أثارت مبادرة مشروع قانون توظيف معاليم بعنوان تكلفة الدراسة في تونس على الكفاءات الراغبين في الهجرة والعمل خارج حدود الوطن، جدلا واسعا بين مرحب على اعتبار أنه حان الوقت لوقف نزيف هجرة كفاءات تونس، ورافض على قاعدة أنه ليس من حق الدولة فرض قيود على سفر مواطنيها وفي ذلك مخالفة للدستور.
قالت النائبة بالبرلمان فاطمة المسدي، أن مشروع القانون ينص "على التزام خريجي الجامعات التونسية في مجالات الطب والهندسة والتخصصات التقنية العالية، الذين يختارون العمل في الخارج خلال السنوات الـ5 الأولى بعد التخرج، بتسديد 50 % من تكاليف دراستهم الجامعية التي أتموها في تونس للدولة التونسية، على أقساط سنوية، وفق جدول زمني يتم الاتفاق عليه بين الخريج ووزارة التعليم العالي".
وأضافت المسدي، أن هذا القانون" يستثني الخريجين الذين يعودون للعمل في تونس قبل انقضاء 5 سنوات من تاريخ مغادرتهم، شريطة البقاء والعمل في تونس لمدة لا تقل عن 3 سنوات متتالية.. والأموال المحصلة من هذا البرنامج، ستخصص لتحسين جودة التعليم العالي وتطوير البنية التحتية للجامعات التونسية".
كما بينت المسدي أن القانون يهدف إلى" وضع آلية لاسترداد جزء من تكاليف التعليم العالي من الخريجين الذين يختارون العمل في الخارج، وإلى تحقيق توازن بين حرية الأفراد في اختيار مكان عملهم وحق الدولة في الاستفادة من استثماراتها في التعليم العالي".
نزيف مرعب
تجدر الإشارة أنها ليست المرة الأولى التي يطرح فيها حل فرض تعويضات على الكفاءات المغادرة فقد دعت سابقا دراسة أنجزها المركز التونسي للدراسات الإستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية بعنوان «هجرة مهنيي الصحة: رهانات المنظومة الصحية في تونس» إلى فرض تعويضات مالية عن هجرة الكفاءات التونسية إلى الخارج.
واقترحت الدراسة، التي تغطي الفترة 2011-2023، فرض تعويضات في شكل اقتطاعات من الرواتب أو ضرائب توظف على أجور المغادرين باتفاق مع بلد المقصد، فضلا عن شرط الحد الأدنى لعدد سنوات العمل في بلد المنشأ، والتزام الخدمة المدنية بالمناطق ذات الأولوية.
وكان الهدف وقف النزيف المرعب لهجرة الكفاءات التونسية لا سيما الأطباء والمهندسين بشكل أصبح يطرح تحديات مستقبلية كبيرة على المجموعة الوطنية وتساءل كثيرون هل سنصل إلى مرحلة لا نجد فيها أطباء أكفاء لعلاج التونسيين أو مهندسين قادرين على بناء الجسور والمساهمة في التنمية الاقتصادية التي تحتاجها البلاد اليوم أكثر من أي وقت مضى.
إحصائيات تدق ناقوس الخطر
وفق بيانات الوكالة التونسية للتعاون الفني سجلت الوجهة نحو أوروبا وتحديدا ألمانيا أعلى معدل نمو للمغادرين من فئة العاملين في القطاع الصحي بمعدل 21 بالمائة سنويا خلال الفترة 2019-2022، تليها كندا بمعدل 20 بالمائة ثم الدول الإفريقية بنسبة 10 بالمائة فالدول العربية بنسبة 7 بالمائة.
ويقول بهذا الصدد الأستاذ الجامعي سمير حمدي في مداخلة مؤخرا على هامش الندوة التكوينية للجامعة العامة للنفط والمواد الكيمياوية أنّ تونس "هي البلد الثاني إفريقيا وعربيا في هجرة الكفاءات، والهجرة تمس 8500 مهندسا. وفي القطاع الطبي وشبه الطبي تمثل 41 بالمائة من مجموع المهاجرين، كما تشمل هجرة الكفاءات التعليم والتعليم العالي والبحث العلمي في الجامعات العربية التي أصبحت تتقدم في الترتيب العالمي بفضل كفاءات التونسيين" .
وحسب استطلاع أنجز ضمن دراسة المركز التونسي للدراسات الإستراتيجية حول ظاهرة هجرة مهنيي الصحة، المشار إليها آنفا، فقد "تجاوزت نسبة الرغبة في الهجرة للعمل في الخارج 50 بالمائة في 20 اختصاصا طبيا من بينها طب الأسرة حيث أن أكثر من ثلثي الأطباء المنتمين إلى طب الأسرة يرغبون في مغادرة البلاد فيما بادر أغلبهم بالإجراءات الضرورية للرحيل".
ووفق إحصاءات رسمية أخرى تحدث عنها مؤخرا عميد المهندسين كمال سحنون، فإنّ معدل المهندسين الذين يغادرون للعمل في الخارج يبلغ سنويا نحو 6500 مهندس. ويقدر العميد أن هجرة الكفاءات "بمثابة ثروة ضائعة، لأن الدولة تنفق نحو 100 ألف دينار (30 ألف دولار) على كل طالب منذ بداية مسيرته الدراسية".
يعتبر كذلك عميد المهندسين أن الدولة" تقدم الكفاءات -بعد تكوينها وتأطيرها- على طبق من ذهب للاقتصادات الأخرى التي تقوم باستغلال هذه الطاقات، وكان من المفروض أن تستفيد منها تونس أو تخلق منها ثورة وخدمات قابلة للتصدير".
مبادرة غريبة
رغم ذلك يرفض رئيس عمادة المهندسين كمال سحنون مبادرة النواب ومشروع القانون حول هجرة الكفاءات كما وصف هذه المبادرة بالغريبة .
وأضاف في تصريح إذاعي أول أمس أنّ "العمادة ترى بأنّ المقترح يتعارض مع الدستور، مرجّحا أن لا تتم المصادقة عليها استنادا إلى بعض النواب".
وتابع ''لنفرض جدلا أنّه تم تمرير المقترح..أعتقد أنّ الرئيس (قيس سعيّد) لن يقوم بختم قانون تضمّن مثل هذا الفصل لأنه غير دستوري".
في المقابل يقدم البعض حلولا أخرى كان يتعين على الدولة المضي فيها منذ بداية نزيف هجرة الكفاءات ومنها ما دعا إليه الأستاذ سمير حمدي من "وضع إستراتيجية وطنية لوقف هجرة الكفاءات تتضمن تحسين مناخ العمل بشكل عام" .
وهنا نشير إلى أن استبيان دراسة المركز التونسي للدراسات الإستراتيجية فإن غالبية المستطلعين (78 بالمائة) يرغبون في العودة إلى تونس «ولكن عندما تتحقق جملة من الشروط منها تحسن الوضع الاقتصادي في البلاد وضمان تعليم أفضل للأبناء".
يذكر أن الدراسة المذكورة قدمت جملة من التوصيات العملية لمعالجة أزمة هجرة الكفاءات.
توصيات
"أوصت الدراسة بأن تضع الدولة سياسة عمومية وتدابير مناسبة ضمن رؤية إستراتيجية متكاملة تهدف إلى المحافظة على كفاءات القطاع الصحي وتشجيعهم على البقاء في تونس، مؤكدة أن "الفترة القادمة تتطلب إرادة سياسية حازمة والتزامات ملموسة لتلبية احتياجات قطاع الصحة".
وطالبت الدراسة بوضع التدابير اللازمة لتحقيق الرضا المهني لفائدة مهنيي الصحة الذين يرغبون في الهجرة، مثل منحهم ظروف عمل ملائمة وأجور مناسبة وفتح آفاق التطور الوظيفي لفائدتهم وتنفيذ برامج التكوين المستمر لهم، لتشجيعهم على البقاء في تونس.
كما دعت إلى تشجيع الأطباء الشبان على سد الشغورات في المناطق الداخلية لتلبية احتياجات المواطنين، وذلك عبر تحسين ظروف عملهم وتوفير الأمن بمكان عملهم، وتحسين أجورهم، وتحسين الظروف التي تساهم في رفاههم المهني، وتعزيز التكوين المستمر لفائدتهم.
واقترحت تشجيع الهجرة الدائرية بهدف تسهيل عودة مهنيي الصحة الذين هاجروا وإعادة إدماجهم في تونس.
وذكرت الدراسة أن قطاع الصحة في تونس يعاني من نزيف حاد بسبب التداعيات السلبية لهجرة مهنيي الصحة خاصة من ناحية فقدان المهنيين الذين يمثلون العصب الرئيسي لجودة الخدمات الصحية المسداة للمواطنين.
وإن كان الدافع الرئيسي للهجرة، وفق الدراسة، يتعلق في كثير من الأحيان بفرص عمل أفضل من حيث الراتب وظروف عمل ومعيشة أفضل والتطور الوظيفي، فإن عوامل أخرى مثل إمكانية توفير مستقبل أفضل وأكثر أمانا للأبناء تلعب أيضا دورا حاسما في هجرة الكفاءات الصحية التونسية.
م.ي
تونس-الصباح
أثارت مبادرة مشروع قانون توظيف معاليم بعنوان تكلفة الدراسة في تونس على الكفاءات الراغبين في الهجرة والعمل خارج حدود الوطن، جدلا واسعا بين مرحب على اعتبار أنه حان الوقت لوقف نزيف هجرة كفاءات تونس، ورافض على قاعدة أنه ليس من حق الدولة فرض قيود على سفر مواطنيها وفي ذلك مخالفة للدستور.
قالت النائبة بالبرلمان فاطمة المسدي، أن مشروع القانون ينص "على التزام خريجي الجامعات التونسية في مجالات الطب والهندسة والتخصصات التقنية العالية، الذين يختارون العمل في الخارج خلال السنوات الـ5 الأولى بعد التخرج، بتسديد 50 % من تكاليف دراستهم الجامعية التي أتموها في تونس للدولة التونسية، على أقساط سنوية، وفق جدول زمني يتم الاتفاق عليه بين الخريج ووزارة التعليم العالي".
وأضافت المسدي، أن هذا القانون" يستثني الخريجين الذين يعودون للعمل في تونس قبل انقضاء 5 سنوات من تاريخ مغادرتهم، شريطة البقاء والعمل في تونس لمدة لا تقل عن 3 سنوات متتالية.. والأموال المحصلة من هذا البرنامج، ستخصص لتحسين جودة التعليم العالي وتطوير البنية التحتية للجامعات التونسية".
كما بينت المسدي أن القانون يهدف إلى" وضع آلية لاسترداد جزء من تكاليف التعليم العالي من الخريجين الذين يختارون العمل في الخارج، وإلى تحقيق توازن بين حرية الأفراد في اختيار مكان عملهم وحق الدولة في الاستفادة من استثماراتها في التعليم العالي".
نزيف مرعب
تجدر الإشارة أنها ليست المرة الأولى التي يطرح فيها حل فرض تعويضات على الكفاءات المغادرة فقد دعت سابقا دراسة أنجزها المركز التونسي للدراسات الإستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية بعنوان «هجرة مهنيي الصحة: رهانات المنظومة الصحية في تونس» إلى فرض تعويضات مالية عن هجرة الكفاءات التونسية إلى الخارج.
واقترحت الدراسة، التي تغطي الفترة 2011-2023، فرض تعويضات في شكل اقتطاعات من الرواتب أو ضرائب توظف على أجور المغادرين باتفاق مع بلد المقصد، فضلا عن شرط الحد الأدنى لعدد سنوات العمل في بلد المنشأ، والتزام الخدمة المدنية بالمناطق ذات الأولوية.
وكان الهدف وقف النزيف المرعب لهجرة الكفاءات التونسية لا سيما الأطباء والمهندسين بشكل أصبح يطرح تحديات مستقبلية كبيرة على المجموعة الوطنية وتساءل كثيرون هل سنصل إلى مرحلة لا نجد فيها أطباء أكفاء لعلاج التونسيين أو مهندسين قادرين على بناء الجسور والمساهمة في التنمية الاقتصادية التي تحتاجها البلاد اليوم أكثر من أي وقت مضى.
إحصائيات تدق ناقوس الخطر
وفق بيانات الوكالة التونسية للتعاون الفني سجلت الوجهة نحو أوروبا وتحديدا ألمانيا أعلى معدل نمو للمغادرين من فئة العاملين في القطاع الصحي بمعدل 21 بالمائة سنويا خلال الفترة 2019-2022، تليها كندا بمعدل 20 بالمائة ثم الدول الإفريقية بنسبة 10 بالمائة فالدول العربية بنسبة 7 بالمائة.
ويقول بهذا الصدد الأستاذ الجامعي سمير حمدي في مداخلة مؤخرا على هامش الندوة التكوينية للجامعة العامة للنفط والمواد الكيمياوية أنّ تونس "هي البلد الثاني إفريقيا وعربيا في هجرة الكفاءات، والهجرة تمس 8500 مهندسا. وفي القطاع الطبي وشبه الطبي تمثل 41 بالمائة من مجموع المهاجرين، كما تشمل هجرة الكفاءات التعليم والتعليم العالي والبحث العلمي في الجامعات العربية التي أصبحت تتقدم في الترتيب العالمي بفضل كفاءات التونسيين" .
وحسب استطلاع أنجز ضمن دراسة المركز التونسي للدراسات الإستراتيجية حول ظاهرة هجرة مهنيي الصحة، المشار إليها آنفا، فقد "تجاوزت نسبة الرغبة في الهجرة للعمل في الخارج 50 بالمائة في 20 اختصاصا طبيا من بينها طب الأسرة حيث أن أكثر من ثلثي الأطباء المنتمين إلى طب الأسرة يرغبون في مغادرة البلاد فيما بادر أغلبهم بالإجراءات الضرورية للرحيل".
ووفق إحصاءات رسمية أخرى تحدث عنها مؤخرا عميد المهندسين كمال سحنون، فإنّ معدل المهندسين الذين يغادرون للعمل في الخارج يبلغ سنويا نحو 6500 مهندس. ويقدر العميد أن هجرة الكفاءات "بمثابة ثروة ضائعة، لأن الدولة تنفق نحو 100 ألف دينار (30 ألف دولار) على كل طالب منذ بداية مسيرته الدراسية".
يعتبر كذلك عميد المهندسين أن الدولة" تقدم الكفاءات -بعد تكوينها وتأطيرها- على طبق من ذهب للاقتصادات الأخرى التي تقوم باستغلال هذه الطاقات، وكان من المفروض أن تستفيد منها تونس أو تخلق منها ثورة وخدمات قابلة للتصدير".
مبادرة غريبة
رغم ذلك يرفض رئيس عمادة المهندسين كمال سحنون مبادرة النواب ومشروع القانون حول هجرة الكفاءات كما وصف هذه المبادرة بالغريبة .
وأضاف في تصريح إذاعي أول أمس أنّ "العمادة ترى بأنّ المقترح يتعارض مع الدستور، مرجّحا أن لا تتم المصادقة عليها استنادا إلى بعض النواب".
وتابع ''لنفرض جدلا أنّه تم تمرير المقترح..أعتقد أنّ الرئيس (قيس سعيّد) لن يقوم بختم قانون تضمّن مثل هذا الفصل لأنه غير دستوري".
في المقابل يقدم البعض حلولا أخرى كان يتعين على الدولة المضي فيها منذ بداية نزيف هجرة الكفاءات ومنها ما دعا إليه الأستاذ سمير حمدي من "وضع إستراتيجية وطنية لوقف هجرة الكفاءات تتضمن تحسين مناخ العمل بشكل عام" .
وهنا نشير إلى أن استبيان دراسة المركز التونسي للدراسات الإستراتيجية فإن غالبية المستطلعين (78 بالمائة) يرغبون في العودة إلى تونس «ولكن عندما تتحقق جملة من الشروط منها تحسن الوضع الاقتصادي في البلاد وضمان تعليم أفضل للأبناء".
يذكر أن الدراسة المذكورة قدمت جملة من التوصيات العملية لمعالجة أزمة هجرة الكفاءات.
توصيات
"أوصت الدراسة بأن تضع الدولة سياسة عمومية وتدابير مناسبة ضمن رؤية إستراتيجية متكاملة تهدف إلى المحافظة على كفاءات القطاع الصحي وتشجيعهم على البقاء في تونس، مؤكدة أن "الفترة القادمة تتطلب إرادة سياسية حازمة والتزامات ملموسة لتلبية احتياجات قطاع الصحة".
وطالبت الدراسة بوضع التدابير اللازمة لتحقيق الرضا المهني لفائدة مهنيي الصحة الذين يرغبون في الهجرة، مثل منحهم ظروف عمل ملائمة وأجور مناسبة وفتح آفاق التطور الوظيفي لفائدتهم وتنفيذ برامج التكوين المستمر لهم، لتشجيعهم على البقاء في تونس.
كما دعت إلى تشجيع الأطباء الشبان على سد الشغورات في المناطق الداخلية لتلبية احتياجات المواطنين، وذلك عبر تحسين ظروف عملهم وتوفير الأمن بمكان عملهم، وتحسين أجورهم، وتحسين الظروف التي تساهم في رفاههم المهني، وتعزيز التكوين المستمر لفائدتهم.
واقترحت تشجيع الهجرة الدائرية بهدف تسهيل عودة مهنيي الصحة الذين هاجروا وإعادة إدماجهم في تونس.
وذكرت الدراسة أن قطاع الصحة في تونس يعاني من نزيف حاد بسبب التداعيات السلبية لهجرة مهنيي الصحة خاصة من ناحية فقدان المهنيين الذين يمثلون العصب الرئيسي لجودة الخدمات الصحية المسداة للمواطنين.
وإن كان الدافع الرئيسي للهجرة، وفق الدراسة، يتعلق في كثير من الأحيان بفرص عمل أفضل من حيث الراتب وظروف عمل ومعيشة أفضل والتطور الوظيفي، فإن عوامل أخرى مثل إمكانية توفير مستقبل أفضل وأكثر أمانا للأبناء تلعب أيضا دورا حاسما في هجرة الكفاءات الصحية التونسية.