إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تواصل الإعلان عن نتائج الامتحانات بلغة المستعمر يفضح غياب صدق خطاب السيادة

 

 

الأغلبية الساحقة من التونسيات والتونسيين لا ينظرون إلا بالإيجاب إلى نظام التعليم الثنائي اللغة

الأستاذ الدكتور محمود الذوادي – عالم الاجتماع

تحيز الوزارات للغة المستعمر

نشرت لي جريدة الصباح في شهر جوان 1990 مقالا بعنوان " موليار يعلن عن نتائج الباكالوريا".

تستمر وزارات التربية في عدم استعمال اللغة الوطنية/العربية في التصريح بنتائج هذه الشهادة. أي أن الوزارات فاقدة للوطنية اللغوية لأكثر من ثلاثة عقود لم يحتج فيها معظم الشعب التونسي على عدم احترام اللغة الوطنية. لا يبدو أن الوزيرة الحالية استثناء رغم تصريحاتها المتحمسة للتغيير والعدالة التي تغيب في الإعلان عن نتائج الباكالوريا بلغة المستعمر عوضا عن اللغة الوطنية بالتأكيد، لا يعود مثل هذا السلوك اللغوي الوزاري إلى صعوبة تغيير هذا الأمر البسيط للغاية. وإنما يرجع تواصل استعمال لغة المستعمر إلى ضُعف الوطنية للغة العربية لدى بعض المسئؤولين في الوزارات .. فتغيير الإعلان عن النتائج باللغة العربية أمر سهل. يكفي فقط برمجة الحواسيب باللغة العربية مما تجعلها تكتب بكل دقة وأمانة أسماء التلاميذ الناجحين والفاشلين والمرشحين لإعادة الامتحان وملاحظات نجاحهم إلخ ...فالحواسيب تشتغل بكل اللغات دون أي اعتراض أو تمييز عنصري لغوي إذا أراد الناس ُ استعمال لغاتهم. فالحواسيب تطبق المساواة الكاملة في ترحيبها باستعمال جميع اللغات البشرية. يشير كل ذلك بقوة إلى تواصل تحيز الوزارات إلى لغة المستعمر. والسؤال المشروع: لماذا يتصرف المسئولون في الوزارات المتعاقبة هكذا ولماذا يصمت الرئيس المتحمس للغة العربية عن مسألة مهينة للسيادة الوطنية ولماذا تسكت أغلبية الشعب التونسي عن الدفاع عن لغتها الوطنية ؟ تلك أسئلة لا يطرحها معظم التونسيات والتونسيين لأنهم يغلب عليهم الافتخار بذلك الصمت المتواصل في الحديث والكتابة.

احترام المجتمعات للغاتها

 لا تكاد تُحصى أمثلةُ المجتمعات المتقدمة التي تُستعمل فيها لغاتها الوطنية وحدها في كل شيء. فالوطنية اللغوية في مقاطعة كيباك الناطقة بالفرنسية في كندا جعلت استعمال اللغة الفرنسية في الكتابة أمرا إجباريا في كل شؤون الحياة في المقاطعة. على سبيل المثال، تُمنع كتابةُ ُ كلمة (Stop) باللغة الانقليزية في الشوارع والطرقات وتُكتب بالكلمة الفرنسية فقط (Arrêt). تُعتبر سويسرا مثالا مثاليا لاحترامها للغاتها الأربع : الألمانية والفرنسية والإيطالية والرومانية. فقُسم المجتمع السويسري إلى مناطق لغوية تسمى كونتونات حيث تُستعمل في كل مجموعة من الكونتونات لغتها الخاصة بها في كل شؤون الحياة وتخاطب الحكومة المركزية في العاصمة بارن حكومات الكنتونات بلغاتها المحلية.

غياب "الوطنية اللغوية "

تشير الكثير من الأحداث التونسية ضُعف الاهتمام بالأمور الوطنية وتهميشها في مجلات الرأي العام. فتفضيل استعمال الفرنسية بدل العربية اللغة الوطنية في الإعلان عن نتائج البكلوريا وغيرها يُعتبر نفورا من رحاب الوطنية اللغوية. هناك عوامل عديدة وراء ذلك السلوك:

 1- يفسر ابن خلدون ظاهرة النفور من اللغة الوطنية/ العربية بملاحظته الشهيرة : " المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب".

2- الازدواجية اللغوية الأمارة: أبرز مؤلف كتاب العقل العربي آثار التعليم الثنائي اللغة في المجتمعات العربية على اللغة العربية كما هو الحال في التعليم الصادقي التونسي والتعليم العام بعد الاستقلال. فوجد أن هذين النوعين من التعليم يؤديان عموما إلى الأعراض التالية لدى خريجيهما:

أ ـ الانتماء إلى ثقافتين دون القدرة على تعريف الذات بالانتماء الكامل لأي منهما.ب ـ التذبذب المزدوج يتمثل في رغبتهم كسب علاقة حميمة كاملة مع الغرب ومع مجتمعهم في نفس الوقت دون النجاح في أي منهما.ت ـ يتصف خريجو ذلك التعليم بشخصية منفصمة ناتجة عن معايشة عاملين قويين متعاكسين: الارتباط بالثقافة العربية والانجذاب إلى الثقافة الغربية ث ـ عداء سافر للاستعمار الفرنسي يقابله ترحيب كبير بلغته.

الوطنية المفقودة

تفيد ملاحظات ُ كتاب العقل العربي أن التعليم التونسي المزدوج اللغة لا يساعد على إرساء علاقة حميمة مع اللغة الوطنية/العربية لسبب رئيسي ألا وهو فقدان العلاقة الطبيعية في التدريس باللغة العربية. تعني العلاقة الطبيعية بين الناس ولغاتهم هو استعمالهم للغاتهم فقط شفويا وكتابيا في كل شيء. فالعلاقة الطبيعية مع اللغة تؤدي بقوة إلى وطنية لغوية صلبة في المجتمع.

الحجر اللغوي ونظيره الصحي

تتشابه الظواهر في المجتمعات. فالحجر الصحي الشامل للوقاية من تفشي مرض الكورونا يجد ما يشابهه على مستوى تعلم اللغات. فالحجر اللغوي يعني هنا التدريس باللغة الوطنية فقط في كامل مراحل التعليم حتى نهاية المرحلة الثانوية. فخريجو ما يسمى 'شعبة أ' في مطلع الاستقلال في المجتمع التونسي مثال للحجر اللغوي. لقد درسوا كل المواد باللغة العربية فقط من المرحلة الابتدائية حتى السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية. تفيد الملاحظات الميدانية أنهم أكثر خريجي المدارس التونسية بعد الاستقلال تعاطفا وحماسا نحو استعمال اللغة العربية. أي أن علاقتهم الطبيعية مع اللغة العربية جعلتهم لغويا أكثر وطنية من بقية الخريجين التونسيين. فهم ينظرون بكل عفوية إلى اللغة العربية باعتبارها لغة وطنية لها المكانة الأولى في الاستعمال والاعتزاز والدفاع عنها.

 وهكذا، فإن هيمنة كتابة اللافتات باللغة الفرنسية في الشوارع التونسية واستعمال الأغلبية الساحقة من التونسيات والتونسيين للغة الفرنسية في كتابة صكوكهم المصرفية وغياب الاحتجاجات على اللافتات المكتوبة بالفرنسية فقط في أماكن لا تحصى كلها شهادات ميدانية على ضُعف الوطنية اللغوية أو فقدانها بالكامل في المجتمع التونسي. وهي ظواهر لغوية مرتبطة بغياب ممارسة الحجر اللغوي.

ومن اللافت للنظر هنا أن الأغلبية الساحقة من التونسيات والتونسيين قبل الثورة وبعدها لا ينظرون إلا بإيجاب إلى نظام التعليم الثنائي اللغة كما عرفته التجربة التونسية قبل الاستقلال وبعده. وهي رؤية مبنية على جهل بأبجدية تعلم لغة الغير بطريقة سليمة تحافظ على أولوية استعمال اللغة الوطنية قبل أي لغة أخرى، وهو أمر لا يتحقق بطريقة طبيعية دون الحجر اللغوي.

العهد البورقيبي وغياب الحجر اللغوي

 إن ما يجمع بين شخصيات العهد البورقيبي ومعظم المتعلمين التونسيين هو تعليمهم الثنائي اللغة لصالح لغة المستعمر على حساب اللغة العربية/اللغة الوطنية: تعليم فاقد للحجر اللغوي. وهكذا، فموقف أغلبية التونسيات والتونسيين اليوم يساند نظام التعليم التونسي الثنائي اللغة ويعتبر إيجابيات هذا النظام التعليمي مسلمة من المسلمات غير قابلة للمساءلة والشك. بينما قليل من الوعي والتفكير من طرف هؤلاء ينسف ركائز تلك المسلمة فيفضح معالم بطلانها. مثلا، كيف يعقل أن يقع الاعتقاد إيجابيا في ذلك التعليم الثنائي اللغة والحال أن عددا ضخما من خريجيه ليست لهم علاقة طبيعية مع اللغة العربية/لغتهم الوطنية التي طالما يعتبرونها نفسيا وفي الاستعمال في شؤونهم الشخصية والمجتمعية وكأنها لغة ثانية أو ثالثة. فالتعليم التونسي الثنائي اللغة لا يكاد يحمي التونسيات والتونسيين من معالم الاستلاب اللغوي أو التحرش اللغوي أو الاغتصاب اللغوي. فخريجو المدرسة الصادقية الثنائية اللغوية ونظراؤهم المتعلمون في المدارس والمعاهد والجامعات التونسية في عهد الاستقلال لم يسلموا من تلك المعالم الاستعمارية بسبب فقدانهم لنظام تعليم يكون فيه الحجر اللغوي هو الأساس الطبيعي كما تفعل أنظمة التعليم في المجتمعات المتقدمة على الخصوص. فكذب الادعاء بالتمتع بسلامة الوطنية التونسية الكاملة مع غياب استعمال اللغة الوطنية فقط في الحديث والكتابة في المجتمع المستقل حقا. ينطبق هذا الوضع على الرئيس بورقيبة أعلى سلطة في البلاد وعلى قيادات ' الاستقلال' وأغلبية التونسيات والتونسيين منذ الرحيل المادي اليتيم للمستعمر الفرنسي.

 

 

 

 

 

تواصل الإعلان عن نتائج الامتحانات بلغة المستعمر يفضح غياب صدق خطاب السيادة

 

 

الأغلبية الساحقة من التونسيات والتونسيين لا ينظرون إلا بالإيجاب إلى نظام التعليم الثنائي اللغة

الأستاذ الدكتور محمود الذوادي – عالم الاجتماع

تحيز الوزارات للغة المستعمر

نشرت لي جريدة الصباح في شهر جوان 1990 مقالا بعنوان " موليار يعلن عن نتائج الباكالوريا".

تستمر وزارات التربية في عدم استعمال اللغة الوطنية/العربية في التصريح بنتائج هذه الشهادة. أي أن الوزارات فاقدة للوطنية اللغوية لأكثر من ثلاثة عقود لم يحتج فيها معظم الشعب التونسي على عدم احترام اللغة الوطنية. لا يبدو أن الوزيرة الحالية استثناء رغم تصريحاتها المتحمسة للتغيير والعدالة التي تغيب في الإعلان عن نتائج الباكالوريا بلغة المستعمر عوضا عن اللغة الوطنية بالتأكيد، لا يعود مثل هذا السلوك اللغوي الوزاري إلى صعوبة تغيير هذا الأمر البسيط للغاية. وإنما يرجع تواصل استعمال لغة المستعمر إلى ضُعف الوطنية للغة العربية لدى بعض المسئؤولين في الوزارات .. فتغيير الإعلان عن النتائج باللغة العربية أمر سهل. يكفي فقط برمجة الحواسيب باللغة العربية مما تجعلها تكتب بكل دقة وأمانة أسماء التلاميذ الناجحين والفاشلين والمرشحين لإعادة الامتحان وملاحظات نجاحهم إلخ ...فالحواسيب تشتغل بكل اللغات دون أي اعتراض أو تمييز عنصري لغوي إذا أراد الناس ُ استعمال لغاتهم. فالحواسيب تطبق المساواة الكاملة في ترحيبها باستعمال جميع اللغات البشرية. يشير كل ذلك بقوة إلى تواصل تحيز الوزارات إلى لغة المستعمر. والسؤال المشروع: لماذا يتصرف المسئولون في الوزارات المتعاقبة هكذا ولماذا يصمت الرئيس المتحمس للغة العربية عن مسألة مهينة للسيادة الوطنية ولماذا تسكت أغلبية الشعب التونسي عن الدفاع عن لغتها الوطنية ؟ تلك أسئلة لا يطرحها معظم التونسيات والتونسيين لأنهم يغلب عليهم الافتخار بذلك الصمت المتواصل في الحديث والكتابة.

احترام المجتمعات للغاتها

 لا تكاد تُحصى أمثلةُ المجتمعات المتقدمة التي تُستعمل فيها لغاتها الوطنية وحدها في كل شيء. فالوطنية اللغوية في مقاطعة كيباك الناطقة بالفرنسية في كندا جعلت استعمال اللغة الفرنسية في الكتابة أمرا إجباريا في كل شؤون الحياة في المقاطعة. على سبيل المثال، تُمنع كتابةُ ُ كلمة (Stop) باللغة الانقليزية في الشوارع والطرقات وتُكتب بالكلمة الفرنسية فقط (Arrêt). تُعتبر سويسرا مثالا مثاليا لاحترامها للغاتها الأربع : الألمانية والفرنسية والإيطالية والرومانية. فقُسم المجتمع السويسري إلى مناطق لغوية تسمى كونتونات حيث تُستعمل في كل مجموعة من الكونتونات لغتها الخاصة بها في كل شؤون الحياة وتخاطب الحكومة المركزية في العاصمة بارن حكومات الكنتونات بلغاتها المحلية.

غياب "الوطنية اللغوية "

تشير الكثير من الأحداث التونسية ضُعف الاهتمام بالأمور الوطنية وتهميشها في مجلات الرأي العام. فتفضيل استعمال الفرنسية بدل العربية اللغة الوطنية في الإعلان عن نتائج البكلوريا وغيرها يُعتبر نفورا من رحاب الوطنية اللغوية. هناك عوامل عديدة وراء ذلك السلوك:

 1- يفسر ابن خلدون ظاهرة النفور من اللغة الوطنية/ العربية بملاحظته الشهيرة : " المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب".

2- الازدواجية اللغوية الأمارة: أبرز مؤلف كتاب العقل العربي آثار التعليم الثنائي اللغة في المجتمعات العربية على اللغة العربية كما هو الحال في التعليم الصادقي التونسي والتعليم العام بعد الاستقلال. فوجد أن هذين النوعين من التعليم يؤديان عموما إلى الأعراض التالية لدى خريجيهما:

أ ـ الانتماء إلى ثقافتين دون القدرة على تعريف الذات بالانتماء الكامل لأي منهما.ب ـ التذبذب المزدوج يتمثل في رغبتهم كسب علاقة حميمة كاملة مع الغرب ومع مجتمعهم في نفس الوقت دون النجاح في أي منهما.ت ـ يتصف خريجو ذلك التعليم بشخصية منفصمة ناتجة عن معايشة عاملين قويين متعاكسين: الارتباط بالثقافة العربية والانجذاب إلى الثقافة الغربية ث ـ عداء سافر للاستعمار الفرنسي يقابله ترحيب كبير بلغته.

الوطنية المفقودة

تفيد ملاحظات ُ كتاب العقل العربي أن التعليم التونسي المزدوج اللغة لا يساعد على إرساء علاقة حميمة مع اللغة الوطنية/العربية لسبب رئيسي ألا وهو فقدان العلاقة الطبيعية في التدريس باللغة العربية. تعني العلاقة الطبيعية بين الناس ولغاتهم هو استعمالهم للغاتهم فقط شفويا وكتابيا في كل شيء. فالعلاقة الطبيعية مع اللغة تؤدي بقوة إلى وطنية لغوية صلبة في المجتمع.

الحجر اللغوي ونظيره الصحي

تتشابه الظواهر في المجتمعات. فالحجر الصحي الشامل للوقاية من تفشي مرض الكورونا يجد ما يشابهه على مستوى تعلم اللغات. فالحجر اللغوي يعني هنا التدريس باللغة الوطنية فقط في كامل مراحل التعليم حتى نهاية المرحلة الثانوية. فخريجو ما يسمى 'شعبة أ' في مطلع الاستقلال في المجتمع التونسي مثال للحجر اللغوي. لقد درسوا كل المواد باللغة العربية فقط من المرحلة الابتدائية حتى السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية. تفيد الملاحظات الميدانية أنهم أكثر خريجي المدارس التونسية بعد الاستقلال تعاطفا وحماسا نحو استعمال اللغة العربية. أي أن علاقتهم الطبيعية مع اللغة العربية جعلتهم لغويا أكثر وطنية من بقية الخريجين التونسيين. فهم ينظرون بكل عفوية إلى اللغة العربية باعتبارها لغة وطنية لها المكانة الأولى في الاستعمال والاعتزاز والدفاع عنها.

 وهكذا، فإن هيمنة كتابة اللافتات باللغة الفرنسية في الشوارع التونسية واستعمال الأغلبية الساحقة من التونسيات والتونسيين للغة الفرنسية في كتابة صكوكهم المصرفية وغياب الاحتجاجات على اللافتات المكتوبة بالفرنسية فقط في أماكن لا تحصى كلها شهادات ميدانية على ضُعف الوطنية اللغوية أو فقدانها بالكامل في المجتمع التونسي. وهي ظواهر لغوية مرتبطة بغياب ممارسة الحجر اللغوي.

ومن اللافت للنظر هنا أن الأغلبية الساحقة من التونسيات والتونسيين قبل الثورة وبعدها لا ينظرون إلا بإيجاب إلى نظام التعليم الثنائي اللغة كما عرفته التجربة التونسية قبل الاستقلال وبعده. وهي رؤية مبنية على جهل بأبجدية تعلم لغة الغير بطريقة سليمة تحافظ على أولوية استعمال اللغة الوطنية قبل أي لغة أخرى، وهو أمر لا يتحقق بطريقة طبيعية دون الحجر اللغوي.

العهد البورقيبي وغياب الحجر اللغوي

 إن ما يجمع بين شخصيات العهد البورقيبي ومعظم المتعلمين التونسيين هو تعليمهم الثنائي اللغة لصالح لغة المستعمر على حساب اللغة العربية/اللغة الوطنية: تعليم فاقد للحجر اللغوي. وهكذا، فموقف أغلبية التونسيات والتونسيين اليوم يساند نظام التعليم التونسي الثنائي اللغة ويعتبر إيجابيات هذا النظام التعليمي مسلمة من المسلمات غير قابلة للمساءلة والشك. بينما قليل من الوعي والتفكير من طرف هؤلاء ينسف ركائز تلك المسلمة فيفضح معالم بطلانها. مثلا، كيف يعقل أن يقع الاعتقاد إيجابيا في ذلك التعليم الثنائي اللغة والحال أن عددا ضخما من خريجيه ليست لهم علاقة طبيعية مع اللغة العربية/لغتهم الوطنية التي طالما يعتبرونها نفسيا وفي الاستعمال في شؤونهم الشخصية والمجتمعية وكأنها لغة ثانية أو ثالثة. فالتعليم التونسي الثنائي اللغة لا يكاد يحمي التونسيات والتونسيين من معالم الاستلاب اللغوي أو التحرش اللغوي أو الاغتصاب اللغوي. فخريجو المدرسة الصادقية الثنائية اللغوية ونظراؤهم المتعلمون في المدارس والمعاهد والجامعات التونسية في عهد الاستقلال لم يسلموا من تلك المعالم الاستعمارية بسبب فقدانهم لنظام تعليم يكون فيه الحجر اللغوي هو الأساس الطبيعي كما تفعل أنظمة التعليم في المجتمعات المتقدمة على الخصوص. فكذب الادعاء بالتمتع بسلامة الوطنية التونسية الكاملة مع غياب استعمال اللغة الوطنية فقط في الحديث والكتابة في المجتمع المستقل حقا. ينطبق هذا الوضع على الرئيس بورقيبة أعلى سلطة في البلاد وعلى قيادات ' الاستقلال' وأغلبية التونسيات والتونسيين منذ الرحيل المادي اليتيم للمستعمر الفرنسي.