إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

افتتاحية "الصباح".. أعطاب "المصعد الاجتماعي"..

 

في غمرة النجاح والاحتفاء بالمتفوقين في امتحان الباكالوريا لا يجب أن ننسى أسباب الإخفاق في نيل هذه الشهادة، ولا الولايات التي تتذيّل منذ سنوات أسفل ترتيب نسب النجاح، ولا تراجع الإقبال على الشعب العلمية، ولا رغبة أغلب المتفوقين في استكمال تعليمهم في جامعات خارج الوطن، في الجامعات الأجنبية وخاصة الأوروبية منها..

فكل ذلك يطرح أسئلة عميقة وحاسمة في التأسيس لمسارات تعليمية وبيداغوجية جديدة، تكون فعلا، منتجة للمعرفة والثقافة والتميّز العلمي والاكاديمي القادر على التغيير والتأثير في المجتمع، وليس فقط مسارا للحصول على شهائد جامعية ترفع الأمية والجهل وتخرّج متعلمين.. ولكن لا تتقدّم بالبلاد!

ورغم الاهتمام الكبير والمتواصل للعائلات التونسية بالتعليم والتمدرّس وتكريس كل إمكانياتها المادية من أجل تحقيق النجاح، إلا أن السؤال المهم الذي يجب طرحه بجرأة، هل ما زالت الأجيال الجديدة تؤمن فعلا بالنجاح والتفوّق المدرسي كقيمة ثابتة في تحقيق الذات وكمصعد اجتماعي قادر على تغيير حياتها نحو الأفضل؟

نطرح هذا السؤال مع انتشار ثقافة »التكبيس «والتكسّب السهل لكل أسباب الرفاه الاجتماعي وتحقيق الشهرة وانتشار ظاهرة »المؤثرين «على مواقع التواصل الاجتماعي بكل ما يمثلونه من أمثلة جديدة تؤثّر في جمهور الشباب والمراهقين من الذين تبهرهم تلك الحياة المصطنعة التي تلمع بإبهار وتضمن كسب المال بأسهل الطرق ودون اشتراط للمستوى العلمي ولا المعرفي..

وهذه الظاهرة التي تقوم على التسوّل الافتراضي وإنتاج المضامين التافهة واستعراض الحياة الخاصة وإلغاء الخصوصية على هذه المواقع، باتت تؤثّر في أغلب المراهقين وتغذّي قناعة مغلوطة لا يمكن إنكارها، تقوم على اعتبار أن الدراسة والنجاح طريق مرهق وطويل وغير كاف لتغيير الواقع وصنع حياة بكل ذلك البهرج الموجود على "السوشيال ميديا"..

وهذه القناعة تساهم بشكل أو بآخر في الإخفاق المدرسي وفي تراجع النتائج، وفي تراجع الاهتمام بالدراسة كطريق للتميّز ولخلق جيل متوازن وناجح، بالإضافة إلى وجود منظومة تربوية فاشلة بالأساس وغير قادرة على انتاج المعرفة، فمن الشجاعة الاعتراف اليوم بالإشكاليات العميقة التي تكبّل المنظومة التربوية من تأطير وبيداغوجيا وإحاطة بالتلاميذ..

فالوسط المدرسي لم يعد في الأغلب فضاء آمنا للأطفال في ذلك العمر الحرج، وتحوّلت بعض المؤسسات إلى بيئة موبوءة تنتعش فيها كل السلوكيات المنحرفة، ومواصلة تجاهل هذا المعطى دون وضع إستراتيجية واضحة لمعالجة اخلالات المنظومة التربوية لن يفضي الا لمزيد من الفشل وإلى انهيار أكثر في منظومة التعليم العمومي التي تواجه منافسة قوية من التعليم الخاص في السنوات الأخيرة، بما يهدد بنسف مبدأ مجانية التعليم الذي بدأ يتآكل في السنوات الأخيرة بفعل الدروس الخصوصية التي تحوّلت الى شرّ لا بد منه، والى مصدر استرزاق للكثيرين دون أن تكون هناك نجاعة وفعالية في تحسين المستوى الدراسي حيث أصبحت هذه الدروس، طريقا للحصول على الأعداد الجيدة وليس طريقا لتحسين مستوى التلاميذ العلمي والمعرفي!

وأمام كل هذه الاخلالات المنهجية والتربوية والاجتماعية يجب التفكير بجدية في نظام تعليمي جديد يعيد إلى المدرسة هيبتها وللتعليم وقاره وتستعيد الجامعة فيما بعد قدرتها على إنتاج المعرفة لا فقط تخريج جيل من المتعلمين!

منية العرفاوي

 

 

 

 

 

 

في غمرة النجاح والاحتفاء بالمتفوقين في امتحان الباكالوريا لا يجب أن ننسى أسباب الإخفاق في نيل هذه الشهادة، ولا الولايات التي تتذيّل منذ سنوات أسفل ترتيب نسب النجاح، ولا تراجع الإقبال على الشعب العلمية، ولا رغبة أغلب المتفوقين في استكمال تعليمهم في جامعات خارج الوطن، في الجامعات الأجنبية وخاصة الأوروبية منها..

فكل ذلك يطرح أسئلة عميقة وحاسمة في التأسيس لمسارات تعليمية وبيداغوجية جديدة، تكون فعلا، منتجة للمعرفة والثقافة والتميّز العلمي والاكاديمي القادر على التغيير والتأثير في المجتمع، وليس فقط مسارا للحصول على شهائد جامعية ترفع الأمية والجهل وتخرّج متعلمين.. ولكن لا تتقدّم بالبلاد!

ورغم الاهتمام الكبير والمتواصل للعائلات التونسية بالتعليم والتمدرّس وتكريس كل إمكانياتها المادية من أجل تحقيق النجاح، إلا أن السؤال المهم الذي يجب طرحه بجرأة، هل ما زالت الأجيال الجديدة تؤمن فعلا بالنجاح والتفوّق المدرسي كقيمة ثابتة في تحقيق الذات وكمصعد اجتماعي قادر على تغيير حياتها نحو الأفضل؟

نطرح هذا السؤال مع انتشار ثقافة »التكبيس «والتكسّب السهل لكل أسباب الرفاه الاجتماعي وتحقيق الشهرة وانتشار ظاهرة »المؤثرين «على مواقع التواصل الاجتماعي بكل ما يمثلونه من أمثلة جديدة تؤثّر في جمهور الشباب والمراهقين من الذين تبهرهم تلك الحياة المصطنعة التي تلمع بإبهار وتضمن كسب المال بأسهل الطرق ودون اشتراط للمستوى العلمي ولا المعرفي..

وهذه الظاهرة التي تقوم على التسوّل الافتراضي وإنتاج المضامين التافهة واستعراض الحياة الخاصة وإلغاء الخصوصية على هذه المواقع، باتت تؤثّر في أغلب المراهقين وتغذّي قناعة مغلوطة لا يمكن إنكارها، تقوم على اعتبار أن الدراسة والنجاح طريق مرهق وطويل وغير كاف لتغيير الواقع وصنع حياة بكل ذلك البهرج الموجود على "السوشيال ميديا"..

وهذه القناعة تساهم بشكل أو بآخر في الإخفاق المدرسي وفي تراجع النتائج، وفي تراجع الاهتمام بالدراسة كطريق للتميّز ولخلق جيل متوازن وناجح، بالإضافة إلى وجود منظومة تربوية فاشلة بالأساس وغير قادرة على انتاج المعرفة، فمن الشجاعة الاعتراف اليوم بالإشكاليات العميقة التي تكبّل المنظومة التربوية من تأطير وبيداغوجيا وإحاطة بالتلاميذ..

فالوسط المدرسي لم يعد في الأغلب فضاء آمنا للأطفال في ذلك العمر الحرج، وتحوّلت بعض المؤسسات إلى بيئة موبوءة تنتعش فيها كل السلوكيات المنحرفة، ومواصلة تجاهل هذا المعطى دون وضع إستراتيجية واضحة لمعالجة اخلالات المنظومة التربوية لن يفضي الا لمزيد من الفشل وإلى انهيار أكثر في منظومة التعليم العمومي التي تواجه منافسة قوية من التعليم الخاص في السنوات الأخيرة، بما يهدد بنسف مبدأ مجانية التعليم الذي بدأ يتآكل في السنوات الأخيرة بفعل الدروس الخصوصية التي تحوّلت الى شرّ لا بد منه، والى مصدر استرزاق للكثيرين دون أن تكون هناك نجاعة وفعالية في تحسين المستوى الدراسي حيث أصبحت هذه الدروس، طريقا للحصول على الأعداد الجيدة وليس طريقا لتحسين مستوى التلاميذ العلمي والمعرفي!

وأمام كل هذه الاخلالات المنهجية والتربوية والاجتماعية يجب التفكير بجدية في نظام تعليمي جديد يعيد إلى المدرسة هيبتها وللتعليم وقاره وتستعيد الجامعة فيما بعد قدرتها على إنتاج المعرفة لا فقط تخريج جيل من المتعلمين!

منية العرفاوي