إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

نتائج باكالوريا 2025.. سيدي بوزيد ومدنين تُعيدان رسم خريطة التميّز الدراسي

 

- خبير تربوي : ضرورة النظر في منظومة التقييم وتطوير المناهج

عكست نتائج البكالوريا دورة 2025 – في دورتيها الرئيسية والمراقبة – تحوّلًا واضحًا في خارطة التميّز الوطني، حيث جاءت نسب النجاح لترجّح كفّة الولايات الداخليّة، وتمنحها الصدارة في أكثر من ترتيب جهوي. فقفزت ولايات داخلية على غرار مدنين وسيدي بوزيد إلى المراكز المتقدمة في ترتيب نسب النجاح على المستوى الوطني، بعد أن كانت سابقًا تحتل ذيل الترتيب، وهو تطوّر حمل في طيّاته رسائل عميقة حول تغيّر موازين الأداء المدرسي على المستوى الوطني، وتقتضي - وفقًا لأهل الاختصاص - قراءة خاصة في فحوى النتائج المسجّلة.

في هذا الخصوص، بلغت النسبة العامة للنجاح في امتحان باكالوريا سنة 2025 بدورتيها الرئيسية والمراقبة 52.59 %، بعد نجاح 76.178 تلميذًا من مجموع 144.858 مترشّحًا اجتازوا الاختبارات الكتابية في الدورتين، مسجّلة تراجعًا طفيفًا مقارنة بدورة 2024، حيث بلغت النسبة العامة للنجاح السنة الماضية 55.60 %.

أعلى نسب النجاح في كل شعبة كانت نتائجها متوقعة، فقد احتلت - كالعادة - شعبة الرياضة الصدارة بـ88.19 %، تلتها في المركز الثاني شعبة الرياضيات (82.62 %)، ثم في المركز الثالث شعبة العلوم التجريبية (63.64 %). وجاءت في المركز الرابع شعبة علوم الإعلامية (58.39 %)، ثم في المركز الخامس شعبة علوم التقنية (57.61 %)، وفي المركز السادس شعبة الاقتصاد والتصرف (42.74 %)، في حين جاءت شعبة الآداب في المركز الأخير (39.17 %).

في قراءة لنتائج دورة 2025، فقد اجتاز هذه الدورة 144.858 مترشّحًا، نجح منهم 76.178 تلميذًا، ما يعكس حجم التحدي الذي تمثّله هذه المحطة التقييميّة الهامة. وإذا كان من الطبيعي أن تتفاوت نسب النجاح من سنة إلى أخرى، فإن أهمية هذه النتائج لا تُقاس فقط بالأرقام المجردة، بل بمضامينها ودلالاتها التربوية والاجتماعية.

فمن جهة، حافظت الشعب العلمية على تصدّرها كما جرت العادة، وبرزت شعبة الرياضة على نحو لافت بنسبة نجاح بلغت 88.19 %، تليها شعبة الرياضيات بنسبة 82.62%، ثم شعبة العلوم التجريبية بـ63.64 %. وهي نتائج تؤكّد أهمية هذه المسالك، وقدرة تلاميذها على التماهي مع متطلبات البرامج والتقييم، رغم ما تحتاجه مناهجها من إصلاح.

في المقابل، سجّلت شعبتا الآداب والاقتصاد والتصرف نسبًا مقلقة لا تتجاوز 39.17 % و42.74% على التوالي، ما يطرح ضرورة مراجعة حقيقية لهذه المسارات، سواء على مستوى البرامج أو أساليب التدريس والتقييم، وحتى النظرة المجتمعية إلى هذه الشعب.

من جهة أخرى، يُعدّ تراجع نسبة النجاح مقارنة بالسنة الماضية مؤشّرًا يستحق التوقّف عنده، لا سيما أنه يأتي في سياق تتزايد فيه الدعوات إلى إصلاح جذري للمنظومة التربوية، وتحديث مناهج التعليم بما يستجيب لتطلعات الأجيال الجديدة، ويتماشى مع متطلبات سوق الشغل.

قد يُفسَّر هذا التراجع بارتفاع عدد المترشّحين أو بعوامل ظرفية، لكنه لا ينفي الحاجة إلى تقييم شامل لمسار التعليم الثانوي، خاصة وأن النسبة العامة للنجاح تظل دون سقف 60 %، وهو ما يدفع نحو البحث عن حلول أكثر نجاعة لإنصاف كل التلاميذ، لا سيما في الجهات والمناطق الداخلية.

مدنين وسيدي بوزيد في الصدارة

من جهة أخرى، وبالعودة إلى «المفاجأة» التي صنعها ترتيب المندوبيات الجهوية للتربية من حيث نسب النجاح، فقد كشفت النتائج العامة لامتحان الباكالوريا دورة 2025 عن ترتيب لافت للمندوبيات الجهوية للتربية، حيث حافظت صفاقس 1 على المرتبة الأولى على الصعيد الوطني في تأكيد متجدّد لتميّزها التربوي وتقاليدها الراسخة في تحصيل النتائج الإيجابية. أما المفاجأة الإيجابية لهذا العام فتمثّلت في صعود ولاية مدنين إلى المرتبة الثانية وولاية سيدي بوزيد إلى المرتبة الرابعة، ممّا يعكس - من وجهة نظر كثيرين - تحسّنًا ملحوظًا في الأداء التربوي وجهودًا محلية مثمرة لدعم المنظومة التعليمية. كما يعكس أيضًا ديناميكية تربوية محلية تستحق التثمين والدعم، ونجاحًا نسبيًا لسياسات العدالة الجهوية في قطاع التعليم.

وفي هذا الاتجاه، يرى البعض أن نتائج امتحان الباكالوريا بدورتيه الرئيسية والمراقبة قد لا تكون المقياس الوحيد للحكم على أداء المؤسسات أو الولايات، لكنها مؤشّر دالّ على تحوّلات في مشهد التعليم الوطني، حيث يبدو أن تونس تتّجه تدريجيًّا نحو توازن جديد، يكون فيه التفوّق غير مرتبط فقط بالموقع الجغرافي، بل بالكفاءة والجهد وروح التحدي، وهو ما يُبشّر بمستقبل تعليمي أكثر عدلًا وتكافؤًا.

في المقابل، سجّلت تونس 1 تراجعًا في ترتيبها، إلى جانب تونس 2 التي سجّلت تراجعًا لافتًا، فقد تقهقرت إلى المرتبة 14 وطنيًّا، في حين احتلّت ولاية منوبة المرتبة 17، وهو ما يطرح تساؤلات حول أداء المنظومة في العاصمة، خاصة في ظل وفرة الموارد والإمكانيات، بما يؤشّر إلى ضرورة مراجعة السياسات الجهوية لضمان نجاعة التكوين وتكافؤ الفرص بين كل الجهات، وهو ما يدعو إلى وقفة تقييم، خاصة في ظل ما يفترض أن يتوفّر للجهات الكبرى من إمكانيات بشرية وبيداغوجية ولوجستية.

من جانب آخر، كشف ترتيب المندوبيات الجهوية للتربية من حيث نسب النجاح عن محافظة ولايات الساحل على مواقعها ضمن العشر الأوائل وطنيًّا من حيث نسب النجاح، بما في ذلك ولايات المنستير وسوسة والمهدية.

ويعكس هذا الاستقرار النسبي تفوقًا تقليديًا لهذه الجهات في الأداء التربوي، نتيجة توازن البنية التحتية التعليمية، ووفرة الموارد، إضافة إلى ثقافة مدرسية تدعم التميز. كما أن الحضور القوي لمندوبيات الساحل في المراتب الأولى يعكس كذلك نوعًا من الثبات في الخارطة التربوية الوطنية.

تفاعلًا مع خارطة النجاح التي أنتجتها بكالوريا 2025، إلى جانب ترتيب الشعب من حيث نسب النجاح، أورد الخبير التربوي نورالدين الشمنقي في تصريح لـ«الصباح» أنه من الضروري إعادة النظر في منوال التنمية والاستثمار في الجهات الداخلية، علاوة على الاستثمار في التعليم من خلال توفير بنية تحتية ولوجستية، موضحًا أن المطلوب داخل منوال التنمية هو إعادة النظر في منظومة التقييم برمّتها وعلى رأسها امتحان الباكالوريا، قائلًا: «نحن من أعقد الباكالوريات الموجودة على مستوى العالم».

تطوير المناهج

وأشار محدثنا في الإطار نفسه إلى أهمية تطوير المناهج ورسم ملامح المدرسة الجديدة.

وبالعودة إلى نتائج باكالوريا 2025، أشار الخبير التربوي إلى أنها لا تعكس واقع التربية في تونس، لكنها تعكس وجود أزمة لا يمكن تصنيفها بكونها حادّة أو أنها تعيش حالة انهيار، لكن هناك أزمة تستدعي عوامل دراسية تحليلية.

أما بخصوص ترتيب الشعب وتصدّر شعبة الرياضيات للمراتب الأولى، قال محدثنا أنه خيار، على اعتبار أن شعبة الرياضيات تشهد في السنوات الأخيرة تراجعًا ملحوظًا على مستوى الإقبال، وبالتالي، وفي ظل وجود مخاوف من اضمحلال هذه الشعبة الهامة، فإن هناك نوعًا من التحفيز. مشيرًا في هذا الصدد إلى أنه من الضروري التخلّص من معضلة «الشعب النبيلة» و»غير النبيلة» من خلال العمل على تطوير ملامح الباكالوريا.

في المقابل، يشير كثيرون إلى تميّز بعض الجهات الداخلية وتموضعها في الصدارة، ما يعكس ديناميكية تربوية متصاعدة في المناطق الداخلية. ويُعزى هذا التقدّم إلى تضافر عدة عوامل، أبرزها تكثيف المتابعة التربوية خلال السنة الدراسية، وارتفاع الوعي لدى الإطار التربوي والإداري بأهمية تحسين المردودية، إلى جانب انخراط التلاميذ بجدية أكبر، خاصة في دورات التدارك. كما ساهمت البرامج الجهوية للدعم والإحاطة النفسية والبيداغوجية في تقليص نسب الإخفاق، فضلًا عن دعم الأسر وتشجيعها لأبنائها، وهو ما ساعد على خلق بيئة تعليمية أكثر استقرارًا. مشيرين إلى أن هذه النتائج تؤكّد أن الاستثمار في الكفاءات الجهوية يمكن أن يصنع الفارق حتى في الولايات التي كانت تُصنّف سابقًا ضمن ذيل الترتيب.

في هذا الخضم، تكشف نتائج الباكالوريا لسنة 2025 عن مشهد تعليمي يراوح بين جهات ما تزال تحافظ على ريادتها، وأخرى تسجّل خطوات جريئة نحو التميّز، في حين تبقى فوارق الترتيب ونسب النجاح مرآةً صريحة لواقع المنظومة التربوية في تونس. ورغم أن الامتحان الوطني يظلّ محطة تقييم فردي، فإنه يُفترض أن يكون أيضًا مؤشّرًا جماعيًّا يُقرأ في ضوء السياسات العامة والجهوية.

فتراجع نسب النجاح في بعض الشعب، وتقهقر مندوبيات جهوية كبرى، يقابله صعود جهات داخلية وتفوّق شعب علمية، ممّا يفتح الباب واسعًا أمام أسئلة الإصلاح، ويضع أمام صنّاع القرار التربوي فرصة حقيقية لإعادة النظر في الخيارات البيداغوجية، والتوزيع العادل للموارد، والانطلاق نحو مدرسة أكثر إنصافًا وجودة ونجاعة.

منال الحرزي

 

نتائج باكالوريا 2025..   سيدي بوزيد ومدنين تُعيدان رسم خريطة التميّز الدراسي

 

- خبير تربوي : ضرورة النظر في منظومة التقييم وتطوير المناهج

عكست نتائج البكالوريا دورة 2025 – في دورتيها الرئيسية والمراقبة – تحوّلًا واضحًا في خارطة التميّز الوطني، حيث جاءت نسب النجاح لترجّح كفّة الولايات الداخليّة، وتمنحها الصدارة في أكثر من ترتيب جهوي. فقفزت ولايات داخلية على غرار مدنين وسيدي بوزيد إلى المراكز المتقدمة في ترتيب نسب النجاح على المستوى الوطني، بعد أن كانت سابقًا تحتل ذيل الترتيب، وهو تطوّر حمل في طيّاته رسائل عميقة حول تغيّر موازين الأداء المدرسي على المستوى الوطني، وتقتضي - وفقًا لأهل الاختصاص - قراءة خاصة في فحوى النتائج المسجّلة.

في هذا الخصوص، بلغت النسبة العامة للنجاح في امتحان باكالوريا سنة 2025 بدورتيها الرئيسية والمراقبة 52.59 %، بعد نجاح 76.178 تلميذًا من مجموع 144.858 مترشّحًا اجتازوا الاختبارات الكتابية في الدورتين، مسجّلة تراجعًا طفيفًا مقارنة بدورة 2024، حيث بلغت النسبة العامة للنجاح السنة الماضية 55.60 %.

أعلى نسب النجاح في كل شعبة كانت نتائجها متوقعة، فقد احتلت - كالعادة - شعبة الرياضة الصدارة بـ88.19 %، تلتها في المركز الثاني شعبة الرياضيات (82.62 %)، ثم في المركز الثالث شعبة العلوم التجريبية (63.64 %). وجاءت في المركز الرابع شعبة علوم الإعلامية (58.39 %)، ثم في المركز الخامس شعبة علوم التقنية (57.61 %)، وفي المركز السادس شعبة الاقتصاد والتصرف (42.74 %)، في حين جاءت شعبة الآداب في المركز الأخير (39.17 %).

في قراءة لنتائج دورة 2025، فقد اجتاز هذه الدورة 144.858 مترشّحًا، نجح منهم 76.178 تلميذًا، ما يعكس حجم التحدي الذي تمثّله هذه المحطة التقييميّة الهامة. وإذا كان من الطبيعي أن تتفاوت نسب النجاح من سنة إلى أخرى، فإن أهمية هذه النتائج لا تُقاس فقط بالأرقام المجردة، بل بمضامينها ودلالاتها التربوية والاجتماعية.

فمن جهة، حافظت الشعب العلمية على تصدّرها كما جرت العادة، وبرزت شعبة الرياضة على نحو لافت بنسبة نجاح بلغت 88.19 %، تليها شعبة الرياضيات بنسبة 82.62%، ثم شعبة العلوم التجريبية بـ63.64 %. وهي نتائج تؤكّد أهمية هذه المسالك، وقدرة تلاميذها على التماهي مع متطلبات البرامج والتقييم، رغم ما تحتاجه مناهجها من إصلاح.

في المقابل، سجّلت شعبتا الآداب والاقتصاد والتصرف نسبًا مقلقة لا تتجاوز 39.17 % و42.74% على التوالي، ما يطرح ضرورة مراجعة حقيقية لهذه المسارات، سواء على مستوى البرامج أو أساليب التدريس والتقييم، وحتى النظرة المجتمعية إلى هذه الشعب.

من جهة أخرى، يُعدّ تراجع نسبة النجاح مقارنة بالسنة الماضية مؤشّرًا يستحق التوقّف عنده، لا سيما أنه يأتي في سياق تتزايد فيه الدعوات إلى إصلاح جذري للمنظومة التربوية، وتحديث مناهج التعليم بما يستجيب لتطلعات الأجيال الجديدة، ويتماشى مع متطلبات سوق الشغل.

قد يُفسَّر هذا التراجع بارتفاع عدد المترشّحين أو بعوامل ظرفية، لكنه لا ينفي الحاجة إلى تقييم شامل لمسار التعليم الثانوي، خاصة وأن النسبة العامة للنجاح تظل دون سقف 60 %، وهو ما يدفع نحو البحث عن حلول أكثر نجاعة لإنصاف كل التلاميذ، لا سيما في الجهات والمناطق الداخلية.

مدنين وسيدي بوزيد في الصدارة

من جهة أخرى، وبالعودة إلى «المفاجأة» التي صنعها ترتيب المندوبيات الجهوية للتربية من حيث نسب النجاح، فقد كشفت النتائج العامة لامتحان الباكالوريا دورة 2025 عن ترتيب لافت للمندوبيات الجهوية للتربية، حيث حافظت صفاقس 1 على المرتبة الأولى على الصعيد الوطني في تأكيد متجدّد لتميّزها التربوي وتقاليدها الراسخة في تحصيل النتائج الإيجابية. أما المفاجأة الإيجابية لهذا العام فتمثّلت في صعود ولاية مدنين إلى المرتبة الثانية وولاية سيدي بوزيد إلى المرتبة الرابعة، ممّا يعكس - من وجهة نظر كثيرين - تحسّنًا ملحوظًا في الأداء التربوي وجهودًا محلية مثمرة لدعم المنظومة التعليمية. كما يعكس أيضًا ديناميكية تربوية محلية تستحق التثمين والدعم، ونجاحًا نسبيًا لسياسات العدالة الجهوية في قطاع التعليم.

وفي هذا الاتجاه، يرى البعض أن نتائج امتحان الباكالوريا بدورتيه الرئيسية والمراقبة قد لا تكون المقياس الوحيد للحكم على أداء المؤسسات أو الولايات، لكنها مؤشّر دالّ على تحوّلات في مشهد التعليم الوطني، حيث يبدو أن تونس تتّجه تدريجيًّا نحو توازن جديد، يكون فيه التفوّق غير مرتبط فقط بالموقع الجغرافي، بل بالكفاءة والجهد وروح التحدي، وهو ما يُبشّر بمستقبل تعليمي أكثر عدلًا وتكافؤًا.

في المقابل، سجّلت تونس 1 تراجعًا في ترتيبها، إلى جانب تونس 2 التي سجّلت تراجعًا لافتًا، فقد تقهقرت إلى المرتبة 14 وطنيًّا، في حين احتلّت ولاية منوبة المرتبة 17، وهو ما يطرح تساؤلات حول أداء المنظومة في العاصمة، خاصة في ظل وفرة الموارد والإمكانيات، بما يؤشّر إلى ضرورة مراجعة السياسات الجهوية لضمان نجاعة التكوين وتكافؤ الفرص بين كل الجهات، وهو ما يدعو إلى وقفة تقييم، خاصة في ظل ما يفترض أن يتوفّر للجهات الكبرى من إمكانيات بشرية وبيداغوجية ولوجستية.

من جانب آخر، كشف ترتيب المندوبيات الجهوية للتربية من حيث نسب النجاح عن محافظة ولايات الساحل على مواقعها ضمن العشر الأوائل وطنيًّا من حيث نسب النجاح، بما في ذلك ولايات المنستير وسوسة والمهدية.

ويعكس هذا الاستقرار النسبي تفوقًا تقليديًا لهذه الجهات في الأداء التربوي، نتيجة توازن البنية التحتية التعليمية، ووفرة الموارد، إضافة إلى ثقافة مدرسية تدعم التميز. كما أن الحضور القوي لمندوبيات الساحل في المراتب الأولى يعكس كذلك نوعًا من الثبات في الخارطة التربوية الوطنية.

تفاعلًا مع خارطة النجاح التي أنتجتها بكالوريا 2025، إلى جانب ترتيب الشعب من حيث نسب النجاح، أورد الخبير التربوي نورالدين الشمنقي في تصريح لـ«الصباح» أنه من الضروري إعادة النظر في منوال التنمية والاستثمار في الجهات الداخلية، علاوة على الاستثمار في التعليم من خلال توفير بنية تحتية ولوجستية، موضحًا أن المطلوب داخل منوال التنمية هو إعادة النظر في منظومة التقييم برمّتها وعلى رأسها امتحان الباكالوريا، قائلًا: «نحن من أعقد الباكالوريات الموجودة على مستوى العالم».

تطوير المناهج

وأشار محدثنا في الإطار نفسه إلى أهمية تطوير المناهج ورسم ملامح المدرسة الجديدة.

وبالعودة إلى نتائج باكالوريا 2025، أشار الخبير التربوي إلى أنها لا تعكس واقع التربية في تونس، لكنها تعكس وجود أزمة لا يمكن تصنيفها بكونها حادّة أو أنها تعيش حالة انهيار، لكن هناك أزمة تستدعي عوامل دراسية تحليلية.

أما بخصوص ترتيب الشعب وتصدّر شعبة الرياضيات للمراتب الأولى، قال محدثنا أنه خيار، على اعتبار أن شعبة الرياضيات تشهد في السنوات الأخيرة تراجعًا ملحوظًا على مستوى الإقبال، وبالتالي، وفي ظل وجود مخاوف من اضمحلال هذه الشعبة الهامة، فإن هناك نوعًا من التحفيز. مشيرًا في هذا الصدد إلى أنه من الضروري التخلّص من معضلة «الشعب النبيلة» و»غير النبيلة» من خلال العمل على تطوير ملامح الباكالوريا.

في المقابل، يشير كثيرون إلى تميّز بعض الجهات الداخلية وتموضعها في الصدارة، ما يعكس ديناميكية تربوية متصاعدة في المناطق الداخلية. ويُعزى هذا التقدّم إلى تضافر عدة عوامل، أبرزها تكثيف المتابعة التربوية خلال السنة الدراسية، وارتفاع الوعي لدى الإطار التربوي والإداري بأهمية تحسين المردودية، إلى جانب انخراط التلاميذ بجدية أكبر، خاصة في دورات التدارك. كما ساهمت البرامج الجهوية للدعم والإحاطة النفسية والبيداغوجية في تقليص نسب الإخفاق، فضلًا عن دعم الأسر وتشجيعها لأبنائها، وهو ما ساعد على خلق بيئة تعليمية أكثر استقرارًا. مشيرين إلى أن هذه النتائج تؤكّد أن الاستثمار في الكفاءات الجهوية يمكن أن يصنع الفارق حتى في الولايات التي كانت تُصنّف سابقًا ضمن ذيل الترتيب.

في هذا الخضم، تكشف نتائج الباكالوريا لسنة 2025 عن مشهد تعليمي يراوح بين جهات ما تزال تحافظ على ريادتها، وأخرى تسجّل خطوات جريئة نحو التميّز، في حين تبقى فوارق الترتيب ونسب النجاح مرآةً صريحة لواقع المنظومة التربوية في تونس. ورغم أن الامتحان الوطني يظلّ محطة تقييم فردي، فإنه يُفترض أن يكون أيضًا مؤشّرًا جماعيًّا يُقرأ في ضوء السياسات العامة والجهوية.

فتراجع نسب النجاح في بعض الشعب، وتقهقر مندوبيات جهوية كبرى، يقابله صعود جهات داخلية وتفوّق شعب علمية، ممّا يفتح الباب واسعًا أمام أسئلة الإصلاح، ويضع أمام صنّاع القرار التربوي فرصة حقيقية لإعادة النظر في الخيارات البيداغوجية، والتوزيع العادل للموارد، والانطلاق نحو مدرسة أكثر إنصافًا وجودة ونجاعة.

منال الحرزي