* التقليص في كتلة الأجور إلى 14 بالمائة ووقف الانتدابات في الوظيفة العمومية أبرز الإصلاحات
* برنامج اقتصادي شبيه ببرنامج الإصلاح لسنة 2016
تونس-الصباح
بعد توقف دام أكثر من السنتين،- باستثناء لقاء وحيد كان في شهر ماي من السنة المنقضية، جاء في شكل زيارة وفد من الحكومة التونسية إلى واشنطن-، تعود اليوم المفاوضات بين تونس وصندوق النقد الدولي، بهدف الانطلاق في تنفيذ برنامج تمويل جديد، سيكون هذا اللقاء في شكل اجتماع افتراضي انطلاقا من الـ14 إلى غاية الـ22 من الشهر الجاري وسيجمع كلا من وزيرة المالية ووزير الاقتصاد والتخطيط ومحافظ البنك المركزي التونسي مع بعثة من صندوق النقد ..
ويأتي هذا اللقاء بعد مخاض عسير وطويل للخروج ببرنامج إصلاحي على المدى القصير تقدمه الحكومة إلى الصندوق لمحاولة إقناعها به بهدف تعبئة تمويلات جديدة تحتاجها لميزانيتها العمومية، بعد أن عرضته على شركائها الاجتماعيين وعلى رأسهم الاتحاد العام التونسي للشغل باعتبار أن هذه النقطة من أهم الشروط التي طالب بها الصندوق لمواصلة المفاوضات..
وفي الحقيقة لم يكن هذا الشرط جديدا ولم تفرضه التغيرات التي طرأت على المشهد الوطني على خلفية حراك الـ25 من شهر جويلية المنقضي، بل يعتبر من ابرز الشروط التي أكد عليها الصندوق في العديد من المناسبات على غرار تقريره الأخير في سياق مشاورات المادة الرابعة لسنة 2020 للصندوق مع تونس..
ويعتبر إبرام برنامج جديد مع الصندوق رهين إرساء برنامج اقتصادي ومالي على الأقل لثلاث سنوات تتبناه الحكومة الحالية بالاتفاق مع كل الطيف السياسي ومنظمات المجتمع المدني، وكانت الحكومات السابقة ما قبل حكومة نجلاء بودن قد أعدت هذه البرامج الاقتصادية التي مكنتها من الحصول على تمويلات من المؤسسات المالية المانحة أهمها صندوق النقد الدولي وكان آخرها برنامج الإصلاحات الكبرى الذي شمل العديد من القطاعات الحيوية في البلاد زمن حكومة يوسف الشاهد.
لكن الملفت للنظر هذه المرة أن الحكومة مطالبة بإرساء برنامج اقتصادي ومالي خاص بها أي برنامج وطني تونسي مع ضمان الاتفاق مع كل الجهات المتدخلة وأهمها الاتحاد العام التونسي للشغل تلتزم به بعيدا عن التجاذبات السياسية، وهذا ما أكدته مديرة صندوق النقد الدولي كريستينا غورغيفا في تصريح سابق تطالب فيه الحكومة التونسية بضرورة ترتيب بيتها الداخلي.
وبعد شد وجذب بين الحكومة والاتحاد حول مسالة تغيبه من دائرة المفاوضات حول برنامج الحكومة الإصلاحي، باعتبار انه يشتمل على إجراءات قد تمس من الأجراء ووضع المؤسسات العمومية التي تدافع عنها المنظمة الشغيلية، أبدى مؤخرا الاتحاد استعداده للحوار مع الحكومة حول الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد خلال جلسة عمل لوفد من الاتحاد مع الحكومة، وشدد فيها الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي على ضرورة أن توازن الأخيرة بين الجانب الاجتماعي ورفع النمو الاقتصادي.
من جهتها، أكدت رئيسة الوزراء نجلاء بودن خلال هذه الجلسة، حرص الحكومة على العمل المشترك مع كل المنظمات الوطنية وتكريس سنة التشاور والحوار الصريح والمسؤول بين الحكومة واتحاد الشغل في كل المسائل الحيوية التي تهم التونسيين.
تقليص كتلة الأجور ووقف الانتدابات أبرز محاور البرنامج
وحول طبيعة الشروط والإصلاحات التي ستكون في الاتفاق الجديد المنتظر بين الصندوق والدولة التونسية، فانه من المنتظر أن يكون نفس برنامج 2016 مع تحيين في التغيرات التي طرأت على البلاد مع إقحام إصلاح المؤسسات العمومية التي في الحقيقة لم يتطرق لها الصندوق في البرامج السابقة ..
إلى جانب إصلاحات أخرى سيتضمنها البرنامج الاقتصادي وأهمها التقليص في كتلة الأجور التي فاقت اليوم 18 بالمائة من الناتج الداخلي الخام بعد أن كانت في حدود الـ14 في المائة خلال سنة 2016 ومع ذلك اعتبرها الصندوق وقتها بالأعلى نسبة عالميا، وفي هذا الصدد من المنتظر أن يوصي الصندوق بتنزيل حجم الكتلة إلى 14 في المائة، وسيكون ذلك عبر إبرام هدنة اجتماعية تقتضي التقليص من الانتدابات وعدم الزيادة في الأجور..
وكانت وزارة المالية قد كشفت منذ يومين عن محاور برنامج الإصلاحات في مجال السياسات المالية والجبائية على المديين القصير والمتوسط للفترة 2022 /2024 حول 4 مجالات أساسية تتعلّق بالتحكم في كتلة الأجور وإعادة هيكلة الوظيفة العمومية وإصلاح نظام الدعم وحوكمة المؤسسات العمومية والإصلاح الجبائي، بحسب وثيقة حول إطار الميزانية متوسط المدى، ملحق قانون المالية لسنة 2022، قامت بنشرها وزارة المالية..
ويهدف برنامج الإصلاح، بحسب الوثيقة ذاتها، إلى التحكم وبشكل مستعجل في التوازنات الكبرى ودفع النمو وإعداد الأرضية لانتعاشة اقتصادية.
وبحسب الوثيقة فإنّه في حالة عدم إقرار إصلاحات على المدى المتوسط فإنّ كتلة الأجور ستواصل اتباع منحى تصاعديا يثقل ميزانية الدولة، لاسيما، وأنها بلغت سنة 2021 مستوى 20345 مليون دينار أي ما يعادل 59 بالمائة من موارد الميزانية، مقابل معدل بـ53 بالمائة خلال الفترة ما بين 2010 /2019.
وتضمن برنامج إصلاح الوظيفة العمومية وكتلة الأجور، وفق ما ورد بالوثيقة ذاتها، ثلاثة محاور، تعلّق المحور الأول منها بإجراءات عاجلة للتحكم في كتلة الأجور من خلال ترشيد الزيادات في الأجور وترشيد الانتدابات وحصرها في القطاعات ذات الأولوية وإعادة النظر في برمجة تطبيق اتفاقية 6 فيفري 2021 بين الحكومة والإتحاد العام التونسي للشغل دون مفعول رجعي، إضافة إلى تأجيل العمل بالقانون عدد 38 لسنة 2020 والمتعلق بأحكام استثنائية للانتداب في القطاع العمومي.
كما ارتكز المحور الثاني على اعتماد برامج مستحدثة للتخفيض من عدد الأعوان في الوظيفة العمومية عبر اعتماد برنامج جديد للإحالة على التقاعد المبكر مع التنفيل وإمكانية إحداث برامج للمغادرة الطوعية مع التمتع بمنحة التقاعد ومكافأة مالية..
وتعلق المحور الثالث بتطوير التصرف في الموارد البشرية وفي نظام التأجير بالوظيفة العمومية من خلال دعم برنامج الحراك الوظيفي داخل القطاع العام وبين القطاعين العام والخاص، وتوفير إمكانية العمل عن بعد في الوظيفة العمومية وربط عملية التأجير بمستوى الأداء والإنتاجية، والتمديد في مدة العطلة لبعث مؤسسة.
إصلاح منظومة الدعم
واعتبرت الوثيقة أن إصلاح منظومة الدعم لا يكون إلا عبر إعادة صياغة سياسات الدعم وآليات التعويض، أساسا، عبر المرور من دعم الأسعار إلى الدعم المباشر مما يمكن من توفير اعتمادات إضافية موجه للاستثمار العمومي.
ويهدف برنامج الإصلاح في ما يهم دعم المحروقات إلى بلوغ الأسعار الحقيقة في أفق سنة 2026 مع اتخاذ إجراءات موازية لحماية الفئات الهشة.
ويرتكز البرنامج على توسيع القاعدة الضريبية وتطوير التصرف في القطاع الطاقي من خلال مواصلة تطبيق التعديل الآلي للأسعار بالنسبة لمنتجات الوقود الثلاثة والرفع التدريجي لدعم المنتجات الحساسة عن طريق تعديل جزئي للأسعار في مرحلة أولى ثم رفع الدعم كليا مع تخصيص تحويلات مباشرة لفائدة المستحقين، إضافة إلى إرساء التعديل الآلي للأسعار بصفة دورية ومحددة حسب الاستهلاك بالنسبة للكهرباء والغاز.
وفي ما يتعلق بدعم المواد الأساسية، فقد شهدت ارتفاعا بدورها بالعلاقة مع ارتفاع أسعار الحبوب والزيوت النباتية في الأسواق العالمية مقابل عدم تعديلها بالسوق الداخلية منذ سنة 2008، مما يستوجب بحسب الوثيقة الخاصة بإطار الميزانية على المدى المتوسط، إعداد، خلال سنة 2022، دراسة حول مدى نجاعة وقابلية برنامج الإصلاح المقترح للتنفيذ على أرض الواقع بتغيير النظام الحالي لدعم الأسعار نحو نظام جديد يرتكز على دعم الأجور والتحويلات النقدية المباشرة، علاوة على تفعيل النظام الجديد لدعم المواد الأساسية بصفة تدريجية خلال الفترة الممتدة من سنة 2023 إلى غاية 2026 مع آلية استهداف قادرة على تحقيق العدالة الأزمة في توزيع التحويلات لمستحقيها الفعليين.
حوكمة المؤسسات العمومية
واعتبرت الوثيقة ذاتها بأنّ الوضعية، الحالية، للمؤسسات والمنشآت العمومية، التي أصبحت تشهد تدهورا لوضعيتها المالية وارتفاعا لحجم ديونها وما له من انعكاسات اقتصادية ومالية واجتماعية محتملة، تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة. ويعتمد برنامج الإصلاح في هذا الخصوص على ثلاثة محاور.
ويرتكز المحور الأول على مراجعة سياسة مشاركة الدولة في رأس مال المؤسسات العمومية من خلال إصلاح إستراتيجية مساهمة الدولة في المؤسسات العامة وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والتفويت في المساهمات في المؤسسات العمومية غير الإستراتيجية.
فيما دعا المحور الثاني إلى إعادة هيكلة الوضع المالي للمؤسسات العمومية من خلال تسوية الديون بين الدولة والشركات وتصفية الديون المتقاطعة بين المؤسسات العمومية حسب القطاع، وتدفيق متخلدات المؤسسات العمومية الكبرى وإعادة جدولة الديون المصرفية في إطار برنامج شامل للإصلاح وإعادة التقييم لأصول المؤسسات العمومية والتخلص من الأصول غير الضرورية لنشاط المؤسسة، إضافة إلى إرساء سياسة لتغطية مخاطر السوق وترشيد منح ضمانات ودعم الدولة.
ويهم المحور الثالث تحديث الحوكمة الداخلية للمؤسسات العمومية من خلال توسيع قائمة المؤسسات الخاضعة للالتزام بعقد أداء مع الدولة ومراجعة شروط التعيين ومستويات التأجير لمديري المؤسسات العمومية، إضافة إلى الفصل بين وظائف رئيس مجلس الإدارة والمدير العام في المؤسسات العمومية ومراجعة الإطار القانوني والتنظيمي وشروط مناظرات الانتداب الخارجية وإنشاء نظام ترقية ومكافآت قائم على أساس الكفاءة والجدارة والأهداف.
هذا ويطمح برنامج الإصلاح الجبائي إلى تحسين قدرة الدولة على تعبئة مواردها من خلال مردود الاستخلاص وتعزيز رقمنة الإدارة كما تم تحديد مجموعة من الإجراءات للتوجه نحو نظام ضريبي أكثر كفاءة وإنصافا من خلال السعي إلى توسيع القاعدة الضريبية ومكافحة التهرب الضريبي ودمج القطاع الموازي بما يحسن مناخ الاستثمار في تونس ويدعم نموا اقتصاديا شاملا ودائما.
وفاء بن محمد
* التقليص في كتلة الأجور إلى 14 بالمائة ووقف الانتدابات في الوظيفة العمومية أبرز الإصلاحات
* برنامج اقتصادي شبيه ببرنامج الإصلاح لسنة 2016
تونس-الصباح
بعد توقف دام أكثر من السنتين،- باستثناء لقاء وحيد كان في شهر ماي من السنة المنقضية، جاء في شكل زيارة وفد من الحكومة التونسية إلى واشنطن-، تعود اليوم المفاوضات بين تونس وصندوق النقد الدولي، بهدف الانطلاق في تنفيذ برنامج تمويل جديد، سيكون هذا اللقاء في شكل اجتماع افتراضي انطلاقا من الـ14 إلى غاية الـ22 من الشهر الجاري وسيجمع كلا من وزيرة المالية ووزير الاقتصاد والتخطيط ومحافظ البنك المركزي التونسي مع بعثة من صندوق النقد ..
ويأتي هذا اللقاء بعد مخاض عسير وطويل للخروج ببرنامج إصلاحي على المدى القصير تقدمه الحكومة إلى الصندوق لمحاولة إقناعها به بهدف تعبئة تمويلات جديدة تحتاجها لميزانيتها العمومية، بعد أن عرضته على شركائها الاجتماعيين وعلى رأسهم الاتحاد العام التونسي للشغل باعتبار أن هذه النقطة من أهم الشروط التي طالب بها الصندوق لمواصلة المفاوضات..
وفي الحقيقة لم يكن هذا الشرط جديدا ولم تفرضه التغيرات التي طرأت على المشهد الوطني على خلفية حراك الـ25 من شهر جويلية المنقضي، بل يعتبر من ابرز الشروط التي أكد عليها الصندوق في العديد من المناسبات على غرار تقريره الأخير في سياق مشاورات المادة الرابعة لسنة 2020 للصندوق مع تونس..
ويعتبر إبرام برنامج جديد مع الصندوق رهين إرساء برنامج اقتصادي ومالي على الأقل لثلاث سنوات تتبناه الحكومة الحالية بالاتفاق مع كل الطيف السياسي ومنظمات المجتمع المدني، وكانت الحكومات السابقة ما قبل حكومة نجلاء بودن قد أعدت هذه البرامج الاقتصادية التي مكنتها من الحصول على تمويلات من المؤسسات المالية المانحة أهمها صندوق النقد الدولي وكان آخرها برنامج الإصلاحات الكبرى الذي شمل العديد من القطاعات الحيوية في البلاد زمن حكومة يوسف الشاهد.
لكن الملفت للنظر هذه المرة أن الحكومة مطالبة بإرساء برنامج اقتصادي ومالي خاص بها أي برنامج وطني تونسي مع ضمان الاتفاق مع كل الجهات المتدخلة وأهمها الاتحاد العام التونسي للشغل تلتزم به بعيدا عن التجاذبات السياسية، وهذا ما أكدته مديرة صندوق النقد الدولي كريستينا غورغيفا في تصريح سابق تطالب فيه الحكومة التونسية بضرورة ترتيب بيتها الداخلي.
وبعد شد وجذب بين الحكومة والاتحاد حول مسالة تغيبه من دائرة المفاوضات حول برنامج الحكومة الإصلاحي، باعتبار انه يشتمل على إجراءات قد تمس من الأجراء ووضع المؤسسات العمومية التي تدافع عنها المنظمة الشغيلية، أبدى مؤخرا الاتحاد استعداده للحوار مع الحكومة حول الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد خلال جلسة عمل لوفد من الاتحاد مع الحكومة، وشدد فيها الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي على ضرورة أن توازن الأخيرة بين الجانب الاجتماعي ورفع النمو الاقتصادي.
من جهتها، أكدت رئيسة الوزراء نجلاء بودن خلال هذه الجلسة، حرص الحكومة على العمل المشترك مع كل المنظمات الوطنية وتكريس سنة التشاور والحوار الصريح والمسؤول بين الحكومة واتحاد الشغل في كل المسائل الحيوية التي تهم التونسيين.
تقليص كتلة الأجور ووقف الانتدابات أبرز محاور البرنامج
وحول طبيعة الشروط والإصلاحات التي ستكون في الاتفاق الجديد المنتظر بين الصندوق والدولة التونسية، فانه من المنتظر أن يكون نفس برنامج 2016 مع تحيين في التغيرات التي طرأت على البلاد مع إقحام إصلاح المؤسسات العمومية التي في الحقيقة لم يتطرق لها الصندوق في البرامج السابقة ..
إلى جانب إصلاحات أخرى سيتضمنها البرنامج الاقتصادي وأهمها التقليص في كتلة الأجور التي فاقت اليوم 18 بالمائة من الناتج الداخلي الخام بعد أن كانت في حدود الـ14 في المائة خلال سنة 2016 ومع ذلك اعتبرها الصندوق وقتها بالأعلى نسبة عالميا، وفي هذا الصدد من المنتظر أن يوصي الصندوق بتنزيل حجم الكتلة إلى 14 في المائة، وسيكون ذلك عبر إبرام هدنة اجتماعية تقتضي التقليص من الانتدابات وعدم الزيادة في الأجور..
وكانت وزارة المالية قد كشفت منذ يومين عن محاور برنامج الإصلاحات في مجال السياسات المالية والجبائية على المديين القصير والمتوسط للفترة 2022 /2024 حول 4 مجالات أساسية تتعلّق بالتحكم في كتلة الأجور وإعادة هيكلة الوظيفة العمومية وإصلاح نظام الدعم وحوكمة المؤسسات العمومية والإصلاح الجبائي، بحسب وثيقة حول إطار الميزانية متوسط المدى، ملحق قانون المالية لسنة 2022، قامت بنشرها وزارة المالية..
ويهدف برنامج الإصلاح، بحسب الوثيقة ذاتها، إلى التحكم وبشكل مستعجل في التوازنات الكبرى ودفع النمو وإعداد الأرضية لانتعاشة اقتصادية.
وبحسب الوثيقة فإنّه في حالة عدم إقرار إصلاحات على المدى المتوسط فإنّ كتلة الأجور ستواصل اتباع منحى تصاعديا يثقل ميزانية الدولة، لاسيما، وأنها بلغت سنة 2021 مستوى 20345 مليون دينار أي ما يعادل 59 بالمائة من موارد الميزانية، مقابل معدل بـ53 بالمائة خلال الفترة ما بين 2010 /2019.
وتضمن برنامج إصلاح الوظيفة العمومية وكتلة الأجور، وفق ما ورد بالوثيقة ذاتها، ثلاثة محاور، تعلّق المحور الأول منها بإجراءات عاجلة للتحكم في كتلة الأجور من خلال ترشيد الزيادات في الأجور وترشيد الانتدابات وحصرها في القطاعات ذات الأولوية وإعادة النظر في برمجة تطبيق اتفاقية 6 فيفري 2021 بين الحكومة والإتحاد العام التونسي للشغل دون مفعول رجعي، إضافة إلى تأجيل العمل بالقانون عدد 38 لسنة 2020 والمتعلق بأحكام استثنائية للانتداب في القطاع العمومي.
كما ارتكز المحور الثاني على اعتماد برامج مستحدثة للتخفيض من عدد الأعوان في الوظيفة العمومية عبر اعتماد برنامج جديد للإحالة على التقاعد المبكر مع التنفيل وإمكانية إحداث برامج للمغادرة الطوعية مع التمتع بمنحة التقاعد ومكافأة مالية..
وتعلق المحور الثالث بتطوير التصرف في الموارد البشرية وفي نظام التأجير بالوظيفة العمومية من خلال دعم برنامج الحراك الوظيفي داخل القطاع العام وبين القطاعين العام والخاص، وتوفير إمكانية العمل عن بعد في الوظيفة العمومية وربط عملية التأجير بمستوى الأداء والإنتاجية، والتمديد في مدة العطلة لبعث مؤسسة.
إصلاح منظومة الدعم
واعتبرت الوثيقة أن إصلاح منظومة الدعم لا يكون إلا عبر إعادة صياغة سياسات الدعم وآليات التعويض، أساسا، عبر المرور من دعم الأسعار إلى الدعم المباشر مما يمكن من توفير اعتمادات إضافية موجه للاستثمار العمومي.
ويهدف برنامج الإصلاح في ما يهم دعم المحروقات إلى بلوغ الأسعار الحقيقة في أفق سنة 2026 مع اتخاذ إجراءات موازية لحماية الفئات الهشة.
ويرتكز البرنامج على توسيع القاعدة الضريبية وتطوير التصرف في القطاع الطاقي من خلال مواصلة تطبيق التعديل الآلي للأسعار بالنسبة لمنتجات الوقود الثلاثة والرفع التدريجي لدعم المنتجات الحساسة عن طريق تعديل جزئي للأسعار في مرحلة أولى ثم رفع الدعم كليا مع تخصيص تحويلات مباشرة لفائدة المستحقين، إضافة إلى إرساء التعديل الآلي للأسعار بصفة دورية ومحددة حسب الاستهلاك بالنسبة للكهرباء والغاز.
وفي ما يتعلق بدعم المواد الأساسية، فقد شهدت ارتفاعا بدورها بالعلاقة مع ارتفاع أسعار الحبوب والزيوت النباتية في الأسواق العالمية مقابل عدم تعديلها بالسوق الداخلية منذ سنة 2008، مما يستوجب بحسب الوثيقة الخاصة بإطار الميزانية على المدى المتوسط، إعداد، خلال سنة 2022، دراسة حول مدى نجاعة وقابلية برنامج الإصلاح المقترح للتنفيذ على أرض الواقع بتغيير النظام الحالي لدعم الأسعار نحو نظام جديد يرتكز على دعم الأجور والتحويلات النقدية المباشرة، علاوة على تفعيل النظام الجديد لدعم المواد الأساسية بصفة تدريجية خلال الفترة الممتدة من سنة 2023 إلى غاية 2026 مع آلية استهداف قادرة على تحقيق العدالة الأزمة في توزيع التحويلات لمستحقيها الفعليين.
حوكمة المؤسسات العمومية
واعتبرت الوثيقة ذاتها بأنّ الوضعية، الحالية، للمؤسسات والمنشآت العمومية، التي أصبحت تشهد تدهورا لوضعيتها المالية وارتفاعا لحجم ديونها وما له من انعكاسات اقتصادية ومالية واجتماعية محتملة، تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة. ويعتمد برنامج الإصلاح في هذا الخصوص على ثلاثة محاور.
ويرتكز المحور الأول على مراجعة سياسة مشاركة الدولة في رأس مال المؤسسات العمومية من خلال إصلاح إستراتيجية مساهمة الدولة في المؤسسات العامة وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والتفويت في المساهمات في المؤسسات العمومية غير الإستراتيجية.
فيما دعا المحور الثاني إلى إعادة هيكلة الوضع المالي للمؤسسات العمومية من خلال تسوية الديون بين الدولة والشركات وتصفية الديون المتقاطعة بين المؤسسات العمومية حسب القطاع، وتدفيق متخلدات المؤسسات العمومية الكبرى وإعادة جدولة الديون المصرفية في إطار برنامج شامل للإصلاح وإعادة التقييم لأصول المؤسسات العمومية والتخلص من الأصول غير الضرورية لنشاط المؤسسة، إضافة إلى إرساء سياسة لتغطية مخاطر السوق وترشيد منح ضمانات ودعم الدولة.
ويهم المحور الثالث تحديث الحوكمة الداخلية للمؤسسات العمومية من خلال توسيع قائمة المؤسسات الخاضعة للالتزام بعقد أداء مع الدولة ومراجعة شروط التعيين ومستويات التأجير لمديري المؤسسات العمومية، إضافة إلى الفصل بين وظائف رئيس مجلس الإدارة والمدير العام في المؤسسات العمومية ومراجعة الإطار القانوني والتنظيمي وشروط مناظرات الانتداب الخارجية وإنشاء نظام ترقية ومكافآت قائم على أساس الكفاءة والجدارة والأهداف.
هذا ويطمح برنامج الإصلاح الجبائي إلى تحسين قدرة الدولة على تعبئة مواردها من خلال مردود الاستخلاص وتعزيز رقمنة الإدارة كما تم تحديد مجموعة من الإجراءات للتوجه نحو نظام ضريبي أكثر كفاءة وإنصافا من خلال السعي إلى توسيع القاعدة الضريبية ومكافحة التهرب الضريبي ودمج القطاع الموازي بما يحسن مناخ الاستثمار في تونس ويدعم نموا اقتصاديا شاملا ودائما.