أعادت نتائج تقرير التنافسية الجهوية الذي نشره المعهد العربي لرؤساء المؤسسات إلى السطح موضوع التفاوت الجهوي وبالتحديد مسألة التمييز الإيجابي الذي لم ينص عليه صراحة دستور 2022 لكن طرح بشكل آخر ضمن تصور رئيس الجمهورية قيس سعيد للصلح الجزائي.
وقد أشار الرئيس سابقا إبان إعداد القانون الخاص بالصلح الجزائي إلى أن “النص يتعلق باستبدال الدعوى العمومية بمجموعة من الحلول الأخرى لدفع مبالغ مالية يتناسب مع قيمة الضرر الحاصلة أو قيمة الطلب أو بالتعهد بإنجاز مشاريع وطنية أو جهوية أو محلية بحسب الحاجة وطبق التمييز الإيجابي الذي لم يكن له أي أثر على إطلاق منذ وضع الدستور أو ما سُمي بدستور 2014”.
لكن في انتظار تحقيق نتائج في ملف الصلح الجزائي يبدو أن الهوة تتعمق بين الجهات على أكثر من صعيد.
صحيح أن تضمين التمييز الإيجابي في دستور 2014 والذي نص فصله الثاني عشر على أن الدولة "تسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، والتنمية المستدامة، والتوازن بين الجهات، استنادا إلى مؤشرات التنمية واعتمادا على مبدأ التمييز الإيجابي. كما تعمل على الاستغلال الرشيد للثروات الوطنية"، لم يفعل على أرض الواقع ولا في سياسات الحكومات المتعاقبة ولم يستفد فعليا، من همشتهم خيارات الدولة على امتداد تلك الحقبة، من مبدأ التمييز الإيجابي.
ولم يكن إلغاء التنصيص على ذلك المبدأ في دستور 2022 خسارة كبرى أو تراجعا في تقدير الكثيرين على اعتبار ضعف الانجازات على امتداد سنوات ما بعد 14 جانفي، في المقابل يحتاج التمييز الإيجابي للجهات الأكثر فقرا وتهميشا وجذبا للاستقرار والاستثمار إلى سياسات عاجلة وواضحة في توجهات الدولة لتغيير الواقع وتحقيق العدالة المنشودة.
مؤشرات سلبية
بعضا من هذا الواقع السلبي يتبين من حين لآخر في جملة من المؤشرات الدالة على تواصل الحاجة الملحة للتمييز الإيجابي. فقد كشف تقرير حول التنافسية الجهوية لـ2024 نشره المعهد العربي لرؤساء المؤسسات الجمعة، أنّ ولايات تونس الكبرى وتوزر والمناطق الساحلية، تعتبر الأكثر جذبا على مستوى القدرة التنافسية في تونس في المقابل تعد القصرين والقيروان وسيدي بوزيد الولايات الأقل جذبا.
ويعرف التقرير القدرة التنافسية، أنها قدرة أيّ بلد أو منطقة أو جهة على مدى فترة معيّنة، على جذب السكان والاحتفاظ بهم، فضلا عن اليد العاملة والمؤسسات وكل أصناف الأنشطة الاقتصادية.
وأشار التقرير إلى أنّ "ترتيب المناطق يرتكز على المعدّل الجملي للجذب لكل ولاية والذي يتكوّن من سبعة مستويات: مقاييس بيئية-اجتماعية وحوكمة، بنية تحتية وتحضّر، صحة وتعليم، اندماج مالي، سوق العمل، ديناميكية الأعمال، والتجديد واعتماد التكنولوجيا المتطورة".
ووفق المقاييس المذكورة "احتلت ولاية تونس المستوى الأول تليها كلّ من ولايات: صفاقس (3.533 على عشرة)، ثم سوسة (3.482 على عشرة)، فتوزر (3،474 على عشرة)، فبن عروس (3.222 على عشرة)، فأريانة (3.084 على عشرة)، فالمنستير (2.913 على عشرة)، وأخيرا بنزرت (2.862 على عشرة)".
في حين شملت المناطق الأقل جذبا وهي التي تمتلك رصيدا جمليا من الجذب أقل من 2 على عشرة ولايات سيدي بوزيد 1.742 على عشرة (المركز 21)، ولاية جندوبة 1.670 على عشرة (المركز 22) القيروان 1.625 (المرتبة 23) والقصرين 1.355 (المرتبة 24).
الفوارق في التعليم العمومي
لا يطرح إشكال عمق الهوة والفوارق بين الجهات فقط على مستوى الجذب الاقتصادي بل يتعداه ليشمل مجالات أخرى لعل أبرزها وأخطرها تلك المرتبطة بالمنظومة التعليمية. وعادة ما يطرح هذا الإشكال بمناسبة الإعلان عن نتائج الامتحانات الوطنية عندما تتذيل ولايات بعينها ذيل الترتيب.
دعت سابقا الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ، إلى "إرساء سياسة تربوية عادلة ترتكز على التمييز الايجابي من أجل الحد من الفوارق في التعليم العمومي بين الجهات والفئات الاجتماعية".
واعتبرت في بيان لها بمناسبة قراءتها لنتائج الدورة الرئيسية لامتحان الباكالوريا لسنة 2019 أن "التعليم يتفاعل بدرجة عالية مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في الجهات بالإضافة إلى تفاعله مع المستوى الاجتماعي للعائلات مؤكدة، ضرورة الإسراع بوضع إستراتيجية فعلية ومسؤولة تهدف إلى رتق الهوة في التعليم العمومي".
كما وصفت الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ واقع المنظومة التربوية بـ"المرير في ظل الفوارق المسجلة بين جهات البلاد إذ أن معدل نسب النجاح لامتحان الباكالوريا في الشريط الساحلي تجاوز الـ40% بالنسبة لولايات صفاقس والمنستير وكذلك أريانة في حين لم يتجاوز نسبة 25% في ولايات القصرين وسليانة وقفصة والقيروان وجندوبة وتوزر وتطاوين وقبلي".
م.ي
تونس-الصباح
أعادت نتائج تقرير التنافسية الجهوية الذي نشره المعهد العربي لرؤساء المؤسسات إلى السطح موضوع التفاوت الجهوي وبالتحديد مسألة التمييز الإيجابي الذي لم ينص عليه صراحة دستور 2022 لكن طرح بشكل آخر ضمن تصور رئيس الجمهورية قيس سعيد للصلح الجزائي.
وقد أشار الرئيس سابقا إبان إعداد القانون الخاص بالصلح الجزائي إلى أن “النص يتعلق باستبدال الدعوى العمومية بمجموعة من الحلول الأخرى لدفع مبالغ مالية يتناسب مع قيمة الضرر الحاصلة أو قيمة الطلب أو بالتعهد بإنجاز مشاريع وطنية أو جهوية أو محلية بحسب الحاجة وطبق التمييز الإيجابي الذي لم يكن له أي أثر على إطلاق منذ وضع الدستور أو ما سُمي بدستور 2014”.
لكن في انتظار تحقيق نتائج في ملف الصلح الجزائي يبدو أن الهوة تتعمق بين الجهات على أكثر من صعيد.
صحيح أن تضمين التمييز الإيجابي في دستور 2014 والذي نص فصله الثاني عشر على أن الدولة "تسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، والتنمية المستدامة، والتوازن بين الجهات، استنادا إلى مؤشرات التنمية واعتمادا على مبدأ التمييز الإيجابي. كما تعمل على الاستغلال الرشيد للثروات الوطنية"، لم يفعل على أرض الواقع ولا في سياسات الحكومات المتعاقبة ولم يستفد فعليا، من همشتهم خيارات الدولة على امتداد تلك الحقبة، من مبدأ التمييز الإيجابي.
ولم يكن إلغاء التنصيص على ذلك المبدأ في دستور 2022 خسارة كبرى أو تراجعا في تقدير الكثيرين على اعتبار ضعف الانجازات على امتداد سنوات ما بعد 14 جانفي، في المقابل يحتاج التمييز الإيجابي للجهات الأكثر فقرا وتهميشا وجذبا للاستقرار والاستثمار إلى سياسات عاجلة وواضحة في توجهات الدولة لتغيير الواقع وتحقيق العدالة المنشودة.
مؤشرات سلبية
بعضا من هذا الواقع السلبي يتبين من حين لآخر في جملة من المؤشرات الدالة على تواصل الحاجة الملحة للتمييز الإيجابي. فقد كشف تقرير حول التنافسية الجهوية لـ2024 نشره المعهد العربي لرؤساء المؤسسات الجمعة، أنّ ولايات تونس الكبرى وتوزر والمناطق الساحلية، تعتبر الأكثر جذبا على مستوى القدرة التنافسية في تونس في المقابل تعد القصرين والقيروان وسيدي بوزيد الولايات الأقل جذبا.
ويعرف التقرير القدرة التنافسية، أنها قدرة أيّ بلد أو منطقة أو جهة على مدى فترة معيّنة، على جذب السكان والاحتفاظ بهم، فضلا عن اليد العاملة والمؤسسات وكل أصناف الأنشطة الاقتصادية.
وأشار التقرير إلى أنّ "ترتيب المناطق يرتكز على المعدّل الجملي للجذب لكل ولاية والذي يتكوّن من سبعة مستويات: مقاييس بيئية-اجتماعية وحوكمة، بنية تحتية وتحضّر، صحة وتعليم، اندماج مالي، سوق العمل، ديناميكية الأعمال، والتجديد واعتماد التكنولوجيا المتطورة".
ووفق المقاييس المذكورة "احتلت ولاية تونس المستوى الأول تليها كلّ من ولايات: صفاقس (3.533 على عشرة)، ثم سوسة (3.482 على عشرة)، فتوزر (3،474 على عشرة)، فبن عروس (3.222 على عشرة)، فأريانة (3.084 على عشرة)، فالمنستير (2.913 على عشرة)، وأخيرا بنزرت (2.862 على عشرة)".
في حين شملت المناطق الأقل جذبا وهي التي تمتلك رصيدا جمليا من الجذب أقل من 2 على عشرة ولايات سيدي بوزيد 1.742 على عشرة (المركز 21)، ولاية جندوبة 1.670 على عشرة (المركز 22) القيروان 1.625 (المرتبة 23) والقصرين 1.355 (المرتبة 24).
الفوارق في التعليم العمومي
لا يطرح إشكال عمق الهوة والفوارق بين الجهات فقط على مستوى الجذب الاقتصادي بل يتعداه ليشمل مجالات أخرى لعل أبرزها وأخطرها تلك المرتبطة بالمنظومة التعليمية. وعادة ما يطرح هذا الإشكال بمناسبة الإعلان عن نتائج الامتحانات الوطنية عندما تتذيل ولايات بعينها ذيل الترتيب.
دعت سابقا الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ، إلى "إرساء سياسة تربوية عادلة ترتكز على التمييز الايجابي من أجل الحد من الفوارق في التعليم العمومي بين الجهات والفئات الاجتماعية".
واعتبرت في بيان لها بمناسبة قراءتها لنتائج الدورة الرئيسية لامتحان الباكالوريا لسنة 2019 أن "التعليم يتفاعل بدرجة عالية مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في الجهات بالإضافة إلى تفاعله مع المستوى الاجتماعي للعائلات مؤكدة، ضرورة الإسراع بوضع إستراتيجية فعلية ومسؤولة تهدف إلى رتق الهوة في التعليم العمومي".
كما وصفت الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ واقع المنظومة التربوية بـ"المرير في ظل الفوارق المسجلة بين جهات البلاد إذ أن معدل نسب النجاح لامتحان الباكالوريا في الشريط الساحلي تجاوز الـ40% بالنسبة لولايات صفاقس والمنستير وكذلك أريانة في حين لم يتجاوز نسبة 25% في ولايات القصرين وسليانة وقفصة والقيروان وجندوبة وتوزر وتطاوين وقبلي".