إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بعد 3 سنوات من انطلاق مسار 25 جويلية .. هل تنطلق الثورة التشريعية..؟

تونس- الصباح

رغم مرور ثلاث سنوات عن انطلاق مسار25 جويلية، مازالت القوانين المعطلة للاستثمار والمكرسة للبيروقراطية والمعيقة للتنمية والمكبلة للطاقات البشرية على حالها، ومازالت الكثير من النصوص التشريعية البالية، سارية المفعول إلى غاية اليوم ومنها ما يعود إلى عهد البايات، والأهم من ذلك أنها لم تعد متلائمة مع الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجمهورية التونسية، الأمر الذي دفع العديد من النواب للمطالبة أثناء الجلسات العامة التشريعية والرقابية التي تجمعهم مؤخرا بأعضاء الحكومة، بكل إلحاح بضرورة التعجيل في القيام بثورة تشريعية ناسفة للنصوص التي لم يعد هناك مجال لبقائها في المنظومة القانونية.

 وكان أغلب نواب الشعب قد وعدوا التونسيين منذ الحملة الانتخابية بغربلة الكثير من القوانين وفي مقدمتها مجلة الاستثمار ومجلة الصرف ومجلة المحروقات ومجلة المناجم والمجلة التجارية ومجلة المياه، كما وعدوا ناخبيهم بأنهم سيحرصون كل الحرص على مراجعة المجلة الجزائية ومجلة الجماعات المحلية ومجلة المحاسبة العمومية ومجلة الحقوق العينية ومجلة الضريبة على الدخل ومجلة الالتزامات والعقود ومجلة الإجراءات الجزائية ومجلة حماية الطفل ومجلة الطرقات ومجلة الشركات التجارية ومجلة الأحوال الشخصية ومجلة الشغل، وقالوا إنهم سيعملون على تعديل مجلة الغابات ومجلة المرافعات والعقوبات العسكرية ومجلة حماية التراث الأثري والتاريخي والفنون التقليدية ومجلة الاتصالات ومجلة التهيئة الترابية والتعمير ومجلة التأمين ومجلة الجنسية، وسيسعون إلى تنقيح مراسيم الجمعيات والأحزاب والصحافة والإعلام السمعي والبصري وإلغاء القوانين اللاشعبية التي قدت على مقاس الائتلافات الحاكمة بعد الثورة ومررتها الأغلبيات البرلمانية السابقة بالقوة.

25 جويلية.. وماذا بعد؟

وينتظر مجلس نواب الشعب الحالي الذي شارف على إنهاء الدورة النيابية الثانية، من رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وجميع الوزارات الانكباب على صياغة النصوص القانونية الجديدة التي من شأنها أن تحدث ثورة تشريعية في البلاد وتنزل أحكام دستور 2022، وكان العديد من أعضاء المجلس خرجوا سابقا وقبل ثلاث سنوات بمعية عدد غفير من التونسيين إلى الشوارع للمطالبة بحل البرلمان الذي تم انتخابه سنة 2019 وإقالة حكومة هشام المشيشي. وفي يوم 25 جويلية 2021 نشرت رئاسة الجمهورية على موقعها الرسمي بيانا جاء فيه ما يلي:"بعد استشارة كلّ من رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب، وعملا بالفصل 80 من الدستور، اتخذ رئيس الجمهورية قيس سعيّد، اليوم 25 جويلية 2021، القرارات التالية حفظا لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها وضمان السير العادي لدواليب الدولة: إعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي، تجميد عمل واختصاصات المجلس النيابي لمدّة30 يوما، رفع الحصانة البرلمانية عن كلّ أعضاء مجلس نواب الشعب، تولي رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة ويعيّنه رئيس الجمهورية، هذا، وسيصدر في الساعات القادمة أمر يُنظّم هذه التدابير الاستثنائية التي حتّمتها الظروف والتي ستُرفع بزوال أسبابها. وتدعو رئاسة الجمهورية بهذه المناسبة الشعب التونسي إلى الانتباه وعدم الانزلاق وراء دعاة الفوضى".

وفي اليوم الموالي ووسط إجراءات أمنية مشددة تجمهر مئات المحتجين تحت أشعة الشمس الحارقة أمام بوابة قصر باردو، ففيهم من جاؤوا للتعبير عن سخطهم على البرلمان وفوضاه وفساد تشريعاته ورفعوا شعار "ديغاج" في وجه نواب حركة النهضة واتهموا رئيس المجلس راشد الغنوشي بالضلوع في الاغتيالات السياسية والإرهاب والقيام بتحالفات مشبوهة مع قطر وتركيا، في حين هناك من طالبوا بفتح باب المجلس والسماح لأعضائه المرابطين هناك ومنهم رئيس كتلة النهضة نور الدين البحيري ورئيس كتلة ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف بالدخول نظرا لأنه سبق أن تمت برمجة جلسة العامة للنظر في مشاريع قوانين تتعلق بقطاع الطاقة، وعبروا عن رفضهم ما اعتبروه خرقا للدستور على اعتبار أن الفصل 80 من دستور 2014 الذي استند إليه الرئيس قيس سعيد لا يجيز له تعليق أشغال البرلمان وإنما كان يجب عليه أن يبقى مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم كما أن إعمال الفصل المذكور يتطلب وجود محكمة دستورية ولكن هذه المحكمة لم يقع تركيزها.

وتبعا لقرار رئيس الجمهورية تجميد البرلمان لم تنعقد يوم الثلاثاء 27 جويلية 2021 الجلسة العامة المخصصة للنظر في مشروع قانون يتعلق بالموافقة على اتفاقية لزمة إنتاج الكهرباء واتفاقية إشغال الموقع وملاحقهما "للمحطة الفولطاضوئية بسقدود"، ومشروع قانون يتعلق بالموافقة على اتفاقية لزمة إنتاج الكهرباء واتفاقية إشغال الموقع وملاحقهما "للمحطة الفولطاضوئية ببرج بورقيبة"، ومشروع قانون يتعلق بالموافقة على اتفاقية لزمة إنتاج الكهرباء واتفاقية إشغال الموقع وملاحقهما "للمحطة الفولطاضوئية بمزونة"، ومشروع قانون يتعلق بالموافقة على اتفاقية لزمة إنتاج الكهرباء واتفاقية إشغال الموقع وملاحقهما "للمحطة الفولطاضوئية بتوزر"، ومشروع قانون يتعلق بالموافقة على اتفاقية لزمة إنتاج الكهرباء واتفاقية إشغال الموقع وملاحقهما "للمحطة الفولطاضوئية بالمتبسطة". كما لم تعقد لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية اجتماعها المخصص للمصادقة على تقريرها النهائي حول مقترح القانون الأساسي المتعلق بتعديل القانون الانتخابي، وبقي ذلك التقرير وعشرات المبادرات التشريعية ومشاريع القوانين في الرفوف.

وقبل انقضاء فترة 30 يوما عن تجميد المجلس النيابي، صدر الأمر الرئاسي عدد 109 لسنة 2021 المؤرخ في 24 أوت 2021 المتعلق بالتمديد في التدابير الاستثنائية المتعلقة بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب، ونص هذا الأمر على أن "رئيس الجمهورية، بعد الإطلاع على الدستور وخاصة على الفصل 80 منه، وعلى الأمر الرئاسي عــــدد 80 لسنة 2021 المؤرخ في 29 جويلية 2021 المتعلق بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب، وحيث أن أسباب تلك التدابير الاستثنائية الواردة بالأمر الرئاسي المذكور لا تزال قائمة. يصدر الأمر الرئاسي الآتي نصه: الفصل الأول: يتم التمديد في التدابير الاستثنائية المتخذة بمقتضى الأمر الرئاسي عدد 80 لسنة 2021 المتعلق بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب وبرفع الحصانة البرلمانية عن كل أعضائه، وذلك إلى غاية إشعار آخر، الفصل الثاني ينشر هذا الأمر الرئاسي بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية وينفذ حالا".

تجريد المجلس من صلاحياته

وبعد شهر من صدور هذا الأمر وتحديدا يوم 22 سبتمبر، تم تجريد المجلس النيابي المجمد من صلاحياته التشريعية، فإلى جانب تنصيصه على تواصل تعليق جميع اختصاصات مجلس نواب الشعب، وتواصل رفع الحصانة البرلمانية عن جميع أعضاء المجلس وإنهاء كافة المنح والامتيازات المسندة لرئيس المجلس وأعضائه، فإن "الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المؤرّخ في 15 من صفر الخير 1443 وفي 22 سبتمبر 2021 المتعلق بالتدابير الاستثنائية" فوض للسلطة التنفيذية، ممارسة السلطة التشريعية عبر إصدار المراسيم.

وعملا بأحكام الأمر عدد 117 مرر رئيس الجمهورية قيس سعيد 124 مرسوما تتوزع على 22 مرسوما تم إصدارها سنة 2021 و80 مرسوما تم إصدارها سنة 2022 و22 مرسوما تم إصدارها سنة 2023. وتعلقت أغلب المراسيم بالقروض والاتفاقيات وعقود المحروقات، وفي المقابل نزلت مراسيم أخرى نزول الصاعقة على المعارضين لمسار 25 جويلية وتسببت في زلزال سياسي، وفي مقدمتها المراسيم المتعلقة بالاستفتاء في مشروع دستور جديد، وبالمجلس الأعلى المؤقت للقضاء، وبتنقيح القانون الانتخابي وقانون الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وإضافة إلى المرسوم عدد 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال والمراسيم المتعلقة بحل المجالس البلدية وبتنظيم انتخابات المجالس المحلّية وتركيبة المجالس الجهويّة ومجالس الأقاليم، كما تم إصدار مراسيم أخرى تتعلق بالصلح الجزائي ومؤسسة فداء والشركات الأهلية وغيرها.

وكان رئيس الجمهورية أعلن يوم 30 مارس 2022 عن حل البرلمان مستندا في ذلك على أحكام الفصل 72 من دستور 2014 وبغاية الحفاظ على الدولة وعلى مؤسساتها وعلى الشعب التونسي، وفق تعبيره، ووصف رئيس الجمهورية النواب المشاركين في الجلسة العامة المنعقدة يومها عن بعد بالمتآمرين على أمن الدولة الداخلي والخارجي ولوح بملاحقتهم جزائيا، وأشار خلال اجتماع مجلس الأمن القومي إلى وجود محاولة انقلابية فاشلة حسب وصفه وقال إن الواجب يقتضي منه حماية الشعب والوطن بناء على أحكام الدستور لأن رئيس الجمهورية هو رمز الدولة ورمز وحدتها. وقال إن الشعب سيحقق مطالبه وآماله وانه يتحمل المسؤولية أمام التاريخ وأمام الشعب وأن المسؤولية تقتضي المحافظة على الدولة وعلى استمراريتها وأكد أنه ضامن للحريات.

 وبعد حل البرلمان، تعالت أصوات المعارضين لمسار 25 جويلية أكثر فأكثر، ونظموا صفوفهم في مجموعات حزبية وائتلافات مدنية ومنها بالخصوص تنسيقية الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية وجبهة الخلاص الوطني وجابوا الشوارع والساحات احتجاجا على ما اعتبروه انقلابا على دستور2014 وسعيا منهم لإسقاط الاستفتاء.

وانتظر التونسيون آنذاك تعديلات جزئية على دستور 2014 وفقا لما عبرت عنه نتائج الاستشارة الوطنية التي أطلقها الرئيس سعيد، لكن الرئيس ذهب إلى أبعد من ذلك وعين العميد الصادق بلعيد على رأس لجنة استشارية تمت دعوتها إلى إعداد مشروع دستور جديد لجمهورية جديدة، وبعد أن قدمت اللجنة أعمالها لرئيس الجمهورية نشر العميد بلعيد النسخة التي قدمها لرئيس الجمهورية في جريدة "الصباح"، وهي تختلف عن الصيغة المعروضة على الاستفتاء.. وحظي مشروع الدستور بالقبول ودخل حيز النفاذ يوم17 أوت 2022 وبناء عليه تم تنظيم الانتخابات التشريعية يوم17 ديسمبر 2022 مثلما نصت عليه خارطة طريق الرئيس سعيد.

فرص ضائعة

 ورغم الفرصة التي أتيحت لحكومة نجلاء بودن قبل انطلاق المجلس النيابي المنتخب في أعماله لإعداد مراسيم تساعدها على تنفيذ توجهاتها، فإنه بالنظر إلى مصفوفة المراسيم الصادرة في فترة التدابير الاستثنائية يمكن الإشارة إلى أن الحكومة فوتت على نفسها تلك الفرصة، وكانت بودن أعلنت يوم 11 أكتوبر 2021 خلال موكب أداء القسم أمام رئيس الجمهورية أن توجهات فريقها الحكومي تقوم على خمس نقاط أولها استعادة الثقة في الدولة، وثقة المواطن في نفسه وثقة الشباب في نفسه وثقة المواطن في الإدارة والمرافق العمومية وفي العمل الحكومي وثقة الأطراف الأجنبية في تونس، وتتمثل النقطة الثانية في إعادة الأمل للمواطن في المستقبل وتحسين ظروف العيش وفتح مجال المبادرة والاستثمار لجميع الفئات، أما النقطة الثالثة فتتمثل في نجاعة العمل الحكومي وضبط وظائف الوزارات والمؤسسات العمومية بدقة وتطوير طرق عملها من أجل وضع شؤون المواطن في صميم اهتماماتها، وتجسيد مبادئ المراقبة والمساءلة والمحاسبة، واختيار الكفاءات الأقدر على إدارة الشأن العام، وتنفيذ المشاريع والإصلاحات بمرونة وثبات وتتمثل النقطة الرابعة في التسريع في تنشيط الدورة الاقتصادية وفتح مجال المبادرة لجميع الفئات وخاصة الشباب ولجميع الجهات وفي جميع الأنشطة، أما النقطة الخامسة فتتمثل في تحسين ظروف عيش المواطن وقدرته الشرائية بالعمل على توفير خدمات عمومية ذات جودة في مجالات النقل والتعليم والصحة وضمان أمنه وسلامة ممتلكاته.

أما حكومة أحمد الحشاني فإنها وحسب ما أكده العديد من أعضاء مجلس نواب الشعب أبطأت كثيرا في إحالة مشاريع قوانين مهمة لدى التونسيين إلى مجلس نواب الشعب، ومنها بالخصوص مشروع مجلة المياه، ومشروع مجلة الصرف ومشروع مجلة الاستثمار ومشروع قانون الوظيفة العمومية وغيرها، وحتى مشروع قانون المالية لسنة 2024 فقد كان محل انتقادات كبيرة وحاول نواب الشعب تحسينه من خلال تعديل الكثير من أحكامه واقتراح فصول إضافية ومنها على سبيل الذكر تلك المتعلقة بعفو الجبائي الجزئي أو إحداث صندوق لتمويل الإصلاح التربوي..

ولعل ما يحسب لحكومة الحشاني أنها اتجهت نحو التقليص من المديونية، وتضمن قانون المالية لسنة 2024 المقدم من قبلها إجراءات جبائية ومالية تتعلق بالدور الاجتماعي للدولة، وتأمين تزويد السوق بالمواد الأساسية، ودعم قطاع الفلاحة والصيد البحري والموارد المائية، ودعم الإدماج المالي للمؤسسات الصغرى والمتوسطة، وتشجيع الادخار ودفع الاستثمار، وإرساء آليات بديلة لتمويل نفقات الدعم، ودعم الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة، ومقاومة التهرب الجبائي وإدماج الاقتصاد الموازي، ودعم الامتثال الضريبي وتكريس مزيد من الضمانات للمطالب بالأداء، ودعم توازنات المالية العمومية من خلال تعبئة الموارد اللازمة لدعم نفقات الميزانية من قبل البنوك والمؤسسات المالية ومؤسسات التأمين وإعادة التأمين وتحسين سيولة الخزينة من خلال التحويل لفائدة الدولة بصفة مؤقتة للأموال المجمدة المودعة لدى البنوك وتحيين المبلغ الأدنى المستوجب على التصاريح الديوانية عند التوريد وتحيين معاليم الموجبات الإدارية الخاصة بتسجيل العربات وبطاقة الاستغلال ورخص النقل وغيرها.

مسؤولية الوظيفة التشريعية

وليست الوظيفة التنفيذية ممثلة في رئاسة الجمهورية والحكومة وحدها من تتحمل مسؤولية البطء في مراجعة التشريعات البالية، فمجلس نواب الشعب بدوره تلكأ في تمرير المبادرات التشريعية التي قدمها أعضاء المجلس، وباستثناء مقترح القانون المتعلق بحقوق المرضى والمسؤولية الطبية الذي جاء بمكاسب مهمة للمتمتعين بالخدمات الصحية من ناحية وللإطار الطبي وشبه الطبي من ناحية أخرى لم يصادق البرلمان منذ جلسته الافتتاحية المنعقدة يوم 13 مارس 2023 على أي مبادرة أخرى من اقتراح نوابه رغم تعلق الكثير منها بمسائل حيوية تمس الاستثمار والتنمية والتربية والتعليم العالي والصحة والبيئة والصناعة والتجارة والحقوق والحريات والطاقات المتجددة حتى أن إحداها تعلقت بالمحكمة الدستورية، فالمجلس النيابي الحالي وخلافا للصورة التي كان عليها البرلمان المحلول يبدو خلال الجلسات العامة والأيام الدراسية المفتوحة للإعلام، أنه يعمل في انسجام كبير بين نوابه وكتله، حتى أن أغلب المبادرات التشريعية تحمل إمضاءات نواب من مختلف الكتل وهو ما يجعل مسارها نحو المصادقة عليها في الجلسة العامة سالكا، فلماذا يفوت البرلمان إذن إمكانية المبادرة بالقيام بثورة تشريعية بنفسه، لأنه باستثناء مشاريع قوانين المالية ومشاريع القوانين المتعلقة بالموافقة على المعاهدات التي هي اختصاص حصري لرئيس الجمهورية، أتاح دستور 2022 لأعضاء مجلس نواب الشعب إمكانية عرض مقترحات قوانين في شتى المجالات الأخرى شريطة تقديمها من قبل عشرة نواب وأن لا تؤدي إلى الإخلال بالتوازنات المالية للدولة.

 وطبقا للدستور يمكن للنواب تقديم مبادرات تشريعية في شكل قوانين أساسية لتنظيم العلاقة بين مجلس نوّاب الشّعب والمجلس الوطنيّ للجهات والأقاليم، وتنظيم العدالة والقضاء، وتنظيم الإعلام والصّحافة والنّشر، وتنظيم الأحزاب والجمعيّات والنّقابات والمنظّمات والهيئات المهنيّة وتمويلها وتنظيم الجيش الوطني وتنظيم قوّات الأمن الدّاخليّ والدّيوانة ومبادرة تتعلق بالقانون الانتخابيّ وبالحرّيات وحقوق الإنسان والأحوال الشّخصيّة و المجالس المحلّية والمجالس الجهويّة ومجالس الأقاليم وتنظيم الهيئات الدّستوريّة والقانون الأساسيّ للميزانيّة.

ويمكن لنواب الشعب تقديم مبادرات تشريعية تتخذ شكل قوانين عادية في المسائل المتعلقة بإحداث أصناف المؤسّسات والمنشآت العموميّة، والجنسيّة، والالتزامات المدنيّة والتّجاريّة، وضبط الجنايات والجنح والعقوبات المنطبقة عليها وكذلك المخالفات المستوجبة لعقوبة سالبة للحرّية، والعفو العامّ ونظام إصدار العملة، والتّصريح بالمكاسب والضّمانات الأساسيّة الممنوحة للموظّفين المدنيّين والعسكريّين وكذلك في علاقة بالمبادئ الأساسيّة لنظام الملكيّة والحقوق العينيّة والتّعليـم والبحث العلميّ والثّقافة والصّحة العمومية والبيـئة والتّهيئة الترابيّة والعمرانية والطّاقة وقانون الشّغل والضّمان الاجتماعيّ والاتّفاقيّات وعقود الاستثمار المتعلّقة بالثّروات الوطنيّة.

ومازالت أمام مجلس نواب الشعب ثلاث دورات كاملة وبإمكانه تعديل اتجاه البوصلة نحو القوانين التي تحتاج فعلا إلى المراجعة، ونفس الشيء بالنسبة إلى المجلس الوطني للجهات والأقاليم الذي عقد جلسته الافتتاحية يوم 19 أفريل 2024 فأمامه هو الآخر فرصة ثمينة لتغيير المنوال التنموي وتحقيق التوازن بين الجهات والأقاليم من خلال دراسته المشاريع المتعلقة بميزانية الدولة ومخططات التنمية الجهوية والإقليمية والوطنية وكذلك اتفاقيات وعقود الاستثمار المتعلقة بالثروات الوطنية.

سعيدة بوهلال

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بعد 3 سنوات من انطلاق مسار 25 جويلية .. هل تنطلق الثورة التشريعية..؟

تونس- الصباح

رغم مرور ثلاث سنوات عن انطلاق مسار25 جويلية، مازالت القوانين المعطلة للاستثمار والمكرسة للبيروقراطية والمعيقة للتنمية والمكبلة للطاقات البشرية على حالها، ومازالت الكثير من النصوص التشريعية البالية، سارية المفعول إلى غاية اليوم ومنها ما يعود إلى عهد البايات، والأهم من ذلك أنها لم تعد متلائمة مع الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجمهورية التونسية، الأمر الذي دفع العديد من النواب للمطالبة أثناء الجلسات العامة التشريعية والرقابية التي تجمعهم مؤخرا بأعضاء الحكومة، بكل إلحاح بضرورة التعجيل في القيام بثورة تشريعية ناسفة للنصوص التي لم يعد هناك مجال لبقائها في المنظومة القانونية.

 وكان أغلب نواب الشعب قد وعدوا التونسيين منذ الحملة الانتخابية بغربلة الكثير من القوانين وفي مقدمتها مجلة الاستثمار ومجلة الصرف ومجلة المحروقات ومجلة المناجم والمجلة التجارية ومجلة المياه، كما وعدوا ناخبيهم بأنهم سيحرصون كل الحرص على مراجعة المجلة الجزائية ومجلة الجماعات المحلية ومجلة المحاسبة العمومية ومجلة الحقوق العينية ومجلة الضريبة على الدخل ومجلة الالتزامات والعقود ومجلة الإجراءات الجزائية ومجلة حماية الطفل ومجلة الطرقات ومجلة الشركات التجارية ومجلة الأحوال الشخصية ومجلة الشغل، وقالوا إنهم سيعملون على تعديل مجلة الغابات ومجلة المرافعات والعقوبات العسكرية ومجلة حماية التراث الأثري والتاريخي والفنون التقليدية ومجلة الاتصالات ومجلة التهيئة الترابية والتعمير ومجلة التأمين ومجلة الجنسية، وسيسعون إلى تنقيح مراسيم الجمعيات والأحزاب والصحافة والإعلام السمعي والبصري وإلغاء القوانين اللاشعبية التي قدت على مقاس الائتلافات الحاكمة بعد الثورة ومررتها الأغلبيات البرلمانية السابقة بالقوة.

25 جويلية.. وماذا بعد؟

وينتظر مجلس نواب الشعب الحالي الذي شارف على إنهاء الدورة النيابية الثانية، من رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وجميع الوزارات الانكباب على صياغة النصوص القانونية الجديدة التي من شأنها أن تحدث ثورة تشريعية في البلاد وتنزل أحكام دستور 2022، وكان العديد من أعضاء المجلس خرجوا سابقا وقبل ثلاث سنوات بمعية عدد غفير من التونسيين إلى الشوارع للمطالبة بحل البرلمان الذي تم انتخابه سنة 2019 وإقالة حكومة هشام المشيشي. وفي يوم 25 جويلية 2021 نشرت رئاسة الجمهورية على موقعها الرسمي بيانا جاء فيه ما يلي:"بعد استشارة كلّ من رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب، وعملا بالفصل 80 من الدستور، اتخذ رئيس الجمهورية قيس سعيّد، اليوم 25 جويلية 2021، القرارات التالية حفظا لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها وضمان السير العادي لدواليب الدولة: إعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي، تجميد عمل واختصاصات المجلس النيابي لمدّة30 يوما، رفع الحصانة البرلمانية عن كلّ أعضاء مجلس نواب الشعب، تولي رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة ويعيّنه رئيس الجمهورية، هذا، وسيصدر في الساعات القادمة أمر يُنظّم هذه التدابير الاستثنائية التي حتّمتها الظروف والتي ستُرفع بزوال أسبابها. وتدعو رئاسة الجمهورية بهذه المناسبة الشعب التونسي إلى الانتباه وعدم الانزلاق وراء دعاة الفوضى".

وفي اليوم الموالي ووسط إجراءات أمنية مشددة تجمهر مئات المحتجين تحت أشعة الشمس الحارقة أمام بوابة قصر باردو، ففيهم من جاؤوا للتعبير عن سخطهم على البرلمان وفوضاه وفساد تشريعاته ورفعوا شعار "ديغاج" في وجه نواب حركة النهضة واتهموا رئيس المجلس راشد الغنوشي بالضلوع في الاغتيالات السياسية والإرهاب والقيام بتحالفات مشبوهة مع قطر وتركيا، في حين هناك من طالبوا بفتح باب المجلس والسماح لأعضائه المرابطين هناك ومنهم رئيس كتلة النهضة نور الدين البحيري ورئيس كتلة ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف بالدخول نظرا لأنه سبق أن تمت برمجة جلسة العامة للنظر في مشاريع قوانين تتعلق بقطاع الطاقة، وعبروا عن رفضهم ما اعتبروه خرقا للدستور على اعتبار أن الفصل 80 من دستور 2014 الذي استند إليه الرئيس قيس سعيد لا يجيز له تعليق أشغال البرلمان وإنما كان يجب عليه أن يبقى مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم كما أن إعمال الفصل المذكور يتطلب وجود محكمة دستورية ولكن هذه المحكمة لم يقع تركيزها.

وتبعا لقرار رئيس الجمهورية تجميد البرلمان لم تنعقد يوم الثلاثاء 27 جويلية 2021 الجلسة العامة المخصصة للنظر في مشروع قانون يتعلق بالموافقة على اتفاقية لزمة إنتاج الكهرباء واتفاقية إشغال الموقع وملاحقهما "للمحطة الفولطاضوئية بسقدود"، ومشروع قانون يتعلق بالموافقة على اتفاقية لزمة إنتاج الكهرباء واتفاقية إشغال الموقع وملاحقهما "للمحطة الفولطاضوئية ببرج بورقيبة"، ومشروع قانون يتعلق بالموافقة على اتفاقية لزمة إنتاج الكهرباء واتفاقية إشغال الموقع وملاحقهما "للمحطة الفولطاضوئية بمزونة"، ومشروع قانون يتعلق بالموافقة على اتفاقية لزمة إنتاج الكهرباء واتفاقية إشغال الموقع وملاحقهما "للمحطة الفولطاضوئية بتوزر"، ومشروع قانون يتعلق بالموافقة على اتفاقية لزمة إنتاج الكهرباء واتفاقية إشغال الموقع وملاحقهما "للمحطة الفولطاضوئية بالمتبسطة". كما لم تعقد لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية اجتماعها المخصص للمصادقة على تقريرها النهائي حول مقترح القانون الأساسي المتعلق بتعديل القانون الانتخابي، وبقي ذلك التقرير وعشرات المبادرات التشريعية ومشاريع القوانين في الرفوف.

وقبل انقضاء فترة 30 يوما عن تجميد المجلس النيابي، صدر الأمر الرئاسي عدد 109 لسنة 2021 المؤرخ في 24 أوت 2021 المتعلق بالتمديد في التدابير الاستثنائية المتعلقة بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب، ونص هذا الأمر على أن "رئيس الجمهورية، بعد الإطلاع على الدستور وخاصة على الفصل 80 منه، وعلى الأمر الرئاسي عــــدد 80 لسنة 2021 المؤرخ في 29 جويلية 2021 المتعلق بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب، وحيث أن أسباب تلك التدابير الاستثنائية الواردة بالأمر الرئاسي المذكور لا تزال قائمة. يصدر الأمر الرئاسي الآتي نصه: الفصل الأول: يتم التمديد في التدابير الاستثنائية المتخذة بمقتضى الأمر الرئاسي عدد 80 لسنة 2021 المتعلق بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب وبرفع الحصانة البرلمانية عن كل أعضائه، وذلك إلى غاية إشعار آخر، الفصل الثاني ينشر هذا الأمر الرئاسي بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية وينفذ حالا".

تجريد المجلس من صلاحياته

وبعد شهر من صدور هذا الأمر وتحديدا يوم 22 سبتمبر، تم تجريد المجلس النيابي المجمد من صلاحياته التشريعية، فإلى جانب تنصيصه على تواصل تعليق جميع اختصاصات مجلس نواب الشعب، وتواصل رفع الحصانة البرلمانية عن جميع أعضاء المجلس وإنهاء كافة المنح والامتيازات المسندة لرئيس المجلس وأعضائه، فإن "الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المؤرّخ في 15 من صفر الخير 1443 وفي 22 سبتمبر 2021 المتعلق بالتدابير الاستثنائية" فوض للسلطة التنفيذية، ممارسة السلطة التشريعية عبر إصدار المراسيم.

وعملا بأحكام الأمر عدد 117 مرر رئيس الجمهورية قيس سعيد 124 مرسوما تتوزع على 22 مرسوما تم إصدارها سنة 2021 و80 مرسوما تم إصدارها سنة 2022 و22 مرسوما تم إصدارها سنة 2023. وتعلقت أغلب المراسيم بالقروض والاتفاقيات وعقود المحروقات، وفي المقابل نزلت مراسيم أخرى نزول الصاعقة على المعارضين لمسار 25 جويلية وتسببت في زلزال سياسي، وفي مقدمتها المراسيم المتعلقة بالاستفتاء في مشروع دستور جديد، وبالمجلس الأعلى المؤقت للقضاء، وبتنقيح القانون الانتخابي وقانون الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وإضافة إلى المرسوم عدد 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال والمراسيم المتعلقة بحل المجالس البلدية وبتنظيم انتخابات المجالس المحلّية وتركيبة المجالس الجهويّة ومجالس الأقاليم، كما تم إصدار مراسيم أخرى تتعلق بالصلح الجزائي ومؤسسة فداء والشركات الأهلية وغيرها.

وكان رئيس الجمهورية أعلن يوم 30 مارس 2022 عن حل البرلمان مستندا في ذلك على أحكام الفصل 72 من دستور 2014 وبغاية الحفاظ على الدولة وعلى مؤسساتها وعلى الشعب التونسي، وفق تعبيره، ووصف رئيس الجمهورية النواب المشاركين في الجلسة العامة المنعقدة يومها عن بعد بالمتآمرين على أمن الدولة الداخلي والخارجي ولوح بملاحقتهم جزائيا، وأشار خلال اجتماع مجلس الأمن القومي إلى وجود محاولة انقلابية فاشلة حسب وصفه وقال إن الواجب يقتضي منه حماية الشعب والوطن بناء على أحكام الدستور لأن رئيس الجمهورية هو رمز الدولة ورمز وحدتها. وقال إن الشعب سيحقق مطالبه وآماله وانه يتحمل المسؤولية أمام التاريخ وأمام الشعب وأن المسؤولية تقتضي المحافظة على الدولة وعلى استمراريتها وأكد أنه ضامن للحريات.

 وبعد حل البرلمان، تعالت أصوات المعارضين لمسار 25 جويلية أكثر فأكثر، ونظموا صفوفهم في مجموعات حزبية وائتلافات مدنية ومنها بالخصوص تنسيقية الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية وجبهة الخلاص الوطني وجابوا الشوارع والساحات احتجاجا على ما اعتبروه انقلابا على دستور2014 وسعيا منهم لإسقاط الاستفتاء.

وانتظر التونسيون آنذاك تعديلات جزئية على دستور 2014 وفقا لما عبرت عنه نتائج الاستشارة الوطنية التي أطلقها الرئيس سعيد، لكن الرئيس ذهب إلى أبعد من ذلك وعين العميد الصادق بلعيد على رأس لجنة استشارية تمت دعوتها إلى إعداد مشروع دستور جديد لجمهورية جديدة، وبعد أن قدمت اللجنة أعمالها لرئيس الجمهورية نشر العميد بلعيد النسخة التي قدمها لرئيس الجمهورية في جريدة "الصباح"، وهي تختلف عن الصيغة المعروضة على الاستفتاء.. وحظي مشروع الدستور بالقبول ودخل حيز النفاذ يوم17 أوت 2022 وبناء عليه تم تنظيم الانتخابات التشريعية يوم17 ديسمبر 2022 مثلما نصت عليه خارطة طريق الرئيس سعيد.

فرص ضائعة

 ورغم الفرصة التي أتيحت لحكومة نجلاء بودن قبل انطلاق المجلس النيابي المنتخب في أعماله لإعداد مراسيم تساعدها على تنفيذ توجهاتها، فإنه بالنظر إلى مصفوفة المراسيم الصادرة في فترة التدابير الاستثنائية يمكن الإشارة إلى أن الحكومة فوتت على نفسها تلك الفرصة، وكانت بودن أعلنت يوم 11 أكتوبر 2021 خلال موكب أداء القسم أمام رئيس الجمهورية أن توجهات فريقها الحكومي تقوم على خمس نقاط أولها استعادة الثقة في الدولة، وثقة المواطن في نفسه وثقة الشباب في نفسه وثقة المواطن في الإدارة والمرافق العمومية وفي العمل الحكومي وثقة الأطراف الأجنبية في تونس، وتتمثل النقطة الثانية في إعادة الأمل للمواطن في المستقبل وتحسين ظروف العيش وفتح مجال المبادرة والاستثمار لجميع الفئات، أما النقطة الثالثة فتتمثل في نجاعة العمل الحكومي وضبط وظائف الوزارات والمؤسسات العمومية بدقة وتطوير طرق عملها من أجل وضع شؤون المواطن في صميم اهتماماتها، وتجسيد مبادئ المراقبة والمساءلة والمحاسبة، واختيار الكفاءات الأقدر على إدارة الشأن العام، وتنفيذ المشاريع والإصلاحات بمرونة وثبات وتتمثل النقطة الرابعة في التسريع في تنشيط الدورة الاقتصادية وفتح مجال المبادرة لجميع الفئات وخاصة الشباب ولجميع الجهات وفي جميع الأنشطة، أما النقطة الخامسة فتتمثل في تحسين ظروف عيش المواطن وقدرته الشرائية بالعمل على توفير خدمات عمومية ذات جودة في مجالات النقل والتعليم والصحة وضمان أمنه وسلامة ممتلكاته.

أما حكومة أحمد الحشاني فإنها وحسب ما أكده العديد من أعضاء مجلس نواب الشعب أبطأت كثيرا في إحالة مشاريع قوانين مهمة لدى التونسيين إلى مجلس نواب الشعب، ومنها بالخصوص مشروع مجلة المياه، ومشروع مجلة الصرف ومشروع مجلة الاستثمار ومشروع قانون الوظيفة العمومية وغيرها، وحتى مشروع قانون المالية لسنة 2024 فقد كان محل انتقادات كبيرة وحاول نواب الشعب تحسينه من خلال تعديل الكثير من أحكامه واقتراح فصول إضافية ومنها على سبيل الذكر تلك المتعلقة بعفو الجبائي الجزئي أو إحداث صندوق لتمويل الإصلاح التربوي..

ولعل ما يحسب لحكومة الحشاني أنها اتجهت نحو التقليص من المديونية، وتضمن قانون المالية لسنة 2024 المقدم من قبلها إجراءات جبائية ومالية تتعلق بالدور الاجتماعي للدولة، وتأمين تزويد السوق بالمواد الأساسية، ودعم قطاع الفلاحة والصيد البحري والموارد المائية، ودعم الإدماج المالي للمؤسسات الصغرى والمتوسطة، وتشجيع الادخار ودفع الاستثمار، وإرساء آليات بديلة لتمويل نفقات الدعم، ودعم الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة، ومقاومة التهرب الجبائي وإدماج الاقتصاد الموازي، ودعم الامتثال الضريبي وتكريس مزيد من الضمانات للمطالب بالأداء، ودعم توازنات المالية العمومية من خلال تعبئة الموارد اللازمة لدعم نفقات الميزانية من قبل البنوك والمؤسسات المالية ومؤسسات التأمين وإعادة التأمين وتحسين سيولة الخزينة من خلال التحويل لفائدة الدولة بصفة مؤقتة للأموال المجمدة المودعة لدى البنوك وتحيين المبلغ الأدنى المستوجب على التصاريح الديوانية عند التوريد وتحيين معاليم الموجبات الإدارية الخاصة بتسجيل العربات وبطاقة الاستغلال ورخص النقل وغيرها.

مسؤولية الوظيفة التشريعية

وليست الوظيفة التنفيذية ممثلة في رئاسة الجمهورية والحكومة وحدها من تتحمل مسؤولية البطء في مراجعة التشريعات البالية، فمجلس نواب الشعب بدوره تلكأ في تمرير المبادرات التشريعية التي قدمها أعضاء المجلس، وباستثناء مقترح القانون المتعلق بحقوق المرضى والمسؤولية الطبية الذي جاء بمكاسب مهمة للمتمتعين بالخدمات الصحية من ناحية وللإطار الطبي وشبه الطبي من ناحية أخرى لم يصادق البرلمان منذ جلسته الافتتاحية المنعقدة يوم 13 مارس 2023 على أي مبادرة أخرى من اقتراح نوابه رغم تعلق الكثير منها بمسائل حيوية تمس الاستثمار والتنمية والتربية والتعليم العالي والصحة والبيئة والصناعة والتجارة والحقوق والحريات والطاقات المتجددة حتى أن إحداها تعلقت بالمحكمة الدستورية، فالمجلس النيابي الحالي وخلافا للصورة التي كان عليها البرلمان المحلول يبدو خلال الجلسات العامة والأيام الدراسية المفتوحة للإعلام، أنه يعمل في انسجام كبير بين نوابه وكتله، حتى أن أغلب المبادرات التشريعية تحمل إمضاءات نواب من مختلف الكتل وهو ما يجعل مسارها نحو المصادقة عليها في الجلسة العامة سالكا، فلماذا يفوت البرلمان إذن إمكانية المبادرة بالقيام بثورة تشريعية بنفسه، لأنه باستثناء مشاريع قوانين المالية ومشاريع القوانين المتعلقة بالموافقة على المعاهدات التي هي اختصاص حصري لرئيس الجمهورية، أتاح دستور 2022 لأعضاء مجلس نواب الشعب إمكانية عرض مقترحات قوانين في شتى المجالات الأخرى شريطة تقديمها من قبل عشرة نواب وأن لا تؤدي إلى الإخلال بالتوازنات المالية للدولة.

 وطبقا للدستور يمكن للنواب تقديم مبادرات تشريعية في شكل قوانين أساسية لتنظيم العلاقة بين مجلس نوّاب الشّعب والمجلس الوطنيّ للجهات والأقاليم، وتنظيم العدالة والقضاء، وتنظيم الإعلام والصّحافة والنّشر، وتنظيم الأحزاب والجمعيّات والنّقابات والمنظّمات والهيئات المهنيّة وتمويلها وتنظيم الجيش الوطني وتنظيم قوّات الأمن الدّاخليّ والدّيوانة ومبادرة تتعلق بالقانون الانتخابيّ وبالحرّيات وحقوق الإنسان والأحوال الشّخصيّة و المجالس المحلّية والمجالس الجهويّة ومجالس الأقاليم وتنظيم الهيئات الدّستوريّة والقانون الأساسيّ للميزانيّة.

ويمكن لنواب الشعب تقديم مبادرات تشريعية تتخذ شكل قوانين عادية في المسائل المتعلقة بإحداث أصناف المؤسّسات والمنشآت العموميّة، والجنسيّة، والالتزامات المدنيّة والتّجاريّة، وضبط الجنايات والجنح والعقوبات المنطبقة عليها وكذلك المخالفات المستوجبة لعقوبة سالبة للحرّية، والعفو العامّ ونظام إصدار العملة، والتّصريح بالمكاسب والضّمانات الأساسيّة الممنوحة للموظّفين المدنيّين والعسكريّين وكذلك في علاقة بالمبادئ الأساسيّة لنظام الملكيّة والحقوق العينيّة والتّعليـم والبحث العلميّ والثّقافة والصّحة العمومية والبيـئة والتّهيئة الترابيّة والعمرانية والطّاقة وقانون الشّغل والضّمان الاجتماعيّ والاتّفاقيّات وعقود الاستثمار المتعلّقة بالثّروات الوطنيّة.

ومازالت أمام مجلس نواب الشعب ثلاث دورات كاملة وبإمكانه تعديل اتجاه البوصلة نحو القوانين التي تحتاج فعلا إلى المراجعة، ونفس الشيء بالنسبة إلى المجلس الوطني للجهات والأقاليم الذي عقد جلسته الافتتاحية يوم 19 أفريل 2024 فأمامه هو الآخر فرصة ثمينة لتغيير المنوال التنموي وتحقيق التوازن بين الجهات والأقاليم من خلال دراسته المشاريع المتعلقة بميزانية الدولة ومخططات التنمية الجهوية والإقليمية والوطنية وكذلك اتفاقيات وعقود الاستثمار المتعلقة بالثروات الوطنية.

سعيدة بوهلال