مسؤول بوزارة التربية: عشرات العاملين في القطاع التربوي تورطوا في التحرش الجنسي
تونس-الصباح
تفاقمت خلال السّنوات الأخيرة ظاهرة التحرش الجنسي بالقصر لتنتقل من الشارع إلى المؤسسات التربوية سواء كانت معاهد أو إعداديات.. تحرش واعتداءات جنسية بلغت حد الاغتصاب، حوادث تتكرر بشكل يومي كشفتها مقاطع فيديو تنشر على منصات التواصل الاجتماعي وملفات منشورة لدى القضاء.. تحرش واعتداءات جنسية كشفت الوجه الآخر لما يحدث خلف أسوار المؤسسات التربوية وفي محيطاتها وعرّت سلوكياّت بعض المربّين والعاملين بها.
من بين ضحايا التحرش الجنسي تلميذة بمدرسة إعدادية بمنوبة والمتحرّش قيّم عام بنفس المؤسسة التربوية في قضية سجلت منذ أسابيع قليلة، وليست هذه التلميذة هي الضحية الأولى وقد لا تكون الأخيرة إذا ما لم يتم اتخاذ الإجراءات الردعية في حق المعتدين حيث سبقت هذه الحادثة اعتداءات فظيعة تضرر منها تلاميذ قصر ولعل أبرزها حادثة تحرش معلم بصفاقس بـ20 تلميذة في المدرسة وفي منزله وحتى في سيارته مستغلا تقديم دروس خصوصية لهن.
وتعد حادثة كندار الأكثر فظاعة حيث تعمّد مدير معهد ثانوي التحرّش بتلميذات واغتصاب أخريات وقد تورّط معه أستاذ وموظفة.
وعلى الرّغم من أن هذا السّلوك يجرّمه المشرّع ويحرّمه الشّرع إلا أن الظاهرة تتفاقم يوما بعد آخر وضحاياها كثر ما جعل الأولياء والمنظمات الحقوقية ومكونات من المجتمع المدني يطلقون صيحة فزع ويطالبون بتسليط أشد العقوبات على المربي المتحرش.
"الصباح" سلّطت الضوء على الظاّهرة واستطلعت آراء مختصّين في علم الاجتماع وعلم النفس وحماية الطفولة ووزارة التربية.
إعداد: صباح الشابي
04 إشعارات ترد يوميا على المندوبية العامّة لحماية الطّفولة تتعلق بشبهة تعرّض تلاميذ إلى التحرّش الجنسي داخل المؤسسات التربوية سواء كان ذلك من قبل مربين أو موظفين أو عملة حسبما أفاد بذلك "الصباح" مهيار حمادي المندوب العام لحماية الطفولة.
وهو رقم يعد صادما إذا ما احتسبنا عدد الإشعارات الواردة على المندوبية العامة لحماية الطفولة في الشهر (120) وفي السنة (1440) إشعارا.
ورغم ارتفاع عدد حالات التحرش الجنسي وفق ما تكشفه الإشعارات الواردة على المندوبية العامة لحماية الطفولة الا أن محدثنا يرى أنها تبقى حالات منعزلة ولا يمكن تعميمها أو إنكار دور المربي على مدى أجيال متعاقبة.
وعرّج المندوب العام لحماية الطفولة بالحديث عن عملية الانتداب داخل المؤسسات التربوية وقال إنها لا تعتمد على الاختصاصات بالنسبة لأساتذة التعليم الثانوي بل ان نسبة كبيرة من الأساتذة أو المعلمين النواب الذين لا يخضعون إلى المتابعة البيداغوجية وهذا ما يجعلهم يفتقدون إلى النظرة البيداغوجية في علاقتهم مع التلاميذ وطريقة تواصلهم معهم حتى خارج الدرس لذلك من المهم أن يكون لديهم زاد بيداغوجي ومعرفي في علاقتهم بالتلاميذ وهذا دور وزارة التربية ليس فقط بالنسبة للمعلمين أو الأساتذة النواب ولكن بالنسبة لكافة أصناف المربين. فمن دور الوزارة قبل عمليات الانتداب التأكد من سلوك المربي وإخضاعه وكافة الموظفين والعملة بالمؤسسات التربوية لدورات تكوين مستمر في نشر ثقافة حقوق الإنسان والطفل بصفة خاصة والخصوصيات التي تتعلق بكيفية التعاطي مع الأطفال والانفتاح على الواقع والمنظومات والبرامج والآليات المعتمدة في توجيه الأساتذة والمعلمين والعاملين بالمؤسسات التربوية.
مربّون يستنكرون
أجمع عدد من المربّين لـ"الصباح" أن التحرش الجنسي سلوك شاذ لا يمكن تعميمه على كافة المربين رغم أنه ظاهرة لا يمكن إنكارها معتبرين أن المتحرش سواء كان مربيا أو غيره هو شخص "بسيكوباتي" معادي للمجتمع.
وأضاف "م ي" مرب يدرّس بمدرسة عمومية انه ولئن سجلت حالات تحرش جنسي داخل المؤسسات التربوية ولكنها تبقى حالات شاذة وسلوكا مرفوضا يقترفه بعض المربين الذين يعانون من مشاكل نفسية أو جنسية تجعلهم يميلون إلى ارتكاب تلك الأفعال التي تتنافى ورسالتهم النبيلة معتبرا أن الحل للتصدي لهذه الظاهرة يكون بتوعية المربّي والتلميذ في آن واحد.
من جهتها اعتبرت "س ر" أستاذة فرنسية أن التحرّش الجنسي سلوك مرفوض رفضا باتا مهما كان مرتكبه فما بالك إذا كان مرب يمثل المثل الأعلى بالنسبة للتلاميذ وقدوتهم مضيفة أنه رغم أن الظاهرة لا يمكن تجاهلها ولكن لا يمكن أن نضع كافة المربين في سلة واحدة. فمثلما يوجد مربون متحرشون هناك مربون أفاضل يؤدون رسالتهم على أكمل وجه.
المتحرش في القانون التونسي
يعرّف الفصل 226 جديد من المجلة الجزائية التحرّش الجنسي بأنه "الإمعان في مضايقة الغير بتكرار أفعال أو أقوال أو إشارات من شأنها أن تنال من كرامته، أو أن تخدش حياءه، وذلك لحمله على الاستجابة لرغباته، أو رغبات غيره الجنسية، أو بممارسة ضغط خطير من شأنه إضعاف قدرته على التصدي لتلك الضغوط".
ويعاقب المتحرّش إذا ثبتت الجريمة بالسجن لمدة عامين أو بغرامة مالية قدرها 5 آلاف دينار، ويكون العقاب مضاعفًا إذا كانت الضحية قاصرا وإذا كان الفاعل من أصول أو فروع الضحية من أي طبقة، إذا كانت للفاعل سلطة على الضحية أو استغل نفوذ وظيفه، أو إذا سهل ارتكاب الجريمة حال استضعاف الضحية الظاهرة أو المعلومة من الفاعل.
آثار نفسية عميقة
يرى علم النفس أن التحرش يسبب أذى نفسيا وخيما وندوبا داخلية لا تمحوها السنين وعادة ما يخلف الاعتداء الجنسي على الأطفال شعورا بعدم احترام الذات، وعدم الثقة في البالغين بالإضافة إلى مشاكل في النوم والشعور بالاكتئاب الحاد والعزلة عن الأصدقاء والعائلة وفي بعض الأحيان يرفض الضحية الذهاب إلى المدرسة أو يجنح إلى المشاكل ويكون سلوكه عدوانيا لذلك صنف علم النفس الاعتداءات الجنسية على الأطفال من أخطر الجرائم.
أما بالنسبة للمتحرش فقد صنفه المختصون في علم النفس "الشخصية العدوانية المضادة للمجتمع" وبأن لديه ميولات انحرافية ورغبات مكبوتة تؤدي به إلى الانحراف بسلوكه، كما يرى المختصون في علم النفس أن المتحرش يبحث دائما عن الشخصية الأضعف حتى ينال منها لذلك شدد علم النفس على ضرورة الإبلاغ عن تلك الممارسات وعلى أن التربية الجنسية ضرورية في المدارس حتى يعي الطفل وفي عمر مبكر معنى كلمة تحرش جنسي واغتصاب ويعلم بالتالي عائلته إذا ما تعرض إلى تحرش أو اغتصاب.
المكلّف بالإعلام في وزارة التّربية لـ"الصباح": علاج ظاهرة التحرش الجنسي يجب أن يكون بين كافّة الفاعلين
في اتّصال "الصّباح" بمحمّد الحاج الطيّب المكلف بالإعلام بوزارة التربية أكد أنه عندما تكون هناك شبهة تحرش جنسي داخل مؤسسة تربوية تسارع وزارة التربية بفتح تحقيق ميداني وتتحرى في الموضوع وتنسق مع النيابة العمومية كما تقوم بإشعار الأمن ومندوب حماية الطفولة في صورة عدم إعلامهما بذلك.
وفضلا عن ذلك فإن التفقديّة الإداريّة والماليّة بالوزارة والتي تعنى بكل التجاوزات سواء كانت إدارية أو مالية وعند حصول حالات تحرش جنسي داخل أية مؤسسة تربوية تتولى مباشرة وبتكليف من وزير التربية فتح تحقيق إداري كما تقع متابعة الموضوع مع كافة الأطراف المعنية ثم ترفع تقريرها إلى وزير التربية الذي يقوم بإحالة المشتبه به على مجلس التأديب وإيقافه تحفظيا عن العمل وبعد أن تتوفّر كافة الأدلة والقرائن التي تدينه يتم عزله عن العمل وتزامنا مع ذلك تواصل النيابة العمومية القيام بكافة الإجراءات القانونية.
وتابع المتحدّث أن الوزارة تكلّف أخصّائيين نفسانيين للإحاطة من جهة بضحية التحرش الجنسي ومن جهة ثانية بكافة التلاميذ الذين يدرسون.
وأشار بلحاج الطيب أن وزارة التربية كانت اتخذت خلال السنوات الأخيرة قرارات بعزل عشرات العاملين في القطاع التربوي مورطين في قضايا تحرش جنسي.
واعتبر محمّد الحاج الطّيب أن التحرش الجنسي سلوك شاذ ناتج عن وضعيات نفسية واجتماعية معينة وأن علاج هذه الظاهرة المجتمعية يجب أن يكون مشتركا بين كل الفاعلين في المجتمع من وزارات معنية كذلك منظمات وهياكل حقوقية وجمعيات
مختصان في علم الاجتماع لـ"الصباح":العقلية الذكورية والنظرة الدونية للمرأة ساهمت في تفاقم الظاهرة..
يعتبر المختص في علم الاجتماع حبيب الرياحي في حديثه لـ"الصباح" أن ظاهرة التحرش الجنسي تفشت في مجتمعنا خاصة خلال السنوات الأخيرة وأرجع سبب ذلك الى العقلية الذكورية المتوارثة التي نشأنا عليها فنحن لم ننشأ على الإرادة الحرة بل على المخيال الجمعي المتوارث الذي ينظر إلى المرأة نظرة دونية مشيرا إلى أننا مجتمع ذكوري بامتياز نشأ على النظرة الدونية للمرأة رغم انخراطنا في مشروع الحداثة وخروج المرأة للعمل في جميع الميادين ولكن بقيت هناك ذهنية متوارثة لدى البعض، تعتبر أن جسد المرأة ليس ملكها بل ملك الرجل.
ويرى المتحدث أن جريمة التحرش الجنسي تتطلب مقاربة نفسية، اجتماعية وجنائية شاملة وتحتاج أن نسلّط عليها الضوء بقوة من ناحية ومن ناحية أخرى يعتبر أن للأسرة دورا كبيرا خاصة وأن الإصلاح يبدأ منها باعتبارها النواة الأولى..
كما اعتبرت في السياق ذاته الباحثة في علم الاجتماع الدكتورة فتحية السعيدي أن التحرش الجنسي هو أحد أشكال العنف المسلط على النساء وهو من الجرائم الأخلاقية التي أضافتها المجلة الجزائية لأول مرة عام 2004 عبر الفصل 226 ثالثًا الذي وقع تنقيحه في قانون العنف ضد المرأة سنة 2017 مشيرة أن العديد من الدراسات أثبتت أن التحرش الجنسي يترك آثارا نفسية على الضحية منها جلد الذات، الانكماش النفسي والعزلة والعديد من الآثار النفسية الأخرى.
وفسرت الظاهرة وقالت إن المتحرش لا يميز بين امرأة وأخرى لا من حيث السن أو الشكل الخارجي فكل أصناف النساء مستهدفات عكس بعض الادعاءات الباطلة التي تتهم المرأة بأن مظهرها هو السبب الذي يجعلها تتعرض إلى التحرش لأنه في ثقافتنا العربية الإسلامية والأشياء المتأصلة في المخيال الجمعي الموجود ينهل من ثقافة مازالت منغلقة تنظر إلى النساء على أنهن أداة للرغبة الجنسية ومصدرا لإثارة الغرائز وان تقييمها يكون كجسد موضوع للجنس..
كما اعتبرت أن هذا السلوك الصادر من بعض المربين يرجع إلى تنشئتهم الاجتماعية وما اختزلوه داخلها، والى النظرة المستقرة داخل المجتمع بأن المرأة مثلما أشارت أداة للجنس معتبرة أن المتحرشين خاصة بالقصر أشخاص منحرفون لديهم أمراض نفسية ولكن ذلك لا يبرر سلوكهم.
وترى الباحثة في علم الاجتماع أن الحل للتصدي لهذه الظاهرة يكون أولا بتوعية الناشئة من طرف العائلة عن طريق الحوار وعدم صمت الضحية لان في صمتها وصمت عائلتها تشجيع للمتحرش على التمادي في نفس الممارسات وثانيا يجب تطبيق القانون. بصرامة على هؤلاء.
مسؤول بوزارة التربية: عشرات العاملين في القطاع التربوي تورطوا في التحرش الجنسي
تونس-الصباح
تفاقمت خلال السّنوات الأخيرة ظاهرة التحرش الجنسي بالقصر لتنتقل من الشارع إلى المؤسسات التربوية سواء كانت معاهد أو إعداديات.. تحرش واعتداءات جنسية بلغت حد الاغتصاب، حوادث تتكرر بشكل يومي كشفتها مقاطع فيديو تنشر على منصات التواصل الاجتماعي وملفات منشورة لدى القضاء.. تحرش واعتداءات جنسية كشفت الوجه الآخر لما يحدث خلف أسوار المؤسسات التربوية وفي محيطاتها وعرّت سلوكياّت بعض المربّين والعاملين بها.
من بين ضحايا التحرش الجنسي تلميذة بمدرسة إعدادية بمنوبة والمتحرّش قيّم عام بنفس المؤسسة التربوية في قضية سجلت منذ أسابيع قليلة، وليست هذه التلميذة هي الضحية الأولى وقد لا تكون الأخيرة إذا ما لم يتم اتخاذ الإجراءات الردعية في حق المعتدين حيث سبقت هذه الحادثة اعتداءات فظيعة تضرر منها تلاميذ قصر ولعل أبرزها حادثة تحرش معلم بصفاقس بـ20 تلميذة في المدرسة وفي منزله وحتى في سيارته مستغلا تقديم دروس خصوصية لهن.
وتعد حادثة كندار الأكثر فظاعة حيث تعمّد مدير معهد ثانوي التحرّش بتلميذات واغتصاب أخريات وقد تورّط معه أستاذ وموظفة.
وعلى الرّغم من أن هذا السّلوك يجرّمه المشرّع ويحرّمه الشّرع إلا أن الظاهرة تتفاقم يوما بعد آخر وضحاياها كثر ما جعل الأولياء والمنظمات الحقوقية ومكونات من المجتمع المدني يطلقون صيحة فزع ويطالبون بتسليط أشد العقوبات على المربي المتحرش.
"الصباح" سلّطت الضوء على الظاّهرة واستطلعت آراء مختصّين في علم الاجتماع وعلم النفس وحماية الطفولة ووزارة التربية.
إعداد: صباح الشابي
04 إشعارات ترد يوميا على المندوبية العامّة لحماية الطّفولة تتعلق بشبهة تعرّض تلاميذ إلى التحرّش الجنسي داخل المؤسسات التربوية سواء كان ذلك من قبل مربين أو موظفين أو عملة حسبما أفاد بذلك "الصباح" مهيار حمادي المندوب العام لحماية الطفولة.
وهو رقم يعد صادما إذا ما احتسبنا عدد الإشعارات الواردة على المندوبية العامة لحماية الطفولة في الشهر (120) وفي السنة (1440) إشعارا.
ورغم ارتفاع عدد حالات التحرش الجنسي وفق ما تكشفه الإشعارات الواردة على المندوبية العامة لحماية الطفولة الا أن محدثنا يرى أنها تبقى حالات منعزلة ولا يمكن تعميمها أو إنكار دور المربي على مدى أجيال متعاقبة.
وعرّج المندوب العام لحماية الطفولة بالحديث عن عملية الانتداب داخل المؤسسات التربوية وقال إنها لا تعتمد على الاختصاصات بالنسبة لأساتذة التعليم الثانوي بل ان نسبة كبيرة من الأساتذة أو المعلمين النواب الذين لا يخضعون إلى المتابعة البيداغوجية وهذا ما يجعلهم يفتقدون إلى النظرة البيداغوجية في علاقتهم مع التلاميذ وطريقة تواصلهم معهم حتى خارج الدرس لذلك من المهم أن يكون لديهم زاد بيداغوجي ومعرفي في علاقتهم بالتلاميذ وهذا دور وزارة التربية ليس فقط بالنسبة للمعلمين أو الأساتذة النواب ولكن بالنسبة لكافة أصناف المربين. فمن دور الوزارة قبل عمليات الانتداب التأكد من سلوك المربي وإخضاعه وكافة الموظفين والعملة بالمؤسسات التربوية لدورات تكوين مستمر في نشر ثقافة حقوق الإنسان والطفل بصفة خاصة والخصوصيات التي تتعلق بكيفية التعاطي مع الأطفال والانفتاح على الواقع والمنظومات والبرامج والآليات المعتمدة في توجيه الأساتذة والمعلمين والعاملين بالمؤسسات التربوية.
مربّون يستنكرون
أجمع عدد من المربّين لـ"الصباح" أن التحرش الجنسي سلوك شاذ لا يمكن تعميمه على كافة المربين رغم أنه ظاهرة لا يمكن إنكارها معتبرين أن المتحرش سواء كان مربيا أو غيره هو شخص "بسيكوباتي" معادي للمجتمع.
وأضاف "م ي" مرب يدرّس بمدرسة عمومية انه ولئن سجلت حالات تحرش جنسي داخل المؤسسات التربوية ولكنها تبقى حالات شاذة وسلوكا مرفوضا يقترفه بعض المربين الذين يعانون من مشاكل نفسية أو جنسية تجعلهم يميلون إلى ارتكاب تلك الأفعال التي تتنافى ورسالتهم النبيلة معتبرا أن الحل للتصدي لهذه الظاهرة يكون بتوعية المربّي والتلميذ في آن واحد.
من جهتها اعتبرت "س ر" أستاذة فرنسية أن التحرّش الجنسي سلوك مرفوض رفضا باتا مهما كان مرتكبه فما بالك إذا كان مرب يمثل المثل الأعلى بالنسبة للتلاميذ وقدوتهم مضيفة أنه رغم أن الظاهرة لا يمكن تجاهلها ولكن لا يمكن أن نضع كافة المربين في سلة واحدة. فمثلما يوجد مربون متحرشون هناك مربون أفاضل يؤدون رسالتهم على أكمل وجه.
المتحرش في القانون التونسي
يعرّف الفصل 226 جديد من المجلة الجزائية التحرّش الجنسي بأنه "الإمعان في مضايقة الغير بتكرار أفعال أو أقوال أو إشارات من شأنها أن تنال من كرامته، أو أن تخدش حياءه، وذلك لحمله على الاستجابة لرغباته، أو رغبات غيره الجنسية، أو بممارسة ضغط خطير من شأنه إضعاف قدرته على التصدي لتلك الضغوط".
ويعاقب المتحرّش إذا ثبتت الجريمة بالسجن لمدة عامين أو بغرامة مالية قدرها 5 آلاف دينار، ويكون العقاب مضاعفًا إذا كانت الضحية قاصرا وإذا كان الفاعل من أصول أو فروع الضحية من أي طبقة، إذا كانت للفاعل سلطة على الضحية أو استغل نفوذ وظيفه، أو إذا سهل ارتكاب الجريمة حال استضعاف الضحية الظاهرة أو المعلومة من الفاعل.
آثار نفسية عميقة
يرى علم النفس أن التحرش يسبب أذى نفسيا وخيما وندوبا داخلية لا تمحوها السنين وعادة ما يخلف الاعتداء الجنسي على الأطفال شعورا بعدم احترام الذات، وعدم الثقة في البالغين بالإضافة إلى مشاكل في النوم والشعور بالاكتئاب الحاد والعزلة عن الأصدقاء والعائلة وفي بعض الأحيان يرفض الضحية الذهاب إلى المدرسة أو يجنح إلى المشاكل ويكون سلوكه عدوانيا لذلك صنف علم النفس الاعتداءات الجنسية على الأطفال من أخطر الجرائم.
أما بالنسبة للمتحرش فقد صنفه المختصون في علم النفس "الشخصية العدوانية المضادة للمجتمع" وبأن لديه ميولات انحرافية ورغبات مكبوتة تؤدي به إلى الانحراف بسلوكه، كما يرى المختصون في علم النفس أن المتحرش يبحث دائما عن الشخصية الأضعف حتى ينال منها لذلك شدد علم النفس على ضرورة الإبلاغ عن تلك الممارسات وعلى أن التربية الجنسية ضرورية في المدارس حتى يعي الطفل وفي عمر مبكر معنى كلمة تحرش جنسي واغتصاب ويعلم بالتالي عائلته إذا ما تعرض إلى تحرش أو اغتصاب.
المكلّف بالإعلام في وزارة التّربية لـ"الصباح": علاج ظاهرة التحرش الجنسي يجب أن يكون بين كافّة الفاعلين
في اتّصال "الصّباح" بمحمّد الحاج الطيّب المكلف بالإعلام بوزارة التربية أكد أنه عندما تكون هناك شبهة تحرش جنسي داخل مؤسسة تربوية تسارع وزارة التربية بفتح تحقيق ميداني وتتحرى في الموضوع وتنسق مع النيابة العمومية كما تقوم بإشعار الأمن ومندوب حماية الطفولة في صورة عدم إعلامهما بذلك.
وفضلا عن ذلك فإن التفقديّة الإداريّة والماليّة بالوزارة والتي تعنى بكل التجاوزات سواء كانت إدارية أو مالية وعند حصول حالات تحرش جنسي داخل أية مؤسسة تربوية تتولى مباشرة وبتكليف من وزير التربية فتح تحقيق إداري كما تقع متابعة الموضوع مع كافة الأطراف المعنية ثم ترفع تقريرها إلى وزير التربية الذي يقوم بإحالة المشتبه به على مجلس التأديب وإيقافه تحفظيا عن العمل وبعد أن تتوفّر كافة الأدلة والقرائن التي تدينه يتم عزله عن العمل وتزامنا مع ذلك تواصل النيابة العمومية القيام بكافة الإجراءات القانونية.
وتابع المتحدّث أن الوزارة تكلّف أخصّائيين نفسانيين للإحاطة من جهة بضحية التحرش الجنسي ومن جهة ثانية بكافة التلاميذ الذين يدرسون.
وأشار بلحاج الطيب أن وزارة التربية كانت اتخذت خلال السنوات الأخيرة قرارات بعزل عشرات العاملين في القطاع التربوي مورطين في قضايا تحرش جنسي.
واعتبر محمّد الحاج الطّيب أن التحرش الجنسي سلوك شاذ ناتج عن وضعيات نفسية واجتماعية معينة وأن علاج هذه الظاهرة المجتمعية يجب أن يكون مشتركا بين كل الفاعلين في المجتمع من وزارات معنية كذلك منظمات وهياكل حقوقية وجمعيات
مختصان في علم الاجتماع لـ"الصباح":العقلية الذكورية والنظرة الدونية للمرأة ساهمت في تفاقم الظاهرة..
يعتبر المختص في علم الاجتماع حبيب الرياحي في حديثه لـ"الصباح" أن ظاهرة التحرش الجنسي تفشت في مجتمعنا خاصة خلال السنوات الأخيرة وأرجع سبب ذلك الى العقلية الذكورية المتوارثة التي نشأنا عليها فنحن لم ننشأ على الإرادة الحرة بل على المخيال الجمعي المتوارث الذي ينظر إلى المرأة نظرة دونية مشيرا إلى أننا مجتمع ذكوري بامتياز نشأ على النظرة الدونية للمرأة رغم انخراطنا في مشروع الحداثة وخروج المرأة للعمل في جميع الميادين ولكن بقيت هناك ذهنية متوارثة لدى البعض، تعتبر أن جسد المرأة ليس ملكها بل ملك الرجل.
ويرى المتحدث أن جريمة التحرش الجنسي تتطلب مقاربة نفسية، اجتماعية وجنائية شاملة وتحتاج أن نسلّط عليها الضوء بقوة من ناحية ومن ناحية أخرى يعتبر أن للأسرة دورا كبيرا خاصة وأن الإصلاح يبدأ منها باعتبارها النواة الأولى..
كما اعتبرت في السياق ذاته الباحثة في علم الاجتماع الدكتورة فتحية السعيدي أن التحرش الجنسي هو أحد أشكال العنف المسلط على النساء وهو من الجرائم الأخلاقية التي أضافتها المجلة الجزائية لأول مرة عام 2004 عبر الفصل 226 ثالثًا الذي وقع تنقيحه في قانون العنف ضد المرأة سنة 2017 مشيرة أن العديد من الدراسات أثبتت أن التحرش الجنسي يترك آثارا نفسية على الضحية منها جلد الذات، الانكماش النفسي والعزلة والعديد من الآثار النفسية الأخرى.
وفسرت الظاهرة وقالت إن المتحرش لا يميز بين امرأة وأخرى لا من حيث السن أو الشكل الخارجي فكل أصناف النساء مستهدفات عكس بعض الادعاءات الباطلة التي تتهم المرأة بأن مظهرها هو السبب الذي يجعلها تتعرض إلى التحرش لأنه في ثقافتنا العربية الإسلامية والأشياء المتأصلة في المخيال الجمعي الموجود ينهل من ثقافة مازالت منغلقة تنظر إلى النساء على أنهن أداة للرغبة الجنسية ومصدرا لإثارة الغرائز وان تقييمها يكون كجسد موضوع للجنس..
كما اعتبرت أن هذا السلوك الصادر من بعض المربين يرجع إلى تنشئتهم الاجتماعية وما اختزلوه داخلها، والى النظرة المستقرة داخل المجتمع بأن المرأة مثلما أشارت أداة للجنس معتبرة أن المتحرشين خاصة بالقصر أشخاص منحرفون لديهم أمراض نفسية ولكن ذلك لا يبرر سلوكهم.
وترى الباحثة في علم الاجتماع أن الحل للتصدي لهذه الظاهرة يكون أولا بتوعية الناشئة من طرف العائلة عن طريق الحوار وعدم صمت الضحية لان في صمتها وصمت عائلتها تشجيع للمتحرش على التمادي في نفس الممارسات وثانيا يجب تطبيق القانون. بصرامة على هؤلاء.