إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

كيف نقل الغَرب علوم العَرب لتحقيق النهضة العلمية الراهنة

بقلم د. الصحراوي قمعون

صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة

قام الغرب في بداية نهضته المتواصلة منذ القرن الخامس عشر إلى اليوم بترجمة أمهات الكتب العلمية عن العربية. وقد كانت مدينة طليطلة الأندلسية مركزا جامعيا للنقل والترجمة من العربية إلى اللاتينية برعاية الأسقف ريموند، واتسعت لها فروع في كل من برشلونة بأسبانيا و بيزييه وتولوز بفرنسا.

      ومثلما فعل قبله في بغداد الخليفة العباسي المثقف المأمون ، عند ترجمة علوم الإغريق والفرس والهنود ، فقد أوفد الإمبراطور فريديريك الأول، المغرم بالفلك أشهر المترجمين لديه وهو جيرار الكريموني، إلى مدينة طليطلة للحصول على كتاب بطليموس الإغريقي . وعند وصوله إلى المدينة بهرته العلوم السائدة فيها فبقي فيها عشرين سنة نقل خلالها إلى اللاتينية عددا كبيرا من الكتب عاد بها إلى موطنه. وعلى مدى قرنين، استطاعت أوروبا بفضل الترجمة، أن تترجم أكثر من أربعمائة كتاب من العربية، لغة العلوم وقتها .

وتفيد الروايات التاريخية انه قبل سقوط غرناطة عام 1492، كانت مدن الأندلس الكبرى، التي تحولت إلى إمارات خاصة في فترة ملوك الطوائف، سجالا لمدة أربعة قرون بين المسلمين والمسيحيين في شمال الأندلس، الذين كانوا يشنون الحروب ويستولون على مدن، سرعان ما يستردها العرب بعد عقود من سيطرة المسيحييّن . وأصبح التعايش بين الجانبين أمرا واقعا أفرز احتكاكا حضاريا نقل المعارف والعلوم العربية إلى أوروبا الناهضة، بعد سبات قرون كامل العصر الوسيط منذ سقوط الحضارة الرومانية على أيدي قبائل الوندال بقيادة زعيمهم جنزيريك الذي دمر روما ونهبها كما دمرت هي ونهبت في السابق قرطاج، فثأر لقرطاج واتخذها عاصمة مملكته لخمسين سنة من حكمه. وقد هزمته فيما بعد خليفة روما الدولة البيزنطية التي سقطت على أيدي العرب في معركة اليرموك وفي مصر وشمال إفريقيا واسبانيا مع الفتوحات الإسلامية .

   وفي خضم مسارات الحضارات بين النشوء والذبول ثم التراجع والسقوط، كانت الأندلس مسرحا لهذا الحوار الحضاري المتجدد سلما وحربا بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي . وفي زمن ملوك الطوائف بالأندلس عام 1085، تحولت مدينة طليطلة التي سيطر عليها الملك ألفونسو السادس، إلى عاصمة للعلوم الأندلسية. وكان ملك اسبانيا مفتونا بفنون العرب وعلومهم. وأصبحت معه المدينة عاصمة لترجمة الآثار العربية، وتحولت إلى أهم جسر ومعبر تم فيه نقل العلوم العربية إلى أوروبا على غرار ما تم في صقلية .

   وفي نهاية القرن الحادي عشر عند سقوط طليطلة، تم ترجمة الكتب العربية إلى اللاتينية في أكبر عملية ترجمة تشبه تلك التي قام بها المأمون قبل قرنين في الشرق للآثار الإغريقية. وضمت المدينة عشرات المترجمين منهم المترجم الايطالي جيرار الكريموني، الذي عاش في طليطلة، كما سبق، وقام لوحده بترجمة سبعة وثمانين كتابا من اللغة العربية إلى اللغة اللاتينية ، وهي كتب أبرز العلماء المسلمين مثل الرازي وابن سينا والخوارزمي وابن الهيثم والفارابي وجابر بن حيان والكندي والبيروني وغيرهم، توزعت على 24 كتابا في الطب و17 في الهندسة والرياضيات والبصريات و12 في الفلك وسبعة كتب في الكيمياء . وهذه الكتب المترجمة إلى اللاتينية لازالت محفوظة في مكتبة طليطلة، إضافة إلى كتب أخرى محفوظة في مكتبة "اسكوريال" في مدريد، التي تحتوي أيضا على عدة آلاف من المخطوطات العربية المجمعة في ثلاث أجزاء فهارس للكتب.

وقبل قرن من سقوط طليطلة وثلاثة قرون من سقوط بغداد، ظهر في مكتبة العاصمة العباسية كتاب "الفهرست" لابن النديم عام 377 هجرية، أحصى فيه أكثر من ثمانية آلاف كتاب لأكثر من ألف مؤلف من علماء المسلمين بمختلف الدرجات ، يسهل النفاذ اليها بواسطة الكلمات المفاتيح للفهرس التوثيقي. وكانت مكتبة بغداد تضم، بمقاييس ذلك الزمن، عددا من الكتب أكثر وأغنى من محتويات مكتبة الكونغرس الأمريكية الشهيرة اليوم.

    وقد تحدثت المستشرقة الألمانية زيغريد هونكا في كتابها "شمس العرب تسطع على الغرب"، بإسهاب كبير عن مساهمة الإرث العربي الإسلامي في نهضة أوروبا عبر جهود الترجمة والتبادل العلمي زمن الحروب والسلم بين ضفتي المتوسط عبر صقلية والأندلس، وصولا إلى الممالك الجرمانية في شمال أوروبا.(ص 28-39).

  كما تحدثت في الكتاب عن قصص وشهادات عديدة مستخرجة من الإرث الأدبي والتاريخ الأوروبي ومن أرشيف مراسلات الملوك والأمراء والنبلاء الأوروبيين في القرون الوسطى، التي تبرز كيف كان الحكام والأعيان والأغنياء يتسابقون لإرسال أبنائهم في بعثات جامعية للدراسة في جامعات الأندلس وصقلية المتقدمة في مختلف العلوم والفنون. وعندما يعودون إلى بلدانهم يتكلمون اللاتينية الممزوجة ببعض الكلمات العربية، التي كانت موضة ذلك الزمان، لإظهار مدى تحضرهم وإلمامهم الثقافي الواسع وترفعا عن مجتمعهم المتخلف وعن اللغة اللاتينية الميتة غير القادرة وقتها على حمل التطور العلمي في بلاد العرب والمسلمين في الأندلس. وكانوا بذلك مثل من درسوا من العرب والمسلمين في القرن التاسع عشر في باريس ولندن وكانوا يتكلمون الفرنسية او الانجليزية ممزوجة مع العربية لإظهار حداثتهم وتحضرهم في مجتمعات عربية وإسلامية متخلفة.

      وسيتجدد ذلك السيناريو التاريخي الحتمي لمسار تطور البشرية مع بداية نهضة العالم العربي بداية القرن الثامن عشر مع وفود البعثات العلمية للعرب والمسلمين، التي أرسلها كل من الحاكم المصلح محمد علي باشا في مصر والمشير أحمد باشا باي ثم خير الدين باشا في تونس وساهمت في ظهور عدد من رواد حركة الإصلاح الحضاري وفي مقدمتهم الشيخ محمد عبده ورفاعة الطهطاوي وأحمد فارس الشدياق الذين ألفوا كتبا عن رحلاتهم وصفوا فيها بانبهار ما شاهدوه من مظاهر النهضة العلمية السائدة في أوروبا . ونفس الأمر كان مع المصلح المترجم علي الورداني مستشار خير الدين التونسي، الذي أوفده السلطان العثماني نهاية القرن التاسع عشر إلى إسبانيا وجنوب فرنسا في مهمة للاطلاع على المخطوطات العربية هناك في محاولة للاستفادة منها في عملية التطوير، وألف كتاب " الرحلة الأندلسية " في أعقاب تلك المهمة، نشره في سلسلة مقالات في جريدة "الحاضرة" عام 1888.

 وفي كتابه :"فلورانسا وبغداد : فن النهضة والعلوم العربية" ، يتحدث مؤرخ الفنون والمعمار، الألماني هانس بيلتينغ، عن جذور الفن المعماري الأوروبي لعصر النهضة فيقول انه انطلق من فلورانسا قادما إليها من صقلية وبغداد ومن القيروان القريبة.

ويعترف في الكتاب الصادر عام 2011 ، بفضل المسلمين على البشرية في ضمان استمرار المعرفة الإنسانية خلال العصر الوسيط وإنقاذها من الجهل الذي استقر بأوروبا معترفا بأن العصر الروماني الذي استمر لقرون لم يشهد نهضة أو تقدما علميا أو فكريا، بل سيطرت فيه الكثير من الخرافات الأسطورية واللاهوتية وهو عصر حروب رومانية وبناء للمنشآت والمدن وتكديس للثروة، دون روح فكرية أو علمية. وأبرز بالمقابل التكامل والأريحية في المساهمة الحضارية لكل القوميات والديانات المختلفة في بناء الحضارة العربية الإسلامية دون أن يقع طمس الديانات الأخرى ومختلف الملل والنحل، بل كانت هذه الأخيرة عنصر إثراء للعصر الإسلامي حسب تعبيره . كما كانت اللغة العربية لغة العلوم التي وحدت الشعوب المساهمة في نهضتها مهما كانت ديانتهم أو لغتهم، كما نشاهد اليوم وضع اللغة الانجليزية واستيعاب أوروبا وأمريكا لكل كفاءات العالم. وامتدح في نفس السياق التكامل بين الدين والعلم في الحضارة العربية الإسلامية، حيث لم يكن هناك تدخل ديني في البحث العلمي والحركة الفكرية لوجود تكامل وليس تنافر بين الدين والعلم، عكس أوروبا التي كانت فيها الكنيسة مسيطرة على الأفكار والمجتمع وعلى العلوم أيضا . ولم تنهض أوروبا إلا حين فصلت الكنيسة عن العلم . وأبرز في نفس السياق رعاية الحكام المسلمين للعلماء والمفكرين خلال العصر الوسيط، مما جعل حكام مدينة فلورنسا يقتفون أثرهم في ذلك وهي المدينة التي انطلقت منها النهضة الأوروبية الحديثة في نظره .

   ويعتبر المؤرخ بيتينغ في كتابه أيضا أن الاختراعات الأوروبية الحديثة، إما جاءت في كتب عربية ترجمت، أو جاءت نتيجة حسابات هندسية ورياضية عربية دقيقة هي نتاج بيئة تطور العلوم العربية. "وقد قام الأوروبيون بتطبيقها فنجحت التجارب التي تحولت إلى اختراعات"، كما جاء في كتابه.

 

 

 

 

كيف نقل الغَرب علوم العَرب لتحقيق النهضة العلمية الراهنة

بقلم د. الصحراوي قمعون

صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة

قام الغرب في بداية نهضته المتواصلة منذ القرن الخامس عشر إلى اليوم بترجمة أمهات الكتب العلمية عن العربية. وقد كانت مدينة طليطلة الأندلسية مركزا جامعيا للنقل والترجمة من العربية إلى اللاتينية برعاية الأسقف ريموند، واتسعت لها فروع في كل من برشلونة بأسبانيا و بيزييه وتولوز بفرنسا.

      ومثلما فعل قبله في بغداد الخليفة العباسي المثقف المأمون ، عند ترجمة علوم الإغريق والفرس والهنود ، فقد أوفد الإمبراطور فريديريك الأول، المغرم بالفلك أشهر المترجمين لديه وهو جيرار الكريموني، إلى مدينة طليطلة للحصول على كتاب بطليموس الإغريقي . وعند وصوله إلى المدينة بهرته العلوم السائدة فيها فبقي فيها عشرين سنة نقل خلالها إلى اللاتينية عددا كبيرا من الكتب عاد بها إلى موطنه. وعلى مدى قرنين، استطاعت أوروبا بفضل الترجمة، أن تترجم أكثر من أربعمائة كتاب من العربية، لغة العلوم وقتها .

وتفيد الروايات التاريخية انه قبل سقوط غرناطة عام 1492، كانت مدن الأندلس الكبرى، التي تحولت إلى إمارات خاصة في فترة ملوك الطوائف، سجالا لمدة أربعة قرون بين المسلمين والمسيحيين في شمال الأندلس، الذين كانوا يشنون الحروب ويستولون على مدن، سرعان ما يستردها العرب بعد عقود من سيطرة المسيحييّن . وأصبح التعايش بين الجانبين أمرا واقعا أفرز احتكاكا حضاريا نقل المعارف والعلوم العربية إلى أوروبا الناهضة، بعد سبات قرون كامل العصر الوسيط منذ سقوط الحضارة الرومانية على أيدي قبائل الوندال بقيادة زعيمهم جنزيريك الذي دمر روما ونهبها كما دمرت هي ونهبت في السابق قرطاج، فثأر لقرطاج واتخذها عاصمة مملكته لخمسين سنة من حكمه. وقد هزمته فيما بعد خليفة روما الدولة البيزنطية التي سقطت على أيدي العرب في معركة اليرموك وفي مصر وشمال إفريقيا واسبانيا مع الفتوحات الإسلامية .

   وفي خضم مسارات الحضارات بين النشوء والذبول ثم التراجع والسقوط، كانت الأندلس مسرحا لهذا الحوار الحضاري المتجدد سلما وحربا بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي . وفي زمن ملوك الطوائف بالأندلس عام 1085، تحولت مدينة طليطلة التي سيطر عليها الملك ألفونسو السادس، إلى عاصمة للعلوم الأندلسية. وكان ملك اسبانيا مفتونا بفنون العرب وعلومهم. وأصبحت معه المدينة عاصمة لترجمة الآثار العربية، وتحولت إلى أهم جسر ومعبر تم فيه نقل العلوم العربية إلى أوروبا على غرار ما تم في صقلية .

   وفي نهاية القرن الحادي عشر عند سقوط طليطلة، تم ترجمة الكتب العربية إلى اللاتينية في أكبر عملية ترجمة تشبه تلك التي قام بها المأمون قبل قرنين في الشرق للآثار الإغريقية. وضمت المدينة عشرات المترجمين منهم المترجم الايطالي جيرار الكريموني، الذي عاش في طليطلة، كما سبق، وقام لوحده بترجمة سبعة وثمانين كتابا من اللغة العربية إلى اللغة اللاتينية ، وهي كتب أبرز العلماء المسلمين مثل الرازي وابن سينا والخوارزمي وابن الهيثم والفارابي وجابر بن حيان والكندي والبيروني وغيرهم، توزعت على 24 كتابا في الطب و17 في الهندسة والرياضيات والبصريات و12 في الفلك وسبعة كتب في الكيمياء . وهذه الكتب المترجمة إلى اللاتينية لازالت محفوظة في مكتبة طليطلة، إضافة إلى كتب أخرى محفوظة في مكتبة "اسكوريال" في مدريد، التي تحتوي أيضا على عدة آلاف من المخطوطات العربية المجمعة في ثلاث أجزاء فهارس للكتب.

وقبل قرن من سقوط طليطلة وثلاثة قرون من سقوط بغداد، ظهر في مكتبة العاصمة العباسية كتاب "الفهرست" لابن النديم عام 377 هجرية، أحصى فيه أكثر من ثمانية آلاف كتاب لأكثر من ألف مؤلف من علماء المسلمين بمختلف الدرجات ، يسهل النفاذ اليها بواسطة الكلمات المفاتيح للفهرس التوثيقي. وكانت مكتبة بغداد تضم، بمقاييس ذلك الزمن، عددا من الكتب أكثر وأغنى من محتويات مكتبة الكونغرس الأمريكية الشهيرة اليوم.

    وقد تحدثت المستشرقة الألمانية زيغريد هونكا في كتابها "شمس العرب تسطع على الغرب"، بإسهاب كبير عن مساهمة الإرث العربي الإسلامي في نهضة أوروبا عبر جهود الترجمة والتبادل العلمي زمن الحروب والسلم بين ضفتي المتوسط عبر صقلية والأندلس، وصولا إلى الممالك الجرمانية في شمال أوروبا.(ص 28-39).

  كما تحدثت في الكتاب عن قصص وشهادات عديدة مستخرجة من الإرث الأدبي والتاريخ الأوروبي ومن أرشيف مراسلات الملوك والأمراء والنبلاء الأوروبيين في القرون الوسطى، التي تبرز كيف كان الحكام والأعيان والأغنياء يتسابقون لإرسال أبنائهم في بعثات جامعية للدراسة في جامعات الأندلس وصقلية المتقدمة في مختلف العلوم والفنون. وعندما يعودون إلى بلدانهم يتكلمون اللاتينية الممزوجة ببعض الكلمات العربية، التي كانت موضة ذلك الزمان، لإظهار مدى تحضرهم وإلمامهم الثقافي الواسع وترفعا عن مجتمعهم المتخلف وعن اللغة اللاتينية الميتة غير القادرة وقتها على حمل التطور العلمي في بلاد العرب والمسلمين في الأندلس. وكانوا بذلك مثل من درسوا من العرب والمسلمين في القرن التاسع عشر في باريس ولندن وكانوا يتكلمون الفرنسية او الانجليزية ممزوجة مع العربية لإظهار حداثتهم وتحضرهم في مجتمعات عربية وإسلامية متخلفة.

      وسيتجدد ذلك السيناريو التاريخي الحتمي لمسار تطور البشرية مع بداية نهضة العالم العربي بداية القرن الثامن عشر مع وفود البعثات العلمية للعرب والمسلمين، التي أرسلها كل من الحاكم المصلح محمد علي باشا في مصر والمشير أحمد باشا باي ثم خير الدين باشا في تونس وساهمت في ظهور عدد من رواد حركة الإصلاح الحضاري وفي مقدمتهم الشيخ محمد عبده ورفاعة الطهطاوي وأحمد فارس الشدياق الذين ألفوا كتبا عن رحلاتهم وصفوا فيها بانبهار ما شاهدوه من مظاهر النهضة العلمية السائدة في أوروبا . ونفس الأمر كان مع المصلح المترجم علي الورداني مستشار خير الدين التونسي، الذي أوفده السلطان العثماني نهاية القرن التاسع عشر إلى إسبانيا وجنوب فرنسا في مهمة للاطلاع على المخطوطات العربية هناك في محاولة للاستفادة منها في عملية التطوير، وألف كتاب " الرحلة الأندلسية " في أعقاب تلك المهمة، نشره في سلسلة مقالات في جريدة "الحاضرة" عام 1888.

 وفي كتابه :"فلورانسا وبغداد : فن النهضة والعلوم العربية" ، يتحدث مؤرخ الفنون والمعمار، الألماني هانس بيلتينغ، عن جذور الفن المعماري الأوروبي لعصر النهضة فيقول انه انطلق من فلورانسا قادما إليها من صقلية وبغداد ومن القيروان القريبة.

ويعترف في الكتاب الصادر عام 2011 ، بفضل المسلمين على البشرية في ضمان استمرار المعرفة الإنسانية خلال العصر الوسيط وإنقاذها من الجهل الذي استقر بأوروبا معترفا بأن العصر الروماني الذي استمر لقرون لم يشهد نهضة أو تقدما علميا أو فكريا، بل سيطرت فيه الكثير من الخرافات الأسطورية واللاهوتية وهو عصر حروب رومانية وبناء للمنشآت والمدن وتكديس للثروة، دون روح فكرية أو علمية. وأبرز بالمقابل التكامل والأريحية في المساهمة الحضارية لكل القوميات والديانات المختلفة في بناء الحضارة العربية الإسلامية دون أن يقع طمس الديانات الأخرى ومختلف الملل والنحل، بل كانت هذه الأخيرة عنصر إثراء للعصر الإسلامي حسب تعبيره . كما كانت اللغة العربية لغة العلوم التي وحدت الشعوب المساهمة في نهضتها مهما كانت ديانتهم أو لغتهم، كما نشاهد اليوم وضع اللغة الانجليزية واستيعاب أوروبا وأمريكا لكل كفاءات العالم. وامتدح في نفس السياق التكامل بين الدين والعلم في الحضارة العربية الإسلامية، حيث لم يكن هناك تدخل ديني في البحث العلمي والحركة الفكرية لوجود تكامل وليس تنافر بين الدين والعلم، عكس أوروبا التي كانت فيها الكنيسة مسيطرة على الأفكار والمجتمع وعلى العلوم أيضا . ولم تنهض أوروبا إلا حين فصلت الكنيسة عن العلم . وأبرز في نفس السياق رعاية الحكام المسلمين للعلماء والمفكرين خلال العصر الوسيط، مما جعل حكام مدينة فلورنسا يقتفون أثرهم في ذلك وهي المدينة التي انطلقت منها النهضة الأوروبية الحديثة في نظره .

   ويعتبر المؤرخ بيتينغ في كتابه أيضا أن الاختراعات الأوروبية الحديثة، إما جاءت في كتب عربية ترجمت، أو جاءت نتيجة حسابات هندسية ورياضية عربية دقيقة هي نتاج بيئة تطور العلوم العربية. "وقد قام الأوروبيون بتطبيقها فنجحت التجارب التي تحولت إلى اختراعات"، كما جاء في كتابه.