إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وإطلاق مسار برشلونة.. وزير الخارجية يؤكد على ضرورة "التقييم وإعادة النظر".. !

 

تونس – الصباح

أكد وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، محمّد علي النفطي، خلال مشاركته منذ أيام في فعاليات الاحتفال بالعيد الوطني لمملكة اسبانيا أن مبادرات التعاون الثنائي مع الجانب الاسباني تندرج في إطار ديناميكية تقارب شاملة بين البلدين، وأن السنة المقبلة سيتم إحياء الذكرى الثلاثين لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون بين تونس واسبانيا وسيتزامن ذلك مع الذكرى الثلاثين لإبرام اتفاقية الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي ..

وفي تصريح لافت أشار وزير الشؤون الخارجية في هذا السياق إلى أن اتفاقية الشراكة مع الجانب الأوروبي تتطلّب التقييم وإعادة النظر وإطلاق مسار برشلونة ..

تصريح يشير بوضوح إلى أن نية تقييم هذه الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وإعادة النظر في بعض بنودها – وهو مطلب أثير بقوة من طرف المجتمع المدني في السنوات الأخيرة – حاضرة اليوم في رؤية تونس لهذه الشراكة وموجودة في جدول أعمال حكومة المدّوري، خاصة وأن الفترة الماضية شهدت لقاءات رفيعة المستوى بين رئيس الجمهورية وقادة أوروبيين بارزين انتهت بتوقيع اتفاق 16 جويلية 2023 وهو عبارة عن مذكرة تفاهم حول "الشراكة الإستراتيجية والشّاملة" في عدة مجالات وملفات، أبرزها مكافحة الهجرة غير النظامية والتجارة والاقتصاد والزراعة والطاقة والانتقال الرقمي .

وأسس الشراكة مع الاتحاد الأوروبي قديمة وتعود إلى منتصف التسعينات بتوقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية، وفي جانفي 2008 انطلقت تونس في تطبيق اتفاقية التبادل التجاري الحر مع الاتحاد الأوروبي في المجال الصناعي وبموجب هذا الاتفاق أصبحت المنتجات الصناعية التونسية تحظى بتسهيلات للدخول إلى الأسواق الأوروبية، التي تعد الأهم على الإطلاق للصادرات التونسية.

ولكن في السنوات الأخيرة تحولّت الاتفاقية الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي إلى موضوع نقاش عام، سياسي ومدني، وطالبت عدة أطراف بتقييمها ومراجعتها وأنها لم تخدم الاقتصاد التونسي لا في المجال الصناعي ولا في مجال التصدير، كما ساهمت بطريقة ما في إضعاف الاقتصاد الوطني لأنها لم تكن اتفاقية متكافئة ولم تحقق التطوّر المأمول اقتصاديا بالنسبة لتونس والتي لم تصل بعد واقعيا وعمليا إلى رتبة الشريك المميز والقوي في الضفة الجنوبية من المتوسط .

اتفاقية الشراكة.. نجاحات وانتقادات

لا يمكن إنكار أن اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي حققت لتونس بعض الإنجازات، ولكن اليوم ومع المتغيّرات الكبيرة التي يشهدها العالم بفعل الصراعات الجديدة وبروز تحالفات قوية جديدة، ارتفعت أصوات كثيرة تطالب بضرورة أن تعمل الدولة التونسية على تنويع شركائها الاقتصاديين لإنقاذ الاقتصاد الوطني من وضعية الأزمة التي يمرّ بها وأن بعض بنود هذه الاتفاقية تجاوزها الزمن ولم تعد مناسبة للرهانات الجديدة المطروحة اليوم على الاقتصاد الوطني ..

واليوم يعود هذا الطرح بشأن ضرورة التقييم وإعادة النظر على المستوى الحكومي ومن خلال وزير الخارجية، وهي ليست أول مرة تتبنى فيها الحكومة التونسية هذا الموقف حيث أن وزير الخارجية الأسبق خميس الجيهناوي أعلن في أواخر جويلية 2017 أن تونس ترغب في الخروج من سياسة الجوار مع الاتحاد الأوروبي وقد تقدمت بأفكار جديدة بهدف التوصل إلي تصور مشترك مع الجانب الأوروبي لمستقبل العلاقات التونسية-الأوروبية، وبعد ذلك بأشهر قليلة قال المفوض الأوروبي لسياسات الجوار أن الوقت حان للحديث عن مستقبل العلاقات بين تونس والاتحاد الأوروبي وأن الحاجة تدعو إلى وضع خارطة طريق لتحديد القطاعات ذات الأولوية بالنسبة للتعاون المستقبلي بين الجانبين.

ولكن بعد ذلك اختفت نوايا المراجعة لأسباب مختلفة ومنها أساسا عدم الاستقرار السياسي وكذلك جراء جائحة كورونا وبعد ذلك أزمة الهجرة غير النظامية، واليوم مع توجه تونس إلى مرحلة سياسية جديدة يبدو أن الأمر استقر على ضرورة مراجعة الاتفاقية الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي .

 وكان عدد كبير من الجمعيات والمنظمات والشخصيات الاقتصادية والسياسية ظلّت تدعو خلال كل السنوات الماضية إلى ضرورة تقييم ما وصفته بالحصيلة السلبية لاتفاق التبادل الحر للسلع الصناعية المبرم سنة 1995 ودعا بعضها إلى ضرورة مراجعة أسس المفاوضات بين تونس والاتحاد الأوروبي بما يراعي التفاوت الشاسع في مستويات التنمية وذلك سعيا  إلى إرساء شراكة جديدة وحقيقية تراعي مصالح تونس وتقيها من المنافسة الأوروبية غير المتكافئة التي ألحقت الضرر البالغ بالاقتصاد التونسي وبعدة قطاعات إنتاجية .

مسار برشلونة

رغم أن العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي ظلت دائما وثيقة ومتواصلة بالنسبة لدول جنوب المتوسط والتي في أغلبها كانت مستعمرات تابعة لدول أوروبية وخاصة فرنسا التي كانت تبسط هيمنتها على جنوب المتوسّط إلا أن تلك العلاقات تطوّرت إلى شراكة إستراتيجية في نوفمبر 1995 مع انعقاد مؤتمر برشلونة الذي ضم وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي مع نظرائهم من 12 دولة متوسطية.

ومنذ ذلك الوقت كان دائما هناك حديث عن تطورات مسار برشلونة للتقارب وما انتهى إليه بعد سنوات من إعلان برشلونة الذي كان نقطة تحوّل مهمة وتاريخية  في العلاقات الأورومتوسطية، ومن خلاله وُلدت تصورات جديدة لهذه العلاقة في إطار محاور ثلاثة أولها الشراكة السياسية والأمنية، والتي كان الهدف منها تأسيس منطقة متوسطية للسلام والاستقرار قائمة على الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، ولكن الاتفاق حول هذا المحور كان متعثّرا في الواقع والمحور الثاني مؤسس على الشراكة الاقتصادية والمالية ويهدف إلى إنشاء منطقة للتجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي ودول حوض البحر الأبيض المتوسط، ويسعى إلى دعم القطاع الخاص في الدول المتوسطية وزيادة حجم الاستثمارات المالية والاقتصادية داخلها، أما المحور الثالث فيهتم بالشراكة الاجتماعية والثقافية والإنسانية، ويهدف إلى إحداث نوع من التقارب "بين مواطني حوض البحر الأبيض المتوسط"..

ورغم أن الأهداف وقتها ومن خلال محاور الاتفاق كانت واعدة ومهمة إلا أنه وبعد كل هذه السنوات أثبت الواقع تعثّر اغلبها في الواقع ووجود عدة فوارق وحواجز حالت دون تحقيقها سواء كانت عوامل موضوعية أو ذاتية تتعلق ببلدان المتوسّط وخاصة بلدان الضفة الجنوبية حيث كانت الظروف الداخلية غير المستقرة خاصة بعد ثورات الربيع العربي من أهم العراقيل التي واجهت هذه الأهداف واليوم يحتاج مسار برشلونة بدوره إلى عملية إنعاش وإحياء تراعي التطورات التي تعيشها بلدان المتوسّط وتراعي خصوصياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية .

منية العرفاوي

اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وإطلاق مسار برشلونة..  وزير الخارجية يؤكد على ضرورة "التقييم وإعادة النظر".. !

 

تونس – الصباح

أكد وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، محمّد علي النفطي، خلال مشاركته منذ أيام في فعاليات الاحتفال بالعيد الوطني لمملكة اسبانيا أن مبادرات التعاون الثنائي مع الجانب الاسباني تندرج في إطار ديناميكية تقارب شاملة بين البلدين، وأن السنة المقبلة سيتم إحياء الذكرى الثلاثين لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون بين تونس واسبانيا وسيتزامن ذلك مع الذكرى الثلاثين لإبرام اتفاقية الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي ..

وفي تصريح لافت أشار وزير الشؤون الخارجية في هذا السياق إلى أن اتفاقية الشراكة مع الجانب الأوروبي تتطلّب التقييم وإعادة النظر وإطلاق مسار برشلونة ..

تصريح يشير بوضوح إلى أن نية تقييم هذه الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وإعادة النظر في بعض بنودها – وهو مطلب أثير بقوة من طرف المجتمع المدني في السنوات الأخيرة – حاضرة اليوم في رؤية تونس لهذه الشراكة وموجودة في جدول أعمال حكومة المدّوري، خاصة وأن الفترة الماضية شهدت لقاءات رفيعة المستوى بين رئيس الجمهورية وقادة أوروبيين بارزين انتهت بتوقيع اتفاق 16 جويلية 2023 وهو عبارة عن مذكرة تفاهم حول "الشراكة الإستراتيجية والشّاملة" في عدة مجالات وملفات، أبرزها مكافحة الهجرة غير النظامية والتجارة والاقتصاد والزراعة والطاقة والانتقال الرقمي .

وأسس الشراكة مع الاتحاد الأوروبي قديمة وتعود إلى منتصف التسعينات بتوقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية، وفي جانفي 2008 انطلقت تونس في تطبيق اتفاقية التبادل التجاري الحر مع الاتحاد الأوروبي في المجال الصناعي وبموجب هذا الاتفاق أصبحت المنتجات الصناعية التونسية تحظى بتسهيلات للدخول إلى الأسواق الأوروبية، التي تعد الأهم على الإطلاق للصادرات التونسية.

ولكن في السنوات الأخيرة تحولّت الاتفاقية الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي إلى موضوع نقاش عام، سياسي ومدني، وطالبت عدة أطراف بتقييمها ومراجعتها وأنها لم تخدم الاقتصاد التونسي لا في المجال الصناعي ولا في مجال التصدير، كما ساهمت بطريقة ما في إضعاف الاقتصاد الوطني لأنها لم تكن اتفاقية متكافئة ولم تحقق التطوّر المأمول اقتصاديا بالنسبة لتونس والتي لم تصل بعد واقعيا وعمليا إلى رتبة الشريك المميز والقوي في الضفة الجنوبية من المتوسط .

اتفاقية الشراكة.. نجاحات وانتقادات

لا يمكن إنكار أن اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي حققت لتونس بعض الإنجازات، ولكن اليوم ومع المتغيّرات الكبيرة التي يشهدها العالم بفعل الصراعات الجديدة وبروز تحالفات قوية جديدة، ارتفعت أصوات كثيرة تطالب بضرورة أن تعمل الدولة التونسية على تنويع شركائها الاقتصاديين لإنقاذ الاقتصاد الوطني من وضعية الأزمة التي يمرّ بها وأن بعض بنود هذه الاتفاقية تجاوزها الزمن ولم تعد مناسبة للرهانات الجديدة المطروحة اليوم على الاقتصاد الوطني ..

واليوم يعود هذا الطرح بشأن ضرورة التقييم وإعادة النظر على المستوى الحكومي ومن خلال وزير الخارجية، وهي ليست أول مرة تتبنى فيها الحكومة التونسية هذا الموقف حيث أن وزير الخارجية الأسبق خميس الجيهناوي أعلن في أواخر جويلية 2017 أن تونس ترغب في الخروج من سياسة الجوار مع الاتحاد الأوروبي وقد تقدمت بأفكار جديدة بهدف التوصل إلي تصور مشترك مع الجانب الأوروبي لمستقبل العلاقات التونسية-الأوروبية، وبعد ذلك بأشهر قليلة قال المفوض الأوروبي لسياسات الجوار أن الوقت حان للحديث عن مستقبل العلاقات بين تونس والاتحاد الأوروبي وأن الحاجة تدعو إلى وضع خارطة طريق لتحديد القطاعات ذات الأولوية بالنسبة للتعاون المستقبلي بين الجانبين.

ولكن بعد ذلك اختفت نوايا المراجعة لأسباب مختلفة ومنها أساسا عدم الاستقرار السياسي وكذلك جراء جائحة كورونا وبعد ذلك أزمة الهجرة غير النظامية، واليوم مع توجه تونس إلى مرحلة سياسية جديدة يبدو أن الأمر استقر على ضرورة مراجعة الاتفاقية الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي .

 وكان عدد كبير من الجمعيات والمنظمات والشخصيات الاقتصادية والسياسية ظلّت تدعو خلال كل السنوات الماضية إلى ضرورة تقييم ما وصفته بالحصيلة السلبية لاتفاق التبادل الحر للسلع الصناعية المبرم سنة 1995 ودعا بعضها إلى ضرورة مراجعة أسس المفاوضات بين تونس والاتحاد الأوروبي بما يراعي التفاوت الشاسع في مستويات التنمية وذلك سعيا  إلى إرساء شراكة جديدة وحقيقية تراعي مصالح تونس وتقيها من المنافسة الأوروبية غير المتكافئة التي ألحقت الضرر البالغ بالاقتصاد التونسي وبعدة قطاعات إنتاجية .

مسار برشلونة

رغم أن العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي ظلت دائما وثيقة ومتواصلة بالنسبة لدول جنوب المتوسط والتي في أغلبها كانت مستعمرات تابعة لدول أوروبية وخاصة فرنسا التي كانت تبسط هيمنتها على جنوب المتوسّط إلا أن تلك العلاقات تطوّرت إلى شراكة إستراتيجية في نوفمبر 1995 مع انعقاد مؤتمر برشلونة الذي ضم وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي مع نظرائهم من 12 دولة متوسطية.

ومنذ ذلك الوقت كان دائما هناك حديث عن تطورات مسار برشلونة للتقارب وما انتهى إليه بعد سنوات من إعلان برشلونة الذي كان نقطة تحوّل مهمة وتاريخية  في العلاقات الأورومتوسطية، ومن خلاله وُلدت تصورات جديدة لهذه العلاقة في إطار محاور ثلاثة أولها الشراكة السياسية والأمنية، والتي كان الهدف منها تأسيس منطقة متوسطية للسلام والاستقرار قائمة على الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، ولكن الاتفاق حول هذا المحور كان متعثّرا في الواقع والمحور الثاني مؤسس على الشراكة الاقتصادية والمالية ويهدف إلى إنشاء منطقة للتجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي ودول حوض البحر الأبيض المتوسط، ويسعى إلى دعم القطاع الخاص في الدول المتوسطية وزيادة حجم الاستثمارات المالية والاقتصادية داخلها، أما المحور الثالث فيهتم بالشراكة الاجتماعية والثقافية والإنسانية، ويهدف إلى إحداث نوع من التقارب "بين مواطني حوض البحر الأبيض المتوسط"..

ورغم أن الأهداف وقتها ومن خلال محاور الاتفاق كانت واعدة ومهمة إلا أنه وبعد كل هذه السنوات أثبت الواقع تعثّر اغلبها في الواقع ووجود عدة فوارق وحواجز حالت دون تحقيقها سواء كانت عوامل موضوعية أو ذاتية تتعلق ببلدان المتوسّط وخاصة بلدان الضفة الجنوبية حيث كانت الظروف الداخلية غير المستقرة خاصة بعد ثورات الربيع العربي من أهم العراقيل التي واجهت هذه الأهداف واليوم يحتاج مسار برشلونة بدوره إلى عملية إنعاش وإحياء تراعي التطورات التي تعيشها بلدان المتوسّط وتراعي خصوصياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية .

منية العرفاوي