إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تعهدات الدولة غيرالمدروسة ضرب لمصداقيتها

تونس- الصباح

كشف تراجع رئيس الجمهوية عن الالتزام بتفعيل قانون 38 الخاص بتشغيل أصحاب الشهائد العليا ممن طالت بطالتهم لأكثر من 10 سنوات على دفعات،عن معضلة كبيرة شابت مسار ما بعد 2011 وظلت تلاحق الحكومات المتعاقبة في ظل ضعف الدولة وعجزها عن الاستجابة للاستحقاقات المشروعة والملحة لاسيما في ملف البطالة والتشغيل أبرز مطالب شباب الثورة، واللجوء إلى المسكنات والحلول الهشة مما عمق الإشكاليات وهو اليوم يضع مصداقية الدولة في الميزان.

لا يتعلق الأمر فقط  بقانون 38 بل يتعداها ليشمل قوانين واتفاقيات أخرى لجأت إليها الدولة لشراء السلم الاجتماعي أحيانا وللتغطية عن عجزها في توفير حلول أخرى أو للبقاء في السلطة ولحسابات انتخابية أحيانا أخرى وانطلق المسار منذ ملف عمال الحضائر مباشرة بعد 2011 مرورا بملف الاليات واتفاق الكامور وصولا إلى قانون 38.

والثابت أن هذه الحلول الترقيعية والهشة لم تنجح في حل مشاكل البطالة والتشغيل بل كرست مفهوم التشغيل الهش وأضرت بجهات عديدة تحولت فيها الحضائر من نعمة موعودة إلى نقمة كرست أكثر فأكثر مفهوم العمل دون انتاجية أو مردودية تذكر وعقلية التواكل كما فتحت الباب على مصرعيه لممارسات شتى من الفساد والأكيد أيضا أن خيارات الدولة هذه كانت لها انعكاسات سلبية على التوازنات المالية وعلى حساب التنمية الحقيقية والاستثمارات العمومية  القادرة فعلا على تغيير واقع تلك الجهات المحرومة وتوفير حلول حقيقية ومستدامة لموضوع التشغيل.

خيار الحضائر

ظلت اتفاقية الحضائر أبرز الملفات المعبرة على ما حدث على امتداد العشر سنوات الأخير من مخاض الخيارات غير المدروسة والتعهدات دون أفق تنفيذ وإن تمت الاستجابة فسيكون ذلك بشكل قسري تحت وطأة الضغوط والاحتجاجات والنقابات.

ففي دراسة شاملة انجزها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في جانفي 2020 حول آلية العمل في الحضائر كشكل من أشكال العمل الهش الذي تم في إطار الهياكل الرسمية للدولة، أثبتت الدراسة تطور عدد عمال الحضائر بعد جانفي 2011 حيث مثلت السنة الاولى النقلة النوعية على مستوى الكم ليرتفع العدد من 62 ألفا إلى 125 ألفا خلال سنة 2018 وسبب هذه الطفرة غياب الحلول أمام السلطة وسعيها المتواصل لامتصاص البطالة والغضب وشراء السلم الاجتماعي وإن بحلول هشة.

والجميع يعلم أن هذا الملف ظل يلاحق الحكومات المتعاقبة وصولا إلى حكومة بودن أين كان هذا الملف على رأس أوليات أول اجتماع جمعها مؤخرا باتحاد الشغل وتم الاتفاق على تعهدات جديدة للمضي في استكمال مسار تسوية وضعية عمال الحضائر الذي لا يكاد ينته في ظل محاولات تنصل كل حكومة من الالتزام بتعهدات سابقة تفرض مبدأ استمرارية الدولة.

لا يمثل ملف الحضائر بمفرده موضوع مخاض التسويات لتعهدات حكومية توقع في سياقات معينة واكراهات أحيانا وتظل حبرا على ورق فقد كان 22 الف عامل العدد الجملي لعمال الالية 16 الذين شملهم مسار الاحتجاجات والمفاوضات العسيرة وقد تم الاتفاق منذ 2013 على تسوية وضعياتهم على 5 دفعات بمعدل واحدة كل سنة وانطلقت في 2015  تسوية أول دفعة.

شهدت ايضا السنوات الفارطة مخاض تسوية عمال الآلية 20.

الكامور وما بعدها

لا يمكن الحديث عن تعهدات الحكومة تحت الضغط وزمن ضعف الدولة دون الإشارة إلى ملف الكامور المعقد الذي يلتبس فيه ماهو مشروع من مطالب تشغيل وتنمية بما هو غير مبرر ولا واقعي ويشمل التعدي على مواقع الانتاج والوصول إلى اتفاق تؤكد كل المؤشرات أنه غير قابل للتطبيق على أرض الواقع وخير دليل عودة الملف إلى السطح مؤخرا بعد حوالي 3 سنوات من توقيع الاتفاق.

في جوان 2017 تم توقيع اتفاق بين الحكومة وتنسيقية اعتصام الكامور لإنهاء الاعتصام وغلق الفانة الذي  تواصل على امتداد اشهر مع تعهد الحكومة بجملة من النقاط منها ماهو حيني عاجل وما هو آجال. ومباشرة اثر خيار حكومة هشام المشيشي المضي في الاتفاق مع تنسيقية الكامور إلى منتهاه والاستجابة لمطالب المحتجين تعالت عديد الأصوات المشككة في امكانية تنفيذ بنود الاتفاق معتبرين ذلك مجرد مسكنات وحسابات سياسية ضيقة للمشيشي ومن معه لترحيل الأزمة ربما إلى حين وهذا تماما ما يحصل اليوم.

لا يختلف قانون 38 عن جملة هذه الاتفاقيات والتعهدات غير المدروسة للحكومات المتتالية ويتنزل في سياق الوعود السياسية والانتخابية لكن ليس في إطار فترة الحملات الانتخابية كما هو متعارف عليه بل من داخل الحكم وباستعمال أدوات الدولة والسلطة.

كما يختلف قانون 38 لأنه قانون صادر عن السلطة التشريعية ومختوم من أعلى هرم الدولة وصادر بالرائد الرسمي وهنا تكمن خطورة تداعيات التراجع عن الالتزام بتطبيقه لما في ذلك من انعكاسات سلبية على صورة الدولة التونسية كدولة قانون ومؤسسات وعلى مصداقيتها في مستوى الالتزام بتعهداتها. وايضا هو رسالة لا تخلو من مخاطر داخليا قد تؤسس لسابقة رفض الالتزام بتطبيق قوانين الدولة سارية المفعول.

م.ي

تعهدات الدولة غيرالمدروسة ضرب لمصداقيتها

تونس- الصباح

كشف تراجع رئيس الجمهوية عن الالتزام بتفعيل قانون 38 الخاص بتشغيل أصحاب الشهائد العليا ممن طالت بطالتهم لأكثر من 10 سنوات على دفعات،عن معضلة كبيرة شابت مسار ما بعد 2011 وظلت تلاحق الحكومات المتعاقبة في ظل ضعف الدولة وعجزها عن الاستجابة للاستحقاقات المشروعة والملحة لاسيما في ملف البطالة والتشغيل أبرز مطالب شباب الثورة، واللجوء إلى المسكنات والحلول الهشة مما عمق الإشكاليات وهو اليوم يضع مصداقية الدولة في الميزان.

لا يتعلق الأمر فقط  بقانون 38 بل يتعداها ليشمل قوانين واتفاقيات أخرى لجأت إليها الدولة لشراء السلم الاجتماعي أحيانا وللتغطية عن عجزها في توفير حلول أخرى أو للبقاء في السلطة ولحسابات انتخابية أحيانا أخرى وانطلق المسار منذ ملف عمال الحضائر مباشرة بعد 2011 مرورا بملف الاليات واتفاق الكامور وصولا إلى قانون 38.

والثابت أن هذه الحلول الترقيعية والهشة لم تنجح في حل مشاكل البطالة والتشغيل بل كرست مفهوم التشغيل الهش وأضرت بجهات عديدة تحولت فيها الحضائر من نعمة موعودة إلى نقمة كرست أكثر فأكثر مفهوم العمل دون انتاجية أو مردودية تذكر وعقلية التواكل كما فتحت الباب على مصرعيه لممارسات شتى من الفساد والأكيد أيضا أن خيارات الدولة هذه كانت لها انعكاسات سلبية على التوازنات المالية وعلى حساب التنمية الحقيقية والاستثمارات العمومية  القادرة فعلا على تغيير واقع تلك الجهات المحرومة وتوفير حلول حقيقية ومستدامة لموضوع التشغيل.

خيار الحضائر

ظلت اتفاقية الحضائر أبرز الملفات المعبرة على ما حدث على امتداد العشر سنوات الأخير من مخاض الخيارات غير المدروسة والتعهدات دون أفق تنفيذ وإن تمت الاستجابة فسيكون ذلك بشكل قسري تحت وطأة الضغوط والاحتجاجات والنقابات.

ففي دراسة شاملة انجزها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في جانفي 2020 حول آلية العمل في الحضائر كشكل من أشكال العمل الهش الذي تم في إطار الهياكل الرسمية للدولة، أثبتت الدراسة تطور عدد عمال الحضائر بعد جانفي 2011 حيث مثلت السنة الاولى النقلة النوعية على مستوى الكم ليرتفع العدد من 62 ألفا إلى 125 ألفا خلال سنة 2018 وسبب هذه الطفرة غياب الحلول أمام السلطة وسعيها المتواصل لامتصاص البطالة والغضب وشراء السلم الاجتماعي وإن بحلول هشة.

والجميع يعلم أن هذا الملف ظل يلاحق الحكومات المتعاقبة وصولا إلى حكومة بودن أين كان هذا الملف على رأس أوليات أول اجتماع جمعها مؤخرا باتحاد الشغل وتم الاتفاق على تعهدات جديدة للمضي في استكمال مسار تسوية وضعية عمال الحضائر الذي لا يكاد ينته في ظل محاولات تنصل كل حكومة من الالتزام بتعهدات سابقة تفرض مبدأ استمرارية الدولة.

لا يمثل ملف الحضائر بمفرده موضوع مخاض التسويات لتعهدات حكومية توقع في سياقات معينة واكراهات أحيانا وتظل حبرا على ورق فقد كان 22 الف عامل العدد الجملي لعمال الالية 16 الذين شملهم مسار الاحتجاجات والمفاوضات العسيرة وقد تم الاتفاق منذ 2013 على تسوية وضعياتهم على 5 دفعات بمعدل واحدة كل سنة وانطلقت في 2015  تسوية أول دفعة.

شهدت ايضا السنوات الفارطة مخاض تسوية عمال الآلية 20.

الكامور وما بعدها

لا يمكن الحديث عن تعهدات الحكومة تحت الضغط وزمن ضعف الدولة دون الإشارة إلى ملف الكامور المعقد الذي يلتبس فيه ماهو مشروع من مطالب تشغيل وتنمية بما هو غير مبرر ولا واقعي ويشمل التعدي على مواقع الانتاج والوصول إلى اتفاق تؤكد كل المؤشرات أنه غير قابل للتطبيق على أرض الواقع وخير دليل عودة الملف إلى السطح مؤخرا بعد حوالي 3 سنوات من توقيع الاتفاق.

في جوان 2017 تم توقيع اتفاق بين الحكومة وتنسيقية اعتصام الكامور لإنهاء الاعتصام وغلق الفانة الذي  تواصل على امتداد اشهر مع تعهد الحكومة بجملة من النقاط منها ماهو حيني عاجل وما هو آجال. ومباشرة اثر خيار حكومة هشام المشيشي المضي في الاتفاق مع تنسيقية الكامور إلى منتهاه والاستجابة لمطالب المحتجين تعالت عديد الأصوات المشككة في امكانية تنفيذ بنود الاتفاق معتبرين ذلك مجرد مسكنات وحسابات سياسية ضيقة للمشيشي ومن معه لترحيل الأزمة ربما إلى حين وهذا تماما ما يحصل اليوم.

لا يختلف قانون 38 عن جملة هذه الاتفاقيات والتعهدات غير المدروسة للحكومات المتتالية ويتنزل في سياق الوعود السياسية والانتخابية لكن ليس في إطار فترة الحملات الانتخابية كما هو متعارف عليه بل من داخل الحكم وباستعمال أدوات الدولة والسلطة.

كما يختلف قانون 38 لأنه قانون صادر عن السلطة التشريعية ومختوم من أعلى هرم الدولة وصادر بالرائد الرسمي وهنا تكمن خطورة تداعيات التراجع عن الالتزام بتطبيقه لما في ذلك من انعكاسات سلبية على صورة الدولة التونسية كدولة قانون ومؤسسات وعلى مصداقيتها في مستوى الالتزام بتعهداتها. وايضا هو رسالة لا تخلو من مخاطر داخليا قد تؤسس لسابقة رفض الالتزام بتطبيق قوانين الدولة سارية المفعول.

م.ي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews