إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

اليوم العالمي للمهاجرين.. أزمة حقوقية تتفاقم

يحلّ اليوم العالمي للمهاجرين هذا العام في سياق إقليمي ودولي خانق، حيث تتجاور الأزمات الاقتصادية مع الحروب والنزاعات، وتتقدّم الاعتبارات الأمنية على حساب الكرامة الإنسانية، فيما يبقى المهاجر هو الحلقة الأضعف.

تكشف الوقائع على الأرض اتساع الفجوة بين الخطاب الدولي المطمئن حول حقوق الإنسان وبين الممارسات الفعلية على الحدود وفي مخيمات الإيواء ومراكز الاحتجاز. فصور المهاجرين غير النظاميين العالقين بين البحر واليابسة، أو المحاصَرين في فضاءات مؤقتة تفتقر إلى الحد الأدنى من مقوّمات العيش الكريم، لا تعكس فقط فشلاً جماعياً في إدارة ملف الهجرة، بل تفضح إخفاقاً أخلاقياً في التعامل مع الهجرة كظاهرة إنسانية قبل أن تكون ملفاً أمنياً أو ورقة ضغط سياسية.

 وبينما تشدّد دول الاستقبال إجراءاتها الحدودية وتتبنى سياسات ردع متزايدة القسوة، تجد دول العبور، ومن بينها تونس، نفسها أمام ضغوط تفوق طاقتها الاقتصادية والاجتماعية، في ظل شحّ الموارد وتراجع الدعم الدولي وتنامي توقّعات الشركاء الإقليميين منها بأن تقوم بدور "حارس الحدود" دون توفير شروط ذلك ولا مقوّمات تنميتها الداخلية.

الأرقام الصادرة عن المنظمات الدولية تكشف حجم المأزق، فبحسب المنظمة الدولية للهجرة، يعيش واحد من كل أربعة أشخاص في بيئات هشّة تتسم بالنزاعات أو عدم الاستقرار أو الكوارث.

وفي نهاية عام 2024، بلغ عدد النازحين داخلياً بسبب النزاعات والعنف والكوارث نحو 83.4 مليون شخص، في حين تسبّبت الكوارث وحدها في نزوح 9.8 مليون شخص، بزيادة قدرها 27% مقارنة بعام 2023، مع خسائر اقتصادية عالمية قاربت 242 مليار دولار أمريكي.

ورغم كل التحذيرات، ما تزال مخاطر الهجرة غير النظامية في ارتفاع، مع تسجيل أكثر من 5500 حالة وفاة أو اختفاء خلال عام 2025.

 على الصعيد العالمي، يعيش حوالي 304 ملايين شخص خارج بلدانهم الأصلية، وهو رقم قياسي يعكس اتساع ظاهرة الهجرة لأسباب اقتصادية وتعليمية وأمنية. وفي تونس وحدها، تشير بيانات الأمم المتحدة إلى وجود أكثر من 10 آلاف شخص تم التعرف عليهم كنازحين أو في حاجة إلى حماية دولية حتى مارس 2025، وينحدر أغلبهم من دول ترزح تحت وطأة النزاعات المسلحة أو الأزمات الإنسانية الحادّة.

أما معطيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فتؤكد وجود 117.3 مليون نازح قسري في العالم حتى جوان 2025، من بينهم 67.8 مليون نازح داخلياً، و42.5 مليون لاجئ، و8.42 مليون طالب لجوء يبحثون عن حماية دولية.

أمام هذا الواقع، لم تعد الهجرة خياراً فردياً أو مغامرة شخصية بقدر ما باتت نتيجة مباشرة لانسداد الآفاق في بلدان المنشأ، بفعل البطالة المزمنة، وتداعيات تغيّر المناخ، واستمرار النزاعات المسلحة، والاختلال العميق في توزيع الثروات على الصعيدين الوطني والعالمي. ومن ثَمّ فإن الاقتصار على المقاربات الأمنية لا يمثّل سوى معالجة سطحية للأعراض، دون الاقتراب من الأسباب الجذرية للأزمة.

 في هذا السياق، تعمل تونس، بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة، على تنفيذ برامج للعودة الطوعية مكّنت من إعادة آلاف المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية، مجدّدة رفضها للتحوّل إلى منصّة عبور أو توطين للمهاجرين غير النظاميين، ومطالِبة في المقابل بدعم دولي جديّ وحلول عادلة تشترك في صياغتها دول المنشأ والعبور والاستقبال على حدّ سواء.

كما أبرمت تونس والاتحاد الأوروبي، في جويلية 2023، مذكرة تفاهم لإرساء "شراكة استراتيجية وشاملة " تشمل مجالات التنمية الاقتصادية والطاقات المتجددة ومكافحة الهجرة غير النظامية.
وكشف وزير الخارجية التونسي، محمد علي النفطي، خلال جلسة استماع برلمانية في نوفمبر الماضي، عن تحسّن ملحوظ في إدارة ملف الهجرة غير النظامية، معلناً تأمين العودة الطوعية لنحو 10 آلاف مهاجر غير نظامي من دول إفريقيا جنوب الصحراء خلال سنة 2025 وحدها.
ويبقى اليوم العالمي للمهاجرين، الموافق لـ18 ديسمبر من كل سنة، أكثر من مجرد محطة لاستعراض الأرقام، إذ يمثل دعوة صريحة للمجتمع الدولي لمراجعة سياساته، وتعزيز قنوات الهجرة النظامية، وتحسين آليات التعاون الدولي بما يضمن حماية الحقوق الأساسية للمهاجرين ومعالجة الأسباب الجذرية التي تدفعهم إلى المجازفة بحياتهم.
 ففي عالم تتآكل فيه شبكات الأمان الإنساني، تظل الحاجة ملحّة إلى سياسات أكثر عدلاً وفعالية، خاصة في منطقة حسّاسة مثل حوض البحر الأبيض المتوسط.

منال العابدي

اليوم العالمي للمهاجرين.. أزمة حقوقية تتفاقم

يحلّ اليوم العالمي للمهاجرين هذا العام في سياق إقليمي ودولي خانق، حيث تتجاور الأزمات الاقتصادية مع الحروب والنزاعات، وتتقدّم الاعتبارات الأمنية على حساب الكرامة الإنسانية، فيما يبقى المهاجر هو الحلقة الأضعف.

تكشف الوقائع على الأرض اتساع الفجوة بين الخطاب الدولي المطمئن حول حقوق الإنسان وبين الممارسات الفعلية على الحدود وفي مخيمات الإيواء ومراكز الاحتجاز. فصور المهاجرين غير النظاميين العالقين بين البحر واليابسة، أو المحاصَرين في فضاءات مؤقتة تفتقر إلى الحد الأدنى من مقوّمات العيش الكريم، لا تعكس فقط فشلاً جماعياً في إدارة ملف الهجرة، بل تفضح إخفاقاً أخلاقياً في التعامل مع الهجرة كظاهرة إنسانية قبل أن تكون ملفاً أمنياً أو ورقة ضغط سياسية.

 وبينما تشدّد دول الاستقبال إجراءاتها الحدودية وتتبنى سياسات ردع متزايدة القسوة، تجد دول العبور، ومن بينها تونس، نفسها أمام ضغوط تفوق طاقتها الاقتصادية والاجتماعية، في ظل شحّ الموارد وتراجع الدعم الدولي وتنامي توقّعات الشركاء الإقليميين منها بأن تقوم بدور "حارس الحدود" دون توفير شروط ذلك ولا مقوّمات تنميتها الداخلية.

الأرقام الصادرة عن المنظمات الدولية تكشف حجم المأزق، فبحسب المنظمة الدولية للهجرة، يعيش واحد من كل أربعة أشخاص في بيئات هشّة تتسم بالنزاعات أو عدم الاستقرار أو الكوارث.

وفي نهاية عام 2024، بلغ عدد النازحين داخلياً بسبب النزاعات والعنف والكوارث نحو 83.4 مليون شخص، في حين تسبّبت الكوارث وحدها في نزوح 9.8 مليون شخص، بزيادة قدرها 27% مقارنة بعام 2023، مع خسائر اقتصادية عالمية قاربت 242 مليار دولار أمريكي.

ورغم كل التحذيرات، ما تزال مخاطر الهجرة غير النظامية في ارتفاع، مع تسجيل أكثر من 5500 حالة وفاة أو اختفاء خلال عام 2025.

 على الصعيد العالمي، يعيش حوالي 304 ملايين شخص خارج بلدانهم الأصلية، وهو رقم قياسي يعكس اتساع ظاهرة الهجرة لأسباب اقتصادية وتعليمية وأمنية. وفي تونس وحدها، تشير بيانات الأمم المتحدة إلى وجود أكثر من 10 آلاف شخص تم التعرف عليهم كنازحين أو في حاجة إلى حماية دولية حتى مارس 2025، وينحدر أغلبهم من دول ترزح تحت وطأة النزاعات المسلحة أو الأزمات الإنسانية الحادّة.

أما معطيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فتؤكد وجود 117.3 مليون نازح قسري في العالم حتى جوان 2025، من بينهم 67.8 مليون نازح داخلياً، و42.5 مليون لاجئ، و8.42 مليون طالب لجوء يبحثون عن حماية دولية.

أمام هذا الواقع، لم تعد الهجرة خياراً فردياً أو مغامرة شخصية بقدر ما باتت نتيجة مباشرة لانسداد الآفاق في بلدان المنشأ، بفعل البطالة المزمنة، وتداعيات تغيّر المناخ، واستمرار النزاعات المسلحة، والاختلال العميق في توزيع الثروات على الصعيدين الوطني والعالمي. ومن ثَمّ فإن الاقتصار على المقاربات الأمنية لا يمثّل سوى معالجة سطحية للأعراض، دون الاقتراب من الأسباب الجذرية للأزمة.

 في هذا السياق، تعمل تونس، بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة، على تنفيذ برامج للعودة الطوعية مكّنت من إعادة آلاف المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية، مجدّدة رفضها للتحوّل إلى منصّة عبور أو توطين للمهاجرين غير النظاميين، ومطالِبة في المقابل بدعم دولي جديّ وحلول عادلة تشترك في صياغتها دول المنشأ والعبور والاستقبال على حدّ سواء.

كما أبرمت تونس والاتحاد الأوروبي، في جويلية 2023، مذكرة تفاهم لإرساء "شراكة استراتيجية وشاملة " تشمل مجالات التنمية الاقتصادية والطاقات المتجددة ومكافحة الهجرة غير النظامية.
وكشف وزير الخارجية التونسي، محمد علي النفطي، خلال جلسة استماع برلمانية في نوفمبر الماضي، عن تحسّن ملحوظ في إدارة ملف الهجرة غير النظامية، معلناً تأمين العودة الطوعية لنحو 10 آلاف مهاجر غير نظامي من دول إفريقيا جنوب الصحراء خلال سنة 2025 وحدها.
ويبقى اليوم العالمي للمهاجرين، الموافق لـ18 ديسمبر من كل سنة، أكثر من مجرد محطة لاستعراض الأرقام، إذ يمثل دعوة صريحة للمجتمع الدولي لمراجعة سياساته، وتعزيز قنوات الهجرة النظامية، وتحسين آليات التعاون الدولي بما يضمن حماية الحقوق الأساسية للمهاجرين ومعالجة الأسباب الجذرية التي تدفعهم إلى المجازفة بحياتهم.
 ففي عالم تتآكل فيه شبكات الأمان الإنساني، تظل الحاجة ملحّة إلى سياسات أكثر عدلاً وفعالية، خاصة في منطقة حسّاسة مثل حوض البحر الأبيض المتوسط.

منال العابدي