إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مدير مجلس الجيوبوليتيك بباريس خطار أبو دياب في حوار لـ"الصباح": صعود اليمين المتطرف يعني أن المحرك اﻷلماني الفرنسي للاتحاد الأوروبي سيصاب بعطل

تونس-الصباح

قال الأستاذ المحاضر في العلاقات الدولية بجامعة باريس بفرنسا، خطار أبو دياب، إن عدم اهتمام أوروبا بـ"مداها الجيواستراتيجي سيترك آثاره" السلبية على سياساتها، وخصوصا على التحولات الإستراتيجية في العالم. وأضاف أبو دياب، وهو مدير مجلس الجيوبوليتيك بباريس، في حوار لـ"الصباح، أن المدى الجيواستراتيجي لأوروبا يجب أن يكون في الشرق اﻷوسط والبحر المتوسط وإفريقيا.

وأكد أبو دياب، أن صعود تيار اليمين المتطرف بهذه القوة في أوروبا، لن يسهل مهمة "التحول في أوروبا".

أجرى الحوار: نزار مقني

*كيف تقرأ نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي خصوصا مع صعود التيار اليميني المتطرف في دول غرب أوروبا ودول وسط أوروبا مثل النمسا وتراجعه في دول أخرى مثل دول شمال أوروبا؟

انتخابات البرلمان الأوروبي هي العاشرة (أول انتخابات كانت سنة 1979)، وقد تميزت بانتخاب عدد أكبر من البرلمانيين وعددهم 720 نائبا، من 27 بلدا. وهناك تنوع من حيث الأحزاب والتيارات السياسية والفكرية التي شاركت في هذه الانتخابات، وكما جاء في سؤالك، فإن النتائج جاءت متناقضة، كان هناك صعود لافت لأقصى اليمين في غرب أوروبا، ولكن كان هناك تراجع لهذا التيار في شمال أوروبا وجنوب المتوسط وكل هذا يدلل على هذا التفاوت والتنوع.

وبالرغم من هذا الصعود مازال اليمين التقليدي هو اﻷول في أوروبا، ومازال هو القوة المؤيدة للقارة العجوز، إلى جانب اليسار التقليدي والخضر والليبراليين، وهؤلاء يشكلون اﻷكثرية في البرلمان الأوروبي، وربما تصل هذه الأغلبية إلى حوالي 500 صوت من أصل 720، لذلك لا توجد إشكالية بشأن تركيبة البرلمان الأوروبي، والأرجح أن رئيسة المفوضية اﻷوروبية سيتم التجديد لها.

*هي تسعى لتشكيل تحالف من أحزاب الوسط في البرلمان الأوروبي؟

نعم، هي تسعى لذلك من أحزاب الوسط والليبراليين والخضر، وكل من يؤيد الفكرة اﻷوروبية وله نهج معين في القضايا اﻷوروبية.

*لكن صعود التيار اليميني المتطرف وخاصة في دولة مثل فرنسا، قد يشكل أزمات سياسية داخل الدول الغربية للاتحاد الأوروبي؟

هذا الصعود سيؤثر على الاتحاد الأوروبي، فمن ناحية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيكون في موقع سياسي ضعيف حيث أن قاعدة تمثيليته قد تقلصت، وأيضا المستشار اﻷلماني أولاف شولتز -وألمانيا هي البلد اﻷول في الاتحاد الأوروبي- سيأتي إلى بروكسيل في القمة اﻷوروبية القادمة وقد تقلص دوره من أن حزبه الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا لم يعد الحزب الثاني، بل إن حزب التيار المتطرف "البديل من أجل ألمانيا" حل محله كقوة سياسية ثانية. وكل هذا يعني أن المحرك اﻷلماني الفرنسي للاتحاد الأوروبي سيصاب بعطل، لم يعد قادرا على تحريك الاتحاد الأوروبي بحيوية كما من قبل، وهذا سيكون له أثره على رسم سياسات عمل ومنهجية اتخاذ القرارات في مؤسسات الاتحاد الأوروبي.

*نجد أن من بين الدول التي دعمت صعود اليمين المتطرف ذي الأجندة والخطاب الشعبوي، روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين ليستطيع تمرير إستراتيجيته الجيوسياسية في أوروبا، حيث أن له علاقات قوية مع زعماء اليمين المتطرف في أوروبا، فكيف سينعكس صعود التيار اليميني المتطرف على العلاقات بين دول أوروبا وروسيا؟

كما أن هناك دول أوروبية تتدخل أو تهتم بالشأن الروسي، مثل اهتمامها بقضية موت نافانلي (المعارض الروسي لبوتين ألكسندر نافانلي الذي توفي في السجن في روسيا في فيفري الماضي)، روسيا تهتم بالوضع الأوروبي، وهذا طبيعي في إطار اللعبة السياسية، لكن علينا أن نخفف من الأمور، فميلوني (رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني وهي زعيمة حزب "أخوة إيطاليا" المحسوب على التيار اليميني المتطرف)، لما وصلت للسلطة ظن بعضهم أنها ستتطلع نحو روسيا والصين، ومع الوقت تبين أنها "قولبت" ضمن القالب الأوروبي، وفي فرنسا فإن بارديلا (رئيس حزب التجمع الوطني الفرنسي المحسوب على اليمين المتطرف) كان اﻷول مع حزبه من صوت في البرلمان الأوروبي على كل المساعدات اﻷوروبية لأوكرانيا، وهو غير لوبان (ماري لوبان زعيمة حزب التجمع الوطني ومرشحته السابقة للانتخابات الرئاسية الفرنسية).

المسألة نسبية وتتعلق خاصة بالمصالح الوطنية لكل دولة، فمثلا لماذا رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان يدافع عن روسيا؟ لأن الاقتصاد المجري مازال يحتاج الى روسيا، وخاصة للغاز الروسي وتستورد المجر 80 بالمائة منه من روسيا، وهي بذلك في حالة تبعية طاقية لموسكو.

نعم ربما سيكون لصعود التيار اليميني المتطرف أثره على الصعيد الأوروبي، لأنه إجمالا ضد مبدأ الانخراط في الحرب على أوكرانيا وهذا سيؤثر على الزخم والاندفاع الأوروبي في دعم أوكرانيا.

*من ناحية أخرى نجد أن من ضمن الملفات الحارقة اليوم والتي بنى عليها اليمين المتطرف خطابه السياسي والانتخابي، ما يتعلق بملف الهجرة وسياسات اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي، فهل أن هذا الصعود سيلقي بظلاله على أجندة الاتحاد الأوروبي للمرحلة القادمة، وأن يفرض اليمين المتطرف خياراته ضد سياسات الهجرة واللجوء في الفضاء الأوروبي؟

قبل أن يصعد هذا التيار السياسي المتطرف، ويحقق أرقاما في انتخابات الدول اﻷوروبية، كان اليمين وحتى البعض من أحزاب اليسار يستعير أفكار أقصى اليمين ويطبقها بخصوص ملف الهجرة.

في هذا الموضوع ربما توجد مزايدة، فمثلا جماعة التجمع الوطني في فرنسا يطرحون مسألة "الحدود المزدوجة" لزيادة الرقابة على الهجرة، لكن عند صياغة القوانين المتعلقة بالهجرة الكل كان متشددا، وفي هذا الملف الفوارق تصبح بسيطة بين هؤلاء وبين اليمين التقليدي.

البعض اليوم يفكر في بناء جدار مثل جدار برلين في البحر اﻷبيض المتوسط، والمشكلة الأساسية أن أوروبا لم تعد مثل الماضي واحة ازدهار قادرة على استيعاب المهاجرين، ولكن هناك مبالغة في بعض الأحيان، في منع وصول مهاجرين، وهناك ضغط بدأ أيضا على اللجوء، وهنا اتضح سقوط منظومة القيم اﻷوروبية عندما تم التمييز بين لاجئ آت من أوكرانيا ولاجئ آخر من الشرق اﻷوسط.

* هل تجد أن حاجة أوروبا من الطاقة اليوم بعد الحرب على أوكرانيا، والتخلي عن المصدر الروسي الذي كان يشكل 45 في المائة من صادرات أوروبا قبل فيفري 2022، قد يجعل أوروبا في حاجة لدول الجنوب للتزود بالطاقة، وهو ما قد يدفع إلى حالة من التنازع والصراع السياسي داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي؟

بالفعل هذا موجود. هناك إشكالات حول موقع أوروبا العالمي، نتيجة أن الاتحاد الأوروبي بقي سوقا اقتصادية حرة وقطبا اقتصاديا، ولم يتحول إلى قطب سياسي، أو استراتيجي، وهو سياسيا يتبع الولايات المتحدة الأمريكية، ويتبع المنظومة الأمريكية.

من حيث الطاقة لم تكن له استراتيجيات موحدة ومتناغمة، فعندما داهمته حرب أوكرانيا كان يعتمد على أكثر من 45 في المائة من الغاز الروسي، وحتى اللحظة مازال يعتمد على 15 في المائة ولذلك الآن يجددون الأساليب، مثل إنشاء مرافئ الغاز المسال، ولكن هذا يمثل خطة الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تريد منع تدفقات الغاز الروسي عبر أنابيب سيل الغاز الشمالي (عبر بحر البلطيق) والجنوبي (عبر تركيا)، وأرادت استبدال ذلك بالغاز المتأتي من واشنطن ونجحت في هذه الخطة، والآن أوروبا تتطلع لتحسين وضعها، ربما المناخ المعتدل الذي عشناه هذا العام خفف من أزمة الطاقة، ولكن هذا لا يعني أن أوروبا ليست بحاجة لطاقة آتية من الخليج أو من الجزائر أو من نيجيريا ومن أجل كل ذلك، وحتى من أجل تمددها الجيواستراتيجي، وكمثال فلقد استفادت ألمانيا من نهاية الحرب الباردة وسمحت لأوروبا بالتمدد نحو الشرق.

ولكن عدم اهتمامها بالجنوب سيترك آثاره، فالمدى الجيواستراتيجي لأوروبا يجب أن يكون في الشرق اﻷوسط والبحر اﻷبيض المتوسط وإفريقيا.

* هل تقصد هنا علاقة "المركز" بـ"اﻷطراف"؟

لا يعني "مدى إستراتيجي مثل دول المغرب العربي، على سبيل المثال، التي مداها الاستراتيجي هو أوروبا والمشرق العربي. ما أعنيه، هو أن أوروبا مقصرة تجاه هذا المدى الاستراتيجي، حيث نشاهد اليوم الاختراق الكبير لروسيا والصين في إفريقيا، ونرى كذلك صعودا لقوى إقليمية، مثل صعود دول منظومة "بريكس". وبالطبع وصول أقصى اليمين بهذه القوة، لن يسهل مهمة التحول في أوروبا.

مدير مجلس الجيوبوليتيك بباريس خطار أبو دياب في حوار لـ"الصباح":  صعود اليمين المتطرف يعني أن المحرك اﻷلماني الفرنسي للاتحاد الأوروبي سيصاب بعطل

تونس-الصباح

قال الأستاذ المحاضر في العلاقات الدولية بجامعة باريس بفرنسا، خطار أبو دياب، إن عدم اهتمام أوروبا بـ"مداها الجيواستراتيجي سيترك آثاره" السلبية على سياساتها، وخصوصا على التحولات الإستراتيجية في العالم. وأضاف أبو دياب، وهو مدير مجلس الجيوبوليتيك بباريس، في حوار لـ"الصباح، أن المدى الجيواستراتيجي لأوروبا يجب أن يكون في الشرق اﻷوسط والبحر المتوسط وإفريقيا.

وأكد أبو دياب، أن صعود تيار اليمين المتطرف بهذه القوة في أوروبا، لن يسهل مهمة "التحول في أوروبا".

أجرى الحوار: نزار مقني

*كيف تقرأ نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي خصوصا مع صعود التيار اليميني المتطرف في دول غرب أوروبا ودول وسط أوروبا مثل النمسا وتراجعه في دول أخرى مثل دول شمال أوروبا؟

انتخابات البرلمان الأوروبي هي العاشرة (أول انتخابات كانت سنة 1979)، وقد تميزت بانتخاب عدد أكبر من البرلمانيين وعددهم 720 نائبا، من 27 بلدا. وهناك تنوع من حيث الأحزاب والتيارات السياسية والفكرية التي شاركت في هذه الانتخابات، وكما جاء في سؤالك، فإن النتائج جاءت متناقضة، كان هناك صعود لافت لأقصى اليمين في غرب أوروبا، ولكن كان هناك تراجع لهذا التيار في شمال أوروبا وجنوب المتوسط وكل هذا يدلل على هذا التفاوت والتنوع.

وبالرغم من هذا الصعود مازال اليمين التقليدي هو اﻷول في أوروبا، ومازال هو القوة المؤيدة للقارة العجوز، إلى جانب اليسار التقليدي والخضر والليبراليين، وهؤلاء يشكلون اﻷكثرية في البرلمان الأوروبي، وربما تصل هذه الأغلبية إلى حوالي 500 صوت من أصل 720، لذلك لا توجد إشكالية بشأن تركيبة البرلمان الأوروبي، والأرجح أن رئيسة المفوضية اﻷوروبية سيتم التجديد لها.

*هي تسعى لتشكيل تحالف من أحزاب الوسط في البرلمان الأوروبي؟

نعم، هي تسعى لذلك من أحزاب الوسط والليبراليين والخضر، وكل من يؤيد الفكرة اﻷوروبية وله نهج معين في القضايا اﻷوروبية.

*لكن صعود التيار اليميني المتطرف وخاصة في دولة مثل فرنسا، قد يشكل أزمات سياسية داخل الدول الغربية للاتحاد الأوروبي؟

هذا الصعود سيؤثر على الاتحاد الأوروبي، فمن ناحية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيكون في موقع سياسي ضعيف حيث أن قاعدة تمثيليته قد تقلصت، وأيضا المستشار اﻷلماني أولاف شولتز -وألمانيا هي البلد اﻷول في الاتحاد الأوروبي- سيأتي إلى بروكسيل في القمة اﻷوروبية القادمة وقد تقلص دوره من أن حزبه الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا لم يعد الحزب الثاني، بل إن حزب التيار المتطرف "البديل من أجل ألمانيا" حل محله كقوة سياسية ثانية. وكل هذا يعني أن المحرك اﻷلماني الفرنسي للاتحاد الأوروبي سيصاب بعطل، لم يعد قادرا على تحريك الاتحاد الأوروبي بحيوية كما من قبل، وهذا سيكون له أثره على رسم سياسات عمل ومنهجية اتخاذ القرارات في مؤسسات الاتحاد الأوروبي.

*نجد أن من بين الدول التي دعمت صعود اليمين المتطرف ذي الأجندة والخطاب الشعبوي، روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين ليستطيع تمرير إستراتيجيته الجيوسياسية في أوروبا، حيث أن له علاقات قوية مع زعماء اليمين المتطرف في أوروبا، فكيف سينعكس صعود التيار اليميني المتطرف على العلاقات بين دول أوروبا وروسيا؟

كما أن هناك دول أوروبية تتدخل أو تهتم بالشأن الروسي، مثل اهتمامها بقضية موت نافانلي (المعارض الروسي لبوتين ألكسندر نافانلي الذي توفي في السجن في روسيا في فيفري الماضي)، روسيا تهتم بالوضع الأوروبي، وهذا طبيعي في إطار اللعبة السياسية، لكن علينا أن نخفف من الأمور، فميلوني (رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني وهي زعيمة حزب "أخوة إيطاليا" المحسوب على التيار اليميني المتطرف)، لما وصلت للسلطة ظن بعضهم أنها ستتطلع نحو روسيا والصين، ومع الوقت تبين أنها "قولبت" ضمن القالب الأوروبي، وفي فرنسا فإن بارديلا (رئيس حزب التجمع الوطني الفرنسي المحسوب على اليمين المتطرف) كان اﻷول مع حزبه من صوت في البرلمان الأوروبي على كل المساعدات اﻷوروبية لأوكرانيا، وهو غير لوبان (ماري لوبان زعيمة حزب التجمع الوطني ومرشحته السابقة للانتخابات الرئاسية الفرنسية).

المسألة نسبية وتتعلق خاصة بالمصالح الوطنية لكل دولة، فمثلا لماذا رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان يدافع عن روسيا؟ لأن الاقتصاد المجري مازال يحتاج الى روسيا، وخاصة للغاز الروسي وتستورد المجر 80 بالمائة منه من روسيا، وهي بذلك في حالة تبعية طاقية لموسكو.

نعم ربما سيكون لصعود التيار اليميني المتطرف أثره على الصعيد الأوروبي، لأنه إجمالا ضد مبدأ الانخراط في الحرب على أوكرانيا وهذا سيؤثر على الزخم والاندفاع الأوروبي في دعم أوكرانيا.

*من ناحية أخرى نجد أن من ضمن الملفات الحارقة اليوم والتي بنى عليها اليمين المتطرف خطابه السياسي والانتخابي، ما يتعلق بملف الهجرة وسياسات اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي، فهل أن هذا الصعود سيلقي بظلاله على أجندة الاتحاد الأوروبي للمرحلة القادمة، وأن يفرض اليمين المتطرف خياراته ضد سياسات الهجرة واللجوء في الفضاء الأوروبي؟

قبل أن يصعد هذا التيار السياسي المتطرف، ويحقق أرقاما في انتخابات الدول اﻷوروبية، كان اليمين وحتى البعض من أحزاب اليسار يستعير أفكار أقصى اليمين ويطبقها بخصوص ملف الهجرة.

في هذا الموضوع ربما توجد مزايدة، فمثلا جماعة التجمع الوطني في فرنسا يطرحون مسألة "الحدود المزدوجة" لزيادة الرقابة على الهجرة، لكن عند صياغة القوانين المتعلقة بالهجرة الكل كان متشددا، وفي هذا الملف الفوارق تصبح بسيطة بين هؤلاء وبين اليمين التقليدي.

البعض اليوم يفكر في بناء جدار مثل جدار برلين في البحر اﻷبيض المتوسط، والمشكلة الأساسية أن أوروبا لم تعد مثل الماضي واحة ازدهار قادرة على استيعاب المهاجرين، ولكن هناك مبالغة في بعض الأحيان، في منع وصول مهاجرين، وهناك ضغط بدأ أيضا على اللجوء، وهنا اتضح سقوط منظومة القيم اﻷوروبية عندما تم التمييز بين لاجئ آت من أوكرانيا ولاجئ آخر من الشرق اﻷوسط.

* هل تجد أن حاجة أوروبا من الطاقة اليوم بعد الحرب على أوكرانيا، والتخلي عن المصدر الروسي الذي كان يشكل 45 في المائة من صادرات أوروبا قبل فيفري 2022، قد يجعل أوروبا في حاجة لدول الجنوب للتزود بالطاقة، وهو ما قد يدفع إلى حالة من التنازع والصراع السياسي داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي؟

بالفعل هذا موجود. هناك إشكالات حول موقع أوروبا العالمي، نتيجة أن الاتحاد الأوروبي بقي سوقا اقتصادية حرة وقطبا اقتصاديا، ولم يتحول إلى قطب سياسي، أو استراتيجي، وهو سياسيا يتبع الولايات المتحدة الأمريكية، ويتبع المنظومة الأمريكية.

من حيث الطاقة لم تكن له استراتيجيات موحدة ومتناغمة، فعندما داهمته حرب أوكرانيا كان يعتمد على أكثر من 45 في المائة من الغاز الروسي، وحتى اللحظة مازال يعتمد على 15 في المائة ولذلك الآن يجددون الأساليب، مثل إنشاء مرافئ الغاز المسال، ولكن هذا يمثل خطة الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تريد منع تدفقات الغاز الروسي عبر أنابيب سيل الغاز الشمالي (عبر بحر البلطيق) والجنوبي (عبر تركيا)، وأرادت استبدال ذلك بالغاز المتأتي من واشنطن ونجحت في هذه الخطة، والآن أوروبا تتطلع لتحسين وضعها، ربما المناخ المعتدل الذي عشناه هذا العام خفف من أزمة الطاقة، ولكن هذا لا يعني أن أوروبا ليست بحاجة لطاقة آتية من الخليج أو من الجزائر أو من نيجيريا ومن أجل كل ذلك، وحتى من أجل تمددها الجيواستراتيجي، وكمثال فلقد استفادت ألمانيا من نهاية الحرب الباردة وسمحت لأوروبا بالتمدد نحو الشرق.

ولكن عدم اهتمامها بالجنوب سيترك آثاره، فالمدى الجيواستراتيجي لأوروبا يجب أن يكون في الشرق اﻷوسط والبحر اﻷبيض المتوسط وإفريقيا.

* هل تقصد هنا علاقة "المركز" بـ"اﻷطراف"؟

لا يعني "مدى إستراتيجي مثل دول المغرب العربي، على سبيل المثال، التي مداها الاستراتيجي هو أوروبا والمشرق العربي. ما أعنيه، هو أن أوروبا مقصرة تجاه هذا المدى الاستراتيجي، حيث نشاهد اليوم الاختراق الكبير لروسيا والصين في إفريقيا، ونرى كذلك صعودا لقوى إقليمية، مثل صعود دول منظومة "بريكس". وبالطبع وصول أقصى اليمين بهذه القوة، لن يسهل مهمة التحول في أوروبا.