في اللقاء الذي جمع أول أمس رئيس الجمهورية قيس سعيد برئيس المجلس الشعبي الوطني بجمهورية الجزائر الشقيقة، إبراهيم بوغالي، تم التطرّق في إطار محاور العمل والتعاون المشترك بين البلدين الى تنمية المناطق الحدودية بالإضافة الى مقاومة الهجرة غير النظامية..
وملف تنمية المناطق الحدودية كان على الدوام حاضرا كملف استراتيجي في إطار العلاقات الثنائية بين تونس والجزائر، إلا أن الأمر لم يغادر مع كل الحكومات المتعاقبة خانة النوايا والأهداف بعيدة المدى، رغم أن كل الظروف التاريخية والجغرافية وتميّز العلاقات الثنائية عوامل تساعد بقوّة على ترجمة هذه النوايا الى واقع ملموس، خاصة وأن تنمية المناطق الحدودية تخدم اقتصاد كلا البلدين ويحدّ، من أزمة النزوح وإقفار تلك المناطق الجبلية، والأهم أن تلك المناطق تحتكم على ثروات هائلة يمكن استغلالها اقتصاديا بشكل كبير ..
ومنذ بداية هذا العام التأمت عدة اجتماعات ولقاءات رفيعة المستوى بين مسؤولين تونسيين وجزائريين للتباحث بشكل عملي حول ملف تنمية المناطق الحدودية، وانتهت هذه اللقاءات الى دراسة متكاملة أعدتها وزارة التجارة ويبدو أن الطرف التونسي ينتظر تفاعلا إيجابيا من الطرف الجزائري للانطلاق في الإنجاز، خاصة وأن هناك أطرافا عبّرت عن رغبتها في المساعدة على تنمية هذه المناطق وأهمها المنظمة العالمية للمناطق الحرة..
لقاءات رسمية حول الملف
في جانفي الماضي أشرف وزير الداخلية السابق، كمال الفقي، على جلسة عمل بمقر الوزارة حضرها ولاة الولايات الحدودية وهم ولاة جندوبة والكاف والقصرين وتطاوين وتوزر وقبلي وقفصة، مع عدد من المسؤولين بالوزارات المعنية بملف تنمية المناطق الحدودية.. وتدارس هذا اللقاء ضرورة تحديد رؤية مشتركة لتنمية المناطق الحدودية بهدف تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية وتحسين ظروف عيش متساكني البلدية ودعم الأمن والاستقرار ..
خاصة وأن تلك المناطق وخلال مقاومة المدّ الإرهابي في كلا البلدين عاشت أحداثا مأسوية وأليمة دفعت بعدد هام من الأهالي الى هجرة أراضيهم والنزوح الى المدن طلبا للأمن وهو ما أثّر بشكل سلبي على تلك المجتمعات الرعوية بالأساس، وخلق أزمات اقتصادية محلية خاصة على مستوى قطاع تربية الماشية والمساحات السقوية ..
وكانت وزيرة التجارة، كلثوم بن رجب، أكدت خلال لقائها مؤخرا برئيس المجلس الشعبي الجزائري، إبراهيم بوغالي، على أن من نقاط القوة التي يمكن التأسيس عليها في علاقة تونس بالجزائر هو إرساء علاقة شراكة اقتصادية، إستراتيجية قوامها الاندماج والتكامل الاقتصادي تستجيب للعلاقات السياسية المتميزة بين البلدين .
واستعرضت وزيرة التجارة مع الضيف الجزائري أهم مخرجات الدراسة التي أنجزتها وزارتها والتي ستكون منطلقا لإنشاء مناطق تجارية لوجستية مشتركة يكون من أهدافها الحدّ من ظاهرة التجارة الموازية والتهريب ..
حيث يعدّ التهريب أهم نشاط اقتصادي مواز في المناطق الحدودية وهذا النشاط يستنزف إمكانيات الاقتصاد الوطني ويعيق الدورة الاقتصادية ..
وفي جوان الماضي قال بلاغ لوزارة التجارة إن الوزيرة، كلثوم بن رجب، أجرت على هامش مشاركتها في الاحتفال بالذكرى الستّين لانبعاث مؤتمر الأمم المتّحدة للتجارة والتنمية، لقاء عمل مع الرئيس التنفيذي لـ"سلطة دبي للمناطق الاقتصادية المتكاملة" ورئيس مجلس إدارة المنظمة العالمية للمناطق الحرة، محّمد الزرعوني، وقد تمحور اللقاء حول إمكانيات التعاون مع المنظمة العالمية للمناطق الحرة والاستفادة من التجارب المقارنة في إطار مشروع المنطقة الحرّة للأنشطة التجارية واللوجستية ببن قردان والمخطّط المديري مع الجزائر بخصوص تنمية المناطق الحدوديّة وبعث المناطق الحرّة، وقد أكد بلاغ الوزارة أن الزرعوني رحب بمبادرة التعاون مع تونس كما أبدى استعداده لوضع الإمكانيات والتجارب على الصعيد الثنائي مع سلطة دبي للمناطق الاقتصادية المتكاملة أو في إطار المنظمة العالمية للمناطق الحرة، لمساندة المشاريع التونسية المعنيّة.
وكان وزير الشؤون الاجتماعية السابق، مالك الزاهي قد أشرف خلال شهر ماي الماضي، على اجتماع لجنة الأمن والسلم المجتمعي المنبثقة عن مجلس الأمن القومي ومثّل إرساء «إستراتيجية خصوصية لتنمية المناطق الحدودية» أبرز محاور هذا الاجتماع والذي كان هدفه وضع إستراتيجية وطنية تجسم رؤية تنموية للمناطق الحدودية.
واستعرضت وزارة الشؤون الاجتماعية واقع المناطق الحدودية التي تشهد مؤشرات تنموية لا تتناسب مع حجم المخاطر والتهديدات الإقليمية، في حين أنها تتميز بمخزون ثقافي وبشري وثروات طبيعية وفرص تنموية غير مستغلة.
مناطق مهمشة..
رغم الثروات الطبيعية والفرص التنموية، إلا أن المناطق الحدودية سواء الغربية منها أو الجنوبية، مهمّشة على مدى عقود وتعاني من التفاوت الجهوية وكانت ضحية سياسيات عامة منحت الامتيازات للمناطق الساحلية على حساب المناطق الحدودية التي بقيت حبيسة منوال تنموي بدائي يرتكز على الرعي والزراعات البسيطة وفي السنوات الأخيرة بات يرتكز بالأساس على التهريب..
وهذه السياسات المعتمدة منذ دولة الاستقلال لم تلحق الضرر فقط باقتصاد الحدود الذي تراهن عليه اليوم قوى عظمى في مختلف مناطق العالم بل خلق أزمات اجتماعية واقتصادية في تلك المجتمعات المحلية من خلال تفاقم مؤشرات البطالة والفقر وتزايد نسب النزوح وإقفار مناطق كان يمكن أن تكون رافدا مهما للتنمية، وكل ذلك أنتج واقعا سيئا حيث يكاد وجود الدولة يغيب في تلك المناطق وتتدنّى الخدمات العمومية الى أدنى مستوياتها، وهذا الواقع السيئ جعل المناطق الحدودية منفّرة للعيش فيها في حين تولّدت مشاكل من نوع آخر في المدن الكبرى والتي يضطر الأهالي الى النزوح إليها بحثا عن حياة كريمة .
وفتح ملف تنمية المناطق الحدودية اليوم يجب أن يكون أولوية مطلقة للحكومة خاصة وأن إنفاذ مشاريع تنموية في المناطق الحدودية لن يحلّ فقط أزمة تلك المناطق بل سيحلّ أيضا مشكلة المدن الكبرى التي اختنقت بالسكّان دون أن يكون لذلك أثر اقتصادي حقيقي يدعم الاقتصاد الوطني .
منية العرفاوي
تونس – الصباح
في اللقاء الذي جمع أول أمس رئيس الجمهورية قيس سعيد برئيس المجلس الشعبي الوطني بجمهورية الجزائر الشقيقة، إبراهيم بوغالي، تم التطرّق في إطار محاور العمل والتعاون المشترك بين البلدين الى تنمية المناطق الحدودية بالإضافة الى مقاومة الهجرة غير النظامية..
وملف تنمية المناطق الحدودية كان على الدوام حاضرا كملف استراتيجي في إطار العلاقات الثنائية بين تونس والجزائر، إلا أن الأمر لم يغادر مع كل الحكومات المتعاقبة خانة النوايا والأهداف بعيدة المدى، رغم أن كل الظروف التاريخية والجغرافية وتميّز العلاقات الثنائية عوامل تساعد بقوّة على ترجمة هذه النوايا الى واقع ملموس، خاصة وأن تنمية المناطق الحدودية تخدم اقتصاد كلا البلدين ويحدّ، من أزمة النزوح وإقفار تلك المناطق الجبلية، والأهم أن تلك المناطق تحتكم على ثروات هائلة يمكن استغلالها اقتصاديا بشكل كبير ..
ومنذ بداية هذا العام التأمت عدة اجتماعات ولقاءات رفيعة المستوى بين مسؤولين تونسيين وجزائريين للتباحث بشكل عملي حول ملف تنمية المناطق الحدودية، وانتهت هذه اللقاءات الى دراسة متكاملة أعدتها وزارة التجارة ويبدو أن الطرف التونسي ينتظر تفاعلا إيجابيا من الطرف الجزائري للانطلاق في الإنجاز، خاصة وأن هناك أطرافا عبّرت عن رغبتها في المساعدة على تنمية هذه المناطق وأهمها المنظمة العالمية للمناطق الحرة..
لقاءات رسمية حول الملف
في جانفي الماضي أشرف وزير الداخلية السابق، كمال الفقي، على جلسة عمل بمقر الوزارة حضرها ولاة الولايات الحدودية وهم ولاة جندوبة والكاف والقصرين وتطاوين وتوزر وقبلي وقفصة، مع عدد من المسؤولين بالوزارات المعنية بملف تنمية المناطق الحدودية.. وتدارس هذا اللقاء ضرورة تحديد رؤية مشتركة لتنمية المناطق الحدودية بهدف تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية وتحسين ظروف عيش متساكني البلدية ودعم الأمن والاستقرار ..
خاصة وأن تلك المناطق وخلال مقاومة المدّ الإرهابي في كلا البلدين عاشت أحداثا مأسوية وأليمة دفعت بعدد هام من الأهالي الى هجرة أراضيهم والنزوح الى المدن طلبا للأمن وهو ما أثّر بشكل سلبي على تلك المجتمعات الرعوية بالأساس، وخلق أزمات اقتصادية محلية خاصة على مستوى قطاع تربية الماشية والمساحات السقوية ..
وكانت وزيرة التجارة، كلثوم بن رجب، أكدت خلال لقائها مؤخرا برئيس المجلس الشعبي الجزائري، إبراهيم بوغالي، على أن من نقاط القوة التي يمكن التأسيس عليها في علاقة تونس بالجزائر هو إرساء علاقة شراكة اقتصادية، إستراتيجية قوامها الاندماج والتكامل الاقتصادي تستجيب للعلاقات السياسية المتميزة بين البلدين .
واستعرضت وزيرة التجارة مع الضيف الجزائري أهم مخرجات الدراسة التي أنجزتها وزارتها والتي ستكون منطلقا لإنشاء مناطق تجارية لوجستية مشتركة يكون من أهدافها الحدّ من ظاهرة التجارة الموازية والتهريب ..
حيث يعدّ التهريب أهم نشاط اقتصادي مواز في المناطق الحدودية وهذا النشاط يستنزف إمكانيات الاقتصاد الوطني ويعيق الدورة الاقتصادية ..
وفي جوان الماضي قال بلاغ لوزارة التجارة إن الوزيرة، كلثوم بن رجب، أجرت على هامش مشاركتها في الاحتفال بالذكرى الستّين لانبعاث مؤتمر الأمم المتّحدة للتجارة والتنمية، لقاء عمل مع الرئيس التنفيذي لـ"سلطة دبي للمناطق الاقتصادية المتكاملة" ورئيس مجلس إدارة المنظمة العالمية للمناطق الحرة، محّمد الزرعوني، وقد تمحور اللقاء حول إمكانيات التعاون مع المنظمة العالمية للمناطق الحرة والاستفادة من التجارب المقارنة في إطار مشروع المنطقة الحرّة للأنشطة التجارية واللوجستية ببن قردان والمخطّط المديري مع الجزائر بخصوص تنمية المناطق الحدوديّة وبعث المناطق الحرّة، وقد أكد بلاغ الوزارة أن الزرعوني رحب بمبادرة التعاون مع تونس كما أبدى استعداده لوضع الإمكانيات والتجارب على الصعيد الثنائي مع سلطة دبي للمناطق الاقتصادية المتكاملة أو في إطار المنظمة العالمية للمناطق الحرة، لمساندة المشاريع التونسية المعنيّة.
وكان وزير الشؤون الاجتماعية السابق، مالك الزاهي قد أشرف خلال شهر ماي الماضي، على اجتماع لجنة الأمن والسلم المجتمعي المنبثقة عن مجلس الأمن القومي ومثّل إرساء «إستراتيجية خصوصية لتنمية المناطق الحدودية» أبرز محاور هذا الاجتماع والذي كان هدفه وضع إستراتيجية وطنية تجسم رؤية تنموية للمناطق الحدودية.
واستعرضت وزارة الشؤون الاجتماعية واقع المناطق الحدودية التي تشهد مؤشرات تنموية لا تتناسب مع حجم المخاطر والتهديدات الإقليمية، في حين أنها تتميز بمخزون ثقافي وبشري وثروات طبيعية وفرص تنموية غير مستغلة.
مناطق مهمشة..
رغم الثروات الطبيعية والفرص التنموية، إلا أن المناطق الحدودية سواء الغربية منها أو الجنوبية، مهمّشة على مدى عقود وتعاني من التفاوت الجهوية وكانت ضحية سياسيات عامة منحت الامتيازات للمناطق الساحلية على حساب المناطق الحدودية التي بقيت حبيسة منوال تنموي بدائي يرتكز على الرعي والزراعات البسيطة وفي السنوات الأخيرة بات يرتكز بالأساس على التهريب..
وهذه السياسات المعتمدة منذ دولة الاستقلال لم تلحق الضرر فقط باقتصاد الحدود الذي تراهن عليه اليوم قوى عظمى في مختلف مناطق العالم بل خلق أزمات اجتماعية واقتصادية في تلك المجتمعات المحلية من خلال تفاقم مؤشرات البطالة والفقر وتزايد نسب النزوح وإقفار مناطق كان يمكن أن تكون رافدا مهما للتنمية، وكل ذلك أنتج واقعا سيئا حيث يكاد وجود الدولة يغيب في تلك المناطق وتتدنّى الخدمات العمومية الى أدنى مستوياتها، وهذا الواقع السيئ جعل المناطق الحدودية منفّرة للعيش فيها في حين تولّدت مشاكل من نوع آخر في المدن الكبرى والتي يضطر الأهالي الى النزوح إليها بحثا عن حياة كريمة .
وفتح ملف تنمية المناطق الحدودية اليوم يجب أن يكون أولوية مطلقة للحكومة خاصة وأن إنفاذ مشاريع تنموية في المناطق الحدودية لن يحلّ فقط أزمة تلك المناطق بل سيحلّ أيضا مشكلة المدن الكبرى التي اختنقت بالسكّان دون أن يكون لذلك أثر اقتصادي حقيقي يدعم الاقتصاد الوطني .