لم يكن القضاء الإداري يوما بعيدا عن الشأن الانتخابي، وحسم أكثر من مرّة نزاعات ذات طابع انتخابي وأسّس بأحكامه الى سلوكيات انتخابية تأخذ بعين الاعتبار الأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية التي نأت بنفسها دائما عن كل التجاذبات السياسية وظلّت طوال تاريخها محلّ ثقة من جميع الأطراف وأصدرت قرارات تاريخية في علاقة بالمشهد السياسي ككل وخاصة في مادة تجاوز السلطة أو الانحراف بها .
إلا أن غياب الإطار القانوني والترتيبي الذي يضبط شروط وإجراءات تنفيذ قرارات القضاء الإداري، وتنصّل الإدارة الدائم من تطبيق هذه القرارات، جعل هذا القضاء ينعت دائما بأنه "القضاء الذي لا تُنفّذ أحكامه.." لكن ذلك لا ينفي ما للقرارات القضائية الإدارية من قوّة أخلاقية ومعنوية حوّلت كل تنصّل من تطبيق هذه الأحكام الى اعتراف ضمني بالإدانة والخطأ..
واليوم، ومرّة أخرى تجد المحكمة الإدارية نفسها معنية بشكل مباشر بالشأن الانتخابي بل وكان لقراراتها الاستئنافية وقعها وأثرها المعنوي على المسار الانتخابي قبل أن تصدر هيئة الانتخابات موقفها النهائي من هذه القرارات..
فالمحكمة الإدارية التي صرّحت في قرار مرجعي سابق ببطلان السند القانوني في اشتراط بطاقة السوابق العدلية (البطاقة عدد 3)، وهو القرار الذي لم تلتزم به الهيئة العليا للانتخابات واشترطت البطاقة عدد 3 كأحد أهم شروط الترشّح، تتدخّل اليوم لإعادة المترشّحين، منذر الزنايدي وعبد اللطيف المكّي الى سباق الانتخابات الرئاسية، بعد النظر في الطعن المقدّم لها من طرفهما، بخصوص قرار هيئة الانتخابات التي أسقطت مطلبهما في الترشّح الى الانتخابات الرئاسية.
بهذين القرارين اللذين أعادا المترشحين الى السباق، يرى المختصون في القانون الإداري أن المحكمة تجاوزت مجرّد البتّ في نزاعات الترشّح الى اختصاص تقدير شرعية القرارات الترتيبية للهيئة العليا للانتخابات ومنحت لنفسها سلطة الرقابة الدستورية على السند القانوني للانتخابات في غياب المحكمة الدستورية.. هذا فيما يخَص القراءة القانونية لقرارات الدوائر الاستئنافية للمحكمة الإدارية، أما سياسيا فقد أعادت المحكمة خلط كل الأوراق ومنحت للناخبين خيارات تصويت أكثر، كما عاد المعطى الأيديولوجي والفكري ليبرز في السباق الانتخابي..
غير أن مصير قرارات المحكمة يبقى في التنفيذ معلّقا على قرار هيئة الانتخابات التي تملك الولاية العامة في القبول بما أقرّته المحكمة الإدارية في قرارات باتة أم لا، خاصة وأن مجلس هيئة الانتخابات يتمسّك بكونه الجهة الدستورية الوحيدة المخوّل لها ضمان سلامة المسار الانتخابي وتحديد القائمة النهائية للمترشحين من مهامه الحصرية، رغم أن المرسوم 55 المتعلقّ بالانتخابات والاستفتاء، يشير بوضوح في فصله 31 )جديد( الى أن المترشحين الذين تحصّلوا على حكم قضائي باتّ يقبلون في قائمة المترشحين بعد انقضاء آجال الطعون.
وإذا كان عدم القبول بأحكام القضاء الإداري من طرف الهيئة العليا للانتخابات غير مستبعد إلا أن ذلك يمكن أن يخلق إشكالا كبيرا في المسار الانتخابي ويمكن أن يفتح باب التشكيك في العملية الانتخابية ككل، ويضع الهيئة في موقف محرج لأنها رفضت تطبيق قرارات قضائية باتة، كما يمكن أن يكون ذلك مطية للطعن في شرعية الانتخابات وهو ما سيخلق بعد ذلك أزمات خطيرة، لأن الانتخابات هي دائما محطة لاسترجاع ثقة الشعب واحترام إرادته.. وكل ذلك لن يتوفّر إلا بضمانات التنافس النزيه والديمقراطي.
منية العرفاوي
لم يكن القضاء الإداري يوما بعيدا عن الشأن الانتخابي، وحسم أكثر من مرّة نزاعات ذات طابع انتخابي وأسّس بأحكامه الى سلوكيات انتخابية تأخذ بعين الاعتبار الأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية التي نأت بنفسها دائما عن كل التجاذبات السياسية وظلّت طوال تاريخها محلّ ثقة من جميع الأطراف وأصدرت قرارات تاريخية في علاقة بالمشهد السياسي ككل وخاصة في مادة تجاوز السلطة أو الانحراف بها .
إلا أن غياب الإطار القانوني والترتيبي الذي يضبط شروط وإجراءات تنفيذ قرارات القضاء الإداري، وتنصّل الإدارة الدائم من تطبيق هذه القرارات، جعل هذا القضاء ينعت دائما بأنه "القضاء الذي لا تُنفّذ أحكامه.." لكن ذلك لا ينفي ما للقرارات القضائية الإدارية من قوّة أخلاقية ومعنوية حوّلت كل تنصّل من تطبيق هذه الأحكام الى اعتراف ضمني بالإدانة والخطأ..
واليوم، ومرّة أخرى تجد المحكمة الإدارية نفسها معنية بشكل مباشر بالشأن الانتخابي بل وكان لقراراتها الاستئنافية وقعها وأثرها المعنوي على المسار الانتخابي قبل أن تصدر هيئة الانتخابات موقفها النهائي من هذه القرارات..
فالمحكمة الإدارية التي صرّحت في قرار مرجعي سابق ببطلان السند القانوني في اشتراط بطاقة السوابق العدلية (البطاقة عدد 3)، وهو القرار الذي لم تلتزم به الهيئة العليا للانتخابات واشترطت البطاقة عدد 3 كأحد أهم شروط الترشّح، تتدخّل اليوم لإعادة المترشّحين، منذر الزنايدي وعبد اللطيف المكّي الى سباق الانتخابات الرئاسية، بعد النظر في الطعن المقدّم لها من طرفهما، بخصوص قرار هيئة الانتخابات التي أسقطت مطلبهما في الترشّح الى الانتخابات الرئاسية.
بهذين القرارين اللذين أعادا المترشحين الى السباق، يرى المختصون في القانون الإداري أن المحكمة تجاوزت مجرّد البتّ في نزاعات الترشّح الى اختصاص تقدير شرعية القرارات الترتيبية للهيئة العليا للانتخابات ومنحت لنفسها سلطة الرقابة الدستورية على السند القانوني للانتخابات في غياب المحكمة الدستورية.. هذا فيما يخَص القراءة القانونية لقرارات الدوائر الاستئنافية للمحكمة الإدارية، أما سياسيا فقد أعادت المحكمة خلط كل الأوراق ومنحت للناخبين خيارات تصويت أكثر، كما عاد المعطى الأيديولوجي والفكري ليبرز في السباق الانتخابي..
غير أن مصير قرارات المحكمة يبقى في التنفيذ معلّقا على قرار هيئة الانتخابات التي تملك الولاية العامة في القبول بما أقرّته المحكمة الإدارية في قرارات باتة أم لا، خاصة وأن مجلس هيئة الانتخابات يتمسّك بكونه الجهة الدستورية الوحيدة المخوّل لها ضمان سلامة المسار الانتخابي وتحديد القائمة النهائية للمترشحين من مهامه الحصرية، رغم أن المرسوم 55 المتعلقّ بالانتخابات والاستفتاء، يشير بوضوح في فصله 31 )جديد( الى أن المترشحين الذين تحصّلوا على حكم قضائي باتّ يقبلون في قائمة المترشحين بعد انقضاء آجال الطعون.
وإذا كان عدم القبول بأحكام القضاء الإداري من طرف الهيئة العليا للانتخابات غير مستبعد إلا أن ذلك يمكن أن يخلق إشكالا كبيرا في المسار الانتخابي ويمكن أن يفتح باب التشكيك في العملية الانتخابية ككل، ويضع الهيئة في موقف محرج لأنها رفضت تطبيق قرارات قضائية باتة، كما يمكن أن يكون ذلك مطية للطعن في شرعية الانتخابات وهو ما سيخلق بعد ذلك أزمات خطيرة، لأن الانتخابات هي دائما محطة لاسترجاع ثقة الشعب واحترام إرادته.. وكل ذلك لن يتوفّر إلا بضمانات التنافس النزيه والديمقراطي.