إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

دراسة جديدة في علم الاجتماع التربوي تحذر من تغلغل ثقافة الشارع لدى التلاميذ كبديل يسدّ فراغ الاغتراب الثقافي المدرسي

حذّرت أستاذة علم الاجتماع التربوي بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية تونس، الباحثة هيام التركي من مزيد تغلغل ثقافة الشارع، كبديل يسد فراغ الاغتراب الثقافي المدرسي، والهوّة وعدم الانسجام بين التلاميذ وقيم المدرسة وأساليبها التعليمية، وكحاضنة مغرية تستقطب التلميذ وتلبي احتياجاته النفسية والاجتماعية وتستغله لتقديم نماذج بديلة من القيم والسلوكيات.    
وأكدت التركي في دراستها الجديدة بعنوان "الاغتراب الثقافي والمقاومة الرمزية في الحياة المدرسيّة: دراسة ميدانيّة في تمثّلات التلاميذ والمدرسين"، والتي ستصدر قريبا، ان الشعور بالاغتراب الثقافي المدرسي، "أي الانفصال العاطفي والمعرفي عن المدرسة أو الإحساس بعدم الانتماء للمدرسة لغويّا وثقافيّا"، يرتبط بشكل ثابت بضعف الدّافعيّة وتراجع الأداء والتحصيل، بالإضافة إلى مشاكل سلوكيّة ونفسيّة وانخفاض فرص الاندماج الاجتماعي.  
وأشارت في الدراسة التي عرضتها في فعاليات الندوة العلمية الدولية "المقاومة في المجتمعات ما بعد الاستعمارية الممارسات والرهانات المعاصرة" التي احتضنها أمس الأربعاء، المعهد العالي للدراسات التطبيقية في الانسانيات بقفصة، تحت إشراف المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتونس وقسم علم الاجتماع بقفصة، انه "نتيجة الهيمنة الرّمزيّة والثّقافيّة للاستعمار الفرنسي ظلّ التعليم في تونس مغتربا ودون تطوير محلي ضمن سياقه التاريخي".
كما أدّى إلى ظهور تعليم نخبوي قائم على الانتقائيّة والتراتبيّة، وعمّق الفجوة بين المدارس الحضريّة والريفية والشعبيّة وفي الأحياء الراقية، كما زادت المدارس الخاصّة بمختلف أنواعها في تعميق هذه الهوّة التعليميّة الاجتماعيّة في التحصيل وفي التوجيه.
واعتبرت في دراستها، انه في ظلّ أزمة طرق التقييم القائمة على النموذج الفرنسي، والذي يركّز على الحفظ والاختبار النهائي أكثر من الكفايات، وتعطّل مهارات الابداع والتفكير النقدي، أصبحت المدرسة "أداة للفرز الاجتماعي وليس فقط للتّعليم والتّكوين، ولم تكن دائما أداة للترقّي الاجتماعي، بل في بعض التجارب الفرديّة أداة لتكريس عدم المساواة".
وارجعت التركي، حالات الانفصال المدرسي والاغتراب الى "عدّة أسباب مركبة أخرى تتداخل مع عوامل أعمق، مثل ضغوط العولمة والفقر، وضعف البنية التحتيّة المدرسيّة، وغياب الأنشطة الثقافيّة والترفيهيّة، وغياب سياسات اجتماعيّة متكاملة، وضعف الإحاطة الأسريّة، وليس فقط الفرنكفونية".
وعبْر البحث في تمثّلات اللّغة والهويّة والانتماء الثّقافي لدى التّلاميذ والمدرّسين والأولياء، وعلاقتهم بالنموذج التّربوي وتقصّي آثار هذا الاغتراب وأشكال مقاومته الرّمزيّة، اشارت الباحثة الى ديناميّات متعددة للتّفاعل الرّمزي، والرفض الضمني الذي غالبا ما يفسر سطحيا بانه محاولات تمرّد ومقاومة علنية وصامتة تبلورها الممارسات اليوميّة.
اذ يعتمدون المقاومة الثّقافيّة الرقميّة للتعبير عن الاغتراب والضغط الدراسي وغياب العدالة أو الرغبة في التغيير والتعبير عن الرفض للمناهج الدراسية، أو الاحتجاج أو النقد للواقع المدرسي أو الاجتماعي.
 ويتجلى ذلك في التعبيرات الرقميّة المختصرة التي يستخدمونها على وسائل التواصل الاجتماعي، واعتماد الانقليزيةّ مثلا، إلى جانب العاميّة للسبّ بكلمات كثيرا ما يتناقلونها في أغاني "الراب"، وكتابة الحكم على الجداريات.
إضافة الى" المقاومة اللغويّة والخطابيّة، عن طريق استخدام لغة عاميّة ولهجات محليّة مقابل الفصحى والسخرية والتّهكّم من الخطاب الرسميّ بالإضافة إلى انتاج خطابات بديلة عن طريق (غرافتي والشعارات...) وإعادة تسمية الأماكن والأشخاص بكنايات ذات دلالات محليّة أو جماعيّة متّفق عليها من قبل الجماعة التّلمذيّة مثلا.
كما يستعملون "المقاومة الجسديّة الرمزيّة، ذلك عن طريق اللباس بتعديل الزي المدرسي والإكسسوارات المحظورة وتسريحات الشعر غير المألوفة وإيصال رسائل عبر لغة الجسد كالجلوس بطرق غير رسميّة والوشوم والثقوب".
ثم "المقاومة الزمنيّة والمكانيّة، ذلك عن طريق التأخّر المتعمّد وإعادة تعريف استخدامات الفضاءات المدرسيّة، بالإضافة إلى خلق أماكن سريّة للتجمّع وتحويل أوقات الدراسة إلى أنشطة أخرى".
و"المقاومة الثقافيّة والرمزيّة، بالاستماع لموسيقى ممنوعة أو مهمّشة وتداول مواد ثقافيّة بديلة والتّظاهر بعدم الفهم أو "اللّعب بالغباء" ورفض المشاركة الفعالة عبر الصمت الاستراتيجي، والمقاومة الرقميّة المعاصرة، عبر إنشاء صفحات سريّة على وسائل التواصل الاجتماعي واستعمال كلمات ساخرة من المدرّسة والمدرّسين واستخدام التكنولوجيا بطرق محظورة وهويّات بديلة".
واعتبرت التركي ان أشكال المقاومة تتجاوز اللّغة المعتمدة في الدرس إلى نقد البرامج التي يعتبرونها مغتربة "لماذا ندرس هذا المحور"، ما يجعل التلميذ يعمد إلى التّغيّب الانتقائي عن حصص معيّنة وعدم أداء الواجبات في المواد التي يعتبرها لا تعنيه ولا تفيده، وإعادة تفسير المحتوى بطريقة محليّة ساخرة والبحث عن محتوى بديل.
وحذّرت من هذا الوضع المدرسي الذي يخلق وفق دراستها "جيلا معلّقا بين ثقافتين دون امتلاك أي منهما بشكل كامل عمّقت أزمته تسليع التعليم وتحويله لسوق للطلب الاجتماعي، معتبرة انّ "هذه المقاومة الرمزيّة بمختلف أشكالها لا تعني بالضرورة مقاومة تحررية، فقد تعيد إنتاج التراتبيّات ذاتها وقد تكون أيضا آليّة للتّكيّف الاجتماعي النّفسي أكثر من كونها تحديا حقيقيّا للبنى السلطويّة".
واختصرت بالقول انّ" المدرسة التّونسيّة في السّياق ما بعد الاستعماري ليست محايدة، بل هي ساحة صراع بين إرث استعماري مولّد للاغتراب الثّقافي، وإمكانات تربويّة تحرّريّة يمكن أن تفتح أفق تجاوز هذا الاغتراب عملا بحقّ العائلات في نقل تراثها الثقافي الخاص" مشيرة الى نجاعة احدى التجارب التي تم اعتمادها في شكل تجريبي وهي تجديد التربية المدنيّة، وتعويض طريقة العمل بالمحاور بالمشاريع وبالقضايا والمشاغل النابعة من اهتمامات التلاميذ وواقعهم، آملة ان يقع تعميمها على كل المؤسسات واعتمادها أيضا في مواد أخرى على غرار الفرنسية والعربية وغيرها.   
يذكر ان الدراسة ارتكزت على المنهج الكيفي عبر اعتماد الملاحظة بالمشاركة من أجل تسجيل التّفاعلات اللّغويّة والانتباه إلى الميكرو -مقاومات اليوميّة وتحليل "الغرافيتي" على جدران المعاهد وداخل الفصول وفي الساحات ووسائل التواصل، فضلا عن اجراء 15 مقابلة نصف موجّهة مع تلاميذ ومدرسين وأولياء ومتفقد (إعداديّة المنيهلة ومعهد الرّفاهة بالمنيهلة المتجاوران، بولاية أريانة) لرصد أشكال الاغتراب الثقافي التي تتراوح بين ثقافة أجنبيّة وعالميّة ووطنية ومحلية وتسريب "ثقافة الشّارع".
 وات
دراسة جديدة في علم الاجتماع التربوي تحذر من تغلغل ثقافة الشارع لدى التلاميذ كبديل يسدّ فراغ الاغتراب الثقافي المدرسي
حذّرت أستاذة علم الاجتماع التربوي بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية تونس، الباحثة هيام التركي من مزيد تغلغل ثقافة الشارع، كبديل يسد فراغ الاغتراب الثقافي المدرسي، والهوّة وعدم الانسجام بين التلاميذ وقيم المدرسة وأساليبها التعليمية، وكحاضنة مغرية تستقطب التلميذ وتلبي احتياجاته النفسية والاجتماعية وتستغله لتقديم نماذج بديلة من القيم والسلوكيات.    
وأكدت التركي في دراستها الجديدة بعنوان "الاغتراب الثقافي والمقاومة الرمزية في الحياة المدرسيّة: دراسة ميدانيّة في تمثّلات التلاميذ والمدرسين"، والتي ستصدر قريبا، ان الشعور بالاغتراب الثقافي المدرسي، "أي الانفصال العاطفي والمعرفي عن المدرسة أو الإحساس بعدم الانتماء للمدرسة لغويّا وثقافيّا"، يرتبط بشكل ثابت بضعف الدّافعيّة وتراجع الأداء والتحصيل، بالإضافة إلى مشاكل سلوكيّة ونفسيّة وانخفاض فرص الاندماج الاجتماعي.  
وأشارت في الدراسة التي عرضتها في فعاليات الندوة العلمية الدولية "المقاومة في المجتمعات ما بعد الاستعمارية الممارسات والرهانات المعاصرة" التي احتضنها أمس الأربعاء، المعهد العالي للدراسات التطبيقية في الانسانيات بقفصة، تحت إشراف المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتونس وقسم علم الاجتماع بقفصة، انه "نتيجة الهيمنة الرّمزيّة والثّقافيّة للاستعمار الفرنسي ظلّ التعليم في تونس مغتربا ودون تطوير محلي ضمن سياقه التاريخي".
كما أدّى إلى ظهور تعليم نخبوي قائم على الانتقائيّة والتراتبيّة، وعمّق الفجوة بين المدارس الحضريّة والريفية والشعبيّة وفي الأحياء الراقية، كما زادت المدارس الخاصّة بمختلف أنواعها في تعميق هذه الهوّة التعليميّة الاجتماعيّة في التحصيل وفي التوجيه.
واعتبرت في دراستها، انه في ظلّ أزمة طرق التقييم القائمة على النموذج الفرنسي، والذي يركّز على الحفظ والاختبار النهائي أكثر من الكفايات، وتعطّل مهارات الابداع والتفكير النقدي، أصبحت المدرسة "أداة للفرز الاجتماعي وليس فقط للتّعليم والتّكوين، ولم تكن دائما أداة للترقّي الاجتماعي، بل في بعض التجارب الفرديّة أداة لتكريس عدم المساواة".
وارجعت التركي، حالات الانفصال المدرسي والاغتراب الى "عدّة أسباب مركبة أخرى تتداخل مع عوامل أعمق، مثل ضغوط العولمة والفقر، وضعف البنية التحتيّة المدرسيّة، وغياب الأنشطة الثقافيّة والترفيهيّة، وغياب سياسات اجتماعيّة متكاملة، وضعف الإحاطة الأسريّة، وليس فقط الفرنكفونية".
وعبْر البحث في تمثّلات اللّغة والهويّة والانتماء الثّقافي لدى التّلاميذ والمدرّسين والأولياء، وعلاقتهم بالنموذج التّربوي وتقصّي آثار هذا الاغتراب وأشكال مقاومته الرّمزيّة، اشارت الباحثة الى ديناميّات متعددة للتّفاعل الرّمزي، والرفض الضمني الذي غالبا ما يفسر سطحيا بانه محاولات تمرّد ومقاومة علنية وصامتة تبلورها الممارسات اليوميّة.
اذ يعتمدون المقاومة الثّقافيّة الرقميّة للتعبير عن الاغتراب والضغط الدراسي وغياب العدالة أو الرغبة في التغيير والتعبير عن الرفض للمناهج الدراسية، أو الاحتجاج أو النقد للواقع المدرسي أو الاجتماعي.
 ويتجلى ذلك في التعبيرات الرقميّة المختصرة التي يستخدمونها على وسائل التواصل الاجتماعي، واعتماد الانقليزيةّ مثلا، إلى جانب العاميّة للسبّ بكلمات كثيرا ما يتناقلونها في أغاني "الراب"، وكتابة الحكم على الجداريات.
إضافة الى" المقاومة اللغويّة والخطابيّة، عن طريق استخدام لغة عاميّة ولهجات محليّة مقابل الفصحى والسخرية والتّهكّم من الخطاب الرسميّ بالإضافة إلى انتاج خطابات بديلة عن طريق (غرافتي والشعارات...) وإعادة تسمية الأماكن والأشخاص بكنايات ذات دلالات محليّة أو جماعيّة متّفق عليها من قبل الجماعة التّلمذيّة مثلا.
كما يستعملون "المقاومة الجسديّة الرمزيّة، ذلك عن طريق اللباس بتعديل الزي المدرسي والإكسسوارات المحظورة وتسريحات الشعر غير المألوفة وإيصال رسائل عبر لغة الجسد كالجلوس بطرق غير رسميّة والوشوم والثقوب".
ثم "المقاومة الزمنيّة والمكانيّة، ذلك عن طريق التأخّر المتعمّد وإعادة تعريف استخدامات الفضاءات المدرسيّة، بالإضافة إلى خلق أماكن سريّة للتجمّع وتحويل أوقات الدراسة إلى أنشطة أخرى".
و"المقاومة الثقافيّة والرمزيّة، بالاستماع لموسيقى ممنوعة أو مهمّشة وتداول مواد ثقافيّة بديلة والتّظاهر بعدم الفهم أو "اللّعب بالغباء" ورفض المشاركة الفعالة عبر الصمت الاستراتيجي، والمقاومة الرقميّة المعاصرة، عبر إنشاء صفحات سريّة على وسائل التواصل الاجتماعي واستعمال كلمات ساخرة من المدرّسة والمدرّسين واستخدام التكنولوجيا بطرق محظورة وهويّات بديلة".
واعتبرت التركي ان أشكال المقاومة تتجاوز اللّغة المعتمدة في الدرس إلى نقد البرامج التي يعتبرونها مغتربة "لماذا ندرس هذا المحور"، ما يجعل التلميذ يعمد إلى التّغيّب الانتقائي عن حصص معيّنة وعدم أداء الواجبات في المواد التي يعتبرها لا تعنيه ولا تفيده، وإعادة تفسير المحتوى بطريقة محليّة ساخرة والبحث عن محتوى بديل.
وحذّرت من هذا الوضع المدرسي الذي يخلق وفق دراستها "جيلا معلّقا بين ثقافتين دون امتلاك أي منهما بشكل كامل عمّقت أزمته تسليع التعليم وتحويله لسوق للطلب الاجتماعي، معتبرة انّ "هذه المقاومة الرمزيّة بمختلف أشكالها لا تعني بالضرورة مقاومة تحررية، فقد تعيد إنتاج التراتبيّات ذاتها وقد تكون أيضا آليّة للتّكيّف الاجتماعي النّفسي أكثر من كونها تحديا حقيقيّا للبنى السلطويّة".
واختصرت بالقول انّ" المدرسة التّونسيّة في السّياق ما بعد الاستعماري ليست محايدة، بل هي ساحة صراع بين إرث استعماري مولّد للاغتراب الثّقافي، وإمكانات تربويّة تحرّريّة يمكن أن تفتح أفق تجاوز هذا الاغتراب عملا بحقّ العائلات في نقل تراثها الثقافي الخاص" مشيرة الى نجاعة احدى التجارب التي تم اعتمادها في شكل تجريبي وهي تجديد التربية المدنيّة، وتعويض طريقة العمل بالمحاور بالمشاريع وبالقضايا والمشاغل النابعة من اهتمامات التلاميذ وواقعهم، آملة ان يقع تعميمها على كل المؤسسات واعتمادها أيضا في مواد أخرى على غرار الفرنسية والعربية وغيرها.   
يذكر ان الدراسة ارتكزت على المنهج الكيفي عبر اعتماد الملاحظة بالمشاركة من أجل تسجيل التّفاعلات اللّغويّة والانتباه إلى الميكرو -مقاومات اليوميّة وتحليل "الغرافيتي" على جدران المعاهد وداخل الفصول وفي الساحات ووسائل التواصل، فضلا عن اجراء 15 مقابلة نصف موجّهة مع تلاميذ ومدرسين وأولياء ومتفقد (إعداديّة المنيهلة ومعهد الرّفاهة بالمنيهلة المتجاوران، بولاية أريانة) لرصد أشكال الاغتراب الثقافي التي تتراوح بين ثقافة أجنبيّة وعالميّة ووطنية ومحلية وتسريب "ثقافة الشّارع".
 وات