إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

افتتاحية "الصباح:.. شراكة وليست وصاية!

 

العلاقات الدولية لا تحكمها العواطف أو الإعجاب المتبادل بين القادة، بل تحكمها مصالح الدول والشعوب ومدى تقاطعها وتقاربها..

حيث يكون التقاطع والتقارب تحت بند المصلحة المتبادلة بالأساس، ولكن غياب تلك المصلحة لا يعني التنافر والعداء بقدر ما يفرض احترام سيادة الدول وخيارات شعوبها.. غير أنه وفي ممارسة هذه العلاقات الدولية نجد بعض القوى تحاول الدفاع عن مصلحتها بتوظيف شعارات رنانة أو بتصيّد الأخطاء حتى تبقي دولا وشعوبا تحت وصايتها وتبعيتها واستغلالها!

وموقف جوزيب بوريل، المفوّض الأعلى للشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، الأخير، لم يشذ عن قاعدة المحاولات الأوروبية المتواصلة لفرض الوصاية وتكريس التبعية وترسيخها على بعض الدول وخاصة المستعمرات القديمة.. جوزيب بوريل أعرب عن قلقه من تقارب تونس مع إيران والصين وروسيا، ودعا إلى تقييم هذا التقارب وتطوّره، بما يتجاوز صلاحياته وحدود اللياقة الديبلوماسية..

 فتونس حتى لو كانت في شراكة استراتيجية متطورة مع الاتحاد الأوروبي، فإن ذلك لا يمنح الحق لهذه الدول الأوروبية بمعاملتنا وكأننا تحت الوصاية، ولا يجب أن نرى العالم إلا من خلال ما يراه الشركاء في شمال المتوسّط، ناهيك وأن اتفاقية الشراكة اليوم مع الاتحاد الأوروبي وبعد عقود من الاتفاق تحتاج إلى مراجعة عميقة تضمن التكافؤ والعدالة والندية وفق مصلحة الشريكين وليس فقط وفق مصلحة الطرف الأقوى، وهو الأمر الذي تكرّسه الاتفاقية من خلال إنصافها للطرف الأوروبي أكثر والانحياز الواضح له، في حين لم يستفد الاقتصاد الوطني من هذه الاتفاقية كما يجب ولم يطوّر من نفسه، ولم يبرز رأس مال وطني قوّي وقادر على المنافسة بجدية في الأسواق الأوروبية وفي مختلف المجالات.

اليوم لا يمكن إهمال المتغيرات العميقة التي يمرّ بها العالم ويعيشها كل يوم، وهذه المتغيرات خلقت أسبابا جديدة للقوّة، وللأهمية على مستوى الإقليمي والدولي، ومن بين هذه الأسباب، المعطى الجغرافي الذي يمنح أهمية مضاعفة للدول.. وتونس من الدول التي يجب أن تستفيد من موقعها كبوابة لإفريقيا وكذلك كنقطة انطلاق مهمة باتجاه الشمال وباتجاه أوروبا وهي اليوم بتوجّهها شرقا تحاول تنويع شركائها والاستفادة من موقعها في الجغرافيا السياسية، إقليميا ودوليا..

لكن هذه الخيارات الجديدة يبدو أنها استفزّت الشريك الأوروبي من خلال تصريحات بوريل المستفزّة والتي أتى الرد بشأنها سريعا من سفارتنا ببروكسيل التي أكّدت أن تونس تسيّر علاقاتها مع مختلف شركائها باستقلالية، وأن تصريحات بوريل لن تلطّخ الشراكة التونسية الأوروبية..، إلا أن ذلك لا يجب أن يحجب مسألة مهمة وهي أن الصراع الدولي المحتدم اليوم بقوة بين الغرب والشرق وأساسا بين الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا من جهة وبين روسيا والصين وإيران وبقية الدول الراغبة في نظام دولي جديد يكون أكثر عدلا وإنصافا، بدأ يسحب في طريقه كل تقارب لهذا الطرف أو ذاك ويخلق وضعا عدائيا في العلاقات الدولية..

ودولة كتونس، في وضع اقتصادي هشّ، تحتاج أن تحسب خطواتها بشكل جيّد وتأخذ بعين الاعتبار نتيجة كل خطوة تقوم بها في أي اتجاه، دون التنازل عن سيادتها التي تسمح لها بتنويع الشركاء وليس البقاء تحت وصاية طرف بعينه باسم الشراكة الاستراتيجية!

منية العرفاوي

 

 

 

 

 

 

العلاقات الدولية لا تحكمها العواطف أو الإعجاب المتبادل بين القادة، بل تحكمها مصالح الدول والشعوب ومدى تقاطعها وتقاربها..

حيث يكون التقاطع والتقارب تحت بند المصلحة المتبادلة بالأساس، ولكن غياب تلك المصلحة لا يعني التنافر والعداء بقدر ما يفرض احترام سيادة الدول وخيارات شعوبها.. غير أنه وفي ممارسة هذه العلاقات الدولية نجد بعض القوى تحاول الدفاع عن مصلحتها بتوظيف شعارات رنانة أو بتصيّد الأخطاء حتى تبقي دولا وشعوبا تحت وصايتها وتبعيتها واستغلالها!

وموقف جوزيب بوريل، المفوّض الأعلى للشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، الأخير، لم يشذ عن قاعدة المحاولات الأوروبية المتواصلة لفرض الوصاية وتكريس التبعية وترسيخها على بعض الدول وخاصة المستعمرات القديمة.. جوزيب بوريل أعرب عن قلقه من تقارب تونس مع إيران والصين وروسيا، ودعا إلى تقييم هذا التقارب وتطوّره، بما يتجاوز صلاحياته وحدود اللياقة الديبلوماسية..

 فتونس حتى لو كانت في شراكة استراتيجية متطورة مع الاتحاد الأوروبي، فإن ذلك لا يمنح الحق لهذه الدول الأوروبية بمعاملتنا وكأننا تحت الوصاية، ولا يجب أن نرى العالم إلا من خلال ما يراه الشركاء في شمال المتوسّط، ناهيك وأن اتفاقية الشراكة اليوم مع الاتحاد الأوروبي وبعد عقود من الاتفاق تحتاج إلى مراجعة عميقة تضمن التكافؤ والعدالة والندية وفق مصلحة الشريكين وليس فقط وفق مصلحة الطرف الأقوى، وهو الأمر الذي تكرّسه الاتفاقية من خلال إنصافها للطرف الأوروبي أكثر والانحياز الواضح له، في حين لم يستفد الاقتصاد الوطني من هذه الاتفاقية كما يجب ولم يطوّر من نفسه، ولم يبرز رأس مال وطني قوّي وقادر على المنافسة بجدية في الأسواق الأوروبية وفي مختلف المجالات.

اليوم لا يمكن إهمال المتغيرات العميقة التي يمرّ بها العالم ويعيشها كل يوم، وهذه المتغيرات خلقت أسبابا جديدة للقوّة، وللأهمية على مستوى الإقليمي والدولي، ومن بين هذه الأسباب، المعطى الجغرافي الذي يمنح أهمية مضاعفة للدول.. وتونس من الدول التي يجب أن تستفيد من موقعها كبوابة لإفريقيا وكذلك كنقطة انطلاق مهمة باتجاه الشمال وباتجاه أوروبا وهي اليوم بتوجّهها شرقا تحاول تنويع شركائها والاستفادة من موقعها في الجغرافيا السياسية، إقليميا ودوليا..

لكن هذه الخيارات الجديدة يبدو أنها استفزّت الشريك الأوروبي من خلال تصريحات بوريل المستفزّة والتي أتى الرد بشأنها سريعا من سفارتنا ببروكسيل التي أكّدت أن تونس تسيّر علاقاتها مع مختلف شركائها باستقلالية، وأن تصريحات بوريل لن تلطّخ الشراكة التونسية الأوروبية..، إلا أن ذلك لا يجب أن يحجب مسألة مهمة وهي أن الصراع الدولي المحتدم اليوم بقوة بين الغرب والشرق وأساسا بين الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا من جهة وبين روسيا والصين وإيران وبقية الدول الراغبة في نظام دولي جديد يكون أكثر عدلا وإنصافا، بدأ يسحب في طريقه كل تقارب لهذا الطرف أو ذاك ويخلق وضعا عدائيا في العلاقات الدولية..

ودولة كتونس، في وضع اقتصادي هشّ، تحتاج أن تحسب خطواتها بشكل جيّد وتأخذ بعين الاعتبار نتيجة كل خطوة تقوم بها في أي اتجاه، دون التنازل عن سيادتها التي تسمح لها بتنويع الشركاء وليس البقاء تحت وصاية طرف بعينه باسم الشراكة الاستراتيجية!

منية العرفاوي