أقدمت مساء 26 اوت 2024 طفلة تبلغ من العمر 14 سنة على الانتحار شنقا داخل منزل والديها بمنطقة بوفرينية العبابسة بسجنان.
هذه الحادثة تعيد إلى الأذهان ظاهرة انتحار الأطفال التي تواترت خلال السنوات الأخيرة، رد الفعل المأساوي هذا تكمن وراءه العديد من العوامل والأسباب النفسية والاقتصادية والاجتماعية التي تدفع بأطفال في عمر الزهور إلى وضع حد لحياتهم قبل بدايتها فكم من طفل أنهى حياته بطريقة ما وكم من طفل حاول الانتحار ثم تعافى واستأنف حياته منتصرا على كل الصعوبات النفسية َوالاجتماعية والمادية التي دفعته لاتخاذ تلك الخطوة وأدرك ان وضع حد لحياته ليس حلا بل الحل في مواصلة حياته مهما تعترضه من عثرات.
صباح الشابي
ونشير انه في افريل 2024 أقدم طفل يبلغ من العمر عشر سنوات على الانتحار شنقا بمنطقة الجدادية عمادة اولاد غانم الجومين.
وفي 10ماي 2023 أقدم تلميذ يبلغ من العمر 18 سنة على ألانتحار بأحد المعاهد الثانويّة بولاية القيروان، وهو أصغر إخوته سنًّا.
في نفس السنة انهت شقيقته حياتها بنفس الطريقة.
وفي السياق ذاته فقد بلغت نسبة محاولات وحالات الانتحار في الستة الأشهر الأولى لسنة 2024، في صفوف الأطفال 18 بالمائة من جملة 75 حالة، حسب ما ورد في تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وأشار التقرير إلى أن محاولات وحالات الانتحار توزعت إلى 60 بالمائة في صفوف الذكور و13 بالمائة في صفوف الإناث ومثل الشباب نسبة 47 في المائة من مجموع الحالات.
ومثل فضاء العائلة الإطار الأساسي الذي يعمد داخله الأفراد لوضع نهاية لحياتهم ولا تزال ولاية القيروان تحتل المرتبة الأولى في حالات ومحاولات الانتحار إذ سجلت نحو 15 في المائة من الحالات المسجّلة خلال السداسي الأول للسنة الجارية تليها في ذلك ولاية بنزرت.
وكانت وزيرة المرأة السابقة امال موسى صرحت خلال يوم دراسي في نوفمبر 2023 حول برنامج التمكين الاجتماعي للأسر، أن حالات الانتحار في صفوف الأطفال بلغت منذ بداية سنة 2023 وإلى غاية 10 جويلية من نفس السنة ، 16 حالة انتحار إضافة إلى تسجيل 176 محاولة انتحار أغلبها في صفوف الإناث.
وفي عام 2022 كشفت أرقام حديثة لوزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ عن تصاعد حالات الإشعار بمحاولات انتحار الأطفال بأكثر من 38 في المائة مقارنة بعام 2021، إذ حاول 269 طفلاً وضع حد لحياتهم، بينما انتحر 21 آخرون فعلاً.
ووردت هذه الأرقام في تقرير إحصائي حول وضعيّات الطفولة المهدّدة، وسط تحذيرات من مخاطر تراجع الصحة النفسية للأطفال.
وبحسب التقرير زادت إشعارات محاولات الانتحار لدى الأطفال بنسبة 38.7 في المائة َوبلغ إلى حدود نهاية نوفمبر 269 إشعارا مقابل 194 إشعارا رُصدت على امتداد 2021.
دور مندوبي حماية الطفولة..
وحسبما أفادنا به مصدر مطلع بوزارة الأسرة والمرأة فان سلك مندوبي حماية الطفولة يتولون بشكل فوري التعهد بمثل هذه الحالات وخاصة عندما يكون للضحية أشقاء قصر ويكونون من المتمدرسينَ حيث يتم التنسيق مع الهياكل المعنية لتأمين حصص إحاطة نفسية لأشقاء الضحية اذا كانوا قصرا وأقرانه ضمانات للمصلحة الفضلى للأطفال وتوقيا من العدوى السلبية لهذه الحوادث وما قد يترتب عنها من انعكاسات على المستوى النفسي َوالسلوكي للأطفال.
ويؤكد المختصون في علم الاجتماع انه رغم تواتر حالات الانتحار الا انه لا يمكن تهويل الأمر مقارنة بنسبة الانتحار في العالم مشيرين إلى عدة عوامل وأسباب تدفع الى ذلك.
مختص في علم الاجتماع لـ"الصباح" : لا يمكن اعتبار الانتحار في تونس ظاهرة اجتماعية
أوضح المختص في علم الاجتماع ممدوح عز الدين انه في البداية لا بد من إبداء الملاحظات التالية:
أولا لا نتعامل مع هذا السلوك بمنطق التهويل أو التهوين
ثانيا أن العنف عموما الموجه تجاه الآخرين أو تجاه الذات من خلال الفعل الانتحاري يبدو وكأنه في ارتفاع الأمر الذي يولد شعورا بالخوف وكأنه لم يكن موجودا في السابق وهو أمر غير صحيح، فالعنف والانتحار خصوصاً لطالما كانا موجودين، لكن لم يكن الحديث عنهما مسموحا به.
ثالثا كثير من وسائل الإعلام خاصة المرئية تتعرض للسلوك الانتحاري بطريقة مشوشة وغير موضوعية بحثا عن الإثارة والرفع في مستوى المشاهدة بغرض الربح المادي، وفي كثير من الأحيان تحدث فعلا عكسيا بمعنى عوض ان تساهم في الحد من هذا السلوك تساهم في تناميه وتمدده بفعل عاملي العدوى والمحاكات لكونها تركز فقط على الإجابة عن السؤال كيف دون باقي الأسئلة مما يسهل على المقدم على عملية الانتحار نجاح محاولته.
نسبة الانتحار محدودة
رابعا وهي ان نسبة الانتحار في تونس حسب قوله محدودة وهي أقل بكثير من المعدل العالمي المقدر ب 11 حالة على 100 ألف ساكن في حين أن نسبة الانتحار في تونس حسب منظمة الصحة العالمية تصل الى 3,4 على كل 100 ألف ساكن.
ولاحظ انه رغم ارتفاع حالات الانتحار من حين الى آخر بفعل أزمات نفسية واجتماعية واقتصادية كما هو الحال بالنسبة لجائحة كورونا فان الانتحار في تونس لا يمكن اعتباره ظاهرة اجتماعية باعتبار محدودية عاملي الكثافة والتوتر. وما ينطبق على الكهول ينطبق على الأطفال بمعنى أن انتحار الأطفال والمراهقين في تونس ليس ظاهرة اجتماعية رغم أن الأرقام تبين تنامي حالات الانتحار في السنوات الأخيرة.
دوافع الانتحار
واعتبر انه من الناحية النفسية فإن أهم دوافع الانتحار ومحاولاته لدى الأطفال واليافعين الاضطرابات النفسية على غرار الاكتئاب الحاد والفصام و ثنائي القطب وحالة القلق ما بعد الصدمة النفسية فضلا عن استهلاك المخدرات وأكثرهم عرضة للانتحار جراء محاولاته استهلاك القنب الهندي " الزطلة".
فعندما يفتقد الطفل الٱليات الدفاعية اللازمة لمجابهة صعوبات الحياة يهرب إلى الموت فعليا أو رمزيا فعندما يعيش في وضع هش يتسم بعدم الاستقرار واللايقين والشعور بعدم الجدوى والوصم ،إضافة لما يمارس عليه من هرسلة وقهر مما يكثف إمكانية لجوئه لمحاولة الانتحار كفعل احتجاجي أو الانتحار تعبيرا عن اليأس والإحباط، ينضاف لذلك تراجع التواصل الايجابي في مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي تعاني من إخلالات هيكلية ووظيفية حادة كالعنف الأسري والاختلافات الزوجية المتكررة وفقدان شخص عزيز والفشل المدرسي.
العدوى والمحاكاة
وأضاف أن انتحار الأطفال يخضع لعاملي العدوى والمحاكاة يقدم عليه الأطفال أو المراهقون حال علمهم بحالات من وسطهم الذي قد يكون الفضاء العائلي أو الوسط المدرسي وهذا ما بدا واضحا في ولاية القيروان.
الضغط الاجتماعي والثقافي
ويمكن تفسير ارتفاع نسبة انتحار الأطفال من جنس الإناث مقارنة بالذكور بعدة عوامل أهمها الضغط الاجتماعي والثقافي اللذان يكونان أكبر على الفتيات لتلبية توقعات المجتمع فيما يتعلق بالسلوك والمظهر والدور الاجتماعي. هذا الضغط يمكن أن يكون له تأثير سلبي على صحتهن النفسية، التمييز بين الجنسين في بعض المجالات والعنف الأسري والتحرش وقلة الدعم النفسي يجعلهن يشعرن بالعجز واليأس والخجل أو الخوف من الوصم الاجتماعي إضافة لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي فالفتيات غالبا ما تتعرضن للضغوطات للحفاظ على صورة مثالية مما قد يؤدي إلى مشاعر الاكتئاب و اليأس ومن ثمة الانتحار.
وتابع المختص في علم الاجتماع انه سوسيولوجيا يمكن النظر الى انتحار الأطفال في تونس من خلال عدة عوامل مترابطة تؤثر على الأطفال والمراهقين سواء على المستوى الفردي أو الاجتماعي أو الثقافي، ارتفاع نسب الطلاق وتفكك الأسر يمكن أن يسبب شعورا بالعزلة وفقدان الدعم العاطفي للأطفال كما أن الضغوط الاجتماعية من قبيل المطالبة بالتميز الدراسي أو الامتثال للمعايير الاجتماعية تمثل عبئا هائلا على الأطفال والمراهقين.
التغيرات التكنولوجية
أيضا التغيرات التكنولوجية لا سيما الإقبال المكثف على وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يؤدي لمقارنات غير واقعية يكون من تبعاتها تقليل احترام الذات ومشاعر القلق والاكتئاب كما توفر الانترنت منصة للتنمر الذي قد يكون له أثار كارثية على الأطفال والمراهقين.
العوامل الاقتصادية
كذلك العوامل الاقتصادية تساهم بشكل مباشر وواضح في الرفع من نسب محاولات الانتحار لدى الأطفال خاصة أولئك الذين يعانون من الفقر والتهميش وبطالة أولياء أمورهم وعدم الاستقرار الاقتصادي داخل أسرهم يمكن أن يؤدي الى خلق بيئة مليئة بالتوتر والضغط كما يجب أن لا نغفل عن الضغوط النفسية في الوسط المدرسي والتي من أهمها التنمر بين التلاميذ والفشل أو التراجع الدراسي.
وعن كيفية الوقاية من انتحار الأطفال والحد منه يمكن اعتماد الاستراتيجيات التالية حسب محدثنا :
أولا عن طريق تعزيز الدعم الأسري عن طريق تعزيز التواصل بين الأهل وأطفالهم إذ يجب على الوالدين أن يكونا متاحين للاستماع الى مشاكل أبنائهم دون إصدار أحكام كما انهما بحاجة الى مراقبة سلوكيات أطفالهم بشكل غير متطفل بما في ذلك ملاحظة أية تغييرات غير عادية في المزاج أو السلوك.
ثانيا تعزيز البيئة المدرسية عبر إدراج برامج تعليمية تهدف إلى تحسين مهارات الأطفال في التعامل مع الضغوط والصعوبات واتخاذ إجراءات صارمة تجاه التنمر بما في ذلك التنمر الالكتروني وتقديم دعم للضحايا مع إمكانية توفير أخصائيين نفسانيين مؤهلين يلتجئ اليهم التلاميذ عند الحاجة.
ثالثا: تعزيز الوعي المجتمعي عبر حملات توعوية تثقف المجتمع حول مخاطر انتحار الأطفال وكيفية التعرف على العلامات المتكررة عبر إشراك الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني ذات العلاقة.
رابعا: التدخلات النفسية والطبية إذ يجب تسهيل الوصول الى خدمات الصحة النفسية للأطفال الذين يظهرون علامات الاكتئاب أو التفكير في الانتحار وهنا يمكن أن يكون العلاج السلوكي المعرفي والعلاج الأسري فعالين كما يجب تحديد الأطفال والمراهقين الذين يعانون من مشاكل نفسية مبكراً وتقديم الدعم اللازم قبل أن تتفاقم مشاكلهم وفي بعض الحالات قد يكون العلاج الدوائي ضروريا تحت إشراف طبيب نفسي مختص.
خامسا : تطوير سياسات حماية الطفل من خلال المزيد من تدخل الجهات الحكومية ذات العلاقة خاصة مندوبيات حماية الطفولة حتى يتم حماية الأطفال بشكل أنجع من سوء المعاملة والإهمال والتعرض للعنف.
سادسا: دعم الأطفال عبر وسائل الإعلام و التكنولوجيا:
حيث يجب على الأولياء والمربين مراقبة استخدام الأطفال للانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وتوجيههم نحو الاستخدام الصحي لها والترويج للمحتوى الايجابي للمنصات الرقمية وتطوير تطبيقات وبرامج تعليمية تستهدف تحسين الصحة النفسية للأطفال ومساعدتهم على التعامل مع التحديات النفسية.
سابعا: تشجيع الأطفال على ممارسة النشاطات البدنية والاجتماعية:
كالانشطة الرياضية والفنون وتوفير مساحات ٱمنة للأطفال للالتقاء والتفاعل مع أقرانهم مما يعزز من شعورهم بالانتماء.
عموما تحتاج المجتمعات إلى دعم أكبر للأطفال والمراهقين من خلال تعزيز الصحة النفسية وتقديم الاستشارات النفسية الملائمة وتوفير بيئة اجتماعية داعمة ،كما يجب تعزيز دور الأبحاث السوسيولوجية المحلية لفهم الظاهرة بشكل أعمق وتطوير إستراتيجيات وقائية وفعالة.
تونس - الصباح
أقدمت مساء 26 اوت 2024 طفلة تبلغ من العمر 14 سنة على الانتحار شنقا داخل منزل والديها بمنطقة بوفرينية العبابسة بسجنان.
هذه الحادثة تعيد إلى الأذهان ظاهرة انتحار الأطفال التي تواترت خلال السنوات الأخيرة، رد الفعل المأساوي هذا تكمن وراءه العديد من العوامل والأسباب النفسية والاقتصادية والاجتماعية التي تدفع بأطفال في عمر الزهور إلى وضع حد لحياتهم قبل بدايتها فكم من طفل أنهى حياته بطريقة ما وكم من طفل حاول الانتحار ثم تعافى واستأنف حياته منتصرا على كل الصعوبات النفسية َوالاجتماعية والمادية التي دفعته لاتخاذ تلك الخطوة وأدرك ان وضع حد لحياته ليس حلا بل الحل في مواصلة حياته مهما تعترضه من عثرات.
صباح الشابي
ونشير انه في افريل 2024 أقدم طفل يبلغ من العمر عشر سنوات على الانتحار شنقا بمنطقة الجدادية عمادة اولاد غانم الجومين.
وفي 10ماي 2023 أقدم تلميذ يبلغ من العمر 18 سنة على ألانتحار بأحد المعاهد الثانويّة بولاية القيروان، وهو أصغر إخوته سنًّا.
في نفس السنة انهت شقيقته حياتها بنفس الطريقة.
وفي السياق ذاته فقد بلغت نسبة محاولات وحالات الانتحار في الستة الأشهر الأولى لسنة 2024، في صفوف الأطفال 18 بالمائة من جملة 75 حالة، حسب ما ورد في تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وأشار التقرير إلى أن محاولات وحالات الانتحار توزعت إلى 60 بالمائة في صفوف الذكور و13 بالمائة في صفوف الإناث ومثل الشباب نسبة 47 في المائة من مجموع الحالات.
ومثل فضاء العائلة الإطار الأساسي الذي يعمد داخله الأفراد لوضع نهاية لحياتهم ولا تزال ولاية القيروان تحتل المرتبة الأولى في حالات ومحاولات الانتحار إذ سجلت نحو 15 في المائة من الحالات المسجّلة خلال السداسي الأول للسنة الجارية تليها في ذلك ولاية بنزرت.
وكانت وزيرة المرأة السابقة امال موسى صرحت خلال يوم دراسي في نوفمبر 2023 حول برنامج التمكين الاجتماعي للأسر، أن حالات الانتحار في صفوف الأطفال بلغت منذ بداية سنة 2023 وإلى غاية 10 جويلية من نفس السنة ، 16 حالة انتحار إضافة إلى تسجيل 176 محاولة انتحار أغلبها في صفوف الإناث.
وفي عام 2022 كشفت أرقام حديثة لوزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ عن تصاعد حالات الإشعار بمحاولات انتحار الأطفال بأكثر من 38 في المائة مقارنة بعام 2021، إذ حاول 269 طفلاً وضع حد لحياتهم، بينما انتحر 21 آخرون فعلاً.
ووردت هذه الأرقام في تقرير إحصائي حول وضعيّات الطفولة المهدّدة، وسط تحذيرات من مخاطر تراجع الصحة النفسية للأطفال.
وبحسب التقرير زادت إشعارات محاولات الانتحار لدى الأطفال بنسبة 38.7 في المائة َوبلغ إلى حدود نهاية نوفمبر 269 إشعارا مقابل 194 إشعارا رُصدت على امتداد 2021.
دور مندوبي حماية الطفولة..
وحسبما أفادنا به مصدر مطلع بوزارة الأسرة والمرأة فان سلك مندوبي حماية الطفولة يتولون بشكل فوري التعهد بمثل هذه الحالات وخاصة عندما يكون للضحية أشقاء قصر ويكونون من المتمدرسينَ حيث يتم التنسيق مع الهياكل المعنية لتأمين حصص إحاطة نفسية لأشقاء الضحية اذا كانوا قصرا وأقرانه ضمانات للمصلحة الفضلى للأطفال وتوقيا من العدوى السلبية لهذه الحوادث وما قد يترتب عنها من انعكاسات على المستوى النفسي َوالسلوكي للأطفال.
ويؤكد المختصون في علم الاجتماع انه رغم تواتر حالات الانتحار الا انه لا يمكن تهويل الأمر مقارنة بنسبة الانتحار في العالم مشيرين إلى عدة عوامل وأسباب تدفع الى ذلك.
مختص في علم الاجتماع لـ"الصباح" : لا يمكن اعتبار الانتحار في تونس ظاهرة اجتماعية
أوضح المختص في علم الاجتماع ممدوح عز الدين انه في البداية لا بد من إبداء الملاحظات التالية:
أولا لا نتعامل مع هذا السلوك بمنطق التهويل أو التهوين
ثانيا أن العنف عموما الموجه تجاه الآخرين أو تجاه الذات من خلال الفعل الانتحاري يبدو وكأنه في ارتفاع الأمر الذي يولد شعورا بالخوف وكأنه لم يكن موجودا في السابق وهو أمر غير صحيح، فالعنف والانتحار خصوصاً لطالما كانا موجودين، لكن لم يكن الحديث عنهما مسموحا به.
ثالثا كثير من وسائل الإعلام خاصة المرئية تتعرض للسلوك الانتحاري بطريقة مشوشة وغير موضوعية بحثا عن الإثارة والرفع في مستوى المشاهدة بغرض الربح المادي، وفي كثير من الأحيان تحدث فعلا عكسيا بمعنى عوض ان تساهم في الحد من هذا السلوك تساهم في تناميه وتمدده بفعل عاملي العدوى والمحاكات لكونها تركز فقط على الإجابة عن السؤال كيف دون باقي الأسئلة مما يسهل على المقدم على عملية الانتحار نجاح محاولته.
نسبة الانتحار محدودة
رابعا وهي ان نسبة الانتحار في تونس حسب قوله محدودة وهي أقل بكثير من المعدل العالمي المقدر ب 11 حالة على 100 ألف ساكن في حين أن نسبة الانتحار في تونس حسب منظمة الصحة العالمية تصل الى 3,4 على كل 100 ألف ساكن.
ولاحظ انه رغم ارتفاع حالات الانتحار من حين الى آخر بفعل أزمات نفسية واجتماعية واقتصادية كما هو الحال بالنسبة لجائحة كورونا فان الانتحار في تونس لا يمكن اعتباره ظاهرة اجتماعية باعتبار محدودية عاملي الكثافة والتوتر. وما ينطبق على الكهول ينطبق على الأطفال بمعنى أن انتحار الأطفال والمراهقين في تونس ليس ظاهرة اجتماعية رغم أن الأرقام تبين تنامي حالات الانتحار في السنوات الأخيرة.
دوافع الانتحار
واعتبر انه من الناحية النفسية فإن أهم دوافع الانتحار ومحاولاته لدى الأطفال واليافعين الاضطرابات النفسية على غرار الاكتئاب الحاد والفصام و ثنائي القطب وحالة القلق ما بعد الصدمة النفسية فضلا عن استهلاك المخدرات وأكثرهم عرضة للانتحار جراء محاولاته استهلاك القنب الهندي " الزطلة".
فعندما يفتقد الطفل الٱليات الدفاعية اللازمة لمجابهة صعوبات الحياة يهرب إلى الموت فعليا أو رمزيا فعندما يعيش في وضع هش يتسم بعدم الاستقرار واللايقين والشعور بعدم الجدوى والوصم ،إضافة لما يمارس عليه من هرسلة وقهر مما يكثف إمكانية لجوئه لمحاولة الانتحار كفعل احتجاجي أو الانتحار تعبيرا عن اليأس والإحباط، ينضاف لذلك تراجع التواصل الايجابي في مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي تعاني من إخلالات هيكلية ووظيفية حادة كالعنف الأسري والاختلافات الزوجية المتكررة وفقدان شخص عزيز والفشل المدرسي.
العدوى والمحاكاة
وأضاف أن انتحار الأطفال يخضع لعاملي العدوى والمحاكاة يقدم عليه الأطفال أو المراهقون حال علمهم بحالات من وسطهم الذي قد يكون الفضاء العائلي أو الوسط المدرسي وهذا ما بدا واضحا في ولاية القيروان.
الضغط الاجتماعي والثقافي
ويمكن تفسير ارتفاع نسبة انتحار الأطفال من جنس الإناث مقارنة بالذكور بعدة عوامل أهمها الضغط الاجتماعي والثقافي اللذان يكونان أكبر على الفتيات لتلبية توقعات المجتمع فيما يتعلق بالسلوك والمظهر والدور الاجتماعي. هذا الضغط يمكن أن يكون له تأثير سلبي على صحتهن النفسية، التمييز بين الجنسين في بعض المجالات والعنف الأسري والتحرش وقلة الدعم النفسي يجعلهن يشعرن بالعجز واليأس والخجل أو الخوف من الوصم الاجتماعي إضافة لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي فالفتيات غالبا ما تتعرضن للضغوطات للحفاظ على صورة مثالية مما قد يؤدي إلى مشاعر الاكتئاب و اليأس ومن ثمة الانتحار.
وتابع المختص في علم الاجتماع انه سوسيولوجيا يمكن النظر الى انتحار الأطفال في تونس من خلال عدة عوامل مترابطة تؤثر على الأطفال والمراهقين سواء على المستوى الفردي أو الاجتماعي أو الثقافي، ارتفاع نسب الطلاق وتفكك الأسر يمكن أن يسبب شعورا بالعزلة وفقدان الدعم العاطفي للأطفال كما أن الضغوط الاجتماعية من قبيل المطالبة بالتميز الدراسي أو الامتثال للمعايير الاجتماعية تمثل عبئا هائلا على الأطفال والمراهقين.
التغيرات التكنولوجية
أيضا التغيرات التكنولوجية لا سيما الإقبال المكثف على وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يؤدي لمقارنات غير واقعية يكون من تبعاتها تقليل احترام الذات ومشاعر القلق والاكتئاب كما توفر الانترنت منصة للتنمر الذي قد يكون له أثار كارثية على الأطفال والمراهقين.
العوامل الاقتصادية
كذلك العوامل الاقتصادية تساهم بشكل مباشر وواضح في الرفع من نسب محاولات الانتحار لدى الأطفال خاصة أولئك الذين يعانون من الفقر والتهميش وبطالة أولياء أمورهم وعدم الاستقرار الاقتصادي داخل أسرهم يمكن أن يؤدي الى خلق بيئة مليئة بالتوتر والضغط كما يجب أن لا نغفل عن الضغوط النفسية في الوسط المدرسي والتي من أهمها التنمر بين التلاميذ والفشل أو التراجع الدراسي.
وعن كيفية الوقاية من انتحار الأطفال والحد منه يمكن اعتماد الاستراتيجيات التالية حسب محدثنا :
أولا عن طريق تعزيز الدعم الأسري عن طريق تعزيز التواصل بين الأهل وأطفالهم إذ يجب على الوالدين أن يكونا متاحين للاستماع الى مشاكل أبنائهم دون إصدار أحكام كما انهما بحاجة الى مراقبة سلوكيات أطفالهم بشكل غير متطفل بما في ذلك ملاحظة أية تغييرات غير عادية في المزاج أو السلوك.
ثانيا تعزيز البيئة المدرسية عبر إدراج برامج تعليمية تهدف إلى تحسين مهارات الأطفال في التعامل مع الضغوط والصعوبات واتخاذ إجراءات صارمة تجاه التنمر بما في ذلك التنمر الالكتروني وتقديم دعم للضحايا مع إمكانية توفير أخصائيين نفسانيين مؤهلين يلتجئ اليهم التلاميذ عند الحاجة.
ثالثا: تعزيز الوعي المجتمعي عبر حملات توعوية تثقف المجتمع حول مخاطر انتحار الأطفال وكيفية التعرف على العلامات المتكررة عبر إشراك الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني ذات العلاقة.
رابعا: التدخلات النفسية والطبية إذ يجب تسهيل الوصول الى خدمات الصحة النفسية للأطفال الذين يظهرون علامات الاكتئاب أو التفكير في الانتحار وهنا يمكن أن يكون العلاج السلوكي المعرفي والعلاج الأسري فعالين كما يجب تحديد الأطفال والمراهقين الذين يعانون من مشاكل نفسية مبكراً وتقديم الدعم اللازم قبل أن تتفاقم مشاكلهم وفي بعض الحالات قد يكون العلاج الدوائي ضروريا تحت إشراف طبيب نفسي مختص.
خامسا : تطوير سياسات حماية الطفل من خلال المزيد من تدخل الجهات الحكومية ذات العلاقة خاصة مندوبيات حماية الطفولة حتى يتم حماية الأطفال بشكل أنجع من سوء المعاملة والإهمال والتعرض للعنف.
سادسا: دعم الأطفال عبر وسائل الإعلام و التكنولوجيا:
حيث يجب على الأولياء والمربين مراقبة استخدام الأطفال للانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وتوجيههم نحو الاستخدام الصحي لها والترويج للمحتوى الايجابي للمنصات الرقمية وتطوير تطبيقات وبرامج تعليمية تستهدف تحسين الصحة النفسية للأطفال ومساعدتهم على التعامل مع التحديات النفسية.
سابعا: تشجيع الأطفال على ممارسة النشاطات البدنية والاجتماعية:
كالانشطة الرياضية والفنون وتوفير مساحات ٱمنة للأطفال للالتقاء والتفاعل مع أقرانهم مما يعزز من شعورهم بالانتماء.
عموما تحتاج المجتمعات إلى دعم أكبر للأطفال والمراهقين من خلال تعزيز الصحة النفسية وتقديم الاستشارات النفسية الملائمة وتوفير بيئة اجتماعية داعمة ،كما يجب تعزيز دور الأبحاث السوسيولوجية المحلية لفهم الظاهرة بشكل أعمق وتطوير إستراتيجيات وقائية وفعالة.