نعيش هذه الأيام على وقع إحياء الذكرى الثانية والسبعين لاغتيال الزعيم الرمز الخالد الذكر فرحات حشاد وقد أتت باهتة كعادتها لا جديد يذكر بل كل ما فيها قديم يُعاد. فما أشبه بياناتنا ووقفاتنا الاحتجاجية واعتصاماتنا في هذه المناسبة بتلك التي شهدناها في إحياء ذكرى اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهي وبقية الشهداء الذين طالتهم يد الغدر الجبانة، من جنودنا البواسل والرعاة العزل الذين ذبحوا من الوريد إلى الوريد في ليلة من ليالي شهر رمضان، أو ذكرى وفاة العاملات الفلاحيات من ضحايا النقل الريفي، أو ذكرى تأسيس أيام قرطاج السينيمائية والمسرحية وغيرها من التظاهرات التي مرّ عليها حين من الدهر.
طوبى لكم وألف شكر وتحية. تاريخنا كله محن وأيامنا كلها وقوف على الأطلال. لكم زاد هائل من "سين" و"سوف" و"إننا لعائدون" و"إننا لمنتصرون"(1). ولم لا وأنتم الثوار أمام المصادح وفوق المنصات وفي الاستديوهات؟ إننا لا نتجنى على أحد لو قلنا إنه لو حذفت التواريخ من البيانات وعوضت بتاريخ الأمس أو اليوم أو الغد لما تغير شيئ.لو غيبنا الإطار الزماني والمكاني لخطب المسؤولين في الاتحاد العام التونسي للشغل مركزيا وجهويا ومحليا لوجدناها متطابقة فيما قيل من كلام ووعود وتهديدات منذ عقود. وظل الكلام بالكلام دون فعال.ويتواصل البون شاسعا بين ما تسمعه الشغيلة بالفكر والساعد وبين ما ترنو إليه وتطمح إلى تحقيقه ليخلصها من عذابات اليومي من تدهور للمقدرة الشرائية واستغلال فاحش لسواعدها التي كلت وتعبت دون أن تكافأ بتحسن ظروفها المادية والمعنوية.
لم تستجب القيادة النقابية لمطالب العمال والعاملات على جميع الأصعدة. ووقف الشغالون والشغالات على حقائق مرة وصادمة إذ أثبتت هياكلهم النقابية على اختلاف مستوياتها أنها في شأن يغنيها وقد تاهت في صراعات لا تخدم إلا مصالحها الفئوية الضيقة متناسية مبادئ مؤسّسي قلعة حشاد ومن ساروا على خطاهم ومبادئهم. لقد تبين يوما بعد يوم أن المسؤول النقابي انحرف عن المسؤولية الملقاة على عاتقه وعن المبادئ التي من أجلها انتخبته القواعد. لم يعد خبزه اليومي الدفاع عن الحقوق المادية والمعنوية للشغيلة كما كان الأمر في البدء مع مؤسسي المنظمة ومن جاؤوا بعدهم في السنوات التي عقبت التأسيس. حقيقة استيقنتها نفوس الكادحات والكادحين تكمن في أن الميثاق الغليظ بينها وبين قياداتها النقابية قد انفرط وتلاشى وحل محلهما انعدام الثقة وغياب الشفافية والصدق في القول والاخلاص في العمل. أصبحت المنظمة مستباحة. اثنتا عشرة سنة مرت على حادثة 4 ديسمبر 2012 وحالنا والحمد لله على أحسن ما يكون. وكل استباحة لحرم البطحاء ونحن طيبون سالمون مسامحون. فمن أجل المصالح توؤد المصائب وتتلف الملفات وتتبخر. اللّف والدّوران طعام المتردّد والجبان والتصدّي للقضايا من الواجهات والزوايا. ابتدعت القيادة مسرحا لتحريك الصغار والكبار من وراء الستار. باتت أعلام الصرح منكسة واستحال بنوه إلى أصنام مهدّدة بالسيف المسلّط على رؤوسهم ممّن بيدهم الحل والعقد. هم الآن في إجازة أرادوهم خارج التاريخ يسكنون. ولعل فتور العمل النقابي وهجر دور الاتحاد في المدن والجهات دليل ساطع على ذلك لا سيما بعد الانقلاب على القانون الداخلي للمنظمة (الفصل العشرين) لتؤبد القيادة وتعمر في المنصب ولسان حالها يقول: "سنمكث هنا على الأرائك وسنخلد في نعيم شامل نبتغيه دائما نتلذذ حلو هذا الرضاع ولا سبيل إلى أن نعيش مر الفطام. أما القواعد فلها رب يحميها".
وعلى العموم، فإن بناة المنظمة العتيدة الاتحاد العام التونسي للشغل قد ضحوا بالنفس والنفيس من أجل كرامة العمال والعاملات وتحقيق مطالبهم المادية والمعنوية. لقد ناضلوا من أجل ذلك ونفوسهم مفعمة بنكران الذات ولم يفكروا يوما في اقتناص الفرص بالجري وراء الغنيمة. لقد نزلوا علينا كتابا جميلا(2). ولكننا اليوم وجدنا من استخلفوهم لا يجيدون القراءة ولم يتشربوا روح الوطنية والايثار عنهم. إن الاتحاد لم يكن في يوم من الأيام عاقرا ولن يكون. بل إن المنظمة حبلى بالطاقات المخلصة والوفية التي تضع نصب أعينها دماء الشهداء والجرحى وعظم مسؤولية الدفاع عن حقوق الشغيلة. فلترحل هذه القيادة غير مأسوف عليها وقد دبّت الرّوح فينا.
(1) و(2): نزار قباني، بتصرّف.
مصدّق الشّريف
نعيش هذه الأيام على وقع إحياء الذكرى الثانية والسبعين لاغتيال الزعيم الرمز الخالد الذكر فرحات حشاد وقد أتت باهتة كعادتها لا جديد يذكر بل كل ما فيها قديم يُعاد. فما أشبه بياناتنا ووقفاتنا الاحتجاجية واعتصاماتنا في هذه المناسبة بتلك التي شهدناها في إحياء ذكرى اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهي وبقية الشهداء الذين طالتهم يد الغدر الجبانة، من جنودنا البواسل والرعاة العزل الذين ذبحوا من الوريد إلى الوريد في ليلة من ليالي شهر رمضان، أو ذكرى وفاة العاملات الفلاحيات من ضحايا النقل الريفي، أو ذكرى تأسيس أيام قرطاج السينيمائية والمسرحية وغيرها من التظاهرات التي مرّ عليها حين من الدهر.
طوبى لكم وألف شكر وتحية. تاريخنا كله محن وأيامنا كلها وقوف على الأطلال. لكم زاد هائل من "سين" و"سوف" و"إننا لعائدون" و"إننا لمنتصرون"(1). ولم لا وأنتم الثوار أمام المصادح وفوق المنصات وفي الاستديوهات؟ إننا لا نتجنى على أحد لو قلنا إنه لو حذفت التواريخ من البيانات وعوضت بتاريخ الأمس أو اليوم أو الغد لما تغير شيئ.لو غيبنا الإطار الزماني والمكاني لخطب المسؤولين في الاتحاد العام التونسي للشغل مركزيا وجهويا ومحليا لوجدناها متطابقة فيما قيل من كلام ووعود وتهديدات منذ عقود. وظل الكلام بالكلام دون فعال.ويتواصل البون شاسعا بين ما تسمعه الشغيلة بالفكر والساعد وبين ما ترنو إليه وتطمح إلى تحقيقه ليخلصها من عذابات اليومي من تدهور للمقدرة الشرائية واستغلال فاحش لسواعدها التي كلت وتعبت دون أن تكافأ بتحسن ظروفها المادية والمعنوية.
لم تستجب القيادة النقابية لمطالب العمال والعاملات على جميع الأصعدة. ووقف الشغالون والشغالات على حقائق مرة وصادمة إذ أثبتت هياكلهم النقابية على اختلاف مستوياتها أنها في شأن يغنيها وقد تاهت في صراعات لا تخدم إلا مصالحها الفئوية الضيقة متناسية مبادئ مؤسّسي قلعة حشاد ومن ساروا على خطاهم ومبادئهم. لقد تبين يوما بعد يوم أن المسؤول النقابي انحرف عن المسؤولية الملقاة على عاتقه وعن المبادئ التي من أجلها انتخبته القواعد. لم يعد خبزه اليومي الدفاع عن الحقوق المادية والمعنوية للشغيلة كما كان الأمر في البدء مع مؤسسي المنظمة ومن جاؤوا بعدهم في السنوات التي عقبت التأسيس. حقيقة استيقنتها نفوس الكادحات والكادحين تكمن في أن الميثاق الغليظ بينها وبين قياداتها النقابية قد انفرط وتلاشى وحل محلهما انعدام الثقة وغياب الشفافية والصدق في القول والاخلاص في العمل. أصبحت المنظمة مستباحة. اثنتا عشرة سنة مرت على حادثة 4 ديسمبر 2012 وحالنا والحمد لله على أحسن ما يكون. وكل استباحة لحرم البطحاء ونحن طيبون سالمون مسامحون. فمن أجل المصالح توؤد المصائب وتتلف الملفات وتتبخر. اللّف والدّوران طعام المتردّد والجبان والتصدّي للقضايا من الواجهات والزوايا. ابتدعت القيادة مسرحا لتحريك الصغار والكبار من وراء الستار. باتت أعلام الصرح منكسة واستحال بنوه إلى أصنام مهدّدة بالسيف المسلّط على رؤوسهم ممّن بيدهم الحل والعقد. هم الآن في إجازة أرادوهم خارج التاريخ يسكنون. ولعل فتور العمل النقابي وهجر دور الاتحاد في المدن والجهات دليل ساطع على ذلك لا سيما بعد الانقلاب على القانون الداخلي للمنظمة (الفصل العشرين) لتؤبد القيادة وتعمر في المنصب ولسان حالها يقول: "سنمكث هنا على الأرائك وسنخلد في نعيم شامل نبتغيه دائما نتلذذ حلو هذا الرضاع ولا سبيل إلى أن نعيش مر الفطام. أما القواعد فلها رب يحميها".
وعلى العموم، فإن بناة المنظمة العتيدة الاتحاد العام التونسي للشغل قد ضحوا بالنفس والنفيس من أجل كرامة العمال والعاملات وتحقيق مطالبهم المادية والمعنوية. لقد ناضلوا من أجل ذلك ونفوسهم مفعمة بنكران الذات ولم يفكروا يوما في اقتناص الفرص بالجري وراء الغنيمة. لقد نزلوا علينا كتابا جميلا(2). ولكننا اليوم وجدنا من استخلفوهم لا يجيدون القراءة ولم يتشربوا روح الوطنية والايثار عنهم. إن الاتحاد لم يكن في يوم من الأيام عاقرا ولن يكون. بل إن المنظمة حبلى بالطاقات المخلصة والوفية التي تضع نصب أعينها دماء الشهداء والجرحى وعظم مسؤولية الدفاع عن حقوق الشغيلة. فلترحل هذه القيادة غير مأسوف عليها وقد دبّت الرّوح فينا.