إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

نسبة الأجور من الموارد الذاتية للدولة "تقفز" الى 60.9% سنة 2021 !

 

تونس- الصباح

سجلت نسبة الأجور من الموارد الذاتية للدولة تطورا لافتا ، حيث قفزت من 46% سنة 2010 الى 60,9% سنة 2021 ، وارتفع معها معدل الأجر الشهري الخام للموظف العمومي من 1298 دينارا سنة 2010 إلى 2608 دينار سنة 2021 ، فيما ارتفعت كتلة الأجور من 6785 مليون دينار سنة 2010 الى 20118 مليون دينار في الميزانية العامة لسنة 2021 ، وذلك وفق دراسة أعدها مرصد رقابة. 

وشهدت نسبة التأجير العمومي من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية تطورا من 10,8% إلى 18,1% ، وهذه النسبة تعد من أعلى النسب في العالم، بالنظر الى انها متأتية من موارد الدولة الذاتية، وهو ما دفع بصندوق النقد الدولي في أكثر من مناسبة الى التنصيص على أهمية التقليص من كتلة الاجور لخلق التوازن بين نفقات الدولة وخلاص الاجور، وهي خطوة تحتاج الى موارد مالية اضافية لتنفيذها ، حسب ما يؤكده المسؤولون بوزارة المالية.

وامام التطور اللافت في موارد الاجور المتأتية من نسبة كبيرة من الناتج المحلي الاجمالي للبلاد وتجاوزت حاجز النصف لتصل الى 60.9%، وفق ما اعلن عنه مرصد رقابة في دراسة حديثة ، فإن مخاطر هذه العملية تتسبب في حالة من القلق لدى المسؤولين بالدولة، وخاصة واضعي السياسات النقدية ، حيث ان تطور كتلة الاجور وارتفاعها وتأثيرها على الناتج المحلي الاجمالي للبلاد ، دون ارتباط بزيادة مماثلة في الإنتاجية أسهمت في مزيد غلاء المعيشة على عموم التونسيين، وساهمت بشكل مباشر في تدهور القدرة الشرائية.

وهناك حاجة ملحة اليوم إلى مراجعة نموذج ميزانية الدولة أكثر من أي وقت مضى، للحد من كتلة الاجور ، او البحث عن موارد مالية اضافية بمعزل عن الناتج القومي الخام للبلاد التونسية ، وذلك حتى تتمكن الدولة التونسية من توفير نفقاتها الذاتية. ويرى بعض الخبراء انه من الضروري توسيع القاعدة الضريبية ، وتقليل العبء الضريبي على متوسط الأجور ، ومحاربة الاقتصاد غير الرسمي بشكل أكبر ، وضمان قدر أكبر من العدالة الضريبية ومحاربة التهرب الضريبي بقبضة من حديد، وخصخصة المؤسسات ، وتغيير نموذج الإدارة والحوكمة للمنشآت العامة ، والتحرير الكامل لقطاع الطاقات المتجددة ، والذي اقتصر على الشركة التونسية للكهرباء والغاز لنقل الطاقة ، بالاضافة الى شن حرب واسعة على الفساد في كافة أجهزة الدولة. 

وتواجه تونس منذ بداية العام الحالي، معضلة جديدة في توفير أجور آلاف الموظفين ، وذلك بعد تسجيل زيادة بـ 217 مليون دينار لهذا العام ، ما رفع من حجم التوقعات لبلوغ نفقات الاجور معدلات كبيرة من الناتج المحلي الاجمالي للبلاد التونسية.

واثار العجز المسجل في كتلة الاجور مخاوف الخبراء والمؤسسات المالية العالمية من انفلات نفقات الأجور وعدم قدرة الحكومة على تعبئة الموارد لتمويل ميزانية العام الحالي ، وذلك بسبب سوء السياسات المنتهجة للحكومات المتعاقبة والتي أدت الى التوظيف العشوائي دون وجود موارد مالية كافية.

كتلة الاجور التحدي الاكبر

وتعد كتلة الأجور العائق الابرز لتونس اليوم ، خاصة بعد ارتفاعها هذا العام لتبلغ 20.1 مليار دينار، أي حوالي 16.6% من الناتج المحلي الإجمالي ، بالإضافة الى نفقات الدعم والبالغة 3.4 مليار دينار في ميزانية 2021 ، الامر الذي دفع بوزراء سابقين الى التأكيد في تصريحات اعلامية ، على نيتهم التقليص من كتلة الاجور ومراجعة الدعم الموجه للعديد من القطاعات.

ولم تنجح تونس خلال السنوات الأربع الأخيرة من التقليص في كتلة الأجور الى حدود 12 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي وفق اتفاق موقّع مع صندوق النقد الدولي عام 2016، وعدم التزامها بتعهداتها، وضع بلادنا اليوم ، أمام اختبار إقناع شركاء تونس الماليين بوجاهة قرار زيادة رواتب موظفي القطاع الحكومي وإدماج 31 ألف عامل جديد كانوا يشتغلون بعقود هشةّ.

وكان صندوق النقد الدولي قد طالب الحكومات السابقة بحزمة من الاصلاحات، منذ 2016 وجدد تطبيقها موفى 2019 وتشمل الضغط على كتلة الاجور وتسريح الموظفين وتعبئة الإيرادات واحتواء الإنفاق الجاري لتخفيض عجز الميزانية، مع الحفاظ على الاستثمارات العامة وتقوية شبكة الأمان الاجتماعي لصالح الأسر ذات الدخل المنخفض، وفرض سياسة نقدية صارمة لكبح التضخم، وتحسين مناخ الأعمال، وتوسيع فرص الحصول على التمويل للمؤسسات الخاصة، ومكافحة الفساد.

ونجحت تونس في الفترة الاخيرة من تأمين كتلة الاجور للاشهر المتبقية من العام الحالي والمقدرة 6.7 مليار دينار، اي بمعدل 1.6 مليار دينار شهريا، وهي مبالغ جلها مأتٍ من الموارد الجبائية للدولة التي سجلت ارتفاعا في النصف الاول من العام الحالي لتبلغ 14.7 مليار دينار، وهذه الارقام تدحض ما تردد مؤخرا حول عدم قدرة الدولة على سداد اجور الموظفين خلال الفترة القادمة.

عجز في توفير نفقات الدولة 

وحسب تقرير صادر عن وزارة المالية، اطلعت عليه "الصباح"، فإن كتلة الاجور لما تبقى من العام متوفرة في خزينة الدولة، الا ان هناك اشكالا يرافق الخزينة العامة للدولة منذ العام الفارط والمتمثل في نفقات الدولة التي بدأت تشهد صعوبات مع منتصف العام الحالي، بالاضافة الى تراجع نفقات الاستثمار الى مستويات متدنية للغاية، أجبرت الدولة على تعليق العشرات من المشاريع في أغلب ولايات الجمهورية.

وعلى مدى الأشهر الأربعة الاخيرة من العام ، تبلغ آجال السداد على الديون الداخلية والخارجية بشكل أساسي 7.3 مليار دينار ، بالإضافة إلى رواتب الخدمة المدنية التي تم تأمينها من سبتمبر إلى ديسمبر بمبلغ إجمالي قدره 6.7 مليار دينار ( 1.6 مليار دينار شهريا) ، في حين مازالت الدولة عاجزة عن توفير النفقات الادارية، وفائدة الدين ، والتي بلغت 5.1 مليار دينار للأشهر الأربعة المقبلة ، أي 1.2 مليار دينار لكل شهر.

وبين سداد الدين الداخلي والخارجي ودفع رواتب الموظفين والمصاريف الأخرى،  ستحتاج الدولة إلى 19 مليار دينار، أي 4.5 مليار دينار شهرياً ، بنهاية العام وذلك وفق الميزانية العامة للدولة لسنة 2021 وباحتساب المعدل الشهري للايرادات والضرائب (المباشرة وغير المباشرة) فإن الدولة قادرة على تأمين 2.4 مليار دينار في المتوسط شهريا وهو مبلغ غير كاف لتأمين احتياجات البلاد المالية والايفاء بالتزاماتها المالية الداخلية والخارجية لما تبقى من العام.

وشهدت أجور الموظفين في تونس في الأشهر الثلاثة الاخيرة جوان وجويلية واوت 2021 تأخيرا في الخلاص، مرده تزامن هذه الفترة مع مواعيد سداد قرضين من العملة الصعبة بقيمة جملية بلغت 2809.8 مليون دينار، الامر الذي اثر نسبيا على السيولة النقدية بالبلاد، وتبلغ قيمة أجور الموظفين في تونس شهريا حوالي 1660 مليون دينار شهريا، كما تبلغ قيمة كتلة الأجور بالنسبة للوظيفة العمومية 20 مليار دينار، أي بنسبة تقارب 38 بالمائة من إجمالي الميزانية (52.6 مليار دينار)، وهي نسبة مرتفعة مقارنة ببقية دول العالم.

وبين اجبارية خلاص الديون الداخلية والخارجية ودفع رواتب الموظفين ومصاريف أخرى فان تونس مطالبة من شهر اوت الى موفى العام الجاري دفع زهاء 19 مليار دينار بمعدل 4.4 مليار دينار شهريا مقابل تحصيل ضرائب مباشرة وغير مباشرة في حدود 2.4 مليار دينار، ووضعت هذه الضغوطات المالية العمومية والبنك المركزي في وضعية حرجة منذ شهر أوت الماضي ، وذلك من اجل تأمين السيولة النقدية في المقام الاول وسداد رواتب الموظفين في المقام الثاني، علما وان حساب الخزينة العامة للبلاد التونسية يشهد تذبذبا على مستوى النفقات من شهر الى آخر.

ارتفاع عدد الموظفين 

وحسب الميزانية التعديلية لعام 2021 التي أصدرتها وزارة المالية التونسية مؤخرا ،عن آخر الارقام الرسمية لعدد الموظفين العامين في البلاد، فقد ارتفع عددهم اليوم ليبلغ 661 ألفاً و703 موظفا موزعين على مختلف الوزارات، بمصالحها المركزية والجهوية وبالمؤسسات الحكومية. وبلغت كتلة أجور الموظفين 20.3 مليار دينار (7.2 مليار دولار) أي ما يعادل حوالى 40 في المائة من إجمالي الميزانية العامة لتونس.

ومازال ملف ارتفاع عدد الموظفين الحكوميين الكبير في تونس يدفع بصراعات سياسية واقتصادية ونقابية،علما وانه حسب القاعدة الاقتصادية فأنه عندما ترتفع نسبة الميزانية من الناتج المحلي الخام، فهذا دليل على أن الاقتصاد يعيش على وقع أزمة خانقة ، وسجلت الميزانية في تونس، ارتفاعا من 7 مليارات دولار في عام 2010 إلى 19.4 مليار دولار في عام 2021، وهو ارتفاع تزامن مع زيادة هائلة في كتلة الأجور التي وصلت الى حدود 40 في المائة من الميزانية العامة. 

تخوفات من تواصل ازمة الاجور

ولمح ، مؤخرا ، عدد من خبراء الاقتصاد لـ"الصباح"، عن تخوفهم من عدم قدرة تونس على مواصلة تامين خلاص أجور الموظفين بداية من السنة القادمة بسبب الصعوبات التي تعرفها البلاد في تعبئة الموارد المالية الضرورية في ظل انسداد الأفق السياسية والمالية، حيث ان توقف المفاوضات تماما مع صندوق النقد الدولي وصعوبة الخروج الى الاسواق المالية الدولية يقلصان من هامش تحرك تونس في توفير الموارد المالية لسنة 2022.

ويحذر جل الخبراء من وجود انسداد مالي لتونس في الفترة القادمة، في ظل الظروف السياسية الاستثنائية التي تمر بها منذ 25 جويلية 2021 إثر اقدام الرئيس قيس سعيد على تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن كل النواب، وهذه الوضعية الاستثنائية تفرض على كل المانحين الدوليين وفي ومقدمتهم صندوق النقد الدولي التريث وانتظار مآل انفراج الأوضاع.

وتضاعفت كتلة الأجور أكثر من ثلاث مرات مقارنة بسنة 2010 إذ لم تتجاوز ستة مليارات دينار سنة 2010، لتبلغ اليوم أكثر من 20 مليار دينار، فيما تحملت الميزانية العامة للدولة وحدها، وزر الضغط الاجتماعي، من خلال فتح باب الانتدابات بشكل عشوائي في القطاع العام لتفادي مزيد من الاحتقان الاجتماعي، كما تحملت تداعيات اتفاقيات الزيادة في الأجور مع الاتحاد العام التونسي للشغل، من دون أن يقابل ذلك نمو اقتصادي، قادر على امتصاص ازمة زيادة العاطلين عن العمل، وهو ما أثر بشكل لافت على ميزانية الدولة للسنة الحالية ، وأيضا للسنوات القادمة. 

 

سفيان المهداوي 

 نسبة الأجور من الموارد الذاتية للدولة "تقفز" الى 60.9% سنة 2021 !

 

تونس- الصباح

سجلت نسبة الأجور من الموارد الذاتية للدولة تطورا لافتا ، حيث قفزت من 46% سنة 2010 الى 60,9% سنة 2021 ، وارتفع معها معدل الأجر الشهري الخام للموظف العمومي من 1298 دينارا سنة 2010 إلى 2608 دينار سنة 2021 ، فيما ارتفعت كتلة الأجور من 6785 مليون دينار سنة 2010 الى 20118 مليون دينار في الميزانية العامة لسنة 2021 ، وذلك وفق دراسة أعدها مرصد رقابة. 

وشهدت نسبة التأجير العمومي من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية تطورا من 10,8% إلى 18,1% ، وهذه النسبة تعد من أعلى النسب في العالم، بالنظر الى انها متأتية من موارد الدولة الذاتية، وهو ما دفع بصندوق النقد الدولي في أكثر من مناسبة الى التنصيص على أهمية التقليص من كتلة الاجور لخلق التوازن بين نفقات الدولة وخلاص الاجور، وهي خطوة تحتاج الى موارد مالية اضافية لتنفيذها ، حسب ما يؤكده المسؤولون بوزارة المالية.

وامام التطور اللافت في موارد الاجور المتأتية من نسبة كبيرة من الناتج المحلي الاجمالي للبلاد وتجاوزت حاجز النصف لتصل الى 60.9%، وفق ما اعلن عنه مرصد رقابة في دراسة حديثة ، فإن مخاطر هذه العملية تتسبب في حالة من القلق لدى المسؤولين بالدولة، وخاصة واضعي السياسات النقدية ، حيث ان تطور كتلة الاجور وارتفاعها وتأثيرها على الناتج المحلي الاجمالي للبلاد ، دون ارتباط بزيادة مماثلة في الإنتاجية أسهمت في مزيد غلاء المعيشة على عموم التونسيين، وساهمت بشكل مباشر في تدهور القدرة الشرائية.

وهناك حاجة ملحة اليوم إلى مراجعة نموذج ميزانية الدولة أكثر من أي وقت مضى، للحد من كتلة الاجور ، او البحث عن موارد مالية اضافية بمعزل عن الناتج القومي الخام للبلاد التونسية ، وذلك حتى تتمكن الدولة التونسية من توفير نفقاتها الذاتية. ويرى بعض الخبراء انه من الضروري توسيع القاعدة الضريبية ، وتقليل العبء الضريبي على متوسط الأجور ، ومحاربة الاقتصاد غير الرسمي بشكل أكبر ، وضمان قدر أكبر من العدالة الضريبية ومحاربة التهرب الضريبي بقبضة من حديد، وخصخصة المؤسسات ، وتغيير نموذج الإدارة والحوكمة للمنشآت العامة ، والتحرير الكامل لقطاع الطاقات المتجددة ، والذي اقتصر على الشركة التونسية للكهرباء والغاز لنقل الطاقة ، بالاضافة الى شن حرب واسعة على الفساد في كافة أجهزة الدولة. 

وتواجه تونس منذ بداية العام الحالي، معضلة جديدة في توفير أجور آلاف الموظفين ، وذلك بعد تسجيل زيادة بـ 217 مليون دينار لهذا العام ، ما رفع من حجم التوقعات لبلوغ نفقات الاجور معدلات كبيرة من الناتج المحلي الاجمالي للبلاد التونسية.

واثار العجز المسجل في كتلة الاجور مخاوف الخبراء والمؤسسات المالية العالمية من انفلات نفقات الأجور وعدم قدرة الحكومة على تعبئة الموارد لتمويل ميزانية العام الحالي ، وذلك بسبب سوء السياسات المنتهجة للحكومات المتعاقبة والتي أدت الى التوظيف العشوائي دون وجود موارد مالية كافية.

كتلة الاجور التحدي الاكبر

وتعد كتلة الأجور العائق الابرز لتونس اليوم ، خاصة بعد ارتفاعها هذا العام لتبلغ 20.1 مليار دينار، أي حوالي 16.6% من الناتج المحلي الإجمالي ، بالإضافة الى نفقات الدعم والبالغة 3.4 مليار دينار في ميزانية 2021 ، الامر الذي دفع بوزراء سابقين الى التأكيد في تصريحات اعلامية ، على نيتهم التقليص من كتلة الاجور ومراجعة الدعم الموجه للعديد من القطاعات.

ولم تنجح تونس خلال السنوات الأربع الأخيرة من التقليص في كتلة الأجور الى حدود 12 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي وفق اتفاق موقّع مع صندوق النقد الدولي عام 2016، وعدم التزامها بتعهداتها، وضع بلادنا اليوم ، أمام اختبار إقناع شركاء تونس الماليين بوجاهة قرار زيادة رواتب موظفي القطاع الحكومي وإدماج 31 ألف عامل جديد كانوا يشتغلون بعقود هشةّ.

وكان صندوق النقد الدولي قد طالب الحكومات السابقة بحزمة من الاصلاحات، منذ 2016 وجدد تطبيقها موفى 2019 وتشمل الضغط على كتلة الاجور وتسريح الموظفين وتعبئة الإيرادات واحتواء الإنفاق الجاري لتخفيض عجز الميزانية، مع الحفاظ على الاستثمارات العامة وتقوية شبكة الأمان الاجتماعي لصالح الأسر ذات الدخل المنخفض، وفرض سياسة نقدية صارمة لكبح التضخم، وتحسين مناخ الأعمال، وتوسيع فرص الحصول على التمويل للمؤسسات الخاصة، ومكافحة الفساد.

ونجحت تونس في الفترة الاخيرة من تأمين كتلة الاجور للاشهر المتبقية من العام الحالي والمقدرة 6.7 مليار دينار، اي بمعدل 1.6 مليار دينار شهريا، وهي مبالغ جلها مأتٍ من الموارد الجبائية للدولة التي سجلت ارتفاعا في النصف الاول من العام الحالي لتبلغ 14.7 مليار دينار، وهذه الارقام تدحض ما تردد مؤخرا حول عدم قدرة الدولة على سداد اجور الموظفين خلال الفترة القادمة.

عجز في توفير نفقات الدولة 

وحسب تقرير صادر عن وزارة المالية، اطلعت عليه "الصباح"، فإن كتلة الاجور لما تبقى من العام متوفرة في خزينة الدولة، الا ان هناك اشكالا يرافق الخزينة العامة للدولة منذ العام الفارط والمتمثل في نفقات الدولة التي بدأت تشهد صعوبات مع منتصف العام الحالي، بالاضافة الى تراجع نفقات الاستثمار الى مستويات متدنية للغاية، أجبرت الدولة على تعليق العشرات من المشاريع في أغلب ولايات الجمهورية.

وعلى مدى الأشهر الأربعة الاخيرة من العام ، تبلغ آجال السداد على الديون الداخلية والخارجية بشكل أساسي 7.3 مليار دينار ، بالإضافة إلى رواتب الخدمة المدنية التي تم تأمينها من سبتمبر إلى ديسمبر بمبلغ إجمالي قدره 6.7 مليار دينار ( 1.6 مليار دينار شهريا) ، في حين مازالت الدولة عاجزة عن توفير النفقات الادارية، وفائدة الدين ، والتي بلغت 5.1 مليار دينار للأشهر الأربعة المقبلة ، أي 1.2 مليار دينار لكل شهر.

وبين سداد الدين الداخلي والخارجي ودفع رواتب الموظفين والمصاريف الأخرى،  ستحتاج الدولة إلى 19 مليار دينار، أي 4.5 مليار دينار شهرياً ، بنهاية العام وذلك وفق الميزانية العامة للدولة لسنة 2021 وباحتساب المعدل الشهري للايرادات والضرائب (المباشرة وغير المباشرة) فإن الدولة قادرة على تأمين 2.4 مليار دينار في المتوسط شهريا وهو مبلغ غير كاف لتأمين احتياجات البلاد المالية والايفاء بالتزاماتها المالية الداخلية والخارجية لما تبقى من العام.

وشهدت أجور الموظفين في تونس في الأشهر الثلاثة الاخيرة جوان وجويلية واوت 2021 تأخيرا في الخلاص، مرده تزامن هذه الفترة مع مواعيد سداد قرضين من العملة الصعبة بقيمة جملية بلغت 2809.8 مليون دينار، الامر الذي اثر نسبيا على السيولة النقدية بالبلاد، وتبلغ قيمة أجور الموظفين في تونس شهريا حوالي 1660 مليون دينار شهريا، كما تبلغ قيمة كتلة الأجور بالنسبة للوظيفة العمومية 20 مليار دينار، أي بنسبة تقارب 38 بالمائة من إجمالي الميزانية (52.6 مليار دينار)، وهي نسبة مرتفعة مقارنة ببقية دول العالم.

وبين اجبارية خلاص الديون الداخلية والخارجية ودفع رواتب الموظفين ومصاريف أخرى فان تونس مطالبة من شهر اوت الى موفى العام الجاري دفع زهاء 19 مليار دينار بمعدل 4.4 مليار دينار شهريا مقابل تحصيل ضرائب مباشرة وغير مباشرة في حدود 2.4 مليار دينار، ووضعت هذه الضغوطات المالية العمومية والبنك المركزي في وضعية حرجة منذ شهر أوت الماضي ، وذلك من اجل تأمين السيولة النقدية في المقام الاول وسداد رواتب الموظفين في المقام الثاني، علما وان حساب الخزينة العامة للبلاد التونسية يشهد تذبذبا على مستوى النفقات من شهر الى آخر.

ارتفاع عدد الموظفين 

وحسب الميزانية التعديلية لعام 2021 التي أصدرتها وزارة المالية التونسية مؤخرا ،عن آخر الارقام الرسمية لعدد الموظفين العامين في البلاد، فقد ارتفع عددهم اليوم ليبلغ 661 ألفاً و703 موظفا موزعين على مختلف الوزارات، بمصالحها المركزية والجهوية وبالمؤسسات الحكومية. وبلغت كتلة أجور الموظفين 20.3 مليار دينار (7.2 مليار دولار) أي ما يعادل حوالى 40 في المائة من إجمالي الميزانية العامة لتونس.

ومازال ملف ارتفاع عدد الموظفين الحكوميين الكبير في تونس يدفع بصراعات سياسية واقتصادية ونقابية،علما وانه حسب القاعدة الاقتصادية فأنه عندما ترتفع نسبة الميزانية من الناتج المحلي الخام، فهذا دليل على أن الاقتصاد يعيش على وقع أزمة خانقة ، وسجلت الميزانية في تونس، ارتفاعا من 7 مليارات دولار في عام 2010 إلى 19.4 مليار دولار في عام 2021، وهو ارتفاع تزامن مع زيادة هائلة في كتلة الأجور التي وصلت الى حدود 40 في المائة من الميزانية العامة. 

تخوفات من تواصل ازمة الاجور

ولمح ، مؤخرا ، عدد من خبراء الاقتصاد لـ"الصباح"، عن تخوفهم من عدم قدرة تونس على مواصلة تامين خلاص أجور الموظفين بداية من السنة القادمة بسبب الصعوبات التي تعرفها البلاد في تعبئة الموارد المالية الضرورية في ظل انسداد الأفق السياسية والمالية، حيث ان توقف المفاوضات تماما مع صندوق النقد الدولي وصعوبة الخروج الى الاسواق المالية الدولية يقلصان من هامش تحرك تونس في توفير الموارد المالية لسنة 2022.

ويحذر جل الخبراء من وجود انسداد مالي لتونس في الفترة القادمة، في ظل الظروف السياسية الاستثنائية التي تمر بها منذ 25 جويلية 2021 إثر اقدام الرئيس قيس سعيد على تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن كل النواب، وهذه الوضعية الاستثنائية تفرض على كل المانحين الدوليين وفي ومقدمتهم صندوق النقد الدولي التريث وانتظار مآل انفراج الأوضاع.

وتضاعفت كتلة الأجور أكثر من ثلاث مرات مقارنة بسنة 2010 إذ لم تتجاوز ستة مليارات دينار سنة 2010، لتبلغ اليوم أكثر من 20 مليار دينار، فيما تحملت الميزانية العامة للدولة وحدها، وزر الضغط الاجتماعي، من خلال فتح باب الانتدابات بشكل عشوائي في القطاع العام لتفادي مزيد من الاحتقان الاجتماعي، كما تحملت تداعيات اتفاقيات الزيادة في الأجور مع الاتحاد العام التونسي للشغل، من دون أن يقابل ذلك نمو اقتصادي، قادر على امتصاص ازمة زيادة العاطلين عن العمل، وهو ما أثر بشكل لافت على ميزانية الدولة للسنة الحالية ، وأيضا للسنوات القادمة. 

 

سفيان المهداوي 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews