إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

افتتاحية "الصباح".. نماذج تفتح أبواب الأمل

 

بعيدا عن الأخبار المحبطة والصور القاتمة، والمشاهد البائسة للانحرافات والتجاوزات، والممارسات والسلوكيات المرفوضة، التي نعيش على وقعها يوميا، تشهد بلادنا مبادرات منعشة ونجاحات متنوعة، وابتكارات في مختلف القطاعات، ومبادرات تطوعية ومشاريع اجتماعية وخيرية تنبض إنسانية، وتعكس المبادئ الأخلاقية وتتحلى بالمسؤولية إيمانا بالمصلحة الوطنية، في صور ناصعة ومشرقة، يمكن الاستلهام منها والبناء عليها، في مواجهة الظواهر السلبية والآفات الاجتماعية.

وفي الوقت الذي تتواصل فيه مكافحة الفساد وملاحقة المفسدين وضرب المحتكرين، وكشف اللوبيات وتعرية المتورطين في التعطيل والجذب إلى الوراء، تنسج فئة أخرى صفحات ناصعة مليئة بالتضحية والعطاء، تقدم من خلالها مثالا في التشبع بالقيم النبيلة، والمساعدة والدعم من أجل النهوض بالوطن، والفرق واضح والبون شاسع، بين جشع المضاربين، الذين تجند الدولة، من أجل ملاحقتهم، المئات من فرق الأجهزة الرقابية والوحدات الأمنية، وبين مساهمة عشرات رجال الأعمال في بناء مدارس، وصيانة معاهد، وتهيئة طرقات، وتبرع مئات المواطنين بقطع أراض من أجل المصلحة العامة، في مبادرات مجتمعية نوعية.

صحيح أننا في مجتمع يعيش على وقع هذه المتناقضات، لكن واجهة "السواد"، لا يمكن البتة أن تخفي تلك الواجهة المميزة و"الناصعة"، التي تنطق إيجابية، وتبعث على الأمل في مستقبل أفضل، صحيح أيضا أننا صُدمنا على مدى الأيام الماضية، بحجم الاعتداءات على المربين، التي تطرح فعلا الكثير من الاستفهامات، وتدعو إلى دق نواقيس الخطر، للتحرك في مختلف الاتجاهات، لكننا عشنا في نفس الوقت، على إيقاع حفلات تكريم لعشرات المربين من أساتذة ومعلمين، اختلطت فيها مشاعر الاعتراف بالجميل والتقدير بالدموع، في مشاهد منعشة لن تلفظها الذاكرة.

ومما لاشك فيه أن هذه المظاهر السلبية وغيرها، التي غالبا ما تثير جدلا وتصنع ضجيجا، لا تخفي أيضا النجاحات في عديد القطاعات، ولاسيما الانجازات الطبية المتواترة التي تعكس قيمة الكفاءات التونسية، آخرها نجاح فريق طبي بقسم القلب بمستشفى الرابطة في استئصال الارتجاف الأذيني عبر التقنية الحديثة "فارابولس"، وهو ما يعد إنجازا طبيا الأول من نوعه في شمال إفريقيا، أما ابتكارات المبدعين التونسيين فإنها متنوعة، ولا تحصى ولا تعد، ولعل آخرها ابتكارات المشاركين التونسيين في "قمة الويب" بالبرتغال، التي برزت بأفكار جديّة ومتفرّدة بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، مما يعكس قيمة العقول التونسية.

وفي ظل هذا الوضع، الذي تطغى فيه الإثارة والسطحية على المبادرات المجتمعية النفعية، التي توجه جهودها للصالح العام، خدمة للوطن من أي موقع كان، وجب تثمين المبادرات التطوعية الخيرية والإنسانية، لاسيما أن أغلب رجال أعمالنا تكاد تكون اهتماماتهم تجارية وربحية، ونجومنا الكروية آخر ما يعنيها اللفتات الخيرية، أما فنانونا فإنهم لا يعترفون إلا بـ"نفخ" أرصدتهم المالية، ولا تحركهم مبادرات تطوعية ولا حملات خيرية.

ويبدو أن المطلوب اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، تجند الجميع، بعيدا عن كل الحساسيات السياسية والفئوية والنعرات الجهوية، من أجل مواجهة الظواهر السلبية والانحرافات السلوكية، التي أصبحت تهدد النسيج المجتمعي، ولن تنجح كل الجهود دون حملات توعوية وتحسيسية، مع ضرورة "استنفار" مختلف الأجهزة الرقابية، لرصد كل التجاوزات، والضرب بقوة على أيادي العابثين والمستهترين، كما أن هذه المرحلة الحساسة تقتضي أن يلعب الإعلام دوره المحوري، ليس في التوعية والتحسيس فقط، وإنما كذلك عبر تثمين مختلف المبادرات التطوعية وتسليط الضوء على كل الجهود الخيرية واللفتات الإنسانية، حتى يكون أصحابها قدوة في العطاء، وأنموذجا في المساهمة في بناء الوطن.

مبادرات لابد أن يكون منطلقها الشعور بالمسؤولية، ومحركها الروح الوطنية، حتى تفتح نوافذ الأمل، وتكون لغايات إنسانية بعيدا عن "التبييض" والتلميع والحسابات السياسية.

محمد صالح الربعاوي

 

 

 

 

بعيدا عن الأخبار المحبطة والصور القاتمة، والمشاهد البائسة للانحرافات والتجاوزات، والممارسات والسلوكيات المرفوضة، التي نعيش على وقعها يوميا، تشهد بلادنا مبادرات منعشة ونجاحات متنوعة، وابتكارات في مختلف القطاعات، ومبادرات تطوعية ومشاريع اجتماعية وخيرية تنبض إنسانية، وتعكس المبادئ الأخلاقية وتتحلى بالمسؤولية إيمانا بالمصلحة الوطنية، في صور ناصعة ومشرقة، يمكن الاستلهام منها والبناء عليها، في مواجهة الظواهر السلبية والآفات الاجتماعية.

وفي الوقت الذي تتواصل فيه مكافحة الفساد وملاحقة المفسدين وضرب المحتكرين، وكشف اللوبيات وتعرية المتورطين في التعطيل والجذب إلى الوراء، تنسج فئة أخرى صفحات ناصعة مليئة بالتضحية والعطاء، تقدم من خلالها مثالا في التشبع بالقيم النبيلة، والمساعدة والدعم من أجل النهوض بالوطن، والفرق واضح والبون شاسع، بين جشع المضاربين، الذين تجند الدولة، من أجل ملاحقتهم، المئات من فرق الأجهزة الرقابية والوحدات الأمنية، وبين مساهمة عشرات رجال الأعمال في بناء مدارس، وصيانة معاهد، وتهيئة طرقات، وتبرع مئات المواطنين بقطع أراض من أجل المصلحة العامة، في مبادرات مجتمعية نوعية.

صحيح أننا في مجتمع يعيش على وقع هذه المتناقضات، لكن واجهة "السواد"، لا يمكن البتة أن تخفي تلك الواجهة المميزة و"الناصعة"، التي تنطق إيجابية، وتبعث على الأمل في مستقبل أفضل، صحيح أيضا أننا صُدمنا على مدى الأيام الماضية، بحجم الاعتداءات على المربين، التي تطرح فعلا الكثير من الاستفهامات، وتدعو إلى دق نواقيس الخطر، للتحرك في مختلف الاتجاهات، لكننا عشنا في نفس الوقت، على إيقاع حفلات تكريم لعشرات المربين من أساتذة ومعلمين، اختلطت فيها مشاعر الاعتراف بالجميل والتقدير بالدموع، في مشاهد منعشة لن تلفظها الذاكرة.

ومما لاشك فيه أن هذه المظاهر السلبية وغيرها، التي غالبا ما تثير جدلا وتصنع ضجيجا، لا تخفي أيضا النجاحات في عديد القطاعات، ولاسيما الانجازات الطبية المتواترة التي تعكس قيمة الكفاءات التونسية، آخرها نجاح فريق طبي بقسم القلب بمستشفى الرابطة في استئصال الارتجاف الأذيني عبر التقنية الحديثة "فارابولس"، وهو ما يعد إنجازا طبيا الأول من نوعه في شمال إفريقيا، أما ابتكارات المبدعين التونسيين فإنها متنوعة، ولا تحصى ولا تعد، ولعل آخرها ابتكارات المشاركين التونسيين في "قمة الويب" بالبرتغال، التي برزت بأفكار جديّة ومتفرّدة بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، مما يعكس قيمة العقول التونسية.

وفي ظل هذا الوضع، الذي تطغى فيه الإثارة والسطحية على المبادرات المجتمعية النفعية، التي توجه جهودها للصالح العام، خدمة للوطن من أي موقع كان، وجب تثمين المبادرات التطوعية الخيرية والإنسانية، لاسيما أن أغلب رجال أعمالنا تكاد تكون اهتماماتهم تجارية وربحية، ونجومنا الكروية آخر ما يعنيها اللفتات الخيرية، أما فنانونا فإنهم لا يعترفون إلا بـ"نفخ" أرصدتهم المالية، ولا تحركهم مبادرات تطوعية ولا حملات خيرية.

ويبدو أن المطلوب اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، تجند الجميع، بعيدا عن كل الحساسيات السياسية والفئوية والنعرات الجهوية، من أجل مواجهة الظواهر السلبية والانحرافات السلوكية، التي أصبحت تهدد النسيج المجتمعي، ولن تنجح كل الجهود دون حملات توعوية وتحسيسية، مع ضرورة "استنفار" مختلف الأجهزة الرقابية، لرصد كل التجاوزات، والضرب بقوة على أيادي العابثين والمستهترين، كما أن هذه المرحلة الحساسة تقتضي أن يلعب الإعلام دوره المحوري، ليس في التوعية والتحسيس فقط، وإنما كذلك عبر تثمين مختلف المبادرات التطوعية وتسليط الضوء على كل الجهود الخيرية واللفتات الإنسانية، حتى يكون أصحابها قدوة في العطاء، وأنموذجا في المساهمة في بناء الوطن.

مبادرات لابد أن يكون منطلقها الشعور بالمسؤولية، ومحركها الروح الوطنية، حتى تفتح نوافذ الأمل، وتكون لغايات إنسانية بعيدا عن "التبييض" والتلميع والحسابات السياسية.

محمد صالح الربعاوي