إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أملاك الدولة في تونس وفي التجارب المقارنة...ما هو كائن وما يجب أن يكون؟

بقلم :ريم بالخذيري

تكرّر تداول مصطلح "أملاك الدولة" كثيرا بين التونسيين خلال الأسبوعين الفارطين واكتشف العديد منهم جزءا من ثروات البلد المهملة من هذه الأملاك على غرار هنشير الشعال (ثاني أكبر غابة في العالم) أو هنشير النفيضة والذي يمتد على أربع ولايات على الأقل. كما تكررت زيارات الولاة والمسؤولين لعدد من هذه الأملاك للتفقّد والمحاسبة. وأصبحت ترد على مصالح رئاسة الجمهورية والوزارات مئات الشكاوي والإشعارات بوجود شبهات ملفات فساد في إدارة هذه الأملاك .

هذا الزخم في هذا القطاع جعل الأمر يختلط في ذهن المواطن بين أملاك الدولة والملك العمومي والمؤسسات والعقارات المصادرة. فما هي أملاك الدولة في المفهوم التونسي وفي التجارب المقارنة ؟ وما الفرق بينها وبين الملك العمومي؟ وما هو حجمها وكيف السبيل الى الاستفادة من هذه الثروة وقطع دابر الفساد فيها؟

أملاك الدولة والتجارب المقارنة

من الغريب ألا نعثر في الموقع الالكتروني لوزارة أملاك الدولة تعريفا بمهامها أو جرد لمجال تدخلها وبالتالي سنعرّفها انطلاقا من الأمر الحكومي عدد 999 لسنة 1990 الذي أنشأها وفيه تعريف بها وبمهامها فهي الوزارة المكلفة بإدارة وصيانة واستثمار الممتلكات العقارية والعينية التابعة للدولة التونسية. وتتولى حماية أملاك الدولة من التعديات وتنظيم استغلالها بأفضل طريقة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما تشرف على بيع أو تأجير الأصول العامة غير المستغلة، وتدير العقارات المتعلقة بالمرافق العامة.

وتلعب الوزارة دورًا مهمًا في إطار السياسات الوطنية لتشجيع الاستثمار والشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتعتبر جزءًا حيويًا في تطوير مشاريع التنمية في تونس.

وتصنف أملاك الدولة إلى عامة وخاصة فالعامة تشمل الأراضي والعقارات التي تستغل للمرافق والخدمات العامة، بينما الأملاك الخاصة يمكن استغلالها وبيعها في إطار الشروط التي يحددها القانون.

وهي بهذا التعريف تعدّ وزارة سيادية ومحورية في علاقة مباشرة بكل الوزارات بل يمكن اعتبارها قاطرة الاقتصاد الوطني. وتُقدّر نسبة أملاك الدولة في تونس بحوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك وفقاً لتقارير سابقة صادرة عن صندوق النقد الدولي. وتشمل هذه الأملاك الأراضي الزراعية والعقارات والمباني الحكومية، بالإضافة إلى الشركات والمشاريع المملوكة من قبل الدولة. نضيف اليها الشركات المصادرة والعقارات(حوالي 500عقار ومئات الشركات السيارات واليخوت الفاخرة) وبهذا من الممكن أن ترتفع النسبة إلى 60 بالمائة.

وبات واضحا أن إحداث وزارة لها يفوق طاقتها مهما منحت من صلاحيات. فأملاك الدولة مثلما أشرنا ليست مجرد عقارات وضيعات إنما هي رئة الاقتصاد وهي مبثوثة في كل الوزارات. وبالتالي يصعب إيجاد التناغم بينها ويستحيل على وزارة واحدة مراقبتها وإدارتها.

وهذا ما جعل وزارة أملاك الدولة عاجزة عن أداء مهامها الرقابية وحسن استغلال هذه الثروة التي ينخرها الفساد من كل جانب. وهو ما أكده وزير أملاك الدولة خلال مناقشة ميزانية وزارته حيث اشتكى من محدودية القوانين التي تتيح للوزارة معالجة كل القضايا والملفات الكثيرة .

والحل هو بعث قطب إداري اقتصادي رقابي يضطلع بهذه المهمة وتكون كل أملاك الدولة التابعة لكل الوزارات والمؤسسات العمومية تحت إشرافه المباشر وفي علاقة إدارية مباشرة مع رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة.

فهذا كفيل بنجاح الحرب على الفساد وحسن إدارة أملاك الدولة وتحويلها إلى ثروة حقيقية وليس عبئا على الدولة.

ومن المهم تعزيز الشفافية فيها وسنّ قوانين وآليات جديدة في إدارتها في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص .

وفي التجارب المقارنة، تختلف إدارة أملاك الدولة من بلد إلى آخر حسب القوانين والتشريعات المتبعة.

فرنسا مثلا لا تمتلك وزارة خاصة بهذه الأملاك وإنما تعتمد على الوكالة الوطنية لأملاك الدولة التي تدير الأصول العقارية الحكومية. وهناك نظام واضح لبيع العقارات غير المستغلة عبر مزادات علنية أو اتفاقات مباشرة، مما يضمن الشفافية والكفاءة في إدارتها وهي تشمل أملاك الدولة العامة ( الأراضي والممتلكات التي تُستخدم بشكل مباشر لخدمة العامة، مثل الشوارع، السكك الحديدية، والموانئ...) و هذه الأملاك تخضع لقيود قانونية محددة للحفاظ على استخدامها لصالح الخدمة العامة.

أما أملاك الدولة الفرنسية الخاصة فشمل الممتلكات غير المخصصة مباشرة لخدمة العامة، مثل العقارات التي تملكها الدولة ولكن يمكن استخدامها لأغراض أخرى كالإيجار أو البيع.

كما تشمل أيضا أملاكا تتعلق بالجيش، مثل الثكنات والحدود العسكرية.

وبعض الممتلكات ذات طابع خاص مثل الغابات والمناجم، بالإضافة إلى الأملاك الثقافية كالمتاحف والمجموعات الفنية .

وفي المغرب، تمثل أملاك الدولة موارد اقتصادية مهمة، ويتم إدارتها من خلال المديرية العامة لأملاك الدولة. حيث يتم منح الأراضي غير المستغلة للاستثمار ضمن إطار شراكات بين القطاعين العام والخاص، ما يعزز تنمية المشاريع في مختلف القطاعات.

وتستخدم إيطاليا نظامًا مشابهًا لفرنسا مع وجود هيئات إدارية خاصة تقوم بتأجير أو بيع الأصول غير المستغلة بهدف تقليص العجز المالي وتعزيز الاستثمار في العقارات.

وفي تركيا يتم الاعتماد على نظام توزيع الأراضي العامة للمستثمرين من خلال برامج تحفيزية، بما في ذلك تخفيضات ضريبية وشروط دفع ميسرة. بهدف جذب الاستثمار الأجنبي وتعزيز التنمية المحلية.

وفي المقابل توجد دول تكاد تكون مهيمنة على الاقتصاد بفضل أملاكها العامة والخاصة منها الصين التي تعتبر من أكبر الدول في العالم من حيث حجم أملاك الدولة، حيث تمتلك الحكومة العديد من الشركات الكبرى في قطاعات مثل الطاقة والنقل والاتصالات. والدولة في الصين تلعب دورًا محوريًا في الاقتصاد، وتُسيطر على العديد من الأصول العامة بنسبة تفوق 50 بالمائة .

خلاصة القول أن الملكية العامة أو أملاك الدولة تمثل جزءًا كبيرًا من الاقتصاد في العديد من الدول، بما في ذلك من خلال صناديق الثروات السيادية التي تديرها بعض الدول الكبرى كالتي تملكها الإمارات والسعودية. والصين التي تمتلك أكبر صندوق سيادي في العالم، تليها صندوق النرويج المعروف بـ "صندوق النفط النرويجي" الذي تبلغ قيمته حوالي 1.26 تريليون دولار أمريكي.

هذه الصناديق عادة ما تدار باستخدام فائض الميزانية الذي يتم الحصول عليه من الموارد الطبيعية أو الاحتياطات الأجنبية.

ما يمكن أن يكون

تسعى كل الدول وتطور باستمرار تشريعاتها للاستفادة القصوى من أملاك الدولة وكلما كانت الشراكة بين القطاعين الخاص والعام قوية كلما كان الاقتصاد أقوى وكلما كان الفساد في أملاك الدولة متغلغلا فانّ الشلل يصيب كل مفاصل الدولة بما فيها القطاع الخاص (يظهر هذا في ملف الصفقات العمومية التي تضرر من المحاباة والرشوة فيها عدد كبير من المؤسسات المتوسطة والصغرى خاصة).

وللاستفادة المثلى من أملاك الدولة يتطلب اتخاذ مجموعة من الإجراءات الإستراتيجية والتنظيمية التي تساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني وتحقيق مصلحة المجتمع أهمها:

* سن قوانين جديدة مواكبة للتحولات للتعامل مع هذه الأملاك وحسن إدارتها ومحاصرة الفساد فيها .

* تعزيز الشفافية والمساءلة من خلال تبني سياسات شفافة في إدارة الأملاك العامة، مثل الإعلان عن عقود الإيجار أو بيع الأراضي والممتلكات.

* تحفيز الاستثمارات الخاصة حيث يمكن للدولة أن تستثمر في شراكات بين القطاعين العام والخاص لتطوير أملاكها، مثل مشاريع البناء أو تطوير العقارات التي تمتلكها الحكومة. هذا سيمكن من زيادة العوائد دون تحمل عبء الإنفاق العام.

* الخصخصة الحكيمة: في بعض الحالات، يمكن أن يكون من المفيد للدولة بيع بعض الشركات أو العقارات التي لا تلعب دورًا استراتيجيًا في الاقتصاد. يجب أن تتم هذه العملية بحذر لضمان عدم التفريط في الأصول الحيوية.

* استخدام الأملاك لتعزيز التنمية الاقتصادية: تخصيص الأراضي والمباني لبناء مشاريع تنموية مثل المرافق العامة أو الصناعات الخضراء(استغلال الصحراء في إنتاج الطاقة) وهو ما يساهم في نمو الاقتصاد المحلي وتعزيز التصدير. أو، بناء مراكز تجارية أو ملاعب ومصانع في مناطق غير مستغلة.

* تعزيز السياحة: يمكن للدولة الاستفادة من الأملاك السياحية التي تمتلكها، مثل المعالم التاريخية أو المناطق الطبيعية، من خلال تحسين بنية الخدمات وتطوير السياحة المستديمة.

* إدارة فعّالة للأراضي: يمكن تحسين استخدام الأراضي المملوكة للدولة من خلال خطط حضرية وتنموية تساهم في التوسع العمراني المستديم، مما يتيح زيادة العوائد من الأملاك العقارية.

أرقام ودلالات:

* وضعت وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية الرقم الأخضر المجاني 80101890 للتبليغ عن شبهات الفساد والاعتداءات على أملاك الدولة.

* لغاية 2021 نظرت لجنة الأملاك المصادرة في 684 عقارا و 1044 مساهمات في شركات و 469 رصيدا بنكيا والتي أصبحت آليا على ملك الدولة بنسب متفاوتة.

* بلغت عائدات التفويت في الأموال والممتلكات المصادرة الى موفى سنة 2021 ما قدره 3000 مليون دينار. 1900 مليون دينار منها فقط تم تحويلها الى ميزانية الدولة.

* بلغ عدد العقارات المصادرة أكثر من 600 عقارا وتشمل قصورا وفيلات وأراض وضيعات فلاحية وغيرها.

وقد تم التفويت في 204 عقارا بقيمة 330 مليون دينار لغاية سنة 2021.

كما تمت مصادرة أكثر من 300 سيارة وعربة، وتم التفويت في 108 منها بقيمة 5 مليون دينار.

* أفادت منظمة الشفافية الدولية أن كلفة الفساد في تونس تقدر بـ 2 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، أي ما يعادل نقطتين من نسبة النمو السنوية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أملاك الدولة في تونس وفي التجارب المقارنة...ما هو كائن وما يجب أن يكون؟

بقلم :ريم بالخذيري

تكرّر تداول مصطلح "أملاك الدولة" كثيرا بين التونسيين خلال الأسبوعين الفارطين واكتشف العديد منهم جزءا من ثروات البلد المهملة من هذه الأملاك على غرار هنشير الشعال (ثاني أكبر غابة في العالم) أو هنشير النفيضة والذي يمتد على أربع ولايات على الأقل. كما تكررت زيارات الولاة والمسؤولين لعدد من هذه الأملاك للتفقّد والمحاسبة. وأصبحت ترد على مصالح رئاسة الجمهورية والوزارات مئات الشكاوي والإشعارات بوجود شبهات ملفات فساد في إدارة هذه الأملاك .

هذا الزخم في هذا القطاع جعل الأمر يختلط في ذهن المواطن بين أملاك الدولة والملك العمومي والمؤسسات والعقارات المصادرة. فما هي أملاك الدولة في المفهوم التونسي وفي التجارب المقارنة ؟ وما الفرق بينها وبين الملك العمومي؟ وما هو حجمها وكيف السبيل الى الاستفادة من هذه الثروة وقطع دابر الفساد فيها؟

أملاك الدولة والتجارب المقارنة

من الغريب ألا نعثر في الموقع الالكتروني لوزارة أملاك الدولة تعريفا بمهامها أو جرد لمجال تدخلها وبالتالي سنعرّفها انطلاقا من الأمر الحكومي عدد 999 لسنة 1990 الذي أنشأها وفيه تعريف بها وبمهامها فهي الوزارة المكلفة بإدارة وصيانة واستثمار الممتلكات العقارية والعينية التابعة للدولة التونسية. وتتولى حماية أملاك الدولة من التعديات وتنظيم استغلالها بأفضل طريقة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما تشرف على بيع أو تأجير الأصول العامة غير المستغلة، وتدير العقارات المتعلقة بالمرافق العامة.

وتلعب الوزارة دورًا مهمًا في إطار السياسات الوطنية لتشجيع الاستثمار والشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتعتبر جزءًا حيويًا في تطوير مشاريع التنمية في تونس.

وتصنف أملاك الدولة إلى عامة وخاصة فالعامة تشمل الأراضي والعقارات التي تستغل للمرافق والخدمات العامة، بينما الأملاك الخاصة يمكن استغلالها وبيعها في إطار الشروط التي يحددها القانون.

وهي بهذا التعريف تعدّ وزارة سيادية ومحورية في علاقة مباشرة بكل الوزارات بل يمكن اعتبارها قاطرة الاقتصاد الوطني. وتُقدّر نسبة أملاك الدولة في تونس بحوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك وفقاً لتقارير سابقة صادرة عن صندوق النقد الدولي. وتشمل هذه الأملاك الأراضي الزراعية والعقارات والمباني الحكومية، بالإضافة إلى الشركات والمشاريع المملوكة من قبل الدولة. نضيف اليها الشركات المصادرة والعقارات(حوالي 500عقار ومئات الشركات السيارات واليخوت الفاخرة) وبهذا من الممكن أن ترتفع النسبة إلى 60 بالمائة.

وبات واضحا أن إحداث وزارة لها يفوق طاقتها مهما منحت من صلاحيات. فأملاك الدولة مثلما أشرنا ليست مجرد عقارات وضيعات إنما هي رئة الاقتصاد وهي مبثوثة في كل الوزارات. وبالتالي يصعب إيجاد التناغم بينها ويستحيل على وزارة واحدة مراقبتها وإدارتها.

وهذا ما جعل وزارة أملاك الدولة عاجزة عن أداء مهامها الرقابية وحسن استغلال هذه الثروة التي ينخرها الفساد من كل جانب. وهو ما أكده وزير أملاك الدولة خلال مناقشة ميزانية وزارته حيث اشتكى من محدودية القوانين التي تتيح للوزارة معالجة كل القضايا والملفات الكثيرة .

والحل هو بعث قطب إداري اقتصادي رقابي يضطلع بهذه المهمة وتكون كل أملاك الدولة التابعة لكل الوزارات والمؤسسات العمومية تحت إشرافه المباشر وفي علاقة إدارية مباشرة مع رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة.

فهذا كفيل بنجاح الحرب على الفساد وحسن إدارة أملاك الدولة وتحويلها إلى ثروة حقيقية وليس عبئا على الدولة.

ومن المهم تعزيز الشفافية فيها وسنّ قوانين وآليات جديدة في إدارتها في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص .

وفي التجارب المقارنة، تختلف إدارة أملاك الدولة من بلد إلى آخر حسب القوانين والتشريعات المتبعة.

فرنسا مثلا لا تمتلك وزارة خاصة بهذه الأملاك وإنما تعتمد على الوكالة الوطنية لأملاك الدولة التي تدير الأصول العقارية الحكومية. وهناك نظام واضح لبيع العقارات غير المستغلة عبر مزادات علنية أو اتفاقات مباشرة، مما يضمن الشفافية والكفاءة في إدارتها وهي تشمل أملاك الدولة العامة ( الأراضي والممتلكات التي تُستخدم بشكل مباشر لخدمة العامة، مثل الشوارع، السكك الحديدية، والموانئ...) و هذه الأملاك تخضع لقيود قانونية محددة للحفاظ على استخدامها لصالح الخدمة العامة.

أما أملاك الدولة الفرنسية الخاصة فشمل الممتلكات غير المخصصة مباشرة لخدمة العامة، مثل العقارات التي تملكها الدولة ولكن يمكن استخدامها لأغراض أخرى كالإيجار أو البيع.

كما تشمل أيضا أملاكا تتعلق بالجيش، مثل الثكنات والحدود العسكرية.

وبعض الممتلكات ذات طابع خاص مثل الغابات والمناجم، بالإضافة إلى الأملاك الثقافية كالمتاحف والمجموعات الفنية .

وفي المغرب، تمثل أملاك الدولة موارد اقتصادية مهمة، ويتم إدارتها من خلال المديرية العامة لأملاك الدولة. حيث يتم منح الأراضي غير المستغلة للاستثمار ضمن إطار شراكات بين القطاعين العام والخاص، ما يعزز تنمية المشاريع في مختلف القطاعات.

وتستخدم إيطاليا نظامًا مشابهًا لفرنسا مع وجود هيئات إدارية خاصة تقوم بتأجير أو بيع الأصول غير المستغلة بهدف تقليص العجز المالي وتعزيز الاستثمار في العقارات.

وفي تركيا يتم الاعتماد على نظام توزيع الأراضي العامة للمستثمرين من خلال برامج تحفيزية، بما في ذلك تخفيضات ضريبية وشروط دفع ميسرة. بهدف جذب الاستثمار الأجنبي وتعزيز التنمية المحلية.

وفي المقابل توجد دول تكاد تكون مهيمنة على الاقتصاد بفضل أملاكها العامة والخاصة منها الصين التي تعتبر من أكبر الدول في العالم من حيث حجم أملاك الدولة، حيث تمتلك الحكومة العديد من الشركات الكبرى في قطاعات مثل الطاقة والنقل والاتصالات. والدولة في الصين تلعب دورًا محوريًا في الاقتصاد، وتُسيطر على العديد من الأصول العامة بنسبة تفوق 50 بالمائة .

خلاصة القول أن الملكية العامة أو أملاك الدولة تمثل جزءًا كبيرًا من الاقتصاد في العديد من الدول، بما في ذلك من خلال صناديق الثروات السيادية التي تديرها بعض الدول الكبرى كالتي تملكها الإمارات والسعودية. والصين التي تمتلك أكبر صندوق سيادي في العالم، تليها صندوق النرويج المعروف بـ "صندوق النفط النرويجي" الذي تبلغ قيمته حوالي 1.26 تريليون دولار أمريكي.

هذه الصناديق عادة ما تدار باستخدام فائض الميزانية الذي يتم الحصول عليه من الموارد الطبيعية أو الاحتياطات الأجنبية.

ما يمكن أن يكون

تسعى كل الدول وتطور باستمرار تشريعاتها للاستفادة القصوى من أملاك الدولة وكلما كانت الشراكة بين القطاعين الخاص والعام قوية كلما كان الاقتصاد أقوى وكلما كان الفساد في أملاك الدولة متغلغلا فانّ الشلل يصيب كل مفاصل الدولة بما فيها القطاع الخاص (يظهر هذا في ملف الصفقات العمومية التي تضرر من المحاباة والرشوة فيها عدد كبير من المؤسسات المتوسطة والصغرى خاصة).

وللاستفادة المثلى من أملاك الدولة يتطلب اتخاذ مجموعة من الإجراءات الإستراتيجية والتنظيمية التي تساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني وتحقيق مصلحة المجتمع أهمها:

* سن قوانين جديدة مواكبة للتحولات للتعامل مع هذه الأملاك وحسن إدارتها ومحاصرة الفساد فيها .

* تعزيز الشفافية والمساءلة من خلال تبني سياسات شفافة في إدارة الأملاك العامة، مثل الإعلان عن عقود الإيجار أو بيع الأراضي والممتلكات.

* تحفيز الاستثمارات الخاصة حيث يمكن للدولة أن تستثمر في شراكات بين القطاعين العام والخاص لتطوير أملاكها، مثل مشاريع البناء أو تطوير العقارات التي تمتلكها الحكومة. هذا سيمكن من زيادة العوائد دون تحمل عبء الإنفاق العام.

* الخصخصة الحكيمة: في بعض الحالات، يمكن أن يكون من المفيد للدولة بيع بعض الشركات أو العقارات التي لا تلعب دورًا استراتيجيًا في الاقتصاد. يجب أن تتم هذه العملية بحذر لضمان عدم التفريط في الأصول الحيوية.

* استخدام الأملاك لتعزيز التنمية الاقتصادية: تخصيص الأراضي والمباني لبناء مشاريع تنموية مثل المرافق العامة أو الصناعات الخضراء(استغلال الصحراء في إنتاج الطاقة) وهو ما يساهم في نمو الاقتصاد المحلي وتعزيز التصدير. أو، بناء مراكز تجارية أو ملاعب ومصانع في مناطق غير مستغلة.

* تعزيز السياحة: يمكن للدولة الاستفادة من الأملاك السياحية التي تمتلكها، مثل المعالم التاريخية أو المناطق الطبيعية، من خلال تحسين بنية الخدمات وتطوير السياحة المستديمة.

* إدارة فعّالة للأراضي: يمكن تحسين استخدام الأراضي المملوكة للدولة من خلال خطط حضرية وتنموية تساهم في التوسع العمراني المستديم، مما يتيح زيادة العوائد من الأملاك العقارية.

أرقام ودلالات:

* وضعت وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية الرقم الأخضر المجاني 80101890 للتبليغ عن شبهات الفساد والاعتداءات على أملاك الدولة.

* لغاية 2021 نظرت لجنة الأملاك المصادرة في 684 عقارا و 1044 مساهمات في شركات و 469 رصيدا بنكيا والتي أصبحت آليا على ملك الدولة بنسب متفاوتة.

* بلغت عائدات التفويت في الأموال والممتلكات المصادرة الى موفى سنة 2021 ما قدره 3000 مليون دينار. 1900 مليون دينار منها فقط تم تحويلها الى ميزانية الدولة.

* بلغ عدد العقارات المصادرة أكثر من 600 عقارا وتشمل قصورا وفيلات وأراض وضيعات فلاحية وغيرها.

وقد تم التفويت في 204 عقارا بقيمة 330 مليون دينار لغاية سنة 2021.

كما تمت مصادرة أكثر من 300 سيارة وعربة، وتم التفويت في 108 منها بقيمة 5 مليون دينار.

* أفادت منظمة الشفافية الدولية أن كلفة الفساد في تونس تقدر بـ 2 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، أي ما يعادل نقطتين من نسبة النمو السنوية.