- نسبة النجاح في دول أخرى تجاوزت الـ90% وإمكانية الوصول لهذا الرقم في تونس واردة جدا
-نسب التفوق العالية مصدر فخر لكن ماذا أعدت البلاد للمتفوقين كي يفيدوا ويستفيدوا
تونس- الصباح
تسجل نتائج امتحان الباكالوريا تحسنا مع الأعوام وترتفع نسب النجاح كما يزداد عدد المتفوقين في الامتحان باستمرار. فقد بلغت نسبة النجاح في الدورة الرئيسية لهذا العام 42,20 بالمائة في حين لم تتجاوز النسبة في السنة الماضية 36،39 وفق ما أكدته وزيرة التربية سلوى العباسي في لقاء إعلامي (الثلاثاء) حول نتائج الدورة الرئيسية لامتحان الباكالوريا 2024.
أما بالنسبة للمتفوقين فقد بلغ عددهم نسبة26،11 بالمائة هذا العام وحصل أكثر من تلميذ على معدل يفوق الـ20 (بفضل المادة الاختيارية التي لا تحسب مع بقية الاعداد). وينتظر أن ترتفع نسبة الناجحين بعد ظهور نتائج دورة التدارك اذ بلغت نسبة المؤجلين هذا العام 31،07 بالمائة وفق نفس المصدر، مع العلم أن نسبة النجاح في دورتي 2023 قد تجاوزت الـ 57 بالمائة وهو ما يرجح أن تكون النسبة أعلى في الدورة الحالية بالنظر الى نتائج الدورة الرئيسية.
وقد شدد الملاحظون على أن نتائج هذا العام تعتبر جيدة من حيث نسب النجاح ونسب المتفوقين ونسب المعدلات الجيدة التي تزداد مع الأعوام ارتفاعا، نتيجة لجهود الاطار التربوي والتلاميذ والعائلات التي تسخر كل الإمكانيات لأبنائها ليس فقط من اجل النجاح وانما أيضا من اجل التفوق والتميز الذي يفتح افاقا افضل للناجحين في الجامعة. غير انه رغم تزايد نسب النجاح، فإننا مازلنا بعيدين عن الأرقام التي تسجل في بلدان متقدمة من بينها فرنسا مثلا التي تتجاوز فيها نسب النجاح في الباكالوريا الـ90بالمائة، كما تصل نسبة النجاح في اسبانيا الى 90 بالمائة وتسجل اغلب البلدان الأوروبية نسبا عالية في امتحان الباكالوريا او شبيهه، مما يعني ان اغلب الدول لا تنظم مناظرات انتقائية وانما تنظم امتحانات يتوفر فيها الحد الأدنى على الأقل من تكافؤ الفرص.
ويبقى التعليم في قلب اهتمامات التونسيين
وان كانت نسب النجاح في البلدان المذكورة وغيرها عالية جدا، فإننا لا نستغرب ان نسجل قريبا بدورنا نسبا مشابهة لأسباب موضوعية:
أولا، ان التعليم العمومي هو تعليم ديمقراطي ومفتوح للجميع وتنتشر المدارس والمعاهد الثانوية في كل مناطق البلاد. وقد راهنت دولة الاستقلال على التعليم العمومي وجعلت تونس بزعامة الرئيس الحبيب بورقيبة، التعليم اجباريا وخصصت له موارد مهمة وبنت الجامعات والمعاهد والكليات وبعثت اقطابا جامعية وهو ما مكن من تكوين نخبة ساعدت في بناء الدولة الفتية.
وواصلت بلادنا المراهنة على التعليم في كل مراحل تقدمها. ورغم كم المشاكل التي عرفتها المدرسة العمومية خاصة في الأعوام الأخيرة ورغم منافسة القطاع الخاص، فإنها تظل متنفسا لنسبة عالية من التونسيين ومازالت المدرسة العمومية تقوم بدور مهم في بناء العقول وفي تكوين النخب وفي الارتقاء الاجتماعي وأرقام الناجحين والمتفوقين في امتحان الباكالوريا من المدارس العمومية هذا العام وككل عام تؤكد ذلك.
ثانيا، تسعى كل العائلات في تونس لتوفير فرص النجاح والتألق لأبنائها ومازالت العائلات تضحي بكل ما لديها ان لزم الامر من اجل توفير لوازم المدرسة، ويعتبر معدل إنفاق العائلات على الدروس الخصوصية بجميع اشكالها المنظمة وغير المنظمة (رغم موقف الدولة المعارض لتمادي الأساتذة في تقديم دروس خصوصية خارج الإطارالمنظم) مرتفعا جدا.
ثالثا، تتطلع العائلات في تونس التي تبدأ في اعداد أبنائها لامتحان الباكالوريا منذ مرحلة التعليم الابتدائي، هذا ان لم يكن منذ مرحلة التحضيري وفق ما جاء في تصريحات احد المتفوقين في الباكالوريا هذا العام، الى تتويج هذه المرحلة – وهي طويلة ومرهقة- بالفوز بشهادة الباكالوريا التي تعتبر تأشيرة العبور الى مراحل التعليم العليا، كما انها تبشر بمستقبل مضمون لأبنائها. ولا ننسى ان الباكالوريا كانت في السابق وقبل ان تكثر مشاكل البطالة كافية لوحدها للظفر بمهنة جيدة.
رابعا، فتحت التكنولوجيا المتطورة وخاصة الثورة التكنولوجية لوسائل الاتصال الجماهيرية الباب امام جميع التلاميذ للحصول على المعارف والمعلومات التي يمكن ان تساعدهم في اعداد امتحان الباكالوريا، وبالتالي لم تعد المعلومات والمعارف حكرا على فئة محظوظة دون غيرها وانما أصبحت مفتوحة للجميع مما يقوي الثقة بحظوظ النجاح لدى فئة أوسع من التلاميذ.
كل ذلك وغيره يجعل فرص النجاح متقاربة ويجعل الفرص متاحة امام التلاميذ الذين يسعون للتفوق خاصة إذا كان المحيط العائلي يشجع على التميز وهو ما يجعلنا نتوقع ان ترتفع نسب النجاح في المستقبل بشكل ملفت.
الفوارق موجودة، ولكن صحيح، مازالت هناك فوارق اجتماعية في تونس ومازالت هناك جهات تتذيل قائمة نسب الناجحين في امتحان الباكالوريا لأسباب نتصور ان الدولة لن تعجز في المستقبل عن إيجاد حلول لها، خاصة انها معروفة وذات صلة بتوفر الإمكانيات وظروف العمل الملائمة، لكن مع الأعوام وبالنظر الى الاعتبارات المذكورة وغيرها، نعتقد اننا سنكون إزاء خط تصاعدي واننا ربما لن نكون بعيدين عن النسب العالية التي تسجلها البلدان المتقدمة التي يجتاز تلاميذها امتحان الباكالوريا او الامتحانات المشابهة. بقي ان الامر يطرح عدة إشكاليات وأولها ماذا اعدت الدولة للمستقبل؟ هل سيتواصل اعتبار الباكالوريا مجرد نهاية مرحلة، أي ختم التعليم الثانوي، ام ستقوم بكل ما يلزم حتى يكون الامتحان أكثر من ذلك وان يكون حلقة ربط بين التعليم الثانوي والتعليم العالي؟ وإذ نطرح السؤال فلأن التعليم العالي في تونس وخاصة في الظروف الحالية لا يبدو وكأنه مرتبط بمرحلة التعليم الثانوي والا بما نفسر نسب الفشل في الجامعة التي تبقى مرتفعة جدا وأيضا نسب الفشل في الاندماج في سوق الشغل بالنسبة للكثير من خريجي الجامعة وخاصة في مجال العلوم الإنسانية.
معضلة البطالة بعد الجامعة
وكلنا يعلم ان لدينا معضلة خطيرة وهي بطالة أصحاب الشهائد العليا، بما في ذلك من يحملون شهادة الدكتوراه وقصة نضال الدكاترة المعطلين عن العمل منذ سنوات معروفة ولم تهتد الدولة الى اليوم الى حلول جذرية للقضية.
طبعا كثيرون طرحوا مشكلة هجرة الأدمغة في تونس وكثيرون تساءلوا عن مستقبل الناجحين في الباكالوريا بتفوق. هل سيعودون الى البلاد بعد دراستهم العليا بالخارج أم ستنتفع بكفاءاتهم كالعادة دول الاستقبال؟ السؤال وجيه بطبيعة الحال. فماذا اعدت الدولة للمتفوقين كي يفيدوا ويستفيدوا وماذا أعدت أيضا للناجحين الذين يفضلون البقاء في بلدهم؟
ما هو مؤكد هو ان بلادنا في حاجة الى رؤية جديدة تقدم حلولا للإشكاليات المطروحة وتوفر أجوبة للأسئلة المعلقة. ونعتقد أن تونس لا تعوزها الخبرات ولا الكفاءات المختصة ولاسيما المطلعة منها على التجارب المقارنة التي قد تفيدنا في قضية الحال، وربما تمكننا من ربح الوقت الذي يضغط بقوة.
وقد تكون نتائج الاستشارة الوطنية حول التعليم (انطلقت في 15 سبتمبر 2023 وتواصلت الى 15 ديسمبر من نفس العام) واهتمت بـ"التربية في الطفولة المبكرة وبرامج التدريس ونظام التقويم والزمن المدرسي والتنسيق بين انظمة التربية والتكوين المهني والتعليم العالي والتكامل بينها وجودة التدريس والتكنولوجيا الرقمية وتكافؤ الفرص والتعلم مدى الحياة"، وفق ما أعلن عنه رسميا، من الورقات التي يمكن الاعتماد عليها في ورشات التفكير حول الرؤية الجديد للباكالوريا، لكن من المهم أن يكون للدولة تصور واضح حول ماذا تريد من التعليم العمومي وماذا تريد من امتحان الباكالوريا بالذات؟ السؤال بالخصوص، بماذا تعد الدولة جحافل الناجحين والمتفوقين الذين يرتفع عددهم مع الأيام؟ فنجاح تلاميذنا وتفوقهم لا يمكن الا ان يكون مصدر فخر، لكنه يطرح إشكاليات تهم بالخصوص مدى وجود افاق لهم في بلادهم، والدولة ملزمة بحلها؟
ما تجاوزته الاحداث
لا نعتقد طبعا، انه من المنطقي ان يقع التشبث بنفس استراتيجيات العمل وقد وصلنا الى مرحلة أصبحت الجامعة منتجة للبطالة حيث لا يجد الآلاف من أصحاب الشهائد العليا، فرصة ملائمة في سوق الشغل، في حين ان كل شيء يدفعنا الى القيام بتغيير منهجي يؤدي الى خلق مناخ يشجع على الخلق والابتكار والمبادرة ويساعد على التخلص من ترسبات الماضي وخاصة من المفاهيم الخاطئة وعقلية الاتكال على الدولة في كل شيء.
لقد كانت المسألة واضحة في السابق وكان التعليم يهدف الى التخلص من الجهل والتخلف وينتج نخبة متعلمة وواعية تساعد في بناء الدولة، أما اليوم فهناك أرقام ومعطيات واعتبارات أخرى ووقائع مختلفة تفرض إعادة النظر في كل ما تجاوزته الاحداث اليوم وحتى ولو اثبت في يوم ما نجاعته، فإن الواقع الجديد يفرض أسلوبا آخر من التفكير والعمل.
وإذا ما عدنا الى نتائج الباكالوريا لهذا العام، فإننا نشير إلى انه معلوم مسبقا ان المتفوقين ستتلقفهم الجامعات الأجنبية وبعض الكليات في تونس التي تشترط معدلا قويا، أما البقية وبمجرد ان تنتهي فرحة النجاح، تفتح امامهم (خاصة من لو يتوجهوا الى الجامعات الخاصة) جبهة أخرى ليست هيّنة بالمرة، وهي جبهة التوجيه الجامعي وتحدياتها واساسا حسن الاختيار.
حياة السايب
- نسبة النجاح في دول أخرى تجاوزت الـ90% وإمكانية الوصول لهذا الرقم في تونس واردة جدا
-نسب التفوق العالية مصدر فخر لكن ماذا أعدت البلاد للمتفوقين كي يفيدوا ويستفيدوا
تونس- الصباح
تسجل نتائج امتحان الباكالوريا تحسنا مع الأعوام وترتفع نسب النجاح كما يزداد عدد المتفوقين في الامتحان باستمرار. فقد بلغت نسبة النجاح في الدورة الرئيسية لهذا العام 42,20 بالمائة في حين لم تتجاوز النسبة في السنة الماضية 36،39 وفق ما أكدته وزيرة التربية سلوى العباسي في لقاء إعلامي (الثلاثاء) حول نتائج الدورة الرئيسية لامتحان الباكالوريا 2024.
أما بالنسبة للمتفوقين فقد بلغ عددهم نسبة26،11 بالمائة هذا العام وحصل أكثر من تلميذ على معدل يفوق الـ20 (بفضل المادة الاختيارية التي لا تحسب مع بقية الاعداد). وينتظر أن ترتفع نسبة الناجحين بعد ظهور نتائج دورة التدارك اذ بلغت نسبة المؤجلين هذا العام 31،07 بالمائة وفق نفس المصدر، مع العلم أن نسبة النجاح في دورتي 2023 قد تجاوزت الـ 57 بالمائة وهو ما يرجح أن تكون النسبة أعلى في الدورة الحالية بالنظر الى نتائج الدورة الرئيسية.
وقد شدد الملاحظون على أن نتائج هذا العام تعتبر جيدة من حيث نسب النجاح ونسب المتفوقين ونسب المعدلات الجيدة التي تزداد مع الأعوام ارتفاعا، نتيجة لجهود الاطار التربوي والتلاميذ والعائلات التي تسخر كل الإمكانيات لأبنائها ليس فقط من اجل النجاح وانما أيضا من اجل التفوق والتميز الذي يفتح افاقا افضل للناجحين في الجامعة. غير انه رغم تزايد نسب النجاح، فإننا مازلنا بعيدين عن الأرقام التي تسجل في بلدان متقدمة من بينها فرنسا مثلا التي تتجاوز فيها نسب النجاح في الباكالوريا الـ90بالمائة، كما تصل نسبة النجاح في اسبانيا الى 90 بالمائة وتسجل اغلب البلدان الأوروبية نسبا عالية في امتحان الباكالوريا او شبيهه، مما يعني ان اغلب الدول لا تنظم مناظرات انتقائية وانما تنظم امتحانات يتوفر فيها الحد الأدنى على الأقل من تكافؤ الفرص.
ويبقى التعليم في قلب اهتمامات التونسيين
وان كانت نسب النجاح في البلدان المذكورة وغيرها عالية جدا، فإننا لا نستغرب ان نسجل قريبا بدورنا نسبا مشابهة لأسباب موضوعية:
أولا، ان التعليم العمومي هو تعليم ديمقراطي ومفتوح للجميع وتنتشر المدارس والمعاهد الثانوية في كل مناطق البلاد. وقد راهنت دولة الاستقلال على التعليم العمومي وجعلت تونس بزعامة الرئيس الحبيب بورقيبة، التعليم اجباريا وخصصت له موارد مهمة وبنت الجامعات والمعاهد والكليات وبعثت اقطابا جامعية وهو ما مكن من تكوين نخبة ساعدت في بناء الدولة الفتية.
وواصلت بلادنا المراهنة على التعليم في كل مراحل تقدمها. ورغم كم المشاكل التي عرفتها المدرسة العمومية خاصة في الأعوام الأخيرة ورغم منافسة القطاع الخاص، فإنها تظل متنفسا لنسبة عالية من التونسيين ومازالت المدرسة العمومية تقوم بدور مهم في بناء العقول وفي تكوين النخب وفي الارتقاء الاجتماعي وأرقام الناجحين والمتفوقين في امتحان الباكالوريا من المدارس العمومية هذا العام وككل عام تؤكد ذلك.
ثانيا، تسعى كل العائلات في تونس لتوفير فرص النجاح والتألق لأبنائها ومازالت العائلات تضحي بكل ما لديها ان لزم الامر من اجل توفير لوازم المدرسة، ويعتبر معدل إنفاق العائلات على الدروس الخصوصية بجميع اشكالها المنظمة وغير المنظمة (رغم موقف الدولة المعارض لتمادي الأساتذة في تقديم دروس خصوصية خارج الإطارالمنظم) مرتفعا جدا.
ثالثا، تتطلع العائلات في تونس التي تبدأ في اعداد أبنائها لامتحان الباكالوريا منذ مرحلة التعليم الابتدائي، هذا ان لم يكن منذ مرحلة التحضيري وفق ما جاء في تصريحات احد المتفوقين في الباكالوريا هذا العام، الى تتويج هذه المرحلة – وهي طويلة ومرهقة- بالفوز بشهادة الباكالوريا التي تعتبر تأشيرة العبور الى مراحل التعليم العليا، كما انها تبشر بمستقبل مضمون لأبنائها. ولا ننسى ان الباكالوريا كانت في السابق وقبل ان تكثر مشاكل البطالة كافية لوحدها للظفر بمهنة جيدة.
رابعا، فتحت التكنولوجيا المتطورة وخاصة الثورة التكنولوجية لوسائل الاتصال الجماهيرية الباب امام جميع التلاميذ للحصول على المعارف والمعلومات التي يمكن ان تساعدهم في اعداد امتحان الباكالوريا، وبالتالي لم تعد المعلومات والمعارف حكرا على فئة محظوظة دون غيرها وانما أصبحت مفتوحة للجميع مما يقوي الثقة بحظوظ النجاح لدى فئة أوسع من التلاميذ.
كل ذلك وغيره يجعل فرص النجاح متقاربة ويجعل الفرص متاحة امام التلاميذ الذين يسعون للتفوق خاصة إذا كان المحيط العائلي يشجع على التميز وهو ما يجعلنا نتوقع ان ترتفع نسب النجاح في المستقبل بشكل ملفت.
الفوارق موجودة، ولكن صحيح، مازالت هناك فوارق اجتماعية في تونس ومازالت هناك جهات تتذيل قائمة نسب الناجحين في امتحان الباكالوريا لأسباب نتصور ان الدولة لن تعجز في المستقبل عن إيجاد حلول لها، خاصة انها معروفة وذات صلة بتوفر الإمكانيات وظروف العمل الملائمة، لكن مع الأعوام وبالنظر الى الاعتبارات المذكورة وغيرها، نعتقد اننا سنكون إزاء خط تصاعدي واننا ربما لن نكون بعيدين عن النسب العالية التي تسجلها البلدان المتقدمة التي يجتاز تلاميذها امتحان الباكالوريا او الامتحانات المشابهة. بقي ان الامر يطرح عدة إشكاليات وأولها ماذا اعدت الدولة للمستقبل؟ هل سيتواصل اعتبار الباكالوريا مجرد نهاية مرحلة، أي ختم التعليم الثانوي، ام ستقوم بكل ما يلزم حتى يكون الامتحان أكثر من ذلك وان يكون حلقة ربط بين التعليم الثانوي والتعليم العالي؟ وإذ نطرح السؤال فلأن التعليم العالي في تونس وخاصة في الظروف الحالية لا يبدو وكأنه مرتبط بمرحلة التعليم الثانوي والا بما نفسر نسب الفشل في الجامعة التي تبقى مرتفعة جدا وأيضا نسب الفشل في الاندماج في سوق الشغل بالنسبة للكثير من خريجي الجامعة وخاصة في مجال العلوم الإنسانية.
معضلة البطالة بعد الجامعة
وكلنا يعلم ان لدينا معضلة خطيرة وهي بطالة أصحاب الشهائد العليا، بما في ذلك من يحملون شهادة الدكتوراه وقصة نضال الدكاترة المعطلين عن العمل منذ سنوات معروفة ولم تهتد الدولة الى اليوم الى حلول جذرية للقضية.
طبعا كثيرون طرحوا مشكلة هجرة الأدمغة في تونس وكثيرون تساءلوا عن مستقبل الناجحين في الباكالوريا بتفوق. هل سيعودون الى البلاد بعد دراستهم العليا بالخارج أم ستنتفع بكفاءاتهم كالعادة دول الاستقبال؟ السؤال وجيه بطبيعة الحال. فماذا اعدت الدولة للمتفوقين كي يفيدوا ويستفيدوا وماذا أعدت أيضا للناجحين الذين يفضلون البقاء في بلدهم؟
ما هو مؤكد هو ان بلادنا في حاجة الى رؤية جديدة تقدم حلولا للإشكاليات المطروحة وتوفر أجوبة للأسئلة المعلقة. ونعتقد أن تونس لا تعوزها الخبرات ولا الكفاءات المختصة ولاسيما المطلعة منها على التجارب المقارنة التي قد تفيدنا في قضية الحال، وربما تمكننا من ربح الوقت الذي يضغط بقوة.
وقد تكون نتائج الاستشارة الوطنية حول التعليم (انطلقت في 15 سبتمبر 2023 وتواصلت الى 15 ديسمبر من نفس العام) واهتمت بـ"التربية في الطفولة المبكرة وبرامج التدريس ونظام التقويم والزمن المدرسي والتنسيق بين انظمة التربية والتكوين المهني والتعليم العالي والتكامل بينها وجودة التدريس والتكنولوجيا الرقمية وتكافؤ الفرص والتعلم مدى الحياة"، وفق ما أعلن عنه رسميا، من الورقات التي يمكن الاعتماد عليها في ورشات التفكير حول الرؤية الجديد للباكالوريا، لكن من المهم أن يكون للدولة تصور واضح حول ماذا تريد من التعليم العمومي وماذا تريد من امتحان الباكالوريا بالذات؟ السؤال بالخصوص، بماذا تعد الدولة جحافل الناجحين والمتفوقين الذين يرتفع عددهم مع الأيام؟ فنجاح تلاميذنا وتفوقهم لا يمكن الا ان يكون مصدر فخر، لكنه يطرح إشكاليات تهم بالخصوص مدى وجود افاق لهم في بلادهم، والدولة ملزمة بحلها؟
ما تجاوزته الاحداث
لا نعتقد طبعا، انه من المنطقي ان يقع التشبث بنفس استراتيجيات العمل وقد وصلنا الى مرحلة أصبحت الجامعة منتجة للبطالة حيث لا يجد الآلاف من أصحاب الشهائد العليا، فرصة ملائمة في سوق الشغل، في حين ان كل شيء يدفعنا الى القيام بتغيير منهجي يؤدي الى خلق مناخ يشجع على الخلق والابتكار والمبادرة ويساعد على التخلص من ترسبات الماضي وخاصة من المفاهيم الخاطئة وعقلية الاتكال على الدولة في كل شيء.
لقد كانت المسألة واضحة في السابق وكان التعليم يهدف الى التخلص من الجهل والتخلف وينتج نخبة متعلمة وواعية تساعد في بناء الدولة، أما اليوم فهناك أرقام ومعطيات واعتبارات أخرى ووقائع مختلفة تفرض إعادة النظر في كل ما تجاوزته الاحداث اليوم وحتى ولو اثبت في يوم ما نجاعته، فإن الواقع الجديد يفرض أسلوبا آخر من التفكير والعمل.
وإذا ما عدنا الى نتائج الباكالوريا لهذا العام، فإننا نشير إلى انه معلوم مسبقا ان المتفوقين ستتلقفهم الجامعات الأجنبية وبعض الكليات في تونس التي تشترط معدلا قويا، أما البقية وبمجرد ان تنتهي فرحة النجاح، تفتح امامهم (خاصة من لو يتوجهوا الى الجامعات الخاصة) جبهة أخرى ليست هيّنة بالمرة، وهي جبهة التوجيه الجامعي وتحدياتها واساسا حسن الاختيار.