-مركز تونس سيمكننا من رؤى حول دول المغرب وعلاقاتها مع دول الاتحاد الأوروبي وانعكاس ذلك على منطقتنا في الخليج
- عدنا لمرحلة الحرب الباردة والحرب الروسية الأوكرانية أثبتت ذلك
- لقاء تاريخي منتظر في الرياض بين الروس والأوكرانيين
- نتنياهو استغل مرحلة الصراع حول كرسي رئاسة البيت الأبيض ليرتع ويضغط على الأمريكيين لتأييده ودعمه في قتل الأبرياء الفلسطينيين
- هناك تخاذل واضح للمجتمع الدولي في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية
- رؤية 2030، قامت على تنويع مصادر الدخل وولوج قطاعات اقتصادية لم تكن موجودة في الاقتصاد السعودي
تونس-الصباح
يشهد العالم الحديث، اليوم، تحولات كبيرة في مجال البحوث والدراسات الإستراتيجية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والعسكرية والبيئية والتكنولوجية وغيرها.. حيث ازداد دور مراكز البحوث والدراسات وشهد البحث العلمي انتقالا من مرحلة "الباحث الفرد" إلى مرحلة "الباحث – المؤسسة" والتي تجمع بين متخصصين في مجالات مختلفة من المعرفة، وتتخطى دور أو جهد الشخص الواحد. وفي هذا الإطار نشاهد اليوم مختلف الدول تعتمد في خططها واستراتيجياتها على مراكز البحث والدراسات التي لم تعد حكرا على القوى العظمى بل إن جل الدول اليوم أعطت اهتماما كبيرا لهذه المراكز التي تقدم الشيء الكثير ليس لحكوماتها فقط بل للبشرية جمعاء.
ومن هذه المراكز العالمية المهمة نجد "مركز الخليج للأبحاث"، ومقره في العاصمة السعودية الرياض، مع مقرات أخرى في عدد من العواصم الغربية. والمفاجأة المفرحة هو أن المركز سيكون له مقر في تونس في الأيام القليلة القادمة وفق ما صرح به لـ"الصباح" رئيسه الدكتور عبد العزيز بن صقر الذي زار بلادنا منذ أيام من أجل تحقيق هذا الهدف.
"الصباح" استغلت زيارة رئيس مركز الخليج للأبحاث والتقته في لقاء "خاص" للحديث حول مركز تونس المنتظر إلى جانب عديد الملفات الأخرى العالمية والإقليمية..
حاوره: سفيان رجب
*تترأسون اليوم مركز الخليج للأبحاث الذي يعد من أقوى مراكز البحوث والدراسات في العالم، فماذا عن هذا المركز، اهتماماته ومدى تأثيره في السياسات الخليجية والإقليمية؟
تأسس مركز الخليج للأبحاث في جويلية 2000 ومقره المركزي بالرياض، في الوقت الذي بدأت تبرز فيه دول مجلس التعاون الخليجي كأطراف فاعلة مهمة في السياق الواسع للسياسة الإقليمية والدولية.
فبالرغم من وجود مراكز الفكر في مناطق مثل واشنطن ولندن تركز على الشرق الأوسط والخليج، إلا أن عمل هذه المراكز ومخرجاتها كانا يعكسان وجهة نظر غربية إلى حد كبير في تحليل ودراسة التطورات والأحداث في العالم. لذلك كان التوجه نحو تأسيس مركز الخليج للأبحاث بمنظور خليجي لتوفير معلومات على نحٍو أفضل في ما يتعلق بتحليل السياسات وصياغتها في الدول الغربية التي بدأت تتفاعل بانتظام أكثر مع دول مجلس التعاون الخليجي.
وقد حدّد مركز الخليج للأبحاث من البداية عدة مجالات بحثية وجمعها في العديد من البرامج البحثية البارزة: الاقتصاد، والطاقة، والسياسة، والعلاقات الدولية، والدفاع والأمن، والبيئة، والعلوم والتكنولوجيا. وبالرغم من وجود عناصر عالمية مؤثرة في كل برنامج ودمجها في البحث، إلا أن مركز الخليج للأبحاث ظل أوًلا وأخيًرا مركًزا عربًيا خليجًيا للفكر. الى جانب البحوث والدراسات ركزنا كذلك على عقد المؤتمرات والمنتديات الدولية التي من خلالها لم يطور مركز الخليج للأبحاث فقط شبكة واسعة النطاق مع مؤسسات تشاركه الأفكار نفسها، ولكنه تمكن كذلك من نقل النقاش حول الخليج لسائر أنحاء العالم.
وقد تمَّكن مركز الخليج للأبحاث من خلال شبكته من الاتصال بمراكز فكر بارزة من أنحاء العالم، مقابل توفير إمكانية الوصول والقدرة على التأثير في مناقشات السياسة العامة بشكل لا نظير له. ولا يزال مركز الخليج للأبحاث ُيكرس جهوده لتقديم الأفكار والمبادرات التي تساهم في أمن واستقرار منطقة الخليج ورفاهية شعوب المنطقة، فهو مؤسسة فريدة من نوعها تلعب دورا متفردا في المنطقة.
ونعتبر أن مركز الخليج للأبحاث، قد نجح في تحقيق الأهداف التي حددها لنفسه عند إنشائه، وذلك بما قدمه من أعمال وبرامج توعوية، حيث يوجد الآن فهم أفضل وتقدير أعمق لدور دول مجلس التعاون الخليجي في الشؤون العالمية.
*هل أن المركز يركز فقط على منطقة الخليج العربي فحسب في دراساته أم أنه منفتح على جميع القضايا الإقليمية والعالمية؟
يهتم مركز الخليج للأبحاث بدراسة قضايا وشؤون منطقة الخليج ومحيطه الإقليمي من مختلف الأطر المعرفية التي تشمل الجوانب السياسية، والاقتصادية، والأمنية، ودراسات الطاقة والبيئة، والثقافية، والإعلامية، وغيرها؛ علاوة على اهتمامات دول مجلس التعاون الخليجي بكل القضايا التي تشغل العالم وتحاول تقديم دراسات وبحوث علمية وفكرية وإستراتيجية.
*تتواجدون اليوم في تونس، ففي أي إطار تتنزل هذه الزيارة؟
منطقة البحر الأبيض المتوسط تحاول أن تبقى دائما منطقة آمنة ومستقرة وهي منطقة تشهد نوعا من الازدهار باعتبارها غنية بأهلها وشعبها وإمكانياتها. ومنطقة الخليج لديها موارد طبيعية مهمة ولديها موقع جغرافية مهمة أيضا وحساسة وكلاهما في حاجة الى علاقة تكاملية تجمع بين البعد الاقتصادي الخليجي والاستثمار في منطقتكم. فالاستقرار السياسي في هذه المنطقة سوف يشجع وجود استثمارات كبيرة وضخمة لأنها تملك القوة البشرية والأراضي الزراعية الجيدة بمفهوم الأمن الغذائي وتملك أيضا القدرات التقنية ممثلة في شبابها ومهندسيها وخبراتها..
كمؤسسة بحثية دائما ننظر الى العالم من منظور دول الخليج مجتمعة مع بعض، كيف نجد الأجندة السياسية والتوافق عليها، كيف يمكن أن يكون لدينا هدف مشترك في مقاومة الإرهاب والجريمة الدولية والجماعات المتطرفة سواء في منطقتنا أو في منطقتكم؟ فلا ننسى أن منطقة المغرب العربي عانت من وجود جماعات متطرفة وجماعات مسلحة استخدمت بعض دول المغرب كمرتع لها. وهذه كلها قضايا تجعل أهمية العلاقة بيننا وبين منطقة المغرب العربي ذات أهمية قصوى.
ونحن كمؤسسة بحثية معنية بالدراسات السياسية والأمنية والعسكرية وقضايا الاقتصاد والطاقة والبيئة والتعليم وأيضا البعد الثقافي، لنا اهتمام بمنطقة المغرب العربي وهذه الزيارة تندرج في إطار فتح مكتب إقليمي لمؤسستنا في المنطقة يعنى بشؤونها ويبحث فيما يفيدها..
*يبدو أنكم قررتم أن تكون تونس هي الحاضنة لمقر مركز الخليج للدراسات والبحوث؟
بالنسبة لنا تونس هي سويسرا القارة لأننا نعتبرها من أهم دول المنطقة الإفريقية وعلاقتها بالجميع مميزة وجيدة وأيضا تتوفر على قدرات بشرية وبحثية جيدة وذات قدرات عالية موزونة ومتوازنة وهذا يجعلها المكان المميز والأفضل لاحتضان مقر مركز الخليج للأبحاث.
*ما يعرف عن مركز الخليج للأبحاث انه يهتم بالأساس بالملفات السياسية والأمنية والاقتصادية بالأساس، فهل سيكتفي مقر تونس بنفس هذا الخيار أم أنه سيكون له المجال للتوسع أكثر في مجالات بحوثه ودراساته؟
نحن نركز على خمسة أبعاد أساسية في أبحاثنا البعد الأول السياسة والعلاقات الدولية، فدائما ننظر مثلا في دول المغرب وعلاقاتها مع دول الإتحاد الأوروبي وكيف تنعكس على منطقتنا في الخليج، البعد الثاني هو الاقتصاد والطاقة وهو موضوع شديد الأهمية بالنسبة لنا. أما البعد الثالث فهو دراسات الأمن والدفاع ومكافحة الإرهاب وهي من الدراسات المهمة بالنسبة لنا والبعد الرابع هو البيئة فاليوم نشهد تغيرات كبيرة في المناخ ولنا علاقات وتعامل كبير مع المنظمات الدولية العاملة حول البعد البيئي والبعد الخامس هو الإعلام والثقافة ولدينا مختبرات ثقافية في كامل المجالات الثقافية والإعلامية الخليجية ونصدر مجلة شهرية تدعى "آراء حول الخليج" تعنى بمنطقة الخليج بشكل كبير جدا ونتناول ضمنها شهريا ملفات ذات أهمية شديدة، وسبق أن تناولنا بالدرس والتحليل ملفات حول المغرب العربي وتطورات الأوضاع فيه.
دراساتنا وبحوثنا لا تقتصر على بعض الأسماء بل هي مفتوحة، فنحن لا تهمنا النتيجة التي وصلت إليها في بحثك بل إن ما يهمنا أساسا هو الطريقة التي قادتك إلى هذه النتيجة والمنهجية المستخدمة للوصول الى هذه النتيجة. فوجود منهجية واضحة في البحث العلمي أو في المقال التحليلي السياسي مهم جدا حتى لا تكون عملية انطباعية وعملية توصيفية فقط لأننا في الجانب البحثي نهتم بالعملية التحليلية والمناهج البحثية التي تستخدم في هذا الجانب. فبالعكس نحن منفتحون على الكل ولدينا الآن كتّاب من المغرب العربي يكتبون معنا ويشاركوننا بحوثنا ودراساتنا.
*للمركز مقرات أخرى في عدد من العواصم الغربية، وهو ما يعني أن اهتماماتكم ليست خليجية عربية فقط؟
لدينا مركز في جينيف وآخر في بروكسيل وفي جامعة كمبريدج الشهيرة في بريطانيا وقريبا مركز تونس الذي سيكون امتدادا لإفريقيا وهو ما يعني أننا منفتحون على الجميع شرقا وغربا ودراساتنا وبحوثنا كونية وليست إقليمية محدودة.
وفي ما يتعلق بالامتداد الإفريقي، وجب التذكير أننا نظمنا مؤتمرين من أكبر المؤتمرات المنجزة والخاصة بعلاقة دول الخليج بدول جنوب الصحراء في 2009 و2010 الأول في كاب تاون والثاني في الرياض واستضفنا أكثر من 25 رئيس دولة من دول جنوب الصحراء شاركوا معنا الى جانب العشرات من الوزراء والمسؤولين الحكوميين من أكثر من 47 دولة إفريقية. وأؤكد مرة أخرى أن تونس تبقى هي الفضاء الأفضل لربط العلاقة مع دول جنوب الصحراء لأنها تتمتع بمميزات كثيرة وخاصيات فريدة مساعدة.
*قلتم إنكم لا تستشرفون مستقبل العالم ولا تلعبون دور العراف، لكن الأكيد كمكتب دراسات وبحوث لديكم قراءة في الوضع الدولي الراهن ولديكم نظرتكم لمستقبل العلاقات الدولية؟
قراءتنا للوضع الدولي وللأسف الشديد نحن عدنا لمرحلة الحرب الباردة والحرب الروسية الأوكرانية أثبتت ذلك حيث عادت بالعالم الى مرحلة الصراعات وهذه الحرب لا تقتصر على البلدين المذكورين بل إن الأخطر هو أن الصراع يمكن أن يتوسع نحو الصين وما نشهده الآن من احتدام في بعض المواقف بين الولايات المتحدة والصين يجعلنا نفكر كثيرا في واقع ومستقبل منطقة خليج الصين ككل وهي منطقة أكثر حساسية من غيرها. نحن لا نريد العودة الى مرحلة الحرب الباردة ولا يمكن أن نقف مع طرف على حساب الآخر، لذلك نحن دول الخليج وعند اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية أبقينا علاقة متوازنة مع الطرفين وهو ما مكننا من الحفاظ على موقعنا المهم بين كل الأطراف.
*يبدو أن هذه المكانة المهمة مكنت الرياض من السعي لاحتضان اللقاء الصعب وشبه المستحيل بين الطرفين الروسي والأوكراني؟
بالفعل وقد تم الاجتماع مع كل الأطراف منفردة في المملكة مع العلم أن الدول العربية بما في ذلك السعودية لم تقبل بالتوقيع على البيان الختامي للقاء سويسرا الخاص بالصراع الروسي الأوكراني فلا يمكن لنا القبول بحوار دون وجود الطرفين المتصارعين وهناك دعوة لاحتضان المملكة لقاء تاريخيا في الرياض وتعمل السعودية على أن يكون هذا الاجتماع ناجعا ويخرج بنتائج مدروسة توافق عليها كل الأطراف.
*أكثر من 320 يوما مرت على حرب الإبادة الدائرة ضد أهالينا في غزة، فما رأيكم في ما يجري اليوم في الأراضي الفلسطينية في ظل صمت عالمي مريب وتقريبا مباركة الحكومات للجرائم الصهيونية؟
لن أضيف شيئا أمام ما يشهده كل العالم من إبادة ودمار وعشرات الآلاف من الشهداء سقطوا غدرا بسلاح إسرائيل التي كما قال الرئيس نيكسون لا تستطيع العيش وسط بحيرة من الكراهية فهي عمقت هذه الكراهية بالرغم من أنه كانت هناك محاولات أو خطوات للتقارب مع بعض الدول من ناحية التطبيع الاقتصادي وليس السياسي أو الفكري. ومع الأحداث في غزة وتمادي الكيان في قتل الأبرياء ووصول عدد الشهداء والجرحى إلى أكثر من أرقام فوق الـ135 ألف بينهم أكثر من 40 ألف شهيد، لا يمكن لهذا أن يجعل من عملية التقارب مع الكيان سهلة.. فالمملكة مثلا ربطت بشكل واضح التطبيع أو أي علاقة مع إسرائيل ما لم يكن هناك اتفاق فلسطيني إسرائيل مقبول من الطرفين وهذا لا مساومة عليه ولا مجادلة فيه. وبعض وسائل الإعلام الإسرائيلية كانت لها مصلحة في تمرير أخبار مضللة تصدت لها المملكة بتأكيدها المتواصل أن لا تطبيع دون اتفاق فلسطيني إسرائيلي عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن حتى يكون مضمونا باعتبار أن إسرائيل خرقت كم مرة اتفاقياتها.. ومع الأسف فإن المجتمع الدولي يقف متفرجا في أحداث غزة ومع الأسف فإن السلطات الأمريكية تصفق وترحب بنتنياهو وجرائمه خاصة أن هذا الأخير استغل مرحلة الصراع حول كرسي رئاسة البيت الأبيض ليرتع ويضغط على المشرعين الأمريكيين لتأييده ودعمه في قتل الأبرياء الفلسطينيين ومواصلة جرائمه والغريب أن المحاكم الدولية تجرمّ ولا أحد بإمكانه فرض وتطبيق قراراتها. هناك تخاذل واضح للمجتمع الدولي في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
*نختم حديثنا بالتحولات الكبرى التي تشهدها المملكة على مختلف المستويات.. فإلى أين وصل مشروع رؤية 2030 خاصة أن بعض البرامج تم التعديل فيها بعد تعطلها؟
رؤية 2030 كانت رؤية جميلة رحب بها كامل الشعب السعودي لأنها لم تنظر الى سنتين أو ثلاث بل كانت رؤية بعيدة المدى من 2016 الى 2030 قامت على ثوابت أساسها التوقف عن الاعتماد على النفط كثروة أساسية والشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، تنويع مصادر الدخل، ولوج قطاعات اقتصادية لم تكن موجودة في الاقتصاد السعودي في السابق مثل الرياضة والسياحة والترفيه.. كما ساعدت الرؤية على تمكين المرأة من حقوقها الوظيفية مثلها مثل الرجل وهو ما ساهم في خفض نسبة البطالة وفتح فرص عمل كثيرة وجيدة. لا يمكن أن تكون أي من خطط التنمية دون تحديات، وأي اقتصاد له نظرة عميقة لا بد أن تكون له تحديات ولكن الميزة في وجود وعي وإدراك لدى الحكومات حول هذه التحديات وكيفية التعامل السريع معها وهذا ما تقوم به المملكة التي تسعى لاستضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2034 كما ستستضيف الألعاب الشتوية 2028 والألعاب الالكترونية كذلك.. كما سهلت المملكة تأشيرات الدخول إليها وأصبحت تشهد سياحا من كل دول العالم دون أن ننسى الحدث الاقتصادي العالمي وهو استضافة "اكسبو".. وهذه الرؤية جاءت بمباركة أبوية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ولكن بقيادة شابة ترى المستقبل خاصة أن 70 بالمائة من سكان المملكة شباب يرى أن المجال مفتوح أمامه ويمكن أن يحقق الكثير من آماله.
-مركز تونس سيمكننا من رؤى حول دول المغرب وعلاقاتها مع دول الاتحاد الأوروبي وانعكاس ذلك على منطقتنا في الخليج
- عدنا لمرحلة الحرب الباردة والحرب الروسية الأوكرانية أثبتت ذلك
- لقاء تاريخي منتظر في الرياض بين الروس والأوكرانيين
- نتنياهو استغل مرحلة الصراع حول كرسي رئاسة البيت الأبيض ليرتع ويضغط على الأمريكيين لتأييده ودعمه في قتل الأبرياء الفلسطينيين
- هناك تخاذل واضح للمجتمع الدولي في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية
- رؤية 2030، قامت على تنويع مصادر الدخل وولوج قطاعات اقتصادية لم تكن موجودة في الاقتصاد السعودي
تونس-الصباح
يشهد العالم الحديث، اليوم، تحولات كبيرة في مجال البحوث والدراسات الإستراتيجية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والعسكرية والبيئية والتكنولوجية وغيرها.. حيث ازداد دور مراكز البحوث والدراسات وشهد البحث العلمي انتقالا من مرحلة "الباحث الفرد" إلى مرحلة "الباحث – المؤسسة" والتي تجمع بين متخصصين في مجالات مختلفة من المعرفة، وتتخطى دور أو جهد الشخص الواحد. وفي هذا الإطار نشاهد اليوم مختلف الدول تعتمد في خططها واستراتيجياتها على مراكز البحث والدراسات التي لم تعد حكرا على القوى العظمى بل إن جل الدول اليوم أعطت اهتماما كبيرا لهذه المراكز التي تقدم الشيء الكثير ليس لحكوماتها فقط بل للبشرية جمعاء.
ومن هذه المراكز العالمية المهمة نجد "مركز الخليج للأبحاث"، ومقره في العاصمة السعودية الرياض، مع مقرات أخرى في عدد من العواصم الغربية. والمفاجأة المفرحة هو أن المركز سيكون له مقر في تونس في الأيام القليلة القادمة وفق ما صرح به لـ"الصباح" رئيسه الدكتور عبد العزيز بن صقر الذي زار بلادنا منذ أيام من أجل تحقيق هذا الهدف.
"الصباح" استغلت زيارة رئيس مركز الخليج للأبحاث والتقته في لقاء "خاص" للحديث حول مركز تونس المنتظر إلى جانب عديد الملفات الأخرى العالمية والإقليمية..
حاوره: سفيان رجب
*تترأسون اليوم مركز الخليج للأبحاث الذي يعد من أقوى مراكز البحوث والدراسات في العالم، فماذا عن هذا المركز، اهتماماته ومدى تأثيره في السياسات الخليجية والإقليمية؟
تأسس مركز الخليج للأبحاث في جويلية 2000 ومقره المركزي بالرياض، في الوقت الذي بدأت تبرز فيه دول مجلس التعاون الخليجي كأطراف فاعلة مهمة في السياق الواسع للسياسة الإقليمية والدولية.
فبالرغم من وجود مراكز الفكر في مناطق مثل واشنطن ولندن تركز على الشرق الأوسط والخليج، إلا أن عمل هذه المراكز ومخرجاتها كانا يعكسان وجهة نظر غربية إلى حد كبير في تحليل ودراسة التطورات والأحداث في العالم. لذلك كان التوجه نحو تأسيس مركز الخليج للأبحاث بمنظور خليجي لتوفير معلومات على نحٍو أفضل في ما يتعلق بتحليل السياسات وصياغتها في الدول الغربية التي بدأت تتفاعل بانتظام أكثر مع دول مجلس التعاون الخليجي.
وقد حدّد مركز الخليج للأبحاث من البداية عدة مجالات بحثية وجمعها في العديد من البرامج البحثية البارزة: الاقتصاد، والطاقة، والسياسة، والعلاقات الدولية، والدفاع والأمن، والبيئة، والعلوم والتكنولوجيا. وبالرغم من وجود عناصر عالمية مؤثرة في كل برنامج ودمجها في البحث، إلا أن مركز الخليج للأبحاث ظل أوًلا وأخيًرا مركًزا عربًيا خليجًيا للفكر. الى جانب البحوث والدراسات ركزنا كذلك على عقد المؤتمرات والمنتديات الدولية التي من خلالها لم يطور مركز الخليج للأبحاث فقط شبكة واسعة النطاق مع مؤسسات تشاركه الأفكار نفسها، ولكنه تمكن كذلك من نقل النقاش حول الخليج لسائر أنحاء العالم.
وقد تمَّكن مركز الخليج للأبحاث من خلال شبكته من الاتصال بمراكز فكر بارزة من أنحاء العالم، مقابل توفير إمكانية الوصول والقدرة على التأثير في مناقشات السياسة العامة بشكل لا نظير له. ولا يزال مركز الخليج للأبحاث ُيكرس جهوده لتقديم الأفكار والمبادرات التي تساهم في أمن واستقرار منطقة الخليج ورفاهية شعوب المنطقة، فهو مؤسسة فريدة من نوعها تلعب دورا متفردا في المنطقة.
ونعتبر أن مركز الخليج للأبحاث، قد نجح في تحقيق الأهداف التي حددها لنفسه عند إنشائه، وذلك بما قدمه من أعمال وبرامج توعوية، حيث يوجد الآن فهم أفضل وتقدير أعمق لدور دول مجلس التعاون الخليجي في الشؤون العالمية.
*هل أن المركز يركز فقط على منطقة الخليج العربي فحسب في دراساته أم أنه منفتح على جميع القضايا الإقليمية والعالمية؟
يهتم مركز الخليج للأبحاث بدراسة قضايا وشؤون منطقة الخليج ومحيطه الإقليمي من مختلف الأطر المعرفية التي تشمل الجوانب السياسية، والاقتصادية، والأمنية، ودراسات الطاقة والبيئة، والثقافية، والإعلامية، وغيرها؛ علاوة على اهتمامات دول مجلس التعاون الخليجي بكل القضايا التي تشغل العالم وتحاول تقديم دراسات وبحوث علمية وفكرية وإستراتيجية.
*تتواجدون اليوم في تونس، ففي أي إطار تتنزل هذه الزيارة؟
منطقة البحر الأبيض المتوسط تحاول أن تبقى دائما منطقة آمنة ومستقرة وهي منطقة تشهد نوعا من الازدهار باعتبارها غنية بأهلها وشعبها وإمكانياتها. ومنطقة الخليج لديها موارد طبيعية مهمة ولديها موقع جغرافية مهمة أيضا وحساسة وكلاهما في حاجة الى علاقة تكاملية تجمع بين البعد الاقتصادي الخليجي والاستثمار في منطقتكم. فالاستقرار السياسي في هذه المنطقة سوف يشجع وجود استثمارات كبيرة وضخمة لأنها تملك القوة البشرية والأراضي الزراعية الجيدة بمفهوم الأمن الغذائي وتملك أيضا القدرات التقنية ممثلة في شبابها ومهندسيها وخبراتها..
كمؤسسة بحثية دائما ننظر الى العالم من منظور دول الخليج مجتمعة مع بعض، كيف نجد الأجندة السياسية والتوافق عليها، كيف يمكن أن يكون لدينا هدف مشترك في مقاومة الإرهاب والجريمة الدولية والجماعات المتطرفة سواء في منطقتنا أو في منطقتكم؟ فلا ننسى أن منطقة المغرب العربي عانت من وجود جماعات متطرفة وجماعات مسلحة استخدمت بعض دول المغرب كمرتع لها. وهذه كلها قضايا تجعل أهمية العلاقة بيننا وبين منطقة المغرب العربي ذات أهمية قصوى.
ونحن كمؤسسة بحثية معنية بالدراسات السياسية والأمنية والعسكرية وقضايا الاقتصاد والطاقة والبيئة والتعليم وأيضا البعد الثقافي، لنا اهتمام بمنطقة المغرب العربي وهذه الزيارة تندرج في إطار فتح مكتب إقليمي لمؤسستنا في المنطقة يعنى بشؤونها ويبحث فيما يفيدها..
*يبدو أنكم قررتم أن تكون تونس هي الحاضنة لمقر مركز الخليج للدراسات والبحوث؟
بالنسبة لنا تونس هي سويسرا القارة لأننا نعتبرها من أهم دول المنطقة الإفريقية وعلاقتها بالجميع مميزة وجيدة وأيضا تتوفر على قدرات بشرية وبحثية جيدة وذات قدرات عالية موزونة ومتوازنة وهذا يجعلها المكان المميز والأفضل لاحتضان مقر مركز الخليج للأبحاث.
*ما يعرف عن مركز الخليج للأبحاث انه يهتم بالأساس بالملفات السياسية والأمنية والاقتصادية بالأساس، فهل سيكتفي مقر تونس بنفس هذا الخيار أم أنه سيكون له المجال للتوسع أكثر في مجالات بحوثه ودراساته؟
نحن نركز على خمسة أبعاد أساسية في أبحاثنا البعد الأول السياسة والعلاقات الدولية، فدائما ننظر مثلا في دول المغرب وعلاقاتها مع دول الإتحاد الأوروبي وكيف تنعكس على منطقتنا في الخليج، البعد الثاني هو الاقتصاد والطاقة وهو موضوع شديد الأهمية بالنسبة لنا. أما البعد الثالث فهو دراسات الأمن والدفاع ومكافحة الإرهاب وهي من الدراسات المهمة بالنسبة لنا والبعد الرابع هو البيئة فاليوم نشهد تغيرات كبيرة في المناخ ولنا علاقات وتعامل كبير مع المنظمات الدولية العاملة حول البعد البيئي والبعد الخامس هو الإعلام والثقافة ولدينا مختبرات ثقافية في كامل المجالات الثقافية والإعلامية الخليجية ونصدر مجلة شهرية تدعى "آراء حول الخليج" تعنى بمنطقة الخليج بشكل كبير جدا ونتناول ضمنها شهريا ملفات ذات أهمية شديدة، وسبق أن تناولنا بالدرس والتحليل ملفات حول المغرب العربي وتطورات الأوضاع فيه.
دراساتنا وبحوثنا لا تقتصر على بعض الأسماء بل هي مفتوحة، فنحن لا تهمنا النتيجة التي وصلت إليها في بحثك بل إن ما يهمنا أساسا هو الطريقة التي قادتك إلى هذه النتيجة والمنهجية المستخدمة للوصول الى هذه النتيجة. فوجود منهجية واضحة في البحث العلمي أو في المقال التحليلي السياسي مهم جدا حتى لا تكون عملية انطباعية وعملية توصيفية فقط لأننا في الجانب البحثي نهتم بالعملية التحليلية والمناهج البحثية التي تستخدم في هذا الجانب. فبالعكس نحن منفتحون على الكل ولدينا الآن كتّاب من المغرب العربي يكتبون معنا ويشاركوننا بحوثنا ودراساتنا.
*للمركز مقرات أخرى في عدد من العواصم الغربية، وهو ما يعني أن اهتماماتكم ليست خليجية عربية فقط؟
لدينا مركز في جينيف وآخر في بروكسيل وفي جامعة كمبريدج الشهيرة في بريطانيا وقريبا مركز تونس الذي سيكون امتدادا لإفريقيا وهو ما يعني أننا منفتحون على الجميع شرقا وغربا ودراساتنا وبحوثنا كونية وليست إقليمية محدودة.
وفي ما يتعلق بالامتداد الإفريقي، وجب التذكير أننا نظمنا مؤتمرين من أكبر المؤتمرات المنجزة والخاصة بعلاقة دول الخليج بدول جنوب الصحراء في 2009 و2010 الأول في كاب تاون والثاني في الرياض واستضفنا أكثر من 25 رئيس دولة من دول جنوب الصحراء شاركوا معنا الى جانب العشرات من الوزراء والمسؤولين الحكوميين من أكثر من 47 دولة إفريقية. وأؤكد مرة أخرى أن تونس تبقى هي الفضاء الأفضل لربط العلاقة مع دول جنوب الصحراء لأنها تتمتع بمميزات كثيرة وخاصيات فريدة مساعدة.
*قلتم إنكم لا تستشرفون مستقبل العالم ولا تلعبون دور العراف، لكن الأكيد كمكتب دراسات وبحوث لديكم قراءة في الوضع الدولي الراهن ولديكم نظرتكم لمستقبل العلاقات الدولية؟
قراءتنا للوضع الدولي وللأسف الشديد نحن عدنا لمرحلة الحرب الباردة والحرب الروسية الأوكرانية أثبتت ذلك حيث عادت بالعالم الى مرحلة الصراعات وهذه الحرب لا تقتصر على البلدين المذكورين بل إن الأخطر هو أن الصراع يمكن أن يتوسع نحو الصين وما نشهده الآن من احتدام في بعض المواقف بين الولايات المتحدة والصين يجعلنا نفكر كثيرا في واقع ومستقبل منطقة خليج الصين ككل وهي منطقة أكثر حساسية من غيرها. نحن لا نريد العودة الى مرحلة الحرب الباردة ولا يمكن أن نقف مع طرف على حساب الآخر، لذلك نحن دول الخليج وعند اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية أبقينا علاقة متوازنة مع الطرفين وهو ما مكننا من الحفاظ على موقعنا المهم بين كل الأطراف.
*يبدو أن هذه المكانة المهمة مكنت الرياض من السعي لاحتضان اللقاء الصعب وشبه المستحيل بين الطرفين الروسي والأوكراني؟
بالفعل وقد تم الاجتماع مع كل الأطراف منفردة في المملكة مع العلم أن الدول العربية بما في ذلك السعودية لم تقبل بالتوقيع على البيان الختامي للقاء سويسرا الخاص بالصراع الروسي الأوكراني فلا يمكن لنا القبول بحوار دون وجود الطرفين المتصارعين وهناك دعوة لاحتضان المملكة لقاء تاريخيا في الرياض وتعمل السعودية على أن يكون هذا الاجتماع ناجعا ويخرج بنتائج مدروسة توافق عليها كل الأطراف.
*أكثر من 320 يوما مرت على حرب الإبادة الدائرة ضد أهالينا في غزة، فما رأيكم في ما يجري اليوم في الأراضي الفلسطينية في ظل صمت عالمي مريب وتقريبا مباركة الحكومات للجرائم الصهيونية؟
لن أضيف شيئا أمام ما يشهده كل العالم من إبادة ودمار وعشرات الآلاف من الشهداء سقطوا غدرا بسلاح إسرائيل التي كما قال الرئيس نيكسون لا تستطيع العيش وسط بحيرة من الكراهية فهي عمقت هذه الكراهية بالرغم من أنه كانت هناك محاولات أو خطوات للتقارب مع بعض الدول من ناحية التطبيع الاقتصادي وليس السياسي أو الفكري. ومع الأحداث في غزة وتمادي الكيان في قتل الأبرياء ووصول عدد الشهداء والجرحى إلى أكثر من أرقام فوق الـ135 ألف بينهم أكثر من 40 ألف شهيد، لا يمكن لهذا أن يجعل من عملية التقارب مع الكيان سهلة.. فالمملكة مثلا ربطت بشكل واضح التطبيع أو أي علاقة مع إسرائيل ما لم يكن هناك اتفاق فلسطيني إسرائيل مقبول من الطرفين وهذا لا مساومة عليه ولا مجادلة فيه. وبعض وسائل الإعلام الإسرائيلية كانت لها مصلحة في تمرير أخبار مضللة تصدت لها المملكة بتأكيدها المتواصل أن لا تطبيع دون اتفاق فلسطيني إسرائيلي عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن حتى يكون مضمونا باعتبار أن إسرائيل خرقت كم مرة اتفاقياتها.. ومع الأسف فإن المجتمع الدولي يقف متفرجا في أحداث غزة ومع الأسف فإن السلطات الأمريكية تصفق وترحب بنتنياهو وجرائمه خاصة أن هذا الأخير استغل مرحلة الصراع حول كرسي رئاسة البيت الأبيض ليرتع ويضغط على المشرعين الأمريكيين لتأييده ودعمه في قتل الأبرياء الفلسطينيين ومواصلة جرائمه والغريب أن المحاكم الدولية تجرمّ ولا أحد بإمكانه فرض وتطبيق قراراتها. هناك تخاذل واضح للمجتمع الدولي في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
*نختم حديثنا بالتحولات الكبرى التي تشهدها المملكة على مختلف المستويات.. فإلى أين وصل مشروع رؤية 2030 خاصة أن بعض البرامج تم التعديل فيها بعد تعطلها؟
رؤية 2030 كانت رؤية جميلة رحب بها كامل الشعب السعودي لأنها لم تنظر الى سنتين أو ثلاث بل كانت رؤية بعيدة المدى من 2016 الى 2030 قامت على ثوابت أساسها التوقف عن الاعتماد على النفط كثروة أساسية والشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، تنويع مصادر الدخل، ولوج قطاعات اقتصادية لم تكن موجودة في الاقتصاد السعودي في السابق مثل الرياضة والسياحة والترفيه.. كما ساعدت الرؤية على تمكين المرأة من حقوقها الوظيفية مثلها مثل الرجل وهو ما ساهم في خفض نسبة البطالة وفتح فرص عمل كثيرة وجيدة. لا يمكن أن تكون أي من خطط التنمية دون تحديات، وأي اقتصاد له نظرة عميقة لا بد أن تكون له تحديات ولكن الميزة في وجود وعي وإدراك لدى الحكومات حول هذه التحديات وكيفية التعامل السريع معها وهذا ما تقوم به المملكة التي تسعى لاستضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2034 كما ستستضيف الألعاب الشتوية 2028 والألعاب الالكترونية كذلك.. كما سهلت المملكة تأشيرات الدخول إليها وأصبحت تشهد سياحا من كل دول العالم دون أن ننسى الحدث الاقتصادي العالمي وهو استضافة "اكسبو".. وهذه الرؤية جاءت بمباركة أبوية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ولكن بقيادة شابة ترى المستقبل خاصة أن 70 بالمائة من سكان المملكة شباب يرى أن المجال مفتوح أمامه ويمكن أن يحقق الكثير من آماله.