إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

افتتاحية "الصباح".. أعيادنا؟!

 

تعتبر الأعياد الوطنية والدينية جزءا من هويتنا وثقافتنا وهي دليل على وجود روابط قوية تجمع أبناء الشعب الواحد. ولئن تقلصت الحماسة مع الأيام لإحياء الأعياد الوطنية لأسباب جديرة بالدراسة، فإن الأعياد الدينية تظل في عمق اهتمامات التونسيين.

عيد الفطر وعيد الأضحى ورأس السنة الهجرية والمولد النبوي الشريف، كلها أعياد دينية يستعد لها التونسيون جيدا ويعدون لها العدة، لكن بات واضحا أن طرق احتفالاتنا المثيرة للتساؤلات والحيرة، تهدد بأن تحيد بها عن جوهرها.

وقد لا نبالغ عندما نقول إن هذه الأعياد أصبحت تمثل مصدر قلق لدى عدد متزايد من العائلات لأنها تتطلب إمكانيات مادية لا قدرة للجميع على مواجهتها. فعيد الفطر يعني كسوة العيد للأطفال وقد أصبحت أثمانها تفوق طاقة متوسطي الدخل بكثير، لاسيما أن تجار الملابس لا يترددون في استغلال المناسبة للترفيع في الأسعار. عيد الفطر يعني كذلك حلويات العيد الفاخرة التي تتطلب ثروة صغيرة نظرا لأسعارها المشطة. وقد ولى ذلك العهد الذي كانت فيه العائلات تقنع بما هو موجود.

عيد الأضحى الذي احتفلنا به هذه الأيام أصبح يتطلب بدوره ميزانية خاصة قد لا تتوفر دائما بسهولة لدى الجميع خاصة مع غلاء أسعار الأضاحي التي لا تتلاءم مع مداخيل عموم التونسيين، وبعض العائلات تجد نفسها بالمناسبة في حالة تدعو الى الإشفاق.

أما المولد النبوي الشريف الذي احتل مع الأعوام مكانة هامة في سلم الاحتفالات بالأعياد الدينية في بلادنا، فهو أيضا أصبح يرهق ميزانية العائلات حيث يتطلب طبق الحلويات – العصيدة- الذي يعدّ بالمناسبة، تكاليف مجحفة، لكنها ليست كافية لجعل التونسيين يصرفون عنه النظر، بل أصبح هذا الطبق مع الأعوام يكتسي قدسيّة تفوق أحيانا قدسية الحدث الفعلي وهو مولد الرسول صلى الله عليه. وتتجند في كثير من الأحيان الدولة لتوفير، "الزقوقو" (الصنوبر الحلبي) في الأسواق وهو المادة الأساسية المكونة لطبق الحلويات المشهود، والتي تقفز أسعارها كالعادة مع اقتراب موعد الاحتفالات. ليس هذا فحسب وإنما تتفنن العائلات المترفة في إدخال عادات استهلاكية جديدة بنفس المناسبة باستعمال فواكه جافة أخرى كثيرا ما تكون أغلى ثمنا. وليت الأمر يقف عند بعض العائلات، وإنما سرعان ما تنتقل الموضة الى البقية وتتحول الى عبارة عن قانون يسري على الجميع وويله من يحافظ على العادات الاحتفالية البسيطة. سيشار إليه بالبنان وربما تندلع أزمة داخل العائلة بسبب ذلك.

وقد لا يحتاج الاحتفال برأس السنة الهجرية الى تكاليف كثيرة لكنه يظل مرتبطا بدوره بالاستهلاك وبأكلات معينة. وبما أننا شعب خلاق، فإننا نجد دائما من يبدع ويمكن ان يخرج علينا بتقاليع جديدة قد تتحول سريعا الى عادات يتبعها الجميع.

وربما، لا نبالغ عندما نقول إن أعيادنا تكاد تكون بلا طعم رغم المغالاة في الإنفاق ورغم توفر أصناف عديدة من الأطعمة والحلويات الفاخرة، لأن الأصل في الأشياء ليس الإنفاق والإسراف في ذلك. وكل شيء يحيد عن هدفه يفقد طعمه. وواضح أن هناك خللا ما في طرق احتفالاتنا بأعيادنا يجعلنا نخشى أن ننسى مع الوقت لماذا نحتفل أصلا، لسبب بسيط وهو التركيز الكلي على الشكل على حساب جوهر الحدث.

والأكيد أن المشكل ليس في الأعياد في حد ذاتها لأنها تظل مناسبة للفرحة وطبعا لإحياء مشاعر الانتماء الوطني وإذكاء شعلة الإيمان، وإنما المشكل هو في أسلوبنا في الاحتفالات التي تبقى مادية بحتة واستهلاكية صرفة وذلك على حساب الجوهر، والمضمون، والهدف والرمزية.

حياة السايب

 

 

 

 

تعتبر الأعياد الوطنية والدينية جزءا من هويتنا وثقافتنا وهي دليل على وجود روابط قوية تجمع أبناء الشعب الواحد. ولئن تقلصت الحماسة مع الأيام لإحياء الأعياد الوطنية لأسباب جديرة بالدراسة، فإن الأعياد الدينية تظل في عمق اهتمامات التونسيين.

عيد الفطر وعيد الأضحى ورأس السنة الهجرية والمولد النبوي الشريف، كلها أعياد دينية يستعد لها التونسيون جيدا ويعدون لها العدة، لكن بات واضحا أن طرق احتفالاتنا المثيرة للتساؤلات والحيرة، تهدد بأن تحيد بها عن جوهرها.

وقد لا نبالغ عندما نقول إن هذه الأعياد أصبحت تمثل مصدر قلق لدى عدد متزايد من العائلات لأنها تتطلب إمكانيات مادية لا قدرة للجميع على مواجهتها. فعيد الفطر يعني كسوة العيد للأطفال وقد أصبحت أثمانها تفوق طاقة متوسطي الدخل بكثير، لاسيما أن تجار الملابس لا يترددون في استغلال المناسبة للترفيع في الأسعار. عيد الفطر يعني كذلك حلويات العيد الفاخرة التي تتطلب ثروة صغيرة نظرا لأسعارها المشطة. وقد ولى ذلك العهد الذي كانت فيه العائلات تقنع بما هو موجود.

عيد الأضحى الذي احتفلنا به هذه الأيام أصبح يتطلب بدوره ميزانية خاصة قد لا تتوفر دائما بسهولة لدى الجميع خاصة مع غلاء أسعار الأضاحي التي لا تتلاءم مع مداخيل عموم التونسيين، وبعض العائلات تجد نفسها بالمناسبة في حالة تدعو الى الإشفاق.

أما المولد النبوي الشريف الذي احتل مع الأعوام مكانة هامة في سلم الاحتفالات بالأعياد الدينية في بلادنا، فهو أيضا أصبح يرهق ميزانية العائلات حيث يتطلب طبق الحلويات – العصيدة- الذي يعدّ بالمناسبة، تكاليف مجحفة، لكنها ليست كافية لجعل التونسيين يصرفون عنه النظر، بل أصبح هذا الطبق مع الأعوام يكتسي قدسيّة تفوق أحيانا قدسية الحدث الفعلي وهو مولد الرسول صلى الله عليه. وتتجند في كثير من الأحيان الدولة لتوفير، "الزقوقو" (الصنوبر الحلبي) في الأسواق وهو المادة الأساسية المكونة لطبق الحلويات المشهود، والتي تقفز أسعارها كالعادة مع اقتراب موعد الاحتفالات. ليس هذا فحسب وإنما تتفنن العائلات المترفة في إدخال عادات استهلاكية جديدة بنفس المناسبة باستعمال فواكه جافة أخرى كثيرا ما تكون أغلى ثمنا. وليت الأمر يقف عند بعض العائلات، وإنما سرعان ما تنتقل الموضة الى البقية وتتحول الى عبارة عن قانون يسري على الجميع وويله من يحافظ على العادات الاحتفالية البسيطة. سيشار إليه بالبنان وربما تندلع أزمة داخل العائلة بسبب ذلك.

وقد لا يحتاج الاحتفال برأس السنة الهجرية الى تكاليف كثيرة لكنه يظل مرتبطا بدوره بالاستهلاك وبأكلات معينة. وبما أننا شعب خلاق، فإننا نجد دائما من يبدع ويمكن ان يخرج علينا بتقاليع جديدة قد تتحول سريعا الى عادات يتبعها الجميع.

وربما، لا نبالغ عندما نقول إن أعيادنا تكاد تكون بلا طعم رغم المغالاة في الإنفاق ورغم توفر أصناف عديدة من الأطعمة والحلويات الفاخرة، لأن الأصل في الأشياء ليس الإنفاق والإسراف في ذلك. وكل شيء يحيد عن هدفه يفقد طعمه. وواضح أن هناك خللا ما في طرق احتفالاتنا بأعيادنا يجعلنا نخشى أن ننسى مع الوقت لماذا نحتفل أصلا، لسبب بسيط وهو التركيز الكلي على الشكل على حساب جوهر الحدث.

والأكيد أن المشكل ليس في الأعياد في حد ذاتها لأنها تظل مناسبة للفرحة وطبعا لإحياء مشاعر الانتماء الوطني وإذكاء شعلة الإيمان، وإنما المشكل هو في أسلوبنا في الاحتفالات التي تبقى مادية بحتة واستهلاكية صرفة وذلك على حساب الجوهر، والمضمون، والهدف والرمزية.

حياة السايب