جديد لسوريا أو الاتفاق حول نظام الحكم وشكله أو حديث حول تنظيم وضع الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية ووضع الاعلام كما هو الوضع الطبيعي في بلد عرف ثورة وعملية انهاء نظام حكم استبدادي.

يبدو أن التفسير الأول لكل هذه الأسئلة حول طبيعة المرحلة القادمة يذهب إلى أن سوريا وضعها مختلف عن وضع كل البلدان التي حصلت بها ثورة من حيث الفاعلين فيها ومن حيث الرهانات الداخلية والإقليمية والعالمية ومن حيث قدرة الفاعلين الداخلين على التأثير خاصة إذا علمنا أن المؤثر في سوريا ليست النقابات العمالية ولا الأحزاب السياسية ولا جمعيات المجتمع المدني ولا الطبقة المثقفة العلمانية الحداثية التقدمية ولا الجهاز الإعلامي المرتهن للخارج أو للأحزاب السياسية أو للوبيات المال والإعلام فكل هذه التركيبة إما أنها غير موجودة أو أن تأثيرها ضئيل أو منعدم وهذا في رأي بعض المحللين سوف يسهل عملية البناء والتأسيس الجديد لسوريا من دون أن تعرف تجاذبات وصراعات حزبية أو سياسية قد تؤثر على مسار الثورة ما يؤدي إلى افشالها أو التلاعب بها كما حصل في كل ثورات الربيع العربي.

المختلف في الوضع السوري أن عملية اسقاط النظام وعملية تولي إدارة الحكم والاعداد للمرحلة المقبلة لم تتخذ نفس الطريق التي سارت عليه ثورات الربيع العربي التي حصلت في سنة 2011 وما تلاها وتجنبت نهج هذه الثورات من حيث طبيعة المرحلة الانتقالية والانتقال من الوضع الاستبدادي إلى الوضع الديمقراطي ومن دولة الرجل الواحد إلى دولة كل الشعب ومن نظام يقوم على التعذيب والانفراد بالثروة إلى نظام يقوم على احترام الانسان والعدالة الاجتماعية وتوزيع خيرات البلاد بالتساوي فلم نشهد أي إعلان عن تشكل لجان أو هيئات يجلب لها شخصيات من مشارب أيديولوجية مختلفة تكون عادة مستقرة في بلدان أوروبية مستقلة أو حزبية يعهد إليها صياغة تصورات لمواضيع وقضايا مختلفة من تشريع وعدالة انتقالية ومحاسبة رموز النظام السابق ودستور واعلام وغيرها في عملية تشاركية لإدارة الحكم في المستقبل حتى لا ينفرد أي طرف بالحكم كما قالت الثورة التونسية.

هذا التمشي تخلت عليه الثورة السورية وتجنبه من بيده صناعة القرار وتشكيل المستقبل وارتأت لسوريا الجديدة طريقا مختلفا تم ترتيبه بكل دقة وعناية وحرفية حتى لا تسقط الثورة السورية فيما سقطت فيه كل الثورات العربية الأخرى من فوضى وانحراف عن أهدافها وعودة للنظام القديم ومن ردة وحنين للقديم ومن تحرك معاول الفشل التي عادة ما تكون وراءها الثورة المضادة.

الأكيد أن مستقبل سوريا لن يكون كمستقبل كل الدول التي عرفت ثورات على حكامها المستبدين لاختلاف المنطلقات والأهداف والتصورات وللاستفادة من دروس فشل الثورات السابقة.