لا تتلاءم معدلات الأسعار المتداولة في الآونة الأخيرة، مع مستوى دخل التونسيين وقدرتهم الشرائية. ففي الوقت الذي يستقر فيه متوسط أجر التونسي في حدود الـ 924 دينارا، ويحدد المعهد الوطني للإحصاء معدل أجر الموظف التونسي في القطاع العمومي 1387 دينارا، تصل معدلات أسعار الأضاحي إلى ما فوق الألف دينار وتعرف أسعار الغلال أثمانا خيالية وغير مسبوقة يصل فيها الخوخ إلى 10 دنانير للكلغ الواحد، وحب الملوك لـ 40 و60 دينارا.. كما تأبى أسعار الخضر التعديل رغم أننا في قلب موسم إنتاج البطاطا ونتجه نحو بداية موسم الطماطم والفلفل..
وبلغة الأرقام وباحتساب الانزلاق السنوي لشهر ماي 2024 المعلن مؤخرا من قبل المعهد الوطني للإحصاء، سجلت مجموعة الغذاء ارتفاعا بنسبة9.7%، ويعود ذلك بالأساس إلى ارتفاع أسعار القهوة بنسبة 35% وأسعار لحم الضأن بنسبة 27,8% وأسعار الزيوت الغذائية بنسبة 21,9% وأسعار التوابل بنسبة 16,6% وأسعار لحم البقر بنسبة 15,7%.
كما شهدت أسعار المواد المصنعة لشهر ماي 2024 ارتفاعا بنسبة 7% باحتساب الانزلاق السنوي، ويعود ذلك بالأساس إلى ارتفاع أسعار الملابس والأحذية بنسبة 9,5% وأسعار مواد التنظيف بنسبة 8,8%، في ذات السياق شهدت أسعار الخدمات ارتفاعا بنسبة 5,5% ويعزى ذلك بالأساس إلى ارتفاع أسعار خدمات المطاعم والمقاهي والنزل بنسبة 10,2%.
في نفس الوقت عرفت أسعار المواد الحرة ارتفاعا بنسبة 8% مقابل 6,4% بالنسبة للمواد المؤطرة، مع العلم أن نسبة الانزلاق السنوي للمواد الغذائية الحرة بلغت 10,6% مقابل 3,6% بالنسبة للمواد الغذائية المؤطرة.
ويؤكد محسن حسن الخبير الاقتصادي ووزير التجارة الأسبق، في حديثه لـ"الصباح" أن الهوة بين التضخم ومستوى الأجور بصدد الاتساع.
ويعود ذلك حسب تشخيصه إلى أسباب خارجية بالأساس أين سجلت أسعار المواد الغذائية والمحروقات ارتفاعا عالميا بعد أزمة الكوفيد والحرب الروسية الأوكرانية. ومن الطبيعي أن يكون لهذا الارتفاع الخارجي انعكاسا على أسعارنا في الداخل.
وترافق هذا الارتفاع للأسعار حسب محسن حسن مع تسجيل نقص في العرض مقارنة بالطلب، وضعف في مسالك التوزيع واعتماد البنك المركزي لسياسة نقدية -في السنوات الأخيرة - كان لها تأثيرات على مستوى القدرة الشرائية للتونسيين والتونسيات.
ولترميم المقدرة الشرائية، يقول الخبير الاقتصادي أن هناك الطرح العادي وهو التوجه نحو الترفيع في الأجور، لكنه ليس الحل الأنسب لأن ارتفاع الأجور إذا لم يكن مصحوبا بارتفاع في الإنتاج والإنتاجية (خلق الثروة) سيؤدي إلى مزيد من التضخم ويكون للزيادة في الأجور مفعول عكسي وهو مزيد تدهور المقدرة الشرائية. ويشير محسن حسن إلى انه اتجاه اعتمدته حكومات ما بعد الثروة أين قامت بزيادات غير مدروسة في الأجور وغير مصاحبة بخلق ثروة وكانت النتيجة مزيدا من التدهور في المقدرة الشرائية.
أما الحل الثاني والذي يعتبر وزيرة التجار الأسبق أنه الأفضل، فهو التوجه نحو دفع الإنتاج والإنتاجية وخلق الثروة. ففي منوال اقتصادي عادل أي زيادة في الأجور، يجب أن يصاحبها زيادة في الإنتاج، وثروة تخلق ثم توزع على مختلف المتدخلين من إجراء وأصحاب مؤسسات وغيرهم..
ويضيف محدثنا أن ردم الهوة بين القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار، يكون عبر تنويع للعرض. فلا يمكن أن نحسّن من المقدرة الشرائية ويشهد السوق تعديلا في الأسعار، دون أن يعرف إنتاجنا الفلاحي والصناعي تنوعا وحالة من الوفرة بما يتطلبه ذلك من تغيير وتطوير في المنظومات.
وينبه محسن حسن إلى أن موازنة العرض والطلب وتعديل الأسعار يجب أن يترافق أولا مع عنصر التحكم في المستورد ومطلوب فيه أن يقوم البنك المركزي بالحفاظ على سعر تداول الدينار وفي نفس الوقت تعمل الحكومة على الحد من توريد المواد الاستهلاكية، ثم ثانيا العمل على تأهيل مسالك التوزيع وتطوير المراقبة الاقتصادية.
وتختلف قراءة لطفي الرياحي رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك عن الخبير الوزير السابق محسن حسن، أين يعتبر أن سلة الغذاء مترابطة لا يمكن فيها الفصل بين مختلف عناصرها، وارتفاع سعر جزء منها، اللحوم الحمراء مثلا، يؤدي تلقائيا إلى ارتفاع بقية المكونات.
ويقول أن المنظمة قد نبهت منذ فترة إلى تداعيات ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء واستشرفت هذا الارتفاع المسجل في أثمان الخضر والغلال وعدوى الزيادات في الأسعار.
ويرى أن الأسعار في الأسواق التونسية لا تحتكم إلى ثنائية العرض والطلب، هذه الموازنة التي يمكن تكون صالحة في سوق تتوفر داخله منافسة شريفة وسوق معتدل ومسالك التوزيع داخله معروفة ومراقبة لا تحتكم للاحتكار والمضاربة كما يقع في أسواقنا اليوم.
ريم سوودي
تونس -الصباح
لا تتلاءم معدلات الأسعار المتداولة في الآونة الأخيرة، مع مستوى دخل التونسيين وقدرتهم الشرائية. ففي الوقت الذي يستقر فيه متوسط أجر التونسي في حدود الـ 924 دينارا، ويحدد المعهد الوطني للإحصاء معدل أجر الموظف التونسي في القطاع العمومي 1387 دينارا، تصل معدلات أسعار الأضاحي إلى ما فوق الألف دينار وتعرف أسعار الغلال أثمانا خيالية وغير مسبوقة يصل فيها الخوخ إلى 10 دنانير للكلغ الواحد، وحب الملوك لـ 40 و60 دينارا.. كما تأبى أسعار الخضر التعديل رغم أننا في قلب موسم إنتاج البطاطا ونتجه نحو بداية موسم الطماطم والفلفل..
وبلغة الأرقام وباحتساب الانزلاق السنوي لشهر ماي 2024 المعلن مؤخرا من قبل المعهد الوطني للإحصاء، سجلت مجموعة الغذاء ارتفاعا بنسبة9.7%، ويعود ذلك بالأساس إلى ارتفاع أسعار القهوة بنسبة 35% وأسعار لحم الضأن بنسبة 27,8% وأسعار الزيوت الغذائية بنسبة 21,9% وأسعار التوابل بنسبة 16,6% وأسعار لحم البقر بنسبة 15,7%.
كما شهدت أسعار المواد المصنعة لشهر ماي 2024 ارتفاعا بنسبة 7% باحتساب الانزلاق السنوي، ويعود ذلك بالأساس إلى ارتفاع أسعار الملابس والأحذية بنسبة 9,5% وأسعار مواد التنظيف بنسبة 8,8%، في ذات السياق شهدت أسعار الخدمات ارتفاعا بنسبة 5,5% ويعزى ذلك بالأساس إلى ارتفاع أسعار خدمات المطاعم والمقاهي والنزل بنسبة 10,2%.
في نفس الوقت عرفت أسعار المواد الحرة ارتفاعا بنسبة 8% مقابل 6,4% بالنسبة للمواد المؤطرة، مع العلم أن نسبة الانزلاق السنوي للمواد الغذائية الحرة بلغت 10,6% مقابل 3,6% بالنسبة للمواد الغذائية المؤطرة.
ويؤكد محسن حسن الخبير الاقتصادي ووزير التجارة الأسبق، في حديثه لـ"الصباح" أن الهوة بين التضخم ومستوى الأجور بصدد الاتساع.
ويعود ذلك حسب تشخيصه إلى أسباب خارجية بالأساس أين سجلت أسعار المواد الغذائية والمحروقات ارتفاعا عالميا بعد أزمة الكوفيد والحرب الروسية الأوكرانية. ومن الطبيعي أن يكون لهذا الارتفاع الخارجي انعكاسا على أسعارنا في الداخل.
وترافق هذا الارتفاع للأسعار حسب محسن حسن مع تسجيل نقص في العرض مقارنة بالطلب، وضعف في مسالك التوزيع واعتماد البنك المركزي لسياسة نقدية -في السنوات الأخيرة - كان لها تأثيرات على مستوى القدرة الشرائية للتونسيين والتونسيات.
ولترميم المقدرة الشرائية، يقول الخبير الاقتصادي أن هناك الطرح العادي وهو التوجه نحو الترفيع في الأجور، لكنه ليس الحل الأنسب لأن ارتفاع الأجور إذا لم يكن مصحوبا بارتفاع في الإنتاج والإنتاجية (خلق الثروة) سيؤدي إلى مزيد من التضخم ويكون للزيادة في الأجور مفعول عكسي وهو مزيد تدهور المقدرة الشرائية. ويشير محسن حسن إلى انه اتجاه اعتمدته حكومات ما بعد الثروة أين قامت بزيادات غير مدروسة في الأجور وغير مصاحبة بخلق ثروة وكانت النتيجة مزيدا من التدهور في المقدرة الشرائية.
أما الحل الثاني والذي يعتبر وزيرة التجار الأسبق أنه الأفضل، فهو التوجه نحو دفع الإنتاج والإنتاجية وخلق الثروة. ففي منوال اقتصادي عادل أي زيادة في الأجور، يجب أن يصاحبها زيادة في الإنتاج، وثروة تخلق ثم توزع على مختلف المتدخلين من إجراء وأصحاب مؤسسات وغيرهم..
ويضيف محدثنا أن ردم الهوة بين القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار، يكون عبر تنويع للعرض. فلا يمكن أن نحسّن من المقدرة الشرائية ويشهد السوق تعديلا في الأسعار، دون أن يعرف إنتاجنا الفلاحي والصناعي تنوعا وحالة من الوفرة بما يتطلبه ذلك من تغيير وتطوير في المنظومات.
وينبه محسن حسن إلى أن موازنة العرض والطلب وتعديل الأسعار يجب أن يترافق أولا مع عنصر التحكم في المستورد ومطلوب فيه أن يقوم البنك المركزي بالحفاظ على سعر تداول الدينار وفي نفس الوقت تعمل الحكومة على الحد من توريد المواد الاستهلاكية، ثم ثانيا العمل على تأهيل مسالك التوزيع وتطوير المراقبة الاقتصادية.
وتختلف قراءة لطفي الرياحي رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك عن الخبير الوزير السابق محسن حسن، أين يعتبر أن سلة الغذاء مترابطة لا يمكن فيها الفصل بين مختلف عناصرها، وارتفاع سعر جزء منها، اللحوم الحمراء مثلا، يؤدي تلقائيا إلى ارتفاع بقية المكونات.
ويقول أن المنظمة قد نبهت منذ فترة إلى تداعيات ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء واستشرفت هذا الارتفاع المسجل في أثمان الخضر والغلال وعدوى الزيادات في الأسعار.
ويرى أن الأسعار في الأسواق التونسية لا تحتكم إلى ثنائية العرض والطلب، هذه الموازنة التي يمكن تكون صالحة في سوق تتوفر داخله منافسة شريفة وسوق معتدل ومسالك التوزيع داخله معروفة ومراقبة لا تحتكم للاحتكار والمضاربة كما يقع في أسواقنا اليوم.