حدث إعلان الجمهورية يوم 25 جويلية 1957 وإلغاء الملكية بقرار من المجلس التأسيسي، مثل الدعامة القوية لما جاءت به مجلة الأحوال الشخصية قبله بسنة ونيف. فهو نظام الحكم الأمثل لضمان حسن تطبيق ما جاءت به المجلة من مكاسب للمرأة التونسية. كما يعد الإطار الذي يمكن داخله تطوير وتنقيح وتغيير واقع النساء. فإلى أي مدى كان نظام الجمهورية مكسبا للمرأة التونسية؟
يمر اليوم 67 عاما عن تاريخ إعلان الجمهورية، ومازالت مجلة الأحوال الشخصية تعد الثورة الحقيقية في علاقة بحقوق النساء على المستوى الوطني. ويصفها تقرير "لجنة الحريات الفردية والمساواة" بأنها "أهم محطة من محطات الإصلاح الاجتماعي التي حرّرت المرأة من الممارسات المهينة لكرامتها، فألغت حق الولي في جبر المرأة على الزواج، واعترفت لها بأهلية الزواج وحرّية اختيار الزوج، ومنعت تعدد الزوجات، وأنهت العمل بالتطليق وعوّضته بطلاق قضائي يستوي فيه الزوجان ويضمن حقوقهما ويحفظ المصلحة الفضلى لأطفالهما. كما تعززت هذه المكتسبات بما أُدخل على مجلة الأحوال الشخصية من تحويرات خاصة بقانون 12 جويلية 1993 الذي حرّر الزوجة من واجب الطاعة الذي كانت تدين به لزوجها وعوّضه بواجب الاحترام المتبادل بين الزوجين". لتصنف بأنها ثورة تونس الأولى واستحقت بها لقب "دستور تونس الاجتماعي".
ورغم أنه تشريعيا لم يصدر على امتداد فترات الحكم والأنظمة السياسية المختلفة منذ إعلان الجمهورية، نص في حجم مجلة الأحوال الشخصية. لم يكن لجملة المكتسبات التي جاءت بها أن تتأصل وتتجذر في المجتمع دون سياسات مرافقة، على غرار تعميم التعليم وفرض إجباريته للذكور والإناث، والنهوض بالصحة، وخلق ثقافة التنظيم العائلي وبثها في جميع الفئات، وخاصة اقتحام المرأة معترك الشغل وافتكاكها المكانة التي هي جديرة بها.
ولم يقتصر تأثير مجلة الأحوال الشخصية، على مستوى العلاقات الأسرية فقط، وإنما كانت لها نتائج في عمق بنية المجتمع وهيكلته. فأرست نموذجا جديدا للعائلة، العائلة الذرّية الضيقة المتكوّنة من الأبوين والأبناء.
وفي القراءات النقدية، يتحدث تقرير الحريات عن تزامن ترسيخ المساواة مع صعود فكرة الحقوق الفردية. لكن لا أحد منهما حظي إلى اليوم باهتمام تشريعي شامل ومتكامل. وإنما اقتصر الأمر على تدخلات محدّدة، تهدف بين الحين والآخر إلى مناهضة التمييز أو تدعيم حماية أحد الحقوق الفردية المعيّنة.
آخر تنقيح لمجلة الأحوال الشخصية استهدف التمييز ضد المرأة إلى أكثر من عشر سنوات، وكان يوم 14 ماي 2007 ووحّد سن الزواج بين الجنسين ليصبح ثمانية عشر عاما بعد أن كان سبعة عشر عاما للإناث وعشرين عاما للذكور. في حين ترجع آخر القوانين التي رفعت بعضا من مظاهر التمييز ضد المرأة إلى 1 ديسمبر 2010 تاريخ إرساء المساواة بين الأب والأم التونسيين في إسناد جنسيتهما إلى أبنائهما. لنعود من جديد في 23 نوفمبر 2015 أين تم الاعتراف للأم بنفس سلطات الأب بخصوص سفر أبنائهما.
وبالنسبة للقانون الأساسي عدد 58 الصادر في 11 أوت 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، فعلى أهميته، لا تعتبره الحركة النسوية في مستوى مجلة الأحوال الشخصية بمختلف تنقيحاتها، فقد جاء فقط بإجراءات وتدابير لتدعيم حماية المرأة من العنف دون أن يأتي بحلول لرفع التمييز في الحقوق بينها وبين الرجل.
مساواة اقتصادية معلقة..
وأبرز ما تعيبه الحركة النسوية على مختلف الأنظمة السياسية هو غياب كل إرادة سياسية لتحقيق المساواة الحقيقية والفعلية بين المواطنين والمواطنات. ففي وقت أصبحت النساء تشكل قوة منتجة، ومنفقة داخل الأسرة، مثلها مثل الرجل مزال الجانب التشريعي يرفض الاعتراف لها بذلك وتحرم النساء من حقهم في امتلاك الثروة وفي حقهم في تقسيم عادل للميراث.
وطبقا لدراسة صادرة عن مركز الدراسات والبحوث والتّوثيق والإعلام حول المرأة، في ما يتعلّق بالمال في العلاقة الزوجية تبين أنّ ثلث النساء يساهمن في مصاريف الأسرة. وهو ما يعني، بالنّظر إلى نسبة النشاط النسائي، أنّهنّ "يخصّصن لا فقط دخلهنّ لتلبية حاجيات أفراد العائلة بل ممتلكاتهنّ". كما تشير الدراسات إلى أن 72% من النساء النشيطات المشتغلات يخصّصن كامل دخلهنّ لمصاريف الأسرة. وتتجلّى أيضا مساهمة النساء في الاقتصاد الأسري من حيث تمويل اقتناء المسكن عن طريق القرض أو بواسطة التمويل الذّاتي. وأظهرت بيانات صادرة عن "الكريديف" استنادا إلى أرقام البنك المركزي أنّ ما يقارب ربع القروض البنكية الممنوحة لتمويل السّكن بين 2011 و2015 تحصّلت عليها نساء.
مشاركة سياسية ضعيفة
وتعتبر منظمات المجتمع المدني المدافعة على حقوق النساء أن الفضاء العام قد سجل منذ انطلاق مسار25 جويلية 2021 في تونس، تراجعا واضحا لنسب مشاركة النساء في الشأن العام ولحضورهن في مواقع القرار. ورغم أن الفترة عرفت تسمية امرأة رئيسة حكومة لأول مرة في تاريخ البلاد إلا أن جميع المحطات الانتخابية التي تزامن مع مدة إدارتها للبلاد سجلت ضعفا في تمثيلية النساء السياسية.
وتعيد منظمات نسوية انخفاض نسب مشاركة المرأة إلى ضرب مبدأ التناصف في القانون الانتخابي وقد يتواصل تأثيره ليشمل مشاركتهن في المواعيد الانتخابية.
وبالعودة للأرقام سجلت المجالس المحلية المنتخبة مؤخرا في تونس النسبة الأضعف في تمثيلية النساء على امتداد الـ 14 سنة الماضية وما تخللها من مواعيد انتخابية ومجالس نيابية وكانت في حدود الـ12%. علما وأن تمثيلية المرأة التونسية كانت بنسبة 29% في المجلس التأسيسي عام 2011، وبنسبة 31% في مجلس نواب الشعب لسنة 2014، وكانت نسبتها في برلمان 2019 في حدود الـ 24% وكانت تمثيليتها في حدود الـ16.2% في مجلس نواب الشعب الحالي، وحظيت المرأة بالتمثيلية الأكبر في الانتخابات البلدية لسنة 2018 اين مثلت نسبة 47.7% من العدد الجملي للفائزين.
وفي العموم لم يكن على امتداد الـ67 سنة الموالية لإعلان الجمهورية حضور مميز للنساء في مواقع القرار، سواء في المجالين السياسي أو النقابي حيث سجلا عزوفا للمرأة وبقيت مشاركتها دون المأمول ولا تمثل حجم تمثيليتها في الجامعات ودخولها إلى سوق الشغل بشكل أصبحت معه قطاعات كالتعليم والصحة والإعلام قطاعات نسوية بالأساس.
ريم سوودي
تونس -الصباح
حدث إعلان الجمهورية يوم 25 جويلية 1957 وإلغاء الملكية بقرار من المجلس التأسيسي، مثل الدعامة القوية لما جاءت به مجلة الأحوال الشخصية قبله بسنة ونيف. فهو نظام الحكم الأمثل لضمان حسن تطبيق ما جاءت به المجلة من مكاسب للمرأة التونسية. كما يعد الإطار الذي يمكن داخله تطوير وتنقيح وتغيير واقع النساء. فإلى أي مدى كان نظام الجمهورية مكسبا للمرأة التونسية؟
يمر اليوم 67 عاما عن تاريخ إعلان الجمهورية، ومازالت مجلة الأحوال الشخصية تعد الثورة الحقيقية في علاقة بحقوق النساء على المستوى الوطني. ويصفها تقرير "لجنة الحريات الفردية والمساواة" بأنها "أهم محطة من محطات الإصلاح الاجتماعي التي حرّرت المرأة من الممارسات المهينة لكرامتها، فألغت حق الولي في جبر المرأة على الزواج، واعترفت لها بأهلية الزواج وحرّية اختيار الزوج، ومنعت تعدد الزوجات، وأنهت العمل بالتطليق وعوّضته بطلاق قضائي يستوي فيه الزوجان ويضمن حقوقهما ويحفظ المصلحة الفضلى لأطفالهما. كما تعززت هذه المكتسبات بما أُدخل على مجلة الأحوال الشخصية من تحويرات خاصة بقانون 12 جويلية 1993 الذي حرّر الزوجة من واجب الطاعة الذي كانت تدين به لزوجها وعوّضه بواجب الاحترام المتبادل بين الزوجين". لتصنف بأنها ثورة تونس الأولى واستحقت بها لقب "دستور تونس الاجتماعي".
ورغم أنه تشريعيا لم يصدر على امتداد فترات الحكم والأنظمة السياسية المختلفة منذ إعلان الجمهورية، نص في حجم مجلة الأحوال الشخصية. لم يكن لجملة المكتسبات التي جاءت بها أن تتأصل وتتجذر في المجتمع دون سياسات مرافقة، على غرار تعميم التعليم وفرض إجباريته للذكور والإناث، والنهوض بالصحة، وخلق ثقافة التنظيم العائلي وبثها في جميع الفئات، وخاصة اقتحام المرأة معترك الشغل وافتكاكها المكانة التي هي جديرة بها.
ولم يقتصر تأثير مجلة الأحوال الشخصية، على مستوى العلاقات الأسرية فقط، وإنما كانت لها نتائج في عمق بنية المجتمع وهيكلته. فأرست نموذجا جديدا للعائلة، العائلة الذرّية الضيقة المتكوّنة من الأبوين والأبناء.
وفي القراءات النقدية، يتحدث تقرير الحريات عن تزامن ترسيخ المساواة مع صعود فكرة الحقوق الفردية. لكن لا أحد منهما حظي إلى اليوم باهتمام تشريعي شامل ومتكامل. وإنما اقتصر الأمر على تدخلات محدّدة، تهدف بين الحين والآخر إلى مناهضة التمييز أو تدعيم حماية أحد الحقوق الفردية المعيّنة.
آخر تنقيح لمجلة الأحوال الشخصية استهدف التمييز ضد المرأة إلى أكثر من عشر سنوات، وكان يوم 14 ماي 2007 ووحّد سن الزواج بين الجنسين ليصبح ثمانية عشر عاما بعد أن كان سبعة عشر عاما للإناث وعشرين عاما للذكور. في حين ترجع آخر القوانين التي رفعت بعضا من مظاهر التمييز ضد المرأة إلى 1 ديسمبر 2010 تاريخ إرساء المساواة بين الأب والأم التونسيين في إسناد جنسيتهما إلى أبنائهما. لنعود من جديد في 23 نوفمبر 2015 أين تم الاعتراف للأم بنفس سلطات الأب بخصوص سفر أبنائهما.
وبالنسبة للقانون الأساسي عدد 58 الصادر في 11 أوت 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، فعلى أهميته، لا تعتبره الحركة النسوية في مستوى مجلة الأحوال الشخصية بمختلف تنقيحاتها، فقد جاء فقط بإجراءات وتدابير لتدعيم حماية المرأة من العنف دون أن يأتي بحلول لرفع التمييز في الحقوق بينها وبين الرجل.
مساواة اقتصادية معلقة..
وأبرز ما تعيبه الحركة النسوية على مختلف الأنظمة السياسية هو غياب كل إرادة سياسية لتحقيق المساواة الحقيقية والفعلية بين المواطنين والمواطنات. ففي وقت أصبحت النساء تشكل قوة منتجة، ومنفقة داخل الأسرة، مثلها مثل الرجل مزال الجانب التشريعي يرفض الاعتراف لها بذلك وتحرم النساء من حقهم في امتلاك الثروة وفي حقهم في تقسيم عادل للميراث.
وطبقا لدراسة صادرة عن مركز الدراسات والبحوث والتّوثيق والإعلام حول المرأة، في ما يتعلّق بالمال في العلاقة الزوجية تبين أنّ ثلث النساء يساهمن في مصاريف الأسرة. وهو ما يعني، بالنّظر إلى نسبة النشاط النسائي، أنّهنّ "يخصّصن لا فقط دخلهنّ لتلبية حاجيات أفراد العائلة بل ممتلكاتهنّ". كما تشير الدراسات إلى أن 72% من النساء النشيطات المشتغلات يخصّصن كامل دخلهنّ لمصاريف الأسرة. وتتجلّى أيضا مساهمة النساء في الاقتصاد الأسري من حيث تمويل اقتناء المسكن عن طريق القرض أو بواسطة التمويل الذّاتي. وأظهرت بيانات صادرة عن "الكريديف" استنادا إلى أرقام البنك المركزي أنّ ما يقارب ربع القروض البنكية الممنوحة لتمويل السّكن بين 2011 و2015 تحصّلت عليها نساء.
مشاركة سياسية ضعيفة
وتعتبر منظمات المجتمع المدني المدافعة على حقوق النساء أن الفضاء العام قد سجل منذ انطلاق مسار25 جويلية 2021 في تونس، تراجعا واضحا لنسب مشاركة النساء في الشأن العام ولحضورهن في مواقع القرار. ورغم أن الفترة عرفت تسمية امرأة رئيسة حكومة لأول مرة في تاريخ البلاد إلا أن جميع المحطات الانتخابية التي تزامن مع مدة إدارتها للبلاد سجلت ضعفا في تمثيلية النساء السياسية.
وتعيد منظمات نسوية انخفاض نسب مشاركة المرأة إلى ضرب مبدأ التناصف في القانون الانتخابي وقد يتواصل تأثيره ليشمل مشاركتهن في المواعيد الانتخابية.
وبالعودة للأرقام سجلت المجالس المحلية المنتخبة مؤخرا في تونس النسبة الأضعف في تمثيلية النساء على امتداد الـ 14 سنة الماضية وما تخللها من مواعيد انتخابية ومجالس نيابية وكانت في حدود الـ12%. علما وأن تمثيلية المرأة التونسية كانت بنسبة 29% في المجلس التأسيسي عام 2011، وبنسبة 31% في مجلس نواب الشعب لسنة 2014، وكانت نسبتها في برلمان 2019 في حدود الـ 24% وكانت تمثيليتها في حدود الـ16.2% في مجلس نواب الشعب الحالي، وحظيت المرأة بالتمثيلية الأكبر في الانتخابات البلدية لسنة 2018 اين مثلت نسبة 47.7% من العدد الجملي للفائزين.
وفي العموم لم يكن على امتداد الـ67 سنة الموالية لإعلان الجمهورية حضور مميز للنساء في مواقع القرار، سواء في المجالين السياسي أو النقابي حيث سجلا عزوفا للمرأة وبقيت مشاركتها دون المأمول ولا تمثل حجم تمثيليتها في الجامعات ودخولها إلى سوق الشغل بشكل أصبحت معه قطاعات كالتعليم والصحة والإعلام قطاعات نسوية بالأساس.